الأربعاء، 13 مايو 2009

فيلم "سبعة أرطال": الحياة على حافة خيط رفيع





سبع عطايا من شخص واحد


يمكننا ان نعود الى مسرحية شكسبير الشهيرة "تاجر البندقية"

لنلتمس منها خيطا صغيرايقربنا الى هذا الفيلم "سبعة أرطال" لمخرجه

الايطالى غابيريل ماسينو فى ثانى تجربة له علىصعيد الافلام الامريكية،

بعد تجارب ايطالية محلية.‏

كل من قرأ هذه المسرحية الشهيرة يعلم بأن المرابي شايلوك قد طلب رطلا من

لحم المدينانطونيو فى حال عدم دفع المال فى الأجل المحدد، وبالفعل كان

شايلوك يريد ذلك، لولا أن لاح فىالأفق خبر من أراد أن يتدخل، بصرف النظر

عن مجىء السفن أو عدم مجيئها.‏

فى هذا الفيلم سارت الأمور على العكس تماما، اذ ليس هناك من يدفع أو يطالب

بالانتقامتعويضا، بل هناك من يقدم أرطال من اللحم للآخرين، تعبيريا عن

المساعدة وبديلا عن الأخذبالعطاء.‏


خيط رقيق:-‏

ربما كان الخيط دقيقا، غير أنه من الوضوح بحيث يصبح موضوعا دراميا بديلا.

لكن وفى جميعالأحوال لا تأتى المساعدة عشوائية وبلا تبرير درامى واضح

والشخصيات لابد لها أن تترك وفقبواعث معينة، ولهذا وجدنا "بورشيا" فى

مسرحية شكسبير تتنكر فى شخصية المحامى لتنقذ منساعد خطيبها، وتدافع عنه

دفاعا بليغا وقانونيا وتنقذه فى اللحظات الاخيرة.‏

فى هذا الفيلم "سبعة أرطال" هناك حوافز وبواعث، ليست عاطفية صريحة، ولكنها

متعلقةبتساؤلات حول الموت والوجود والتكفير عن الخطيئة، وقبل كل شىء

البحث عن فداء النفسوالتضحية من أجل الآخرين.‏

شخصية واحدة: -‏

كما هى عادته فى أفلامه الأخيرة يضع الممثل "وليام سميث" نفسه فى اطار

الشخصية الواحدة،المهيمنة تقريبا على كل الفيلم، وهذه الشخصية قد تكررت

معه فى فيلمه السابق "هانكوك ‏‏2008" رغم الاختلافات الظاهرة فى تكوين

الشخصية، وكذلك فى فيلم "أنا اسطورة 2007". ايضافى فيلم "على 2001" وفى

فيلم "اسطورة باقرفيت 2006".

كما يذكر أن للممثل فيلما اخرجهنفس المخرج "غابيريل ماسينو" وكان بعنوان

"ملاحقة السعادة" انتاج 2006 واحداثهمتقاربة لموضوع هذا الفيلم "سبعة

أرطال" بل يمكن اعتبارها مقدمة لهذا الفيلم.‏

من أين يمكننا أن نبدأ؟ وكيف يمكننا أن نصل الى النهاية؟

يصيبك هذا الفيلم بالحيرة، اذ يوشك نصفه تقريبا أن ينتهى، بلا امكانية

لالتقاط أى معنىواضح. ان الشخصية الرئيسية "بين توماس" تتحرك وهى تعرف

لماذا تفعل ما تفعل! غير أنالمشاهد المتابع للفيلم لا يمكنه أن يدرك ذلك،

حيث لا توجد معلومات مطروحة لها طابع تمهيديكما يحدث فى أكثر الأفلام.‏

فى أول مشاهد الفيلم نجد رجلا مثقلا بالألم والمعاناة، يتصل بالاسعاف،

مبلغا عن جريمة انتحاروسوف تقع، وعندما يسأل عن المجنى عليه يقول بأنه هو

الضحية. لكن "السياق لا يكمل الحدثويقفز الى مشاهد أخرى متداخلة، لا توضح

المقاصد بل تزيدها ارباكا.‏

خارج الكادر:-‏

فى مشهد آخر يأتى الصوت من خارج الكادر: لقد خلق الله العالم فى سبعة أيام

وانا أخربعالمي فى سبع ثوانى، هذا ما يقوله بين توماس. نعم ربما كانت

المشاهد التالية هى التفسيرلمثل هذه المقولة، لكن رغم ذلك فالفيلم يحافظ

على سريته، فلا يفصح عن شىء إلا مع مرورالزمن، وهو غير متسرع فى الكشف عن

خفاياه. وفى هذا الصدد، ربما لا يبالى بالمتفرج ولا يكاديهمه أمره.‏

كما نعرف، يقول لنا كتاب السيناريو. بأن على الفيلم أن يقدم شيئا ما خلال

الربعالساعة الاولى ليورط المتفرج معه. غير أن هذا الفيلم لا يقدم لنا

شيئا مهما كان واضحا حتىبعد ساعة كاملة من الاحداث، وبالطبع بنية الفيلم

تقوم على عدم الوضوح أو الخفاءالمتدرج.‏

انتحال شخصية:-‏

فى مشهد معين وفى منتصف الفيلم تقريبا، يطلب الأخ من أخيه أن يرد له بطاقة

الهوية التىاخفها منه أو بالاحرى سرقها منه، وفى مشهد سابق يسأل الأخ

الصغير لاخيه "بين" إذ كنت قدأخذت منى شيئا فيرد عليه بأنه يتذكر ما

اعطاه فقط، وبالفعل فقد كانت عطية الأخ "بين" ‏كبيرة، لأنه تبرع بجزء من

رئته لمصلحة اخيه المريض بالسرطان.‏

رغم ذلك، نشعر بالشك بأن "بين توماس" يعمل فى مصلحة الضرائب، ولا ندرك انه

ينتحل شخصيةاخيه إلا متأخرا. هناك تعدد واضح فى اختيار اماكن التصوير،

وهذا التنوع أسهم فى تحريكالحدث الرئيسي الساكن، حيث يجد المشاهد نفسه

أمام ممارسة تحليلية وليس مجرد تطور فىالأحداث.‏

يدخل "بين" أحدى المستشفيات والتى يعمل بها "ستيورات" ويطلب من عجوز مريضة

أن توضح ماتريد، فتكتب له على ورقة، مقدار تدمرها من الطبيب سيتوارت

ويجدها تطلب حماما فقطفيأمر بذلك.‏

ليس لبين أية علاقة بالمستشفى، لكنه يتحاور مع ستيورات حول احدى العظام

التى يمكن أنيتبرع بها. وهو يريد أن يعرف هل يستحق ستيورات هذا التقدير

وهل هو رجل جيد أم سىء. ‏هناك شىء من السذاجة والتبسيط، لكنه أمر مقبول.‏

قائمة مختارة:-‏

يتجه الفيلم الى شىء من السطحية النسبية، ويتضح أن "بين توماس" سوف يقوم

بالتبرعبأجزاء من جسده لبعض المعارف، وعليه ان يدرك مسبقا هل هم يستحقون

ذلك أم لا.‏

سوف نجد فى بداية الفيلم استعراض القائمة من الافراد، على شاشة الحاسوب،

ومن هؤلاء ‏‏"أزرا" الرجل الأعمى الذى يعزف الموسيقى، وربما يعمل ممثلا أو

وكيلا لاحدى شركات توزيعالأغذية، يلفت ازرا الانتباه، بسبب تمثيل "وودى

هاريسون" المتقن، وعندما يتصل به "بينتوماس" يكتشف بأنه أعمى فيحمل على

اهانته والسخرية منه ويبالغ فى ذلك، لكن الرجل لايهتم بكل ذلك ويحافظ على

شخصيته الهادئة، ولذلك ينال اعجاب بين وبالتالى يضعه فى القائمةالرئيسية.‏

يتكرر معنا هنا "الرقم سبعة" ايضا، فنحن ازاء سبعة أفراد تشملهم قائمة

واحدة، ويعمل ‏‏"بين" على الاتصال بهم، واحيانا التعرف عليهم، والسبب يرجع

الى أنهم قائمة من المرضى، وكلمريض يحتاج الى علاج لا يتأتى الا بالتبرع

بأحد الأطراف، لذلك قلنا بأن شخصية "بين توماس" ‏تمثل التضحية أو الفداء.

لإنه يقدم نفسه قربانا من أجل الآخرين، وهذه الازمة المتكررة فىالسينما

تتداخل دائما مع فكرة المسيح، الذى قدم جسده فداءا لشرور الآخرين.‏

شخصية مختلفة:-‏

فى مشهد آخر يزور "بين توماس" امرأة تدعى هولي ويطالبها بتسمية شخص ما

يستحق المساعدة،وهو بالطبع يثق فيها وفى اختياراتها المؤكدة، وبالفعل

تسمى له امرأة من امريكااللاتينية تدعى "كونى" تعيش مع طفليها، وهى تتلقى

الضرب والاهانة من صديقها الذى يعيشمعها.

ولأن "بين توماس" قد نذر نفسه من أجل خدعة الآخرين، يقترح عليها المساعدة،

على أنتتصل به عندما ترى الوقت مناسبا. ورغم انها ترفض فى البداية بسبب

الخوف، إلا أنها تتصلبه، حيث يهديها أورق ملكية بيته المطل على البحر

لتسكن فيه، بينما يستقر هو فى أحدالفنادق المتواضعة ولفترة محدودة.‏

لم يتمسك "بين توماس" الا بقنديل البحر وهى السمكة التى اهداها له والده

منذ سنواتطويلة محفوظة فى اناء زجاجى، به ماء فيتجدد باستمرار.‏

ولابد للمشاهد المتابع ان يدرك مبدئيا بأن هذه النوعية من السمك مسمومة

وشهيرة بعضتهاالقاتلة، لقد نقل هذه السمكة معه الى الفندق المتواضع لأمر

معين يدبره لنفسه.‏

شخصية رئيسية: -‏

هناك شخصية رئيسية يحرض بين على متابعة حركاتها وسكانتها، وهو ينتحل شخصية

أخيه لغرضالاقتراب منها، وفعلا يظهر لها بأنه على دراية بحسابها

الضرائيبي، وما يجب ان تدفعه الى جهازالضرائب. انها شخصية "أميلى" الفتاة

التى تعيش بقلب مضطرب وقد قدر لها الأطباء أن تموتخلال شهر أو أقل وهى

تحتاج الى الدم باستمرار ودمها من فصلية نادرة.‏

تقوم بدور اميلى الممثلة "روزا توماس" ليمنحها عطية من عطياه، وهبة يرى

انها تستحقهاعن جدارة. فى هذا الصدد يبدوا بين" شخصية شادة ونادرة وغريبة.‏

لكن "بين توماس" يقع فى حب هذه الفتاة، بعد ان حاول الانصراف عنها اكثر من

مرة.

ثم نجدهيقدم لها يد المساعدة بشكل عام ايضا. إنه يزيل الاعشاب الزائدة من

حديقتها ويحاول أنيصلح لها آلة طباعة قديمة وينجح فى ذلك.‏

كما يختار السيناريو أن يركز على الكلب كبير الحجم الذى اختارته ليكون معها

باستمرار،وقد كان وسيلة تواصل بين الشخصين فى أكثر من مرة.‏

عاطفة خاصة:-‏

أن الفتاة اميلى تعمل فى طباعة بطاقات الافراح والتهانى وغيرها، وربما شعرت

بأن الغريبالذى يلاحقها، لا يمكنه أن يكون محاسب ضرائب، وحتى بعد أن

عرفته جيدا وعرفت انه مهندسطيران، لم يدر بخلدها انه ينوى أن يقدم لها

هدية خاصة لا تقدر بثمن.‏

بين الحين والآخر يعود الفيلم الى الماضى، فى بلاش باك سريع وخاطف، احيانا

يكون بين "بينتوماس وخطيبته". واحيانا يكون مجرد تصوير لبقايا حادث سيارة

ومريع، ومع اقتراب الفيلممن نهايته يتضح الموقف أكثر.‏

يبدو الفيلم رومانسيا أحيانا، وخصوصا عند تصويره للعلاقة بين "أميلى وبين

توماس" ويتضحذلك فى الاعتماد على الاغانى الشعبية القديمة، لكنه الخط

الدرامى لا يستمر طويلا فى هذاالاتجاه، ولاسيما وأن الشخصية الرئيسية

تتحرك بحوافز ذاتية ونفسية وتقودها فكرة ذهنيةتسلطية، لا سبيل الى

التراجع عنها أو الهروب منها.‏

نهاية محيرة: -‏

تفسر لقطات الفلاش باك بعض ما هو مهم، فبسبب استخدامه للهاتف المحمول يتعرض

"بين" وهويقود سيارته الصغيرة وبجوار، خطيبته، الى حادث خطير يكون هو

السبب المباشر فيه، ويؤدى الىقتل ستة اشخاص فى حافلة صغيرة، بالاضافة الى

خطيبته، وهو أمر يدفعه الى الشعور بالذنبويدفعه الى التكفير عن خطايا

بطريقة عاجلة، ويقرر أن يهب نفسه لمساعدة الآخرين، بل يمضىالى أبعد من

ذلك، فيمنح سبعة اسخاص أجزاء من جسده، بتنازل قانونى وشرعى.

لقد منح مثلاأحد المهربين للعبة الهوكى كلية واحدة، ومنح أخاه جزءا من

الرئة ومنح جزءا من الكبدلهولى واعطى نيكول قطعة من العظام. اما ازرا فقد

أوصى له بقرنية واوصى بقلبه للفتاةالتى احبها وهى اميلى.‏

نعم لحظة انتحار فى النهاية بواسطة قنديل البحر المسموم، وهناك بعض

المبالغة فى تصويرالشخصية، لكن يبقى الفيلم من نوعية مختلفة ونادرة لا

تتكرر كثيرا فى أسواق السينماالتجارية.‏

ليست هناك تعليقات: