بين الحين والآخر نعود الى بعض الافلام المنتجة حديثا فى مصر،
ولاسيما تلك التى يقدمها مخرجوم جدد، فيما يعرف بالتجربة الأولى المخرج.
ان هذه الافلام تعد الواجهة الحقيقية للانتاج الفعلى، فما هى إلا سنوات
قليلة، حتى يسيطر جيل جديد على السينما، ويتراجع الجيل السابق قليلا، كما
حدث مع جيل الثمانينات والذى ينتظر لسنوات طويلة من أجل تنفيذ عمل سينمائى
واحد.
فى عقود سابقة، بدأت مع نشأة وتطور السينما فى مصر. كانت أجيال المخرجين
تستفيد من بعضها كثيرا، وكان تداخل وتشابك بين الاجيال، جيل الخبرة
والحرفة وجيل التعليم الجامعى العالى، الجيل الذى تعلم السينما داخل
الاستوديو وفى الداخل، والجيل الذى تعلمها فى الخارج.
متغيرات كثيرة:-
لكن يمكن القول بأن هناك متغيرات كثيرة قد عصفت بكل تلك المبادىء والقواعد،
ومن ذلك التطور فى الآلة السينمائية نفسها، واستخدام التقنيات الحديثة فى
التصوير والمونتاج، وتراجع استخدام الألة التقليدية المعقدة على الفنان
اولا واخيرا.
لقد صار العمل ويميل نحو الاعتماد على التقنية وتطورها، فضلا عن المتغيرات
الجديدة التى اصابت الذوق العام، فصار الجمهور أميل الى حب التسلية
السريعة. وما السينما إلا صورة من صور الامتاع، مع وجود التلفزيون وتنوعه
ووجود شبكة المعلومات فضلا عن تراجع دور السينما.
نعم هناك متغيرات حاسمة أوجدت جيلا جديدا من المخرجين، ليس له علاقة
بالمخرجين السابقين، فلم يتعلم على ايدى هؤلاء القدامى إلا نفر قليل من
المخرجين او التقنيين.
وهذا ما ينطبق على الجميع، حتى يمكن القول بأن هناك خطوط كبيرة تفصل بين
الاجيال، وربما لهذا السبب كانت السينما المنتجة حاليا مختلفة، بكل
سلبياتها وايجابياتها.
المشهد السينمائى:-
فى قراءة للمشهد السينمائى داخل مصر، سوف نجد أن اسماء مثل على بدرخان أو
محمد خان أو خيرى بشارة، لا تعمل إلا فى القليل النادر وهذا ما ينطبق على
داوود عبد السيد ومنير راضى أو محمد راضى ومحمد عبد العزيز.
واذا كان هناك استثناء فهو ذلك الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، كما حدث مع
المخرج محمد خان ومجدى محمد على وربما المخرج محمد النجار الذى حاول تجاوز
بعض العقبات ولكن مع المراهنة على الجانب السلبي، أو على الأقل الاقتراب من
السينما الخفيفة دون غيرها.
من هذا المدخل يمكن أن نتحدث عن بعض سلبيات التجربة الأولى للمخرج، فمع كل
التقدم الذى سبقت الاشارة إليه، والذى رافق تطور صناعة السينما فى مصر،
إلا أن هناك بعض المشكلات مازالت قائمة، ولا يمكن أن نشير الى مفهوم
القطيعة بين الاجيال فى هذا الجانب، لأن الأمر مرتبط بجوانب أدبية وثقافية
لابد أن توضع فى الاعتبار.
اننا نسمى جوهر المشكلة بكتابة السيناريو ونلحقها بعملية ادارة الممثل،
ايضا التنفيذ التقنى للمشاهد، فضلا عن مستوى الحوار المكتوب واختيارات
أخرى لها علاقة بالموسيقى والمؤثرات السمعية والبصرية وكذلك الاغانى
المرافقة للفيلم.
عوامل ضعف:-
إن كل تلك الملحوظات تقترن بعوامل ضعف واضحة تتسرب الى الافلام المنتجة
حديثا فى مصر ولاسيما من المخرجين الشباب، اصحاب التجارب الأولى، أغلبهم
وليسوا كلهم.
يمكننا أن نختار نموذجا لذلك ونقصد بذلك فيلم "لحظات أنوثة 2008" لمخرجه
مؤنس الشوربجي، ولا نقصد التركيز على الجانب السلبي للفليم، فهو تجربة
أولى للمخرج وهناك أفلام أقل مستوى من هذا الفيلم.
لكن الاختيار يتحدد فقط فى أن هذا الفيلم يعد النموذج للفيلم الذى يفكر
فيه صناع السينما حاليا، على مستوى الانتاج والتوزيع وهو مقابل للفيلم
الكوميدى، فمتى اختفى الفيلم الكوميدى يمكن أن يحل محله هذا النوع
الميلودرامى، على اعتبار أن أفلام الحركة البديلة تحتاج الى تقنيات
ومصروفات انتاجية كبيرة يصعب توفرها دائما.
حس تجاري: -
ونحن نتحدث عن فيلم "لحظات أنوثة" سنجد أن أول ملاحظة تقترن به تتصل
باختيار العنوان، فهو عنوان جامد يمكن أن ينطبق على عشرات الموضوعات وليس
موضوعا معينا. إذ أن كل الافلام تقريبا تحتوى على لحظات أنوثة، طالما أن
المرأة موجودة إلا فى القليل النادر، ومع أن الظاهر يقول بوجود حس تجارى
يصاحب العنوان وهو مقترن بكلمة أنوثة وما توحى للمتفرج من احاساس مباشرة
لها علاقة بالانثى.
إلا أن اقتران كلمة لحظات بالانوثة توحى ايضا بأن المسألة لا تعدو أن تكون
زمنا عابرا ومحدودا يتواجد طيلة احداث الفيلم، وهو أمر يقترن ايضا بطبيعة
القصة ووجود أكثر من ممثلة، مما يعطى زخما انثويا يكفل توزيع الفيلم
تجاريا، بصرف النظر عن طبيعة الموضوع نفسه. وعنوانين الأفلام العربية بها
الكثير من المشكلات، مما يجعلها صالحة لموضوع مستقل.
وأهم ما يمكن ملاحظة أن الانظار دائما تتجه الى فيلم معين ناجح، فى
محاولة لتقليده وهذا يحدث فى أكثر من فيلم، وما حدث لهذا الفيلم "لحظات
أنوثة" أنه قد انشغل بفيلم آخر معروف وهو "سهر الليالي" فحاول تقليد هذا
الفيلم، مع بعض الاضافات الأخرى البسيطة.
وبالطبع القصص العاطفية والاجتماعية كثيرة، ويمكنها أن تتداخل وتقترب من
بعضها، إلا أن الصور ينبغى أن تكون أوسع وأشمل، والاطار ايضا مختلف
والمعالجة أكثر تنوعا.
فى هذا الفيلم "لحظات أنوثة" محاولة للبحث عن اسم تجارى مصطنع، فالعنوان لا
يعنى شيئا، إلا تدوين بعض الكلمات التى لها علاقة بالانوثة والتى تقولها
احدى الشخصيات النسائية والتى قامت بدورها علاء غانم وهى سلمى
رجل وامرأة:-
فى الفيلم ثنائيات "رجل وامرأة" ومشكلات عاطفية، والعدد تقريبا واحد فى
الفيلمين "سهر الليالي وهنا الفيلم لحظات أنوثة" مع الفارق فى مستوى
المعالجة لصالح الأول، ومع أهمية القول بأن الفيلم الثانى يقدم أحد أفراد
عائلة عشوب المنتج سوف نجد زوجة تدعى منى تدخل فى خلاف مع زوجها وائل،
بدون تحديد واضح لسبب الخلاف، ويصل الأمر الى بيت الطاعة والخلع والطلاق
لنعرف بأن عدم الانجاب هو السبب.
هناك ثنائى آخر وهو أميرة، محمود.. الأولى مطلقة لها ابنة والثانى يعمل
مهندسا، ومثل العامة يبدأ اللقاء بطريقة قديمة، فالمهندس يتراهن مع
اصدقائه على الايقاع بهذه الأرملة، صاحبة استوديو التصوير، ثم يتحول الرهان
الى قصة حب حقيقية.
هنا تتناسخ القصص من بعضها وتعيد السينما تكرار ما سبق أن تجمع فى افلام
قديمة وحديثة.
هناك ثنائى آخر وهو "طارق – ليالى" ويعتمد على مشروع قصة حب بها الكثير من
العوائق غير الواضحة، واحيانا ترجع الى ماضى طارق كما حدث فى فيلم سهر
الليالي ايضا.
هناك ثنائى مختلف، اجتهد الفيلم فى أن يكون مجرد عمل فقط، لأن هناك جانب
عملي مسيطر، والهدف هو الوصول الى منصب مدير شركة، لكن سلمى تتعلق برجل
أكبر منها وتتركه عندما تجده بالصدفة ايضا مع اولاده، رغم انها تعرف عنه
كل شىء.
إنها تعمل على الفوز بما سمي حملة اعلانية لصالح الترويج لمنتجات الشركة،
والمقصود بذلك الثنائى "كمال وسلمى".
من عيوب الفيلم وهى عيوب اختفت لسنوات فى السينما المصرية عامل الصدفة، ففى
هذا الفيلم تأتى الصدفة وكانها أحد أساسيات الفيلم، حتى إن احدى الصديقات
تقرأ مذكرات صديقتها وبدون تمهيد لتكتشف ان هناك علاقة كانت قائمة بين
خطيبها وصديقتها منذ سنوات.
من أغرب الصدف أن تجتمع الاطراف ذات العلاقة فى مطعم عام وأن يسمع الخال
"أشرف" نبيل الهجرسي قصة الرهان بطريق الصدفة وبواسطة سرد القصة فقط من
طاولة مجاورة.
صدف واغنيات:-
هناك صدف أخرى فى الفيلم، وهى صدف تجاوزتها السينما فى مصر، ونستغرب كيف
يمكن العودة اليها من خلال كتابة السيناريو أو الاخراج.
يبدو الارتباك فى الفيلم، من حيث اختيار الشخصيات، والتصنع فى ابراز
الخلافات بين الثنائيات، ولا مانع من وجود مطربة ايضا تغنى داخل الفيلم
وهى شخصية ايضا لها مشكلاتها العاطفية.
ان هذه المطربة "أجفان" تغنى أكثر من اغنية وبطريقة الفيديو كليب، حيث
تتكرر المشاهد احيانا ولا مبرر إلا وجود مجموعة اغانى داخل الفيلم. كما أن
هناك حشر لأغنية ايهاب توفيق فى نهاية الاحداث بلا مبرر واضح.
فإذا فهمنا بان احدى الشخصيات تغنى فعليا، فملا علاقة الاغنية الاخيرة
بالاحداث إلا أن تكون خارجية؟
تنتهى علاقة الطرفين الرئيسيين بالطلاق، ويتم زواج الأرملة بالمهندس. مثل
العادة فى المطار عندما تختار العودة وعدم الهجرة. أما القصة شبه الأساسية
فهى تنتهى بالزواج لأنه لا يوجد مبرر يمنع هذا الزواج.
فيلم يلمع:-
فى هذا السياق فإن الشخصيات كلها من مستوى اقتصادى جيد، فهى تلبس افضل
الملابس وتعمل فى انظف المكاتب، والفيلم مغسول جيدا بأحدث أدوات التنظيف،
وحتى المطاعم والمقاهى وغيرها تظهر نظيفة ورغم الادعاء بالكلام بأن
الاعلان المستهدف انتاجية ينبغى ان يكون شعبيا يصل الى كل طبقات المجتمع
أن الفيلم تدور احداثه فى عالم ضيق جدا مصطنع وغير حقيقى، عالم من الديكور
الملون، فلا تكاد توجد شخصية لها علاقة بالواقع أو تقف عليه. ورغم أن ذلك
قد لا يكون شرطا لانجاح الشخصية، إلا أن كل الشخصيات يمكن اعتبارها غريبة
ولا مكان لها فى الحياة الاجتماعية ولا يمكن أن تصادفها فى طريقك ولو
بالخطاء
حركة ارتباك:-
اما عن التمثيل فهو يميل الى التصنع والارتباك، فلا نكاد نجد إلا اناس
يحفظون أدوارهم ولا يدركون ما يقولون، رغم الجهد المبذول من قبل بعض
الممثلين مثل علاء غانم وحسن الأمام.
ولكن فراغ المشاهد وقلة عدد الشخصيات التى تملأ الاطار بالاضافة الى ندرة
الاحداث المؤثرة، كل ذلك لم يخدم حركة الممثلين، وخصوصا وأن بعض الممثلين
ربما ظهروا لأول مرة، وهذا يعنى المزيد من الارتباك، بما فى ذلك الممثلة
السورية جومانة مراد، والتى لم تتحدد لها شخصية واضحة، فظلت طوال الفيلم
مجرد صورة جميلة وضعت للزخرفة فقط ولاسيما وهى تواجه ارتباك الممثل
ابراهيم يسرى.
ربما كانت شخصية "ملك" والتى قام بها حسن الامام أقرب الى الجمهور، لكنه
كان شخصية مرتبكة ايضا، يجمع بين حقيقة حائرة وخيال مشوش، وهو أمر لا
ينطبق على باقى الشخصيات والتى تشعر احيانا بأنها زائدة.
إن فيلم "لحظات أنوثة" يشعرك بأن السينما فى مصر تعيش على أنساق متباينة
ومختلفة، فيصل مستواها احيانا الى درجة كبيرة من التراجع، وربما كان الأمر
الأسوأ، ذلك التكلف الذى يجعل من السينما مجرد صورة ميتة، لا تنبض
بالحياة، وقصصها مجرد مشروعات خفيفة لا تقنع أحدا، وخصوصا ونحن نعلم بان
الجمهور لم يكد يخرج عن أسر الدراما التلفزيونية، واحيانا له القدرة على
المقارنة والاختيار، وبفعل تطور وسائل ووسائط العرض المختلفة.
ان التجارب الجديدة يمكن أن تتميز بنكهتها المختلفة وطرحها لقضايا فيها
حيوية غير مسبوقة، وهو ما يميز الجديد فعليا. اما إذا كانت هذه التجارب
مجرد تكرار غير متقن لتجارب الماضى، فذلك يعنى أن الجديد قد لا يكون هو
الأفضل..
مباراة غريبة: -
فى بعض الاحيان يصل الفيلم الى درجة غير معقولة من تجاوز المنطق الداخلى،
وعلى سبيل المثال نجد مشهد من أغرب المشاهد، حين يتصور كمال بأن مستشار
الشركة "ملك" قد استغل حضور سلمى الى شقته بطريقة أو باخرى، وبعد حديث
مرتبك بين الشخصيتين، يلتقط كمال سيفا كان معلق أمامه ويبدأ فى مبارزة ملك
فى مباراة كوميدية، ليس لأنها كوميدية فعلا، ولكن لأن الاحداث لا تقود
إليها، والفيلم ليس ساخرا حتى يمكن اضافة مثل هذا المشهد.
وهذا يدخل فى سياق اللعب وعدم تحديد المسؤولية، والذى تجاوز مجرد حضور
شخصية ملك بهذه الصورة الغريبة التى لا يمكن لسيناريو محكم البناء أن
يقبلها كما هى.
ان الفيلم يريد أن يقول بأن ملك هذا الخبير القادم من الخارج له حكمة تجعله
من أقدر المستشارين. لكن الخط الذى رسم له جعله أقرب الى المشعوذ أو رجل
السيرك بتصرفاته وملابسه والنتائج التى توصل إليها.
وهذا ينطبق على معظم الشخصيات والتى تتصرف بلا وعى او منطق معين، ولكن حسب
اللحظة السريعة والفيلم ليس متجنيا فى هذا لأن اختيار عنوان لحظات ليعبر
بها عن المتغيرات اللامنطقية والشخصيات غير المرسومة بدقة!
يستعير الفيلم مطربة لتغنى بعض الاغنيات، وربما نجح فى تقديمها "ميرا"
باعتبارها مطربة ولكن ليست شخصية داخل الفيلم أو ممثلة تقوم بدور من الأدوار.
ان هذا الفيلم "لحظات أنوثة" ليس إلا لحظات من الصور المتنوعة والمتقلبة
وهى صور من الصعب القول بأنها جميلة، رغم ان البوستر يقدم الايحاء بذلك،
لأنه يجمع وجوه نسائية كثيرة للتعويض ولكى يملأ الفراغ. غير أن الفراغ
الحقيقى يصعب التغطية عليه، ولهذا كانت الشخصيات النسائية ومكملاتها من
الرجال مجرد قوالب وليس من لحم ودم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق