الأربعاء، 11 مارس 2009

كتاب «سينما العرب وأفريقيا»--- قراءات سينمائية


السينما العربية والأفريقية


يعرض كتاب «سينما العرب وأفريقيا» لمؤلفيه ليزبيث مالكموس وروى آرمز تخطيطاً

لبوادر بزوغ فن السينما في المنطقتين العربية والإفريقية منذ عهد الاستعمار

إلى عهد الاستقلال.

وما صاحب ذلك من ضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية، وذلك في شكل سلسلة من

المقالات عن صيغ الأفلام ثم التركيز على أهم مكونات القصة وتحليل إشكاليات

السرد الروائي وإشكاليات التمثيل، ويصف الكتاب كيفية تشكل العالمين العربي

والإفريقي في السينما من باب السرد الروائي. الكتاب يقدم خلاصة وثائقية عن

صناعة الأفلام العربية والأفريقية.

الكتاب يكشف أيضاً عن أن أي نظام استعماري لا بد أن يترك أثراً تشويهياً

ومثبطاً على التطور الثقافي للمستعمرات، لأن الاستعمار شكل متطرف من أشكال

الهيمنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا الأثر السيئ يفعل فعله

أثناء عهد الاستعمار ويستمر في أعقاب رحيل المستعمر.

وقد يكون للنظام الاستعماري أثران على طرفي نقيض، فهو يخلق من جهة أدباً

قومياً خاصاً بالصفوة، تستبعد منه الكتلة العظمى من الجماهير بسبب الأمية،

فلا يجد ذلك الأدب سبيلاً للنشر أو القراءة إلا في إطار السلطة الاستعمارية.

ومن جهة أخرى، قد يمنع النظام الاستعماري أي تعبير عن الذات مهما كان،

مثلما حدث حين أدت المواقف العنصرية المتعالية بموظفي وحدة الفيلم التابعة

لمكتب المستعمرات البريطاني ورجال الإرساليات في الكونغو البلجيكية إلى

النظر للأفارقة على أنهم أطفال بالدرجة الأولى، تلزم حمايتهم من السينما

الغربية التجارية، وينبغي ألا يقدم لهم إلا أفلام مبسطة وتعليمية صريحة

تصنع لهم خصيصاً.

من الواضح أيضاً أن الحكومات الاستعمارية كانت معادية لفكرة قيام الأفارقة

بإخراج الأفلام بقدر معاداتها للرأسمالية الأفريقية الريفية. ول«جون إليف»

جملة معبرة عن هذا الموقف، حيث ترى الحكومات الاستعمارية أن الرأسمالية

الأفريقية الريفية «ليست فقط خطرة اجتماعياً وسياسياً، بل إنها أيضاً لا تليق

بالأفارقة، كما لا يليق بهم عزف الجيتار ولا ارتداء البذلة ذات القطع الثلاث».

في مثل هذا السياق، قد تزدهر الفنون الشعبية التي تقع خارج نطاق التحكم

المباشر للاستعمار، والتي لا تتطلب استثماراً رأسمالياً كبيراً. وفي حالة

الموسيقى الشعبية، عززت وسائل الإذاعة والتسجيلات التي أنشئت تحت حكم

الاستعمار انتشار تلك الموسيقى، ونشوء قوالب جديدة عن طريق التوفيق بينها

وبين موسيقات أخرى غيرها.

لكن صناعة الأفلام المحلية لا يمكن أن تقوم إلا حيث تضعف السيطرة

الاستعمارية ويتزايد نشاط الاقتصاد المحلي. كانت تلك التطورات محدودة حتما،

لكنها كانت ذات طبيعة وفرت رؤية واضحة للعوامل التي يجب أن تستمر لتشكل

عملية صنع الأفلام بعد الاستقلال، حيث أن اقتصاديات السينما تظل على ما هي

عليه، سواء في مستعمرة، أم في دولة استقلت رسمياً لكنها ظلت عرضة للهيمنة

الاستعمارية الجديدة.

وبرغم اعتيادنا على التفكير في ظاهرة صناعة السينما ككل متكامل، إلا أن

قطاعاتها المختلفة ( الإنتاج والتوزيع والعرض) ليست مرتبطة ببعضها بالضرورة

كوحدة واحدة في أية أمة من الأمم، حيث أن سوق الفيلم سوق عالمي. لذا، لا

يؤدي وجود شبكة توزيع منظمة وجمهور واسع للفيلم المستورد في حد ذاتهما في

أي بلد من البلدان ( كما كان الحال مثلاً في الجزائر تحت الاستعمار) إلى

ظهور إنتاج سينمائي محلي في هذا البلد.

وحيث أن الموزعين وأصحاب دور العرض قادرون على جلب منتجات ذات شعبية من

الخارج بانتظام وبأسعار مجزية، فلا شك أن يتبنوا الإنتاج المحلي، بل قد

يعادونه حقاً، حيث إن أي تغيير في عادات المشاهدة لجمهور السينما قد يهدد

ربحية العملية بأكملها.

لا يمكن لصناعة السينما أن توجد إلا في وجود عدد من العوامل المواتية،

مثلما يبدو في حالة المثال العلمي للسينما المصرية. تلك العوامل هي: بنية

تحتية صناعية عامة، وجمهور عريض من المشاهدين الحضريين لديه ما ينفقه على

التسلية، ونظام توزيع منظم للأفلام، ورأس مال سهل المنال لاستثماره في

التيسيرات اللازمة للعملية ككل وفي الإنتاج السينمائي نفسه.

وحتى عند توفر تلك العوامل لا يمكن ضمان الاكتفاء الذاتي، لأن إدارة ذلك

النظام إدارة مربحة يستلزم وجود عدة مئات من الأفلام سنوياً، تتجاوز بكثير

قدرة معظم صناعات السينما القومية على إنتاج الأفلام. وهكذا، يرفع الإنتاج

السينمائي المصري( الذي يبلغ حوالي خمسين فيلماً سنوياً) مصر إلى مرتبة عالية

في قائمة الأمم المنتجة للأفلام. فقد بلغت مصر في خمسينات القرن العشرين

مرتبة المكسيك نفسها أو الأرجنتين.

لكنها تظل عرضة لمنافسة الأفلام المستوردة، لاسيما من الولايات المتحدة

الأمريكية التي تتميز سينيماها بالإنتاج الكبير. إضافة إلى ذلك، لا يعني

التقدم الكبير في الإنتاج على نطاق كبير في بلد بمفرده أن جيرانه سيتمكنون

من السير في ركابه بسهولة. وكما يبدو من علاقة مصر بالدول العربية الأخرى،

يرجح أن تكتسب تلك الدول كأسواق، وبذا يتزايد تذوق مشاهديها للأفلام

المستوردة، وهي في تلك الحالة الأفلام المصرية.

إن دور اللغة هنا مهم جداً، حيث إن الاختلافات اللغوية في العربية المنطوقة

عامل مهم في تثبيط تطور إنتاج الفيلم العربي على نطاق واسع. فاللغة

المستخدمة في الأفلام المصرية بإيعاز من المنتجين الذين يستهدفون السوق

العربي بأكمله ليست هي اللغة العربية الفصحى، التي يقصر استخدامها حالياً

على المثقفين إلى حد بعيد، وهي ليست اللهجة القاهرية المحلية، التي لا تفهم

في جميع أنحاء العالم العربي على اتساعه. فبدلاً من ذلك كان على صانعي

الأفلام أن يتبنوا في البداية لغتهم الخاصة، التي أسماها فيكتور باتشي «لغة

لا وجود لها، كلام سينما، لغة مختلفة اصطنعها كتاب السيناريو».

تتكون تلك اللغة من هيكل أدبي أساسي مطلي بطبقة خارجية من العامية المصرية.

فرضت العامية المصرية نفسها تدريجياً، وعضدتها في ذلك وسائل الإعلام الأخرى،

كالإذاعة والأغنية المسجلة، واتسع نطاقها حتى إن المشاهدين صاروا يعتبرونها

أخيراً اللغة الطبيعية للسينما العربية. وكما يلحظ«فريد جبر» اعتاد

المشاهدون في البلدان العربية على اللهجة المصرية، حتى ولو لم يفهموا كل

كلمة منها، إلى حد أنهم صاروا لا يستريحون إلى أية لهجة عربية أخرى.

وهكذا، ربما صارت الأفلام المصرية عاملاً مثبطاً ومعرقلاً للإنتاج السينمائي

في الدول العربية الأخرى أكثر من الأفلام المستوردة من الغرب. لكن رغم كل

الصعوبات التي تنهض في وجه استيراد وجلب التقنيات الغربية والقوالب

الدرامية والروائية الغربية إلى أفريقيا والعالم العربي، من المؤكد أن

المجددين يطيبون بالاً حين يجدون مشاهدين متحمسين للأفلام حيثما عرضت. وقد

تمكن مخرجو الأفلام في عهد ما بعد الاستقلال من استغلال تلك الشعبية التي

حظيت بها الأفلام، فعبروا من خلالها عن الشعور الجديد بالوعي الثقافي الذي

حل مع نهاية العهد الاستعماري.


الكتاب: السينما العربية والإفريقية

تأليف: ليزبيث مالكموس ـ روى آرمز

الناشر: المشروع القومي للترجمة القاهرة 2009

الصفحات: 280صفحة

القطع: الكبير




خالد عزب

ليست هناك تعليقات: