السبت، 24 يناير 2009

مختارات -- قراءات فى كتب سينمائية






السينما في حوض المتوسط

تأليف :محمد بن صلاح


مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور محمد بن صلاح المجاز من المعهد العالي لعلوم

الإرسال في بروكسل، والذي حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة مونبلييه وعمل

مساعداً لعديد من السينمائيين الفرنسيين ليقوم بعدها بالتدريس في جامعة

وهران وليصبح عضواً في المجلس الأعلى للسمعيات البصريات في الجزائر.

لقد قام «بن صلاح» بإخراج أفلام قصيرة وطويلة منها «لازم لازم» عام 1970

و«هؤلاء وأولئك» عام 1972، كما قدم عدة مساهمات فكرية وبوجه خاص: الذاكرة

السمعية البصرية والسينمائية (2000)، والعولمة والاتصال (2002)، تصور

الجزائر في السينما قبل عام 1954.

يبدأ الكاتب بالقول إننا أمام عصر جديد من الاتصال حيث إن الصورة والصوت

يشكلان جسراً ضرورياً للاتصال بين الأفراد والمجتمعات وبين الماضي والحاضر.

إلا أن الشركات المتعددة الجنسية والصناعات الثقافية التي تنتجها أصبحت

تهدد الهويات الوطنية للشعوب.

والأمر كذلك فإن بلدان الجنوب المتوسطي تتعرض لأخطار بالغة نتيجة هذه

الصناعات الأمر الذي يدعو إلى البحث عن تلاقي السياسات السينمائية والسمعية

ـ البصرية فيها والتعاون بين هذه البلدان وبلدان الشمال المتوسطي لا على

قاعدة استعمار العقول .

وإنما على الاعتراف وتثمين الهويات الثقافية للجميع.فبالرغم من الحوار الذي

جرى بين الجنوب والشمال المتوسطي عام 1995 في مؤتمر برشلونة، فإن قرارات

هذا المؤتمر مازالت موضوعة على الرف بحيث إن الديمقراطية الإعلامية لا تتم

إلا على مستوى أوروبي وكفى

.

وهكذا فإن منطقة البحر المتوسط التي كانت فضاء لجميع التيارات، منشرخة في

الحقيقة إلى شاطئ شمالي وجنوبي، إلى غرب وشرق، إلى إسلام ومسيحية، في وضع

من أن أجهزة الإعلام السائدة تنفث العداء للأجنبي، والخوف من الآخر،

والابتعاد عن المختلف.

إنه لم يكن هناك من تفاوت كبير بين البلدان المحيطة بالمتوسط كما هو الأمر

اليوم. لقد أصبح هذا التفاوت هوة كبيرة تعززها الفضائيات الإعلامية الحديثة

التي لا تبحث عن التواصل الحقيقي بين هذه البلدان بقدر ما ترسخ التباعد

فيما بينها.

والواقع أن الدخول الهائل واللامنظم لـ «قيم ثقافية» تنتجها الصناعات

الثقافية التكنولوجية وذلك إلى بلدان الجنوب المتوسطي والتي يعيشها فتور

ثقافي والتي مازال التواصل الشفوي يطبعها إنما يزيد من اضطرابها وخوفها.

هذه الحقائق كلها تتطلب يقظة كبيرة لتلافي انحسار الثقافات الأخرى لبلدان

الجنوب المتوسطي، وهذا لا يمكن أن يتم من وجهة نظر الكاتب إلا إذا تخلت

«ثقافة الأقوياء» من عدائيتها ونزعتها للهيمنة والسيادة على غيرها من بقية

الثقافات.

هكذا لابد من إحلال دينامية جديدة، علاقات واستراتيجيات اتصالية وتواصلية،

بين شطري المتوسط بما يتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية، وهذا يعني بوجه

آخر الحاجة الملحة لإقامة دولة حق في بلدان الجنوب المتوسطي لتأمين شروط

الإبداع الفكري والفني، وصيانة التعددية والهويات الوطنية.

ويتساءل الكاتب: هل السينما وسيلة اتصال للتعاون أم لا؟ فلقد كانت السينما

خلال قرن الوسيلة الشعبية التي غيرت علاقتنا مع البشر ومع العالم. وطريقة

تفكيرنا ونمط حياتنا. ولكن السينما هي أيضاً منتج من منتجات الفكر، وهي

تعبير عن هوية وأداة بث مخيالي يجد مورده في الواقع وفي التاريخ الفردي

والجماعي.

ففي البداية أصبح أولئك الذين كانوا يهتمون بعادات وثقافات الشعوب

سينمائيين، وكانت أبحاثهم تدور حول الآخر المختلف ولكن بالحكم عليه من خلال

معاييرهم وذلك كنماذج معرفية ومرجعية.

والأعمال التي تم إنتاجها في الفترة الاستعمارية على المستوى السينمائي لم

تساهم في الاتصال والتعاون بقدر ما خلقت بأفكارها الجاهزة ونظرتها

الاستعلائية متخيلاً جماعياً حول «الأسود» و«العربي» و«الآسيوي» و«الهندي».

والأمر زاد حدة في أن الصور السينمائية لم تعد مجرد إبصار لما هو قائم بقدر

ما أنها تحولت إلى تأويل له.

واليوم فإن الأفلام تخبر وتشرح وتنشر الأفكار. إنها أداة أساسية للاتصال

والتعاون الثقافي ولم تعد مجرد أداة إبصار أو تأويل حسب المعايير

الاستعمارية القديمة.

هكذا فإن الأفلام الكلاسيكية المتعلقة بالتعبيرية الألمانية، أو بالسينما

السوفييتية، أو بالواقعية الجديدة الإيطالية أو بالمدرسة الفرنسية، أو

بالسينما الجديدة البرازيلية مازالت تحرك مشاعر أجيال من المشاهدين وتقيم

اتصالاً فيما بينهم بالرغم من الزمن الذي مر عليها والمسافات الجغرافية

القائمة بين البشر.


والقضية بالنسبة للبلدان المتوسطية لا تتعلق اليوم بما تعانيه اجتماعيا أو

بالنزاعات والتوترات فيما بينها بقدر ما تتعلق بمجال واحد من مناخ جذاب،

وترابط تاريخي وقيم سلم وتعاون فيما بينها والاعتراف بهوياتها الثقافية

التي تشكل غنى لها وللإنسانية جميعاً.

فالتبادل ظل قائماً باستمرار داخل هذا المجال عبر موجات الهجرة المختلفة

وعبر البلاغات التي ينسجها المدى الإعلامي والاقتصادي فيه. ومع ذلك فهناك

أمور كثيرة لابد من مواجهتها وانجازها.لابد من القول إن كل سينما في بلدان

المتوسط تملك ميزاتها الخاصة بها والتي تكشف لأول وهلة أنه لا يوجد إلا ما

يفرق بينها.

صحيح أن المواضيع والتقنيات مختلفة وأن الأذواق ليست واحدة، لكنها مطبوعة

بالدور المسيطر للفرد فيها، وتأثير فنون الرسم والتصوير عليها، ونزوعها نحو

المشجاة العاطفية (الميلودراما) ونفوذ تقليد المشافهة فيها وحبها للحركات

الانفعالية المسرحية واستخدام الإشارة الواضح في التعبير.. إلخ.

هناك أيضاً الجسور القائمة بين محبي السينما المتوسطية، خاصة مع المهرجانات

السينمائية التي تُقام في البلدان المتوسطية والتي تشكل ملتقيات ثقافية

تواصلية ومع الدور الذي تأخذه المفوضية الأوروبية في إنتاج وتوزيع أفلام

الشمال المتوسطي في الجزء الجنوبي النظير له.

وتشجيعها على عرض أفلام هذا الجزء الجنوبي في أوروبا. مع هذا لا بد من

القول إن الجنوب المتوسطي الذي لا يمتلك بنى تحتية سينمائية ولا وسائل

تكنولوجية حديثة ملائمة يخاف من هذا التعاون خشية السيطرة عليه.

والعالم أصبح اليوم أحادي القطب يزيد بذلك من هذه الخشية لأن الصناعات

الثقافية العالمية تخترق الجميع وتقدم صورة سلبية بوجه خاص عن العرب وعن

الإسلام وتحاول قولبة العقول طبعاً لأغراضها السياسية والثقافية والاستراتيجية.

هكذا فإن التحدي كبير جداً بالنسبة لبلدان الجنوب المتوسطي، فلقد كان لا بد

من نصف قرن حتى تستطيع هذه البلدان أن تساهم في الإنتاج السينمائي، ولا

يوجد اليوم من بلد يستطيع بمفرده أن يواجه تلك الصناعات الضخمة الكاسحة، من

هنا اضطر الأوروبيون إلى الاتحاد فيما بينهم لتطبيق سياسة مشتركة في ما

يتعلق بالسينما

.

وبالسمعيات ـ البصريات، في حين ان المتوسطيين الجنوبيين يواجهون التحدي

المطروح عليهم بشكل منقسم ومتشرذم ومن دون رؤية ولا منظور واضحين في واحد

من القطاعات الاستراتيجية المهمة اليوم، نقصد السينما والسمعيات ـ

البصريات. فمن دون التضافر ومن دون سياسة طموحة في الإنتاج والتوزيع

والتمويل، فإن سينما الجنوب المتوسطي مهددة وستكون سراباً.

وإذا كان صحيحاً أن أفلاماً إبداعية تجد طريقها إلى النور كما الأمر بالنسبة

للسينما السورية واللبنانية والفلسطينية والمصرية والمغربية، فإن هذا لا

يمكن استمراره في عصر التطورات العالمية السريعة ووقائع العولمة الدولية.

كما ان هناك تحديات أخرى مطروحة على سينما الجنوب المتوسطي، ألا وهي بوجه

خاص: المحرمات السياسية والاجتماعية والدينية، في الوقت الذي تتقلص فيه

مصادر التمويل وينظر إلى المخرجين السينمائيين وكأنهم يهددون النظم

الاجتماعية أو السياسية أو التقاليد القائمة. هذا ما يجعل العديد منهم يأخذ

عصا ترحال «الأدمغة المهاجرة» للإقامة في البلدان الغربية.

ويتعرض الكاتب إلى وضعية الأفلام في البلاد العربية، حيث ان معظم هذه

الأفلام تدور حول الحرب والعنف والجرائم والظلم والتقاليد البالية. وإذا

كان جلها يتميز بنوع من الانتماء والالتزام ذي السمة السياسية النقدية،

فهناك سينمائيون يستخدمون الفن السابع بشكل أكثر مهارة ودقة على عكس

الأفلام السياسية.

هذه هي حالة الفيلم الفلسطيني «المشيئة الربانية» لإيليا سليمان وفيلم

«زواج رنى» لهاني أبو أسعد واللذين يعرضان قصة حب على خلفية حرب واضطهاد

وهذه هي حالة فيلم «خارج الحياة» لمارون بغدادي اللبناني.

وفي مصر، فإن السينما تجلب الجمهور إليها أكثر من أية وسيلة اتصالية عصرية

أخرى، حيث تتميز أفلام يوسف شاهين بمعالجتها للبؤس، والنظام البوليسي،

والانسداد الثقافي.

وبوجه عام فإن الأجيال الجديدة السينمائية في البلاد العربية وإن كانت تعبر

عن قدرة إبداعية، فإنها لا تملك حرية التعبير الضروري لها والتي يشكل

غيابها إفقاراً لها بل وقضاء عليها.

أما السينما المغربية فإنها لا توجد في الواقع بسبب تقليص الحريات بالضبط

في المغرب، وإن كانت هذه السينما قد أخرجت بعض الأفلام الممتازة مثل فيلم

«أمير الشارع» لنبيل عيوش.

وبعد انطلاقة ملحوظة في تونس، فإن السينمائيين يبطئون في إنتاجهم بسبب

التعطيل البيروقراطي والضغوطات السياسية ونقص الأموال، بحيث أصبح هذا عقبة

يصعب تجاوزها.

وفي الجزائر، تمت بداية مشجعة بعد الاستقلال، إلا أنه انطلاقاً من عام 1990،

تم حل النقابة السينمائية وإتلاف الصالات ومغادرة أكثر السينمائيين إلى

الخارج، ولم تستطع «يمينة شويخ» أن تخرج فيلمها «رشيدة» الذي يدور حول

الإرهاب إلا بأموال أوروبية.

والمفارقة هنا أن سينما المهجر الجزائري قد عرفت نمواً مع فيلم «شاي النعنع»

لعبدالكريم بهلول ومع أفلام النقد الجذري للمجتمع الجزائري ومؤسساته

الموروثة وعلى رأسها فيلم «ذاكرة مهاجرين».

ما هو الحل أمام هذا الواقع المكتئب؟ يرى المؤلف باختصار الأمور التالية:

1ـ ضرورة اعتبار التنوُّع والاختلاف الثقافي قيمة أساسية للمجال المتوسطي.

2ـ الوصول إلى نظرة مشتركة لأوروبا والغرب والبلدان العربية المشرقية على

أن تعترف وتضطلع بلدان الجنوب المتوسطي بمسؤولياتها الذاتية في التباخر

السينمائي.

3ـ إقامة شبكات ومؤسسات من الاتصال والتبادل في ميدان الصناعات الثقافية

على مستوى المجال المتوسطي بأكمله.

4ـ نشر الثقافة السينمائية والإعلامية لكافة مستويات التعليم في بلدان

الجنوب المتوسطي.

5ـ العمل الضروري على إنتاج مشترك في السمعيات ـ البصريات وفي الفن السابع

وتوزيعه في كل البلدان المتوسطية لمواجهة الإنتاج والتأثير الثقافي

الأنجلوـ ساكسوني.

إن مسؤولية وسائل الإعلام المختلفة، صحافة وتلفزة وإذاعة ومجلات قائمة هي

في خلق المجال المتوسطي وفتح مرحلة من التبادل الثقافي ومن التعايش الثقافي

ومن التنمية الثقافية. ذلك أن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الشمال

والجنوب المتوسطي سيبقى مبتوراً وكسيحاً إذا لم يتوسطه العمل والإنتاج

الثقافي كرافعة أساسية للحوار والسلام والاستقرار والتواصل.


الكتاب: السينما في حوض المتوسط

الناشر: إيديسود ـ باريس 2005

الصفحات: 118 صفحة من القطع المتوسط

CINEMA

ENMEDIT ERRANEE

MOHAMED BENSALAH

البيان

ليست هناك تعليقات: