الاثنين، 26 يناير 2009

اقتصاديات السينما -- قراءة فى كتاب



اقتصاد السينما

تأليف :بيير غرا


ألف هذا الكتاب «بييرغرا» المجاز في الصحافة والذي يدرس اقتصاد السينما في

جامعة باريس ـ الثالثة، ويعمل في الحقل الصحافي منذ فترة طويلة، وفي

«مجموعة الأبحاث حول اقتصاد السينما والبصريات والسمعيات». إن إقامة «غرا»

في عدد من بلدان أميركا اللاتينية وآسيا وجنوب أوروبا، أعطته خبرة واسعة،

ومكنته من المساهمة في نشر العديد من المقالات وإصدار جملة من المؤلفات ومن

بينها بوجه خاص:

وسائل الإعلام والمواطنون في المدينة ـ أميركا دون تأشيرة «تحقيقات صحافية

حول أميركا اللاتينية» ـ ذاكرات المدن ـ تكملة رومانية الخ. تشكل السينما

جزءاً من الحياة اليومية بحيث أصبحت أمراً مشتركاً يتقاسمه الجميع، ولكن مسألة

الاقتصاد السينمائي لم تكن تأخذ في الماضي الاهتمام نفسه اليوم. فوسائل

الإعلام تنشر كل أسبوع تصنيف الأفلام التي يتردد عليها المواطنون، وعدد

الأفلام التي تم إنتاجها، والنجاحات التي يحظى بعضها بالقياس إلى البعض

الأخر، ووقائع النقد السينمائي حولها، ووضعية السوق الفرنسية والأميركية

السينمائية،

لقد وصل الأمر حداً بحيث أن لغة الإحصاءات حول السينما تبدو كأنها خطاب

سينمائي بحد ذاته. إن الأرقام الاقتصادية تتغلب على النزعة الجمالية

للسينما في حين أن الأفلام الجديدة كل سنة تطرد من الذاكرة ما سبقها من

أفلام. ومن هذه الزاوية بالذات، فإن اقتصاد السينما يبرز كاهتمام رئيسي

يشمل الحسابات والميزانيات، والتقانيات والتجهيزات، والتفاوضات بين

المفاعلين الاقتصاديين السينمائيين، والصالات الجديدة أو التي تم تحديثها،

ومع ذلك فإن الميدان الاقتصادي للسينما لا يمكن حصره بذلك وكفى لأنه يشمل

بالضرورة جمهور المشاهدين واجتماعيات المهنية السينمائية واستراتيجية

الشركات الإنتاجية والسياسة الثقافية المعتمدة من قبل السلطات العامة.

إيضاحاً لذلك فإن اقتصاد السينما لا يمكن عزله عن تاريخ الفن السينمائي

وتطوراته، كما ان جمهور النظارة يطرح مسألة تحليل تلقي الأفلام لديه، بينما

تتعلق اجتماعات المهنة السينمائية بالمبدعين العاملين في ميدانها؟ وأخيراً

فإن استراتيجية الشركات ترتبط بالمنافسة والتسويق السينمائي. في حين أن

السياسة الثقافية تتناول الإجراءات التي تقوم بها الدولة لتنمية ووقاية

الإنتاج السينمائي الوطني.


من هنا يقوم الكاتب بمعالجة هذه المواضيع عبر الأسئلة المتعددة التي يطرحها

كل منا بعد مشاهدته لفيلم ما، كيف يقدم الفيلم للجمهور؟ كيف يتم تنظيم

المجال السينمائي؟ ما هي الأعمال التي تقوم بها السلطات العامة؟

والحقيقة أنه عندما نشاهد فيلماً في صالة سينمائية أو على شاشة التلفزيون،

أو عبر شريط تلفزيوني مسجل، فنحن إلى جانب كوننا مستهلكين فإننا فاعلون

أيضاً سواء احتسبنا ذلك أم لا، بمعنى أننا نشكل حلقة أساسية لا في اقتصاد

السينما وحسب، وإنما أيضاً في الثقافة السينمائية.

من هنا من الأفضل أن نعرف «السلسلة الاقتصادية» إن صح التعبير، إنتاجاً،

وتوزيعاً، واستثماراً، ورهانات.

في الفصل الأول يبين الكاتب أن السينما أصبحت الموعد الثقافي المفضل

للفرنسيين تاركة وراءها المسارح، والحفلات الموسيقية والمتاحف والمكاتب،

فالدراسة الإحصائية تشير إلى أن 60% من الفرنسيين يشاهدون فيلماً سينمائياً

على الأقل مرة واحدة في السنة. والجمهور السينمائي بذلك ليس من عجينة واحدة

بقدر ما أنه متنوع جداً سواء في الأعمار أو المهن، أو حسب المستوى الثقافي

أو المناطق السكانية، كما أن هذا الجمهور متنوع بتنوع الأفلام نفسها روائية

عاطفية كانت، أم تاريخية، أم وثائقية، أم هزلية أم بوليسية أم درامية، أم

صوراً متحركة.

وإلى جانب ذلك فإن الأمر يتعلق بالجنس، نساء ورجالاً، وبالتالي باهتمامات كل

من الجنسين بالسينما وبتوعية الأفلام المعروضة، والخلاصة أن هناك علاقة بين

السينما والجمهور لابد من التعرف عليها بسبب انعكاساتها على الإنتاج

والاقتصاد السينمائي.

فمثلاً تتردد النساء أكثر من الرجال على صالات العرض «53 عام 2004»، وتشكل

الشبيبة «15 ـ 24 عاما»، وهذا غير كاف لتحديد طبيعة العلاقة مع السينما إذ

بقدر ما يكون مستوى التعليم متقدماً بقدر ما إن التردد على الأفلام أكثر. من

هنا نفهم أن الإطارات ورؤساء المنشآت المختلفة يشكلون فئة النظارة الحية

الواسعة قياساً إلى المزارعين أو المستخدمين أو العمال.

ونتائج معرفة الجمهور السينمائي تضعنا أمام مسألة أخرى، فالعالم الاجتماعي

«بيير بورديو» يلح على وجود فئات مسيطرة بين المستهلكين الثقافيين وتتمتع

برأسمال ثقافي متنام قياساً مع بقية الفئات السكانية أي بما يخلق تفاوتاً

يعاد إنتاجه داخل المجتمع. لكن القول أن 75% من المجازين يترددون ولو مرة

واحدة في السنة على الصالة السينمائية يجب ألا ينسينا من وجهة نظر الكاتب

أن 45% من الذين لم يحصلوا على أكثر من تعليمهم الابتدائي إنما يترددون هم

أيضاً على هذه الصالة ولو مرة واحدة في السنة، الأمر الذي يكتسي أهمية

اقتصادية وثقافية سينمائية.

والأمر نفسه يمكن أن نطبقه فيما يتعلق بالتفاوت الجغرافي. فالقول إن 71% من

سكان المنطقة الباريسية يرتادون الصالات السينمائية لا يقلل من أهمية أن

52% من بقية المناطق التي يقل عددها عن 000,200 نسمة، إنما يفعلون ذلك أيضاً.

إضافة لذلك فإن «المشاهد النموذجي» يجب أن يغطي على حقيقة «المشاهد الفعلي»

بالنسبة للأفلام فمثلاً حصل فيلم «غرفة الابن» على 64% من النظارة النسائية

مقابل 40% بالنسبة لفيلم «كوكب القردة»

كما أن فيلم «الطاحونة الحمراء» حصل على 25% من مشاهدي الفئات الاجتماعية

العليا مقابل 39% بصدد فيلم «عازف البيانو» من هذه الفئات، والنتيجة أننا

أمام تفاوتات تفرضها نوعية الأفلام نفسها، بما يهدف إلى الأخذ بعين

الاعتبار أن السينما وان كانت تحتاج إلى تطوير لكي تصل إلى الجميع، فإنها

تظل قوية أيضاً بتنوع جمهورها وبنوعية الأفلام التي تعرضها.

هكذا يمكن القول بوضوح أن الفرنسيين يقيمون علاقة قوية مع السينما تعبر عن

اهتمامهم بها وحبهم لها إذ تكفي الإشارة إلى أن 195 مليون تذكرة سينمائية

قد بيعت عام 2004، أي أن مؤشر التردد على الصالات هو بنسبة 3. 3% من مجمل

الفرنسيين، وإذا كان هذا المؤشر واحداً من أعلى المؤشرات بالنسبة للبلدان

الأوروبية فإن الأميركيين والاستراليين يتجاوزون هذا المؤشر ليصل إلى 4. 5

بالنسبة للأميركيين وإلى 6,4 بالنسبة للاستراليين.

وبطبيعة الحال فإن هذا يحمله آثاراً اقتصادية. ففي عام 2004 صرفت كل أسرة

فرنسية 47 يورو للسينما مقابل 121 يورو للاشتراك التلفزيوني و185 يورو

للتسجيلات التلفزية. وهنا إذا كان نصيب السينما أضعف من غيره بسبب انتشار

الأفلام خارج الصالات، أي عن طريق الاقنية التلفزية أو الأشرطة المسجلة.

لكننا أمام ظاهرة جديدة وهي أن السينما أصبحت في كل مكان بحيث أن مبالغ

استهلاك الأفلام عبر مختلف وسائل عرضها قد تصل إلى 3 مليارات سنوياً.

ويتعرض الكاتب إلى «حياة الفيلم» فكل فيلم هو مشروع مكلف جداً بدءاً من شراء

حقوق المؤلف لقصة أو مسرحية.. ومروراً بالكتابة السينمائية، ووصولاً إلى دفع

أجور الممثلين والتقنيين.. تكفي الإشارة أن تكاليف الفيلم الواحد تتراوح

بين 3 مستويات دنيا فعليا:

1) 1 مليون يورو

2) 5 ـ 10 ملايين يورو

3) 10 ملايين يورو فأكثر

وهذا المشروع لا يتوقف عند مرحلة الإنتاج. إذ لابد من تسويته بعدها، بعرضه

على الموزعين الذين ساهموا منذ عام 1930 بنصيب مالي في إنتاج الفيلم. ومنذ

عام 1986 فإن الأقنية التلفزية الفرنسية تدخل في المشاركة بتكاليف الإنتاج

مقابل «حق البث» المستبق.

وتشكل المهرجانات السينمائية جزءاً من حياة الفيلم لأنها ليست مكاناً للقاء

الأسرة السينمائية والموزعين وحسب، وإنما هي أيضاً مكان لتقديم الجوائز،

وتعريف الجمهور بالأفلام وتوسيع حظوظ عرضها في الصالات. من هنا تحرص فرنسا

على «مهرجان كان» السنوي ومشاركتها في بقية المهرجانات السينمائية البارزة،

وتصدير أفلامها لغايات اقتصادية وثقافية معاً.

إلا أن الصناعة السينمائية تعاني صعوبات كثيرة في فرنسا. فبعد الفترة

الذهبية للسينما عام 1957

حيث بلغ عدد المشاهدين للأفلام 411 مليون نسمة؛ فإن هذا العدد بدأ بالتناقص

بحيث وصل إلى 115 مليوناً عام 1992. ولم يتم تصحيح هذه الوضعية إلا بعد

اتخاذ إجراءات متنوعة في تحديث الصالات وتوزيعها، وفي حماية الإنتاج

السينمائي من المنافسة الأجنبية، وفي تقديم المساعدات للقطاع السينمائي.

بمجمله بحيث بلغ رقم المرتادين على الصالات السينمائية 195 مليون نسمة عام

2004.

هكذا فمنذ الموقف الذي أصبحت فيه السينما رهاناً اقتصادياً وثقافياً، فإن

الدولة أعطته اهتماماً منفرداً. وهذا الاهتمام المنفرد يعود إلى مشكلات

متعددة يفرخها القطاع السينمائي بالوقت نفسه. فهناك 32000 شخص يعملون في

هذا القطاع. بينما يتوجه عدد من المنتجين نحو بلدان أوروبية جنوبية أو نحو

أوروبا الشرقية لأخذ المناظر بغية التخفيف من تكاليف الإنتاج. ففي عام 2003

فإن عدد الأسابيع التي تم فيها اخذ المناظر داخل فرنسا كان 980 أسبوعاً

مقابل 1330 أسبوعاً خارجها.

وسياسة تشجيع الإنتاج السينمائي. إنما تتجاوز السينما الفرنسية باتجاه

السينما «الآسيوية والإفريقية والمغربية أو فيما يتعلق بأفلام الشرق الأوسط

وأوروبا الشرقية» حيث يمكن الحصول على مساعدة من «اللجنة الاختصاصية»

السينمائية الفرنسية حسب نوع الأفلام وجودتها. والواقع أن دعم السينما

الفرنسية يشمل الأعمال التي يقوم بها أصحاب الصالات في تحديثها وتجهيزها في

مختلف المناطق. ففي عام 2004 حصل 600 مستثمر للصالات على 66 مليون يورو

لتحقيق ذلك.

وتقوم مختلف الإدارات المحلية والبلديات بتوفير الدعم من أجل التنمية

السينمائية، إذ تكفي الإشارة إلى أن 19 منطقة فرنسية قد حصلت على دعم

بمقدار 11 مليون يورو، في الوقت الذي تأخذ فيه هذه البلديات على عاتقها منذ

أعوام الثمانينات بشراء صالات خاسرة أو لتحديث صالات أخرى أو لتوفير ديمومة

استمرار صالات تهتم بالنشاط الثقافي أيضاً.

والدولة في سياستها بالدفاع عن الثقافة الفرنسية وعن رأسمالية فرنسية إنما

تتمسك بموقفها في رفض ليبرالية التبادلات باسم «الاستثناء الثقافي» هذا ما

وضح عام 1933 إذ قاومت الضغوط الأميركية الرامية إلى مساءلة الإنتاج

الثقافي السينمائي والسمعي البصري كأي سلعة مادية وبالتالي تطبيق قوانين

السوق الحرة عليه.

ولقد تجددت هذه المقاومة أيضاً عام 1998 وذلك بمشاركة اليونسكو حيث إن

المدافعين عن الثروات الثقافية والذين يعترفون بخصاصية الثقافات ويعملون

على إقرار التنوع الثقافي في العالم، رفضوا تسليع الثقافة وابتذالها، الأمر

الذي يجعل هذه المقاومة إحدى حقائق العصر العولمي الجديد.


الكتاب: اقتصاد السينما

دار النشر: دفاتر السينما ـ باريس 2005

الصفحات: 94 صفحة من القطع المتوسط

L'ECONOMIE DU CINEMA

PIERRE GRAS

CAHIERS DU CINEMA PARIS 2005

عن المصدر

ليست هناك تعليقات: