مخرجون من أفريقيا
المخرج أودريسا أودراغو
(1)
مثله مثل معظم المخرجين الأفارقة ، فإن المخرج إدريس أودراغو من بوركينا يحاول دائماً أن يخاطب مواطنيه بالدرجة الأولى ، إنه مخرج سينمائي من قلب أفريقيا ، لكنه بدأ يضع العالم نصب عينه ، ويعترف بأهمية التوزيع والتعامل مع الأسواق الخارجية وخصوصاً في بلاد يصعب فيها الإنتاج ، فيكون الاحتياج إلى التمويل الخارجي مسألة اضطرارية ، بل وفوق ذلك الحاجة إلى الجمهور الأوربي والمهرجانات الأوروبية ولا سيما في فرنسا .
مثله مثل معظم المخرجين الأفارقة ، تشغله قضايا ومشكلات بلاده الأفريقية فيعمل على الاقتراب منها بطريقة فنية سينمائية ، إطارها الاجتماعي وسياسي ، لكنها لا تخرج عن جوهر الفن السينمائي كما تعلمه وتشربه من المعاهد والكليات الأوروبية ، بكل التكوين المهني والثقافي المبني على تاريخ واتجاهات الخيالة العالمية .
مثله مثل معظم المخرجين الأفارقة قدم أشرطة قليلة العدد ، فهي لا تتجاوز إلى حد الآن "ثمانية أشرطة " روائية طويلة ، وعدداً من الأشرطة الوثائقية والقصيرة ، رغم أنه من مواليد 1954 وهو يتشابه معهم في أن أهم أشرطته هي الأولى في الإنتاج ، وأن التعريف به جاء منذ البداية من أوربا ومن مهرجان كان السينمائي بفرنسا تحديداً .
بسبب المنظور المحلي والعالمي ، جاءت أهمية هذا المخرج وجاء نجاحه داخل أفريقيا وخارجها ، وإذا ذكرنا بعض الأسماء اللامعة في الخيالة الأفريقية ، فإن إدريس أودراغو سيكون أحد هؤلاء بلا شك ، فهو لا يكاد يختلف عن عصمان سمبين وسليمان سيس وفلورا غوميز وجبريل ديوب والشيخ عمر سيسكو وغيرهم .
(2)
بدأ إدريس أودراغو تجربته السينمائية بالأشرطة القصيرة ، فقدم في عام 1981 أول هذه الأشرطة وكان بعنوان " لماذا ؟ " ثم الشريط القصير " بوكو " .
ومن أشرطته المعروفة أيضاً " الأطباق " عام 1983 ثم جنازة " لاريله نابا " عام 1984 يلي ذلك شريط " أوغادوغو " عام 1985 وقبل أن يخرج شريطه الروائي الأول أخرج شريطاً قصيراً بعنوان " ايزا الحائكة " في نفس العام ، لينطلق بعد ذلك ويخرج عدداً من الأشرطة الروائية الطويلة .
أما شريطه الأول والذي عُرف به بشكل مبدئي فقد كان بعنوان " الاختيار " عام 1986 ، ولفت إليه الأنظار بعد ذلك عن طريق الشريطين المعروفين " الأول :
" يابا ـ الجدة " عام 1989 .. والثاني : " تيلاي أو القانون " .
(3)
بعد أن فاز إدريس أودراغو بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان السينمائي عام 1990 عن شريطه " تيلاي ـ القانون " تحولّ إلى أحد أهم المخرجين في أفريقيا ، فقد كان الشريط المذكور من أهم الأشرطة المعروضة في دورة المهرجان ، بل وفي الدورة التالية لمهرجان فسباكو السينمائي ببوركينا فاز الشريط بالجائزة الأولى ، مما ساعد على تحقيق الشهرة الأوسع داخل أفريقيا وخارجها .
حينئذ كتب الكثير عن الشريط ، وكتب أيضاً عن إمكانات أودراغو الفنية ، وما يتميز به من قدرة على التأثير البصري واستخدام الزخارف اللونية الممتعة للنظر ، وبصفة خاصة عناية المخرج ، بالمشهد داخل التأطير للبيئة الأفريقية ، بما تحتوي عليه من جاذبية بصرية ساخرة .
ما برز عند إدريس أودراغو أيضاً ذلك الاستخدام المبدع للتقنية وحضور المخرج الفعلي دائماً وسيطرته الإخراجية على الشريط .
إن مميزات هذا المخرج كثيرة ، أوضحها النقاد منذ الشريط الأول ، ثم بالاستفادة من باقي الأشرطة التي أخرجها ، وبالتدريج صارت التجربة السينمائية لإدريس اودراغو متميزة وواضحة ، رغم أنه يصعب القول بتكاملها بشكل كلّي يسمح بوضعها في أشرطته القصيرة والوثائقية والطويلة ، يدخل ضمن سياق أوسع ، تتشكل معالمه ، داخل تجاه عام جمالي واقعي له علاقة بالخيالة الأفريقية عموماً ، وليس هناك اختلاف في ذلك بين الإنتاج في بوركينا أو السنغال أو مالي .
(4)
إن ذلك قد أوحى لبعض النقاد والمنظرين للقول بأن ما قدمه إدريس أودراغو ومن معه من المخرجين من جيله أو جيل الرواد داخل أفريقيا ، يمكن اعتباره مظهراً من مظاهر التأثير " الفرانكفوري " ليس على مستوى الإنتاج فقط ، ولكن على مستوى التكوين المهني والتعليم والتأثر ببعض الاتجاهات السينمائية الفرنسية .
لذلك ربط النقاد في أوربا بين الشريطين ( يابا ونيلاي ) وبين الاتجاه الفرانكفوري ، ويمكن القول بأن بعض النقاد الأفارقة قد ساروا في نفس المسار ، رغم أن الشريطين يمكن أن ينفتحا على خصوصيات أخرى ، حيث تظل القراءة مفتوحة دائماً ، بصرف النظر عن الفرضيات الأولى وما بها من إشكالات ثقافية وسياسية تفرض أحياناً نفسها .
من هذا المنطلق دعا بعض النقاد إلى إعادة قراءة أهم الأشرطة الأفريقية من زوايا أخرى ، بهدف البحث عن الجديد فيها وتحديد المنحى الإبداعي ، وليس الهدف طبعاً مغالطة الآراء السابقة أو دفعها .
من جانب آخر ، استطاعت بعض المهرجانات الأفريقية أن تؤكد حضورها ، من ذلك مثلاً مهرجان قرطاج السينمائي في تونس ومهرجان فسباكو ببوركينا ومهرجانات أخرى في جنوب أفريقيا والمغرب وغيرها ، ولكن لم تزل هذه المهرجانات رهينة بما تطرحه المهرجانات الأوروبية وما تؤكد عليه من أشرطة وما تفرزه من اتجاهات وآراء ، والسبب يعود إلى أن مثل تلك المهرجانات لم تزال محلية ولم تفرض طابعها العالمي ، رغم أنها تكرّم في مجمل دوراتها أسماء لامعة من أفريقيا ، وعلى رأس من كرمتهم المخرج إدريس أودراغو في أكثر من مناسبة .
(5 )
في شريطه " يابا " نلحظ نفس الأسلوب المعتمد على المشاهد البطيئة وحركة آلة التصوير المتأنية مع تركيب وتوليف مناسبين ، وقد رأى الجمهور الأوروبي عموماً ومن وجهة نظرة نقدية على وجه الخصوص ، إن البطء في حركة الشريط مع تناثر المشاهد هو إيقاع مدروس ومتفق مع حركة الحياة في القرية الأفريقية ، وهي مكان الحدث ، ومما يؤكد ذلك المشهد الطويل الذي يصور جنازة العجوز المنبوذة " سانا " في الشريط نفسه .
أما شريط " تيلاي " فقد اعتبرت نهايته التراجيدية مثالاً نموذجياً لكيفية التعامل سينمائياً مع الموروث الأفريقي الشفهي .
في مشهد رئيسي داخل الشريط يسمح الأخ " ساغا " لأخيه " كرجري " بالهروب بدلاً من معاقبته بجريمة الزنا ، لكن وبسبب موت العجوز الأم ، يعود الابن ساغا مضطراً لحضور الجنازة ، وذلك بعد أن انكشف أمر جريمته أمام الجميع ، وبذلك يتهيأ الانتقام الجماعي أو تحقيق القصاص جماعياً وليس فردياً ، بمجرد الانتقام الشخصي الذي يقوم به الأخ ضد أخيه ، بل إن قتل الأخ " ساغا " لأخيه " كوجري " إنما هو قتل يفرضه العرف ويوافق عليه الجميع ، وهو مُلزم للطرفين وعليهما الموافقة عليه .
إن المشاهد الطويلة التي ترسم ذلك مع البطء في حركة ، قد كان هدفها أو وضعت لتخدم أغراضاً سردية ، أساسها خلق مسافة بين المشاهد والشخصية ، وتسمح لك بأن يتصاعد وصولاً إلى المعني الأخلاقي وخصوصية الحكاية وكيفية سردها وفق التقاليد الشفهية الأفريقية .
ولا يتصف أسلوب أودراغو بهذا البطء في السرد المتقاطع مع الحكاية وطبيعة البيئة ، في شريطه " تيلاي " فقط ، بل هذا ما تتصف به أشرطته عموماً ، مع براعة في استخدام اللقطات المقرّبة ذات الدلالة المعبرة في التركيز والاختصار ، واستخدام اللقطات التي تصور دور الأفعال بأسلوب إبداعي فيها اجتهاد ودروس ، بل وأحياناً استخدام اللقطات السريعة التي تنقضي على الشخصيات والأشياء .
(6 )
لا شك أن الجمالية المتحققة في الشريطين ( يابا وتيلاي ) قد أثارت الكثير من الجدل وقد ذهبت بعض الآراء التقليدية إلى القول بأن النظرة الغربية ذات الطابع السياحي كان لها علاقة مباشرة بالنجاح الذي تحقق للشريطين ، حيث أن اهتمام الأوروبيين بالدرجة الأولى قد انصب على مجرد تصوير أفريقيا على أنها قرية وريف هادئ منعزل ، إن المسألة ليس لها بعملية استقبال الشريط ، ولكن عند بعض النقاد ترجع القضية إلى غرض الشريط نفسه وهدفه القريب والبعيد ، وعلى ذلك فإن ما جاء في الشريطين المذكورين مجرد بطاقات سياحية تصور جوانب من أفريقيا ترغب عين المشاهد الأوروبي في البحث عنها .
ورغم أن هذا المنظور ليس به شائبة ، فمن الطبيعي أن تكون المناظر والأماكن المخصصة للتصوير متناسبة مع الحدث ومختارة بعناية ، وذلك يعد من أساسيات الشريط الجيد وهذا ما ينطبق على الشريط الغربي نفسه .
رغم ذلك ، فإن تلخيص شروط ما على أنه مجرد بطاقة سياحية أو فيه الكثير من التجني ، وهو رأي جانبي وهامشي ، يكون متأثرا في الغالب بالرأي السياسي السائد والاعتبارات الإنتاجية وكيفية عرض الشريط والتعامل معه في التوزيع والدعاية .
والدليل على ذلك أن دراسة الكثير من الأشرطة التي تقع تحت مفهوم المنظور السياحي العام ، بعد مشاهدتها أكثر من مرة تقودنا إلى تقدير اعتبارات أخرى جمالية وفنية وموضوعية . أما إذا شاهدنا أي شريط من نفس النوع ، بعد زمن إنتاجه بعقد أو أكثر من الزمان ، فإن الرؤية ستكون مُغايرة وليس لها علاقة بالطرح المبدئي المزعوم من جانب آخر فإن موقع الناقد يحدد زاوية رؤيته ، إذ أن هناك أشرطة ينظر إليها بمقياس معين في بلد ما ولا يتحقق ذلك في بلد آخر ، وهذا ما تعاني منه الأشرطة الأفريقية التي تجد تقديراً من الخارج لا تجده من الداخل أو تجده من الداخل ولا تجده من الخارج أو يقع التقييم في دائرة غير واضحة الاتجاه ، وهذا يدل ولاشك على اضطراب الميزان السينمائي في إنتاج متغير ويتشكل كل يوم بصورة متجددة بعيد عن الثبات والتأطير .
وهكذا فإن القول بأن شريط ( يابا ) هو مجرد سرد لحكاية بسيطة واضحة محورها قصة "طفلين " قدما المساعدة لعجوز منبوذة في قرية نائية وهادئة ومنعزلة ، وإن ذلك هو سبب تعلق الجمهور الغربي بالشريط فذلك يعد من الآراء المنقوصة التي لا تعطي الشريط حقه .
من ذات السبب ، فإن بعض النقاد الغربيين قد اعتبروا بأن أشرطة إدريس أودراغو تدخل ضمن نطاق النوع المعروف سينمائياً بأشرطة القرية ، وهو نوع تشكلت معالمه مع الاهتمام بإبراز معالم وخصوصيات القرى في الإنتاج السينمائي .
غير أن الإطار العام ظل دائماً يدور سينمائياً داخل محورين : الأول .. الجمهور الغربي . وثانياً التمويل الأجنبي . إن كلاً من المحورين لهما تأثير واضح على مدى التعبير الفني ومجاله وحدوده وطبيعة الاختيارات وهذا أمر يخص أيضاً أي تمويل وكذلك أي جمهور أينما كان .
(7)
ولكن عندما نقول أشرطة القرية ، فإن هذا المصطلح يختلف في حدود تعريفه بين ما ينتج غربياً وما ينتج أفريقياً ، وبذلك يمكن القول بأن أشرطة أودراغو التي تعاملت مع القرية الأقرب لإعادة تقديم الصورة الأفريقية بشكل مختلف عما قدمه الغرب في المرحلة الاستعمارية عن أفريقيا نفسها ، وهذا يعني أن الشكل الظاهري للقرية ، والمتعلق بمفهوم مصطلح " أشرطة القرية " ليس له علاقة بالغرض والهدف والمضمون .
أيضاً يمكننا القول بأن القرية هي هادئة ووديعة دائماً ، لكنها في أشرطة أودراغو ذات جاذبية براقة ، خارجية البريق ، وضاجة داخلياً بالأوجاع التي يسببها تعارض القيم التقليدية الأفريقية القديمة مع المتغيرات الجديدة في الحياة المعاصرة .
هناك إذن أوجه للتقارب بين الجمهور خارج أفريقيا وداخلها ، كما أن هناك تصورات تقوم على الاختلاف والتعارض بسبب بعد المسافة ونوعية الثقافة وظروف الحياة ، وسر نجاح فن الخيالة عالمياً ، هو أنه ينقل التجارب المتعارضة والمختلفة اعتماداً على ما هو مشترك بين الجمهور ، ولذلك فإن أشرطة اودراغو قد وجدت نجاحاً جيداً في الخارج ، ويذكر أن بعض النقاد قد اهتموا بقضايا معروضة في أشرطة اودراغو وبصفة خاصة مسألة الزنا والتلاحم بين الطفل والجد وصراع الأشقاء وغير ذلك من المعاني والرموز التي تؤكد على إنسانية الروابط البشرية وتواجدها في كل مكان .
وبالإضافة إلى فكرة التجانس البشري والعوامل المشتركة بين الجمهور ، بصرف النظر عن موقعه فإن هناك رأياً يقول بأن المحور الرئيسي الذي تدور حوله أشرطة المخرج اودراغو يعتمد على الصراع القائم بين القيم الحديثة والقديمة ، بين الجد والابن بين القرية والمدينة ، وهو أمر عالجه أكثر من مخرج أفريقي وبأكثر من طريقة .
(8 )
بعد نجاح شريط " يابا " ثم شريط " تيلاي " لم تنل الأشرطة التي أخرجها بعد نفس الاستحسان ولا سيما وإنها قد خرجت من إطار المنظور السياحي المزعوم ، كما أن القرية قد غابت تقريباً ، وهكذا أظهر أن الاتجاه السينمائي الذي وضع النقاد المخرج فيه قد انفرط عقده ، وذهبت البساطة والتلقائية والنظرة الصافية الخارجية ، ليأتي بعد ذلك اتجاه آخر في أشرطة إدريس أودراغو ، وذلك بحسب ما يطرأ على أفريقيا نفسها من متغيرات ودوافع وأشكال من الصراع السياسي والاجتماعي داخلها وبينها وبين الخارج .
إن الأمر المهم هنا أن إدريس أودراغو ينطلق أيضاً من داخل بلد صغير ، وهو يلامس أفريقيا من خلال تعامله مع التراب الذي يعيش عليه ولا يتبنى قضايا كبيرة ، يحاول أن يسقطها من أعلى .
إذا عدنا إلى البدايات والأشرطة القصيرة تحديداً سوف نجد أن المخرج قد قدم عام 1985 شريطاً بعنوان " اواغادوجو " وهي تعني اواغا بشارعين ، وفيه تصوير لما تحتوي عليه المدينة من حركة وخصوصاً حركة الدراجات النارية .
أما شريط " يام دابو الاختيار " الذي أنتج عام 1986 فلم يكن شريطاً انطباعياً عن المدينة ، ولكن شريطاً درامياً واقعياً بدت فيه المدينة شديدة الازدحام والتعقيد .
أما القصة نفسها فتدور حول فلاح ينتقل مع عائلته إلى الساحل بحثاً عن العمل ، في مكان أكثر خصوبة ، ولكن تجد الأسرة نفسها في مدينة سريعة الحركة ومتشابكة ، ومع شرود الذهن والغفلة ، يموت الطفل الصغير في حادث سير .
إن هذا الفهم للمدينة الحديثة يتضاد مع التصور عن القرية ، ومع ذلك ، يكشف عن الطموح والبحث عن الأفضل عند الأفراد ، مع الترابط والتواصل بين الأماكن الريفية والحضرية .
(9)
في عام 1991 قدم المخرج شريطاً بعنوان " كريم وسالا " وهو شريط روائي طويل لم ينل التقدير المتوقع ، ربما لأنه كان أقل قيمة من الناحية الجمالية والتقنية ، مقارنة بالأشرطة السابقة .
والتي كان نجاحها الكبير سبباً يشكل عقبة أمام المخرج ، نعم لقد كان شريط " كريم وسالا " مجرد تكرار لما جاء في شريط " يابا " وخصوصاً بالنسبة للتركيز على الأطفال بنفس الكيفية المطروحة سابقاً .
لكن ما يميز الشريط الأخير هو أنه يشكل مرحلة جديدة من التطور الفكري والإبداعي للمخرج .
في بداية الشريط " كريم وسالا " يمنح كريم سالا جدياً صغير ، ليس بقصد البيع ، ولكن لكي يقترب منها ، وخصوصاً وأن سالا تقود سيارة أبيها ، وهذا التقابل بين جدي الماعز الصغير والسيارة هو صورة من أوجه التقابل بين القرية والمدينة .
ورغم أن المسافة واسعة وشاسعة بين القرى والمدن إلا أن العمل والتشابك والارتباط العائلي يعمل على تبديد الفرق ويفتح إمكانية للتواصل ، مع دفع الثمن عند الضرورة .
أما البساطة فهمي وجه مكشوف بالصورة ، وتعبر عن ذلك رحلة كريم على حماره في وسط المدينة .
وبمعيار البراءة نجد كريم الصغير قد تورط في مشكلة ، دخل على أثرها السجن وليخرج بمساعدة والد سالا ، ويختار أن يعمل شبه متعهد بسيط لنقل البضائع بين القرية والمدينة ، ثم يستقر بالمدينة هرباً من ظلم عمه .
وتتواصل رحلة كريم بين المدينة والقرية عندما يتعرف أيضاً على زوج عمته ، والذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة .
إن التقارب والحركة بين المدينة والقرية لا تهدأ بالنسبة لهذا الشريط ، ورغم أن هناك سلبيات كثيرة تقف في الطريق إلا أنه مصير محتوم تنقاد إليه الشخصيات .
يستقر كريم أخيراً في المدينة وبعد أن عاد أبوه المفقود وانتهاء مشكلاته مع عمه يكمل تعليمه بالمدينة .
(10)
إن السرد الذي يصور الانتقال والانقطاع بين القرية والمدينة من سمات التعبير في الخيالة التي يسميها النقاد " الخيالة الفرانكفونية " لكنها تسمية خارجية فقط ، لأن هذه المسألة من التقاليد التعبيرية الأساسية في خيالة العالم الثالث ، كما كان يسمى ، وهنا عمل اودراغو في نفس الاتجاه غير أن من المهم هو كيفية التصرف والتعبير وهو ما يميز مخرجاً عن غيره .
يرى بعض النقاد بأن افتتاحية شريط " كريم وسالا " تتشابه مع افتتاحية شريط " زان بوكو " لمخرج من بوركينا وهو " غاستون كابوري " والذي أنتج عام 1988 وفاز بالتانيت الفضي لمهرجان قرطاج السينمائي .
في مشهد مؤلم في الشريط نرى قروياً وهو يصنع لعبة من القش والحطب ، ولقد فاتحه أحد أبناء المدن بقصد شراء اللعبة البارعة ، ولكن القروي الصغير أصر على منح اللعبة مجاناً إلى صديقه الجديد غير أن الولد رفض ذلك ، لأنه لا يريد أن يتعامل مع معايير لا يعرفها ومنها أن لكل شيء ثمن ولاشيء يمنح مجاناً .
إن الأسس والمعايير المادية تتأكد عبر الشريط وحتى النهاية ، وهذا ما جعل من " زان بوكو " شريط مادولاذع ومختلف عن شريط " كريم وسالا " وخصوصاً وأنه غير إيجابي في وجهة نظره وتصوراته .
وتخلص بعض الآراء النقدية للقول بأن أشرطة اودراغو تتجنب المواجهة المباشرة مع الأوضاع الراهنة ، وينقصها ذلك الدفق التاريخي المعبّر عن الحاضر ، ولذلك كانت قوة الأشرطة تكمن في تركيزها على النبرة الفردية في التقدير وهذا أيضاً .................؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق