"طفل من كابل"
في شوارع كابل، امرأةٌ ترتدي البرقع وتحمل طفلاً على ذراعَيها، تشقّ طريقها وسط
حركة السير الفوضويّة والمتوتّرة، باحثةً عن سيارة أجرة. يحاول السائق القلق
رؤية ملامحها خلف البرقع؛ ثمّ من يأسه يقول لها: "أنتِ ما تزالين ترتدينه، لم
يعُد على الموضة! وهناك إرهابيون يختبئون أحياناً خلف الحجاب"، في حين يتفحّص
كاحلَي المرأة وهي تجلس في السيارة. وبعد لحظات، يكتشف السائق إن الإمرأة قد
تركت الطفل على المقعد الخلفي...
يفتتح مشهد الخوف والالتباس هذا فيلم "طفل كابل" [1 <#nb1>] للمخرج
الأفغاني برماك أكرم. يقول أكرم عن فيلمه "لقد رغبت المشاركة في ولادة
السينما الأفغانية من خلال تناول مسألة الأطفال والنساء، أوّل ضحايا الحرب.
ففي أفغانستان، وحتّى في حالات الاغتصاب أثناء التحارب، تبقى المرأة الضحيّة
عاراً على عائلتها؛ وبعض النساء يتخلَّين عن أطفالهن. يشير الفيلم هكذا عن
طريق الاستعارة إلى المدينة المتروكة على هوادها: إذ أنّ ثلاثين عاماً من
الحرب تعني أكثر من ثلاثين عاماً من التأخّر؛ لأنّ البناء يتطلّب وقتاً أطول من
الهدم".
فمن خلال الكاميرا في كابل المخرّبة، يستعيد الفيلم مسار رضيعٍ نحو التبنّي،
ومأساة الأطفال المتروكين لأنفسهم، في ظروفٍ اقتصادية صعبة، حيث تتحوّل أدنى
الضرورات إلى مسيرة حواجز؛ مثل الحصول على "رضّاعة" بائسة مصنوعة من زجاجة
المياه الغازيّة، وتركيب مصاصّة في رأسها؛ "صنع في كابل"، كما يتهكّم السائق.
جرى تصوير فيلم "طفل كابل" عام 2007 بطاقمٍ من ممثّلين هواة؛ وهو أوّل فيلم
روائي لبرماك أكرم والفيلم الأفغاني الرابع المنتَج منذ 2001، بعد "أسامة"
و"حرب الأفيون" لصديق برماك" ثم "الأرض والرماد" لعتيق رحيمي. وقد شارك هذا
الأخير، الذي نال جائزة "غونكور" الأدبية الفرنسية عام 2008، في كتابة
حوارات الفيلم مع جان كلود كاريير.
يصف الفيلم، بلغةٍ شاعريّة مليئة بالصور المعبّرة، حياة سائق سيارة الأجرة وسط
السوق التقليديّ والمتسوّلين، وحيث يعمل الأولاد الصغار: ماسحي زجاج أو باعة
متجولين... "فلنحتفظ بالرضيع!"، يصرخ الجدّ، "ولنسمّيه موسى!". يجيبه ابنه:
"لكن سيارتي ليست سلّة للحاجيّات!". هكذا يذكّر مشهد الميتم الذي تزوره جمعيّةٌ
فرنسية، بالمصير الذي ينتظر الأطفال. إذ يروي المدير: "لدينا 500 يتيم. تلك
هي مشكلة أفغانستان اليوم: التخلّي عن الأولاد!".
تنفكّ العقدة بفضل إعلانٍ تبثّه إذاعة كابل عن مكافأةٍ مالية لكلٍّ أمٍّ "ممكنة".
تتقدّم عدة نساء ومنهنّ الأم الحقيقية وعمرها 16 عاماً، وهي تشعر بالعار وترفض
بإصرار الإفصاح عن اسم الوالد. في المقابل، ها هي تعطي اسم الطفل: "مسعود".
ويؤكّد المخرج بإصرار: "سأستمرّ في تصوير الأفلام حول الأطفال، لأنّ أكبر
الجرائم ترتكب بحقهم، وهم مرغمون على الصمت. وطالما لا تحلّ مشكلة الأطفال،
فلن تتقدّم أفغانستان".
[1 <#nh1>] طفل كابل" لبرماك أكرم، مع حجي غول وفاليري شاتز، فرنسا، 2008،
ساعة و34 دقيقة، إنتاج أفلام Fidelites، وAX4. نال جائزة حقوق الإنسان عام
2008 في مهرجان "الموسترا" في البندقية، وتمّ تقديمه في المهرجان الحادي عشر
للفيلم الآسيوي في مدينة دوفيل الفرنسية 2009. وبدأ عرض الفيلم في فرنسا في
29 نيسان/إبريل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق