هوليوود .. السياسة والتجارة
بالتعاون بين اتحاد الكتاب والهيئة العامة للكتاب في مصر يتم نشر عدد من الكتب الأدبية والنقدية والثقافية تحت اسم ( كتاب الاتحاد ) ولقد صدر من هذه السلسلة العديد من العناوين ، أغلبها في الشعر والقصة القصيرة والمسرح وعدد من الروايات والدراسات والشعر العامي .
والحقيقة أن الإصدارات تعطى فكرة جيدة عن الخريطة الإبداعية في مصر من خلال التعريف بأسماء مغيبة إعلاميا ، وخصوصاً وأن مثل هذه الإصدارات لم تجد قبولاً نقديا على مستوى الصحف والمجلات .
· كتاب في سلسلة :-
عدد الإصدارات وصل إلى ( 118 ) كتاباً والكتاب الذي بين أيدينا هو الكتاب الوحيد في النقد السينمائي وهو يحمل رقم ( 102 ) وعنوانه ( 11 سبتمبر ـ هوليوود العرب إسرائيل ) لمؤلفه أشرف شتيوي والكتاب يقدم تعريفاً بالمؤلف ، غير أن الدكتور صبحي شفيق المخرج والناقد يقوم بذلك أيضاً ولو بصورة مصغرة ، فهو يقول بأن أشرف شتيوي هو ممثل وسيناريست وهو كاتب وناقد سينمائي ، كتب في العديد من الصحف والمجلات داخل مصر ، ربما تكون من بينها صحيفة العربي الناصري وجريدة الشعب .
غير أن الناقد صبحي شفيق يترك الكاتب والكتاب وينساق وراء معالجه بعض القضايا التي لها علاقة بطبيعة الأشرطة القادمة من هوليوود منذ البدايات الأولى ، مع تقديم بعض الانطباعات حول نوعية الشريط الأمريكي أو الهوليوودي وملامحه الرئيسية ، أو ما يعرف بتيمات الفي
يتطرق صاحب المقدمة صبحي شفيق إلى بعض القضايا المتداخلة التي تربط بين النوعية الهوليوودية والأفلام التاريخية الكبرى مثل ( الوصايا العشر ) لسيسيل ودى ميل ، وكذلك فيلم ( الخروج ) لمخرجه أوتو بريمنجر ، والخلاصة أن هناك ربطا واضحاً بين الفيلم الأمريكي والتجارة ، فالربح هو سيد الموقف أما الجانب الآخر المهم فهو ذلك الذي يتعلق بعلاقة هوليوود بالأشرطة التاريخية القديمة ، ولا سيما تلك الأشرطة التي تركز على التاريخ وعلاقته باليهود ، حيث المخطط الصهيوني الذي يرمي إلى الاستفادة من تلك الأفلام لخدمة الأغراض السياسية والإيديولوجية .
يقول الناقد صبحي شفيق : " واضح أن ربط الدراما المعاصرة بالدراما القديمة كان يهدف إلى إيقاظ وعي يهود العالم على ما ترمي إليه الصهيونية : فالصهيونية تحول قضايا العدالة الاجتماعية إلى قضية دينية وبدلاً من أن تدفع اليهودي إلى أن يكافح ، في إطار بيئته القومية ، سواء كان في أوروبا أو في أمريكا كي يحصل ، مع ملايين الكادحين ، على حقوقه المشروعة ، فإنها ترسم له صورة مغلوطة لمشاكله . إنها توحي إليه بأن ما يعيش فيه من بؤس وعدم تكافؤ فرص إنما يرجع أساسا لافتقار اليهود إلى وطن قومي يجمعهم " .
يمضى كاتب المقدمة إلى التعرض لبعض قضايا الشريط الهوليوودي بعد 11 ـ سبتمبر ، وكذلك ما يسميه بالمخطط الداخلي والخارجي الذي يتم الترويج له بواسطة الأداة السينمائية ، بالإضافة إلى وسائل أخرى .
يقول الكاتب صبحي شفيق : " هذا المخطط هو دليل لقارئ هذا الكتاب كي يسهل الدخول إلى هذه القضية أو تلك ، من القضايا التي يطرحها المؤلف أشرف شتيوي ، ولست بصدد شرح منهج أشرف ، فهو منهج تاريخي وتحليلي في الوقت نفسه ، يعتمد على سوسيولوجيا الميديا ، وأضرب مثلاً بتناوله لرموز مثل الخنجر والخرزة الزرقاء في رامبو . إن الخرزة هي تجسيد لميراث من التقاليد الشعبية والقيم تربت في وجدان أبناء الشرق ( فيتنام في الفيلم ) على مدى التاريخ ، والخنجر هو رمز رعاة البقر ووسيلة التعامل مع أي رائع يحيط بذلك الأمريكي ، الذي لا هوية له سوى هوية الغزو .
· رموز وغسل أدمغة :-
ويرى صاحب المقدمة أن الكتاب يتعامل مع الرموز والأيقونات بشيء من التحليل ، بالإضافة إلى رد النقاش إلى الواقع العربي ، ويجتهد مقدم الكتاب في تقديم الشواهد التي تتناسب مع محتويات الكتاب وخصوصاً تعرضه لعنوانين بعض الأشرطة ودلالتها السياسية والاجتماعية .
لا توجد فصول أو أقسام بالكتاب ، ومن الواضح أن المحتويات هي موضوعات نشرت وتوزعت عبر الصحف والمجلات ، ولهذا جاءت الأرقام متتالية لتصبح هي فهرس الكتاب
الموضوع الأول جاء بعنوان ( سينما تغسل الأدمغة ) وهو تسمية مباشرة للعلاقة بين هوليوود والسياسة حيث السينما الأمريكية تسيطر على وسائط التوجيه ، وتستخدم لغرض سياسي واضح ، ولقد اعتبر الكاتب أن بعض رموز أمريكا مثل الجينز والهامبورجر والسينما هي التي حسمت الصراع لمصلحة ضد الاتحاد السوفيتي .
إن الكاتب هنا يكرر ما قيل حول استخدام هوليوود السينما لأغراض سياسية ودعائية ، ويتحدث الكاتب عن شريط ( رامبو ) بأجزائه الثلاثة ، ورغم الحس السياسي المباشر ، إلى أن هناك محاولة لتعميق بعض القضايا ، ومن ذلك ما يشير إليه المؤلف من رموز ، مثل الخرزة التي تحملها الفتاة الفيتنامية والتي تدل على الغيبيات فقط ، حيث قتلت الفتاة أما رامبو فإنه يحمل خنجرا ولهذا عاش بقوته الفعلية .
ينتقل المؤلف بين أجزاء الشريط ، ويقف مطولاً أمام الجزء الثالث وفيه نجد رامبو إلى جانب بعض الأفغان المحاربين للقوات السوفيتية فيتحول النصر إليه وحده ، بل أن الفيلم يقدمه باعتباره هدية من أمريكا إلى الأفغان ، ولهذا جاء الشريط خاليا من النساء تماماً ، لكي يكسب جمهوراً معيناً حاول أن يقترب منه .
وفي محاوله أخرى يشرح المؤلف قصة شريط ( طائرة الرئيس الأولى ) باعتباره يجسد مفهوم الهيمنة الأمريكية بطريقة واضحة .
إذن نحن أمام كتابة تكررت كثيراً في النقد السينمائي ، ونقصد بذلك الأسلوب السياسي المباشر والذي ربما يكون صحيحاً ، لكنه يبتعد كثيراً عن النقد بمفهومه الفني لأنه مجرد انطباعات سياسية أولية .
الموضوع الثاني جاء بعنوان : هل تجمّل هوليوود الوجه القبيح لأمريكا ؟
والمقصود طبعاً ، الكيفية التي صورت بها هوليوود حروب أمريكا ، في فيتنام والحرب العالمية الأولى والثانية ، وكذلك في أفغانستان والصومال والخليج .
· أشرطة متعددة :-
ومن أهم الأشرطة ( سقوط الصقر الأسود ) الذي أنتج لكي يصور التدخل الأمريكي الخاسر في الصومال ، ولكن الفيلم يجعل من الخسارة انتصاراً .
أما الفيلم التالي فهو ( بيرل هاربور ) والذي نجح مؤلف الكتاب في وضعه في المكان المناسب من حيث تجميع خطوطه العامة التي تسعى لتبرير ما قامت به أمريكا من تدمير لمدينتي هيروشيما وتجازاكي ، لأن أمريكا عملاق نائم ، ومتى يفيق بسبب أي ضربة فهو لا يرحم .
وهناك أيضا فيلم ثالث وهو ( 13 يوم ) الذي يتطرق إلى أزمة الصواريخ الكوبية ، مع الاختلاف طبعاً من حيث أهمية هذه الأفلام ، لأن الخارجية الأمريكية والدفاع أيضا وزارتان تتدخلان لتقديم العون المادي لكل إنتاج يخدم الأغراض السياسية الأمريكية .
وفي منعرج آخر يتحدث المؤلف عن أوجه التعاون والاعتراض مع السياسة الأمريكية من قبل الممثلين والمنتجين ، وهذه ليست سابقة ، فقد واجه بعض هؤلاء متاعب أيام التحقيقات التي عرفت باسم ألحقبة المكارثية .
ومع بعض الاختلاف ، فإن المؤيدين للسياسة الأمريكية من ممثلين ومخرجين هم أكثر بكثير من المعترضين عليها ونعني بذلك السياسة الخارجية طبعاً ، إذ من الصعب مواجهه قوة هوليوود ، إلا في حدود ضيقة جداً لها علاقة بالشأن المحلي وليس الخارجي في الموضوع الثالث هناك عرض لبعض الأشرطة التي تتعامل مع العرب بوصفهم مجرد صور من الإرهاب يتكرر ظهورها على الشاشة ، وكان عنوان هذا الموضوع الثالث ( أبطال على الشاشة ) . فيذكر المؤلف بعض أسماء هذه الأفلام ومنها : " المهلك ـ أكاذيب حقيقية ـ المستميت ـ الحصار ـ قواعد الاشتباك ـ مهمة مستحيلة ـ عيد الاستقلال ـ الجندي العالمي ـ تحت الحصار " .
ويتطرق المؤلف إلى أفلام أخرى قريبة من هذا المنحى ، ومن ذلك مثلاً طائرة الرئيس - أرماجيدون - بالإضافة إلى أفلام البراكين والزلازل والكوارث والأعاصير وغيرها .
يقول المؤلف : " إذا كان صراع الخير والشر قد بدأ مع بدء الخليقة فإن ذوي التفكير السوي غالباً ما كانوا وسيبقون مناوئين في الفكر والثقافة للشر بكل صوره ، وهم بذلك يناهضون نهج نزعة الشر بلا أي تكبير لأخطاء الغير " .
يعود المؤلف إلى بعض الأفكار الواردة في كتاب ( أمريكا تضرب نفسها ) للكاتب محمود قاسم لكي يدلل على فكرة الربط بين الحقيقة والخيال فيما تقدمه هوليوود من أعمال سينمائية .
ويتوسع الكاتب في معالجة الأفلام التي لها علاقة بالتدمير والرعب وإخافة الجمهور من المجهول ، ويمضي أيضاً نحو الألعاب الالكترونية التي تصور الجنود وهم يواجهون الأعداء من الخارج
· دروس في الإرهاب :-
ننتقل إلى موضوع آخر ، وهو دروس في الإرهاب ، حيث بدا الموضوع مشوشا وغير واضح المداخل مع إفاضة في الحديث المشتت والموضوع حول عدد من الأفلام التي لا تنسجم في رزمة واحدة لها اتجاه معين
.
من الموضوعات المختارة نقرأ أيضاً ما يسميه المؤلف ( السينما العربية وجلد الذات ) وهو يدور حول فيلم ( المصير ) ليوسف شاهين ، حيث يحاول المؤلف أن يرد على المخرج في اعتبار ابن رشد شهيد الفكر وذلك ينطبق أيضاً على فيلم آخر وهو (تراب الغرباء ) من سوريا للمخرج سمير ذكرى .
يقول المؤلف : " لنعد إلى شخصية الكواكبي كما يجسدها الفيلم ، فهو رجل متمرد بلا تبريرات أو دوافع للتمرد ، وهو مثالي جداً إلى درجه أن الشعارات تحتل حياته كما لو كان منتميا إلى كثير من الأحزاب العربية المعاصرة ، وهو إلى ذلك كله مفكر لا يرسل في الفيلم أيا من تفصيلات أفكاره .
ورغم أن الموضوع له علاقة بالأفلام إلا أن الكاتب يقفز نحو اتجاهات أخرى غير واضحة ، ومن ذلك هجومه على المخرجين ومنهم نوري بوزيد وغيرهم ، ثم ينتقل إلى الفيلم المعروف ( الفارس الثالث عشر ) الذي تدور قصته حول ابن فضلان ، ثم يستقطع آراء حول تدهور السينما العربية .
من الموضوعات أيضا ( سيطرة اللوبي اليهودي ) وهو موضوع خارج سياق النقد السينمائي .
· مواجهه غير مكتملة :-
لا يتعرض المؤلف إلى الأشرطة الحديثة العالمية التي تدور أحداثها في المنطقة العربية ، ولكنه يعود إلى مناقشة بعض الأشرطة القديمة مثل الظل العملاق 1966 ـ وفيلم جوديت 1964 ، ولكن الطرح كان سريعاً ولا يدل على أن المؤلف قد شاهد وناقش الأشرطة المذكورة وفي موضوع مختلف ليس له علاقة مباشرة بالسينما أيضاً يتحدث المؤلف عن رواية يقول أنها للكاتب المعروف آرثرميلد بعنوان ( المحنة ) وهو يرى أنها رواية لا يمكن لهوليوود أن تجسدها على الشاشة لأنها مضادة وتقع على طرف نقيض من أغراض هوليوود وأهدافها ، فهي رواية انتقادية ، ولكن بالطبع هناك أشرطة انتقادية كثيرة ، تم إنتاجها في هوليوود ، ولعل المؤلف يقصد مسرحية ( ساحرات سالم أو رواية البوتقة لنفس المؤلف .
يطرح مؤلف الكتاب سؤالاً محتواه ماذا فعلنا نحن ، وهو خارج السياق العام ، ويقصد ماذا أنتجت السينما العربية لتواجه الأفلام الكبيرة التي تتعامل مع سياسات المنطقة العربية وشعوب المنطقة والظواهر السياسية فيها .
ويذكر المؤلف بعض الأفلام العربية البسيطة مثل ( همام في أمستردام ـ أصحاب ولا بيزنس ـ شباب على الهواء ـ فتاه من إسرائيل ) .
بعد ذلك مباشرة ينتقل المؤلف إلى فيلم وثائقي ، يقول إنه لم يعرض عندنا وهو (وعود) لثلاثة مخرجين عالميين من أمريكا ، تم يتنقل للحديث حول سيناريو يمكن أن ينفذ مستقبلا ، ومثل هذه الموضوعات ليس هناك أي مبرر لوضعها في الكتاب .
بذلك يمكن القول بأن هذا الكتاب الصادر عن اتحاد الكتاب في مصر لم يصل إلى مستوى الكتابات النقدية السينمائية بسبب تداخل موضوعاته وعدم تحديد أهدافه بدقة كاملة ، بحيث يغلب الجانب السياسي على الجانب السينمائي وبذلك ، لا نستطيع أن نؤكد على المقدمة التي طرحها الناقد صبحي شفيق ، فالكتاب قراءة سياسية مباشرة ، لا تكاد تقترب من السينما إلا في حدود ضيقة .
ورغم أن المؤلف سيناريست وممثل وصحفي ومنتج وروائي ، إلا أن هذه المقالات لا يمكن اعتبارها إلا مقدمة لا تفصح عن قيمة الناقد أو مستواه الفني ، وبانتظار الكتاب الثاني للكاتب لمعرفة ماذا يمكن أن تسفر عنه العملية النقدية بطابعها السياسي أو المسيس في تراكم لتجارب سابقة لبعض النقاد الآخرين ، لها طابع سياسي ، مثل كامل التلمساني وسمير فريد وأحمد رأفت بهجت ويوسف العاني وغيرهم ممن تعاملوا مع السينما بوصفها إيديولوجيا وسياسة في إصدارات تعتبر مؤقتة لا تصمد أمام متغيرات الأحوال والأيام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق