الأربعاء، 17 يونيو 2009

نمس بوند وراء الكوميديا وأمامها



ألعاب يمارسها ممثل واحد


تندرج معظم أفلام الممثل هاني رمزي تحت نوعية واحدة وموحدة تقريبا، ولاسيما

في رحلته الأخيرة، إنه يبدو دائما في مظهر الشخص الذي يميل الى البلاهة،

فيتصرف بغباء في المواقف التي تحدث له، ورغم ذلك نجده في النهاية ناجحا

ومحققا للاهداف التي سعى اليها أو سعت هي إليه.

إنه ايضا أقرب الى شخصية "سيء الحظ والطالع"، فيفسد بيده اليمنى ما تأتي به

يده اليسرى، وهو شخصية مرتبكة ومربكة للآخرين، تسبب الاحراج للاعداء

والاصدقاء في مبالغة، ربما تكون غير مقنعة، لكنها مقصودة.

هو بهذا المستوى قريب من شخصية اسماعيل ياسين، ولكن في جوانب ضيقة، وفي بعض

الاحيان نراه أقرب الى الممثل محمد عوض. كما أن الكثير من الممثلين عكسوا

ذلك، كما في أعمال بيتر سيلر الكوميدي والقليل من أفلام مستر بين.

كانت هذه هي المرحلة الأخيرة، كما قلنا، سبقتها بدايات للممثل هاني رمزي

مسرحية أولا، كما في مسرحيات مثل "الابندا ـ عفروتو" ثم جاءت باقي الافلام

وفي ادوار مساعدة، كما في "صعيدي في الجامعة الامريكية 1998" ثم "اشيك واد

في روكسي ـ 1999"، يلي ذلك فيلم "الحب الأول 2000 ـ وفيلم فرقة بنات وبس".

وكانت البداية الفعلية للممثل في أدوار البطولة من خلال فيلم "جواز بقرار

جمهوري "2001، يلي ذلك فيلم "محامى خلع 2002" وفيلم "عايز حقي 2003".

أفلام متكررة

إن هذه المجموعة من الأفلام الناجحة تجاريا والى حد ما فنيا كانت سببا في

استمرار هذا الممثل ونجاحه، رغم أن باقي الأفلام لم تأت في نفس المستوى،

كما في "كده أوكيه ـ غبي منه فيه ـ السيد أبو العربي وصل ـ ظاظا ورئيس

الجمهورية وأسد وأربع قطط. والحقيقة أن الأفلام الأخيرة هي التى شكلت

نموذجا لشخصية الرجل الغبي التى تتكرر في أفلام الممثل، ربما في ذلك الفيلم

ما قبل الأخير "نمس بوند 2008". أما المسلسلات فقد خرجت عن هذا السياق.

هنا ينبغي أن يشار الى أن الأفلام الكوميدية المقصودة تندرج ايضا ضمن سياق

الكوميديا المتداولة حاليا على مستوى السينما في مصر، حيث نجد الفيلم مكونا

من مجموعة من المشاهد الكوميدية، تزيد أو تنقص حسب الطلب وليس حسب القصة أو

الموضوع وفي الغالب لا يهم تفسير المعنى العام للفيلم، ولا ضرورة لوجود

منطق داخلي به، بل تستمر المشاهد في متواليات تعتمد على ممثل واحد أو

مجموعة ممثلين.

في هذا الفيلم "نمس بوند" يكرر هاني رمزي شخصية "العبيط "ويضعها في مكان لا

يتناسب معها. من خلال سيناريو كتبه طارق عبد الجليل واخرجه أحمد البدري، أي

أن تجتمع شخصية العبيط مع رمز من رموز الفطنة والذكاء والحركة، وهو جيمس

بوند العميل السري المعروف الذي اكتشفه الكاتب ايان فيلمنج وقدم في السينما

لأول مرة من خلال فيلم "دكتورنو" عام 1961.

علاقة شكلية

ان فيلم "نمس بوند" من الأفلام البوليسية الكوميدية، أو يفترض أن يكون

كذلك، وقد سبق للسينما العربية ان اقتربت من هذه الموضوعات، كما في بعض

أفلام فؤاد المهندس، مثل "أخطر رجل في العالم" وكذلك بعض أفلام دريد لحام

مثل "أنا عنتر" وفي الغالب ترتبط هذه الأفلام بالكثير من السذاجة وعدم

الجدية كما توصف بالمبالغة.

ويلاحظ هنا أن الممثل في فيلم "نمس بوند" ليس له علاقة بالاعمال التي يقوم

بها جيمس بوند فعليا، مثل الحركة والمواجهات المتعددة مع الآخرين، ولكن

يبرز التشابه فقط في أن الممثل هاني رمزي معجب بجيمس بوند ويتابع أفلامه،

ومن هنا تأتي العلاقة الشكلية التي ليس لها ما يبررها.

يتماهى الفيلم في جوانبه الشكلية مع أفلام جيمس بوند، ومن ذلك تأثر مقدمة

الفيلم بمشاهد من أفلام جيمس بوند الاصلية، كما في طريقة تعامله مع المسدس

وتجمع الفتيات حوله واستخدام نفس الموسيقى تقريبا، مع اضافة بعض الحركات

المفتعلة من الممثل، وهي حركات لا يمكنها أن تكون مضحكة.

والأهم أن صورة جيمس بوند نقلت عن ممثل آخر قام بأداء هذه الشخصية وهو

الممثل "بيرس بروسناف"، ومن المعروف أن العميل السري 007 قد ارتبط باسم

الممثل "شين كونري" حتى ان هذه الشخصية قد التصقت به تماما.

وتتضح الصورة أكثر عندما نرى أن الفيلم يسعى الى تحقيق النجاح عن طريق

الاتكاء على افلام أخرى وشخصيات أخرى شهيرة، وهو يتوقف امام الاقتراب منها

من الناحية الشكلية فقط وليس من الناحية الدراسية او التقنية ولهذا يتكىء

الفيلم على اسم جيمس بوند لكى ينجح وليس على الموضوع المكتوب.

شخصيات قليلة

يبدأ الفيلم بجلسة تتكون من ثلاث شخصيات يتم فيها الاستماع الى فيديو كليب

جديد يقول منتجه وزوج المطربة نور بأن المطلوب أن يكتسح السوق الغنائى.

لكن زوج المطربة "رأفت" وبعد لحظات قليلة يتم قتله، لتصبح بالتالى قضيته

بوليسية توضع فوق طاولة سيادة العميد ومدير الادارة "أحمد راتب" والذي يقرر

اسناد هذه القضية الى الرائد شريف، مع دهشة المساعد عمار لهذا الاختيار ومن

البداية سوف نجد هذا الرائد في مواقف بعيدة عن المنطق، فهو لا يأبه بأي شخص

إلا تسلية نفسه بأفلام وألعاب جيمس بوند.

سوف نجد شريف "هاني رمزي" في مواقف أخرى يصيب فيها أفراد الشرطة من جماعته،

وربما كان القصد من ذلك اضحاك الجمهور في مشاهد مرتجلة وبسيطة وربما تكون

سطحية تناسب الاطفال الى حد ما، وقد تكون مرفوضة من قبل الأطفال ايضا.

الأمر نفسه ينطبق على طريقة البحث عن الادلة وتكرار الجمل البسيطة والتوصل

الى نتائج بديهية، ولعل تفجير الفيلا التى بها جثة القتيل من أكثر المشاهد

دلالة على سطحية المعالجة والتنفيذ.

لكننا رغم ذلك يمكننا التوقف أمام مسألتين أولهما التركيز على الجنس حتى

أنه يصل الى مستوى الهاجس، ولا نقصد بذلك المشاهد العارية، فهى بعيدة عن

الفيلم، وربما لهذا السبب الرقابي. تم اللجوء الى الجنس فى التعبيرات

والايحاءات.

ففى مشهد معين، وحتى لا ينكشف أمر عازف القيتار، تدخله المطربة نور الى

الحمام معها، وعندما يحاول شريف أن يفسر بعض الاشارات الدالة على وجود شخص

فى الحمام نجده يؤكد على مسائل جنسية أو توصى بذلك، ومن ذلك الفقعات

الهوائية التى يراها فى الماء بين الحين والآخر.

تفسيرات مختلفة

ايضا يفسر وجود قدمين مختلفتين بتفسيرات أخرى، مثل ربط الشعر بنور فى

البداية، للايحاء بوجود المرأة المسترجلة، ثم العكس بعد ذلك، فى مشاهد أخرى

سوف نجده يقبض على سيادة العميد وعندما يسعى لفتح الحديد وتخليص اليدين، لا

يجد المفتاح ويستخدم بدلا من ذلك مسمار يضربه فى يد العميد وهو أمر له

رمزية معينة يتم الكشف عنها لاحقا.

هناك ايضا حديث حول الملابس الداخلية لنور المطربة وحديث حول المايوه الذى

تلبسه بعد موت زوجها، كما أن هناك دخانا يصدر من بنطلون شريف، بعد أن يفجر

نفسه بالكهرباء ويستمر هذا الدخان صادرا عنه وهو يتنقل من مكان الى آخر، و

يهدد نور بأن الدخان سوف يصدر عنها من كل مكان. إنه نفس المشهد تقريبا

عندما نجد شريف فى منزل نور وقد التصق بنطلونه بالكرسى بسبب الصمغ الخاص

بلصق التماثيل، وهو أمر يتكرر مع المساعد عامر ايضا.

فى مشهد آخر يطالب سيادة العميد شريف بأن ينام فى سريره لغرض معين، وعندما

تزوره المرأة الأولى معتقدة بأنه سيادة العميد، يستجيب لها، ثم تزوره

المرأة الثانية ويستجيب لها وفى الحالتين تظن المرأة الأولى والثانية أن

الأمور كما هى الى أن تكتشتفا الحقيقة فى الصباح، مع الاستغراب.

توصف المرأة الثانية بأنها الأهم لأن لها قلب حقيقى وليس مصطنعا، فى مشهد

مجانى يقلب شريف البرتقال بين يديه، ويمد يده فجأة مع عدم التركيز على احدى

الزبونات، حيث لا فرق عنده بين الجميع.

هذا الهوس بالجنس لا يتم تدعيمه إلا ببعض المشاهد القليلة للممثلة دولى

شاهين وهى تعبث مع شريف داخل بحيرة السباحة.

لذلك صار الحديث عن الجنس هو التعويض الذى لجأ اليه الفيلم، وهو أمر تكرر

كثيرا فى الأفلام المنتجة أخيرا.

تعبيرات وايحاءات

المسألة الثانية التى يمكن الحديث عنها فى هذا الفيلم تتعلق باختيار مسؤول

أمنى كبير وتوريطه فى عمليات مشبوهة والقبض عليه فى النهاية. ربما المرة

الأولى التى نجد فيها أحد ضباط الشرطة الكبار متهما بتهريب التماثيل وعقد

الصفقات المالية الكبيرة والتخلص من بعض الزعامات، بل وشراء بعض المجرمين

لغرض التخلص من الخصوم، وهو ما لاحظناه فى نهاية الفيلم، عندما يتم القبض

على عميد الشرطة بحضور المحافظ نفسه بعد اتهامه بالضلوع فى القتل وعمليات

التهريب وتقديم المعلومات الخاطئة. كما ان لهذا الضابط المشبوه علاقات

نسائية كثيرة.

هناك ايضا اشارات الى ما يستخدم من وسائل تعذيب لنزع الاعترافات بالقوة،

ولكن الرائد شريف، ويقدمه الفيلم على أنه شريف فعلا ـ يستخدم الكهرباء ضد

نفسه مما يجعله يفرز دخانا بشكل مستمر.

ان التعبيرات الجنسية والايحاءات كثيرة وأكثر منها ذلك الارتجال المتعمد

الذى لا يخلو من سذاجة لاستدراج المجرم "أبو رحاب" ثم قتله للتخلص منه، لا

يعتمد الفيلم على قصة واضحة المعالم، فحتى آخر لحظة وعندما ينتهى الفيلم لا

نكاد نفهم الكيفية التى جمعت بها القضية، فالمهم أن المطربة نور قد ظهرت

بريئة، وهى التى أحبها بطل الفيلم منذ البداية.

فى الفيلم شخصيات اضافية، لكن الدائرة التى تدور فيها الأحداث محدودة الى

أبعد الحدود، أما من التمثيل فإن أحمد راتب يكرر نفسه باستمرار فى دور

العميد وهو ما نجده ايضا عند الممثل طارق لبيب، أما هانى رمزى فهو يسير على

نفس المنوال ولم يساعده جسده على الحركة الرشيقة، رغم وجود بعض الاغانى

التى تصوره وهو فى حالة تدريب مستمر. إن الفيلم لا يعتمد على قصة واضحة

ومتطورة ولذلك جاء تكرار المشاهد هو الأصل فى كل شىء.

حضور وغياب

تبدو المطربة دوللى شاهين متسرعة ولاسيما فى النطق، وحضورها فى الشكل يغطى

بعض النواقص، إلا أنها لم تظهر بوضوح لافت، إلا اذا اعتبرنا تعاملها البارد

مع بعض المشاهد اشارة ايجابية.

من جانب آخر يقودنا هذا البطل فى النهاية الى الخاتمة الايجابية، فهو يصل

الى الحقيقة رغم الغباء الظاهر عليه، وهو ايضا عاشق، وفحل ومخلص فى وطنيته

مثل العادة.

ان الفيلم هو استمرار لما سبقت الاشارة اليه من لعب على الكلمات، فالعنوان

نمس بوند هو تحريف لجيمس بوند، والناظر صلاح الدين هو تحريف للناصر صلاح

الدين وفول الصين العظيم هو تحريف لسور الصين العظيم وعلي الطرب بالثلاثة

هو تحريف لعلي الطلاق بالثلاثة وبقية الافلام أكثر مما يمكن أن تعد.

سوف نجد فى الفيلم جرعة تجارية، لكن الاخراج غائب تماما، فها هو المخرج

أحمد البدري يسير على نفس المنوال السابق، ويقدم أفلاما من شاكلة لخمه

حبيبى نائما، على وزن الفيلم المعروف حبيبى دائما، وهو يقدم ايضا غاوى رأس

وحب وانا مش معاهم وعليا الطرب بالثلاثة ودكتور سيلكون، ولا مجال للافتراض

بأن النتائج ستكون أفضل فى أفلام لاحقة، فالدائرة التى يتم التحرك بها ضيقة

الى أبعد الحدود، ليس على مستوى التنفيذ الفني، ولكن على مستوى اختيار

الموضوعات وطريقة معالجتها ايضا بل وطريقة كتابة السيناريو.

ما يمكن الاشارة اليه هو أن الهواجس التجارية تلعب دورا مهما يطغى على

مجريات الشريط بما فى ذلك هاجس الجنس، حيث المعالجة الضيقة للموضوع تجعله

أقرب الى اللعبة والتى تصنع بالكلام وحده فى أكثر الاحيان الضعيفة والباهتة

فقد حشد الفيلم بأكبر كمية من الكلام على حساب الصورة .

ليست هناك تعليقات: