الخميس، 11 سبتمبر 2008

دون كيشوت ... خيال وأحلام وأوهام





رحلة سينمائية زادها الخيال

دون كيشوت ... خيال وأحلام وأوهام

لعله أشهر كتاب لمؤلفه الكاتب الأسبانيا سيرفانتس ، وفيه يصف مغامراته باعتباره شخصية نبيلة مثالية من أسبانيا تعمل على تحقيق العدالة ونشرها ولقد تولدت هذه الشخصية في كيانه بسبب قراءاته المتعددة للقصص الخرافية والخيالة ، وكذلك بسبب ما خاضه من تجارب وما عاشه من أحوال قذفت به إلى الدخول في معارك حقيقية بالإضافة إلى طبيعة أعماله الإدارية وعلاقاته بالعديد من الشخصيات داخل وخارج أسبانيا.

دون كيشوت أو كيخوت رواية متخيلة ، طبع الجزء الأول منها عام 1605 بمطبعة بمدريد والجزء الثاني طبع عام 1615 ومما ارتبط بهذه الرواية من وقائع جزئية أن مزورا قد أصدر جزءا إضافيا باسم آخر جعل الكاتب يسرع لإتمام روايته وبحسب ما قال سير فانتس فإن الجزء الأول يمثل يوميات مدينة "لامانشا" الذي يقطن بها ، والجزء الثاني هو مخطوط عربي ترجمه أحد الموريسكيين وكتبه سيدي حميد بننجلي وهو نفس الاسم الذي تداول على أنه "بادنجاني" وبصرف النظر عن حقيقة ذلك ‘ فإن المؤلف سير فانتس يلجأ إلى ابتكار الشخصيات وصنعها من المخيلة ليضفي المزيد من الارتباك والغرابة على عمله الأدبي .

السيد المثالي :

ودون كيشوت تعني السيد المثالي واسمه الونزو كويجانو من طبقة الفرسان وهي الطبقة الأقل بالنسبة للنيالة الأسبانية في تلك الأيام أما المرافق الذي اختاره فهو سانشو بانزا وهو من الفلاحين الفقراء ، ولقد أعلن الونزو بأن اسمه هو دون كيشوت أو النبيل السيد المثالي لمدينة لامانشا وهو الفارس التائه رغم أن كلمة كيشوت تعني الذراع الواقي الأسباني .

ولقد عزم الفارس على أن يهيم في أسبانيا على فرسه "روسنان" لكي يصحح الأخطاء ويحمي كل مضطهد أما الإخلاص والولاء والحب فهو لدولسينا الفتاة الفقيرة التي رفعها إلى مرتبة السيدات النبيلات .

والشريط الذي نحن بصدده الآن يعتمد على رواية سيرفانتس والمسماة "دون كيشوت" ولنعترف بداية بأن هذا العمل الأدبي الكبير الذي يعد أكثر الأعمال تداولا بين الناس ، لم يجد الاهتمام الكبير من قبل السينما التي قدمته بطريقة أو بأخرى ولم يقدم أي شريط له قيمته الفنية التي تضاهي بدرجة أو بأخرى العمل الأدبي هناك ولا شك أسباب كثيرة ، منها بالطبع طبيعة الموضوع والاعتماد على التخيل الذي يجعل من قصة دون كيشوت تسير نحو الواقع حينا ونحو المتخيل الغريب في حين آخر وفي نفس السياق ، وقد بدت أيضا وهي الساخرة غير قابلة بأن تكون عملا جادا مهما احتوت من رموز وإشارات ومعانٍ رغم ذلك فإن عام 1933 قد شهد إنتاج أول شريط سينمائي ناطق حول الرواية وهو من إخراج الألماني جورج ويلهام بابست ، ورغم إن بعض المصادر قد ألحقت هذا الشريط بانتاجات عام 1935 ، إلا أنه من المؤكد أن الشريط قد أنتج بعدة لغات ومنها الفرنسية والروسية والإنجليزية ، وبشكل عام كان الشريط بارداً وهو طبعاً بالأبيض والأسود ولم تبرز فيه إلا بعض المشاهد المهمة مثل طواحين الهواء مثلا، فضلا عن موسيقى جاك أيبو الفرنسي .

ورغم الاعتماد على ممثل روسي ومطرب شهير هو باسوفيدور شاليبن – إلا أن الشريط الفرنسي الإنتاج لم ينتج بشكل واضح .

أفضل الأشرطة الموسيقية :

الشريط الثاني كان بعنوان "دون كيشوت" أيضا ، لكنه كان باليه مصور صمم رقصاته وأخرجه "رودلف نيريف" وقام بدور دون كيشوت الممثل روبرت هليمان .

في عام 1972 أنتج شريط موسيقي حول هذه الرواية وتحديد علاقتها بمؤلفها وقد اعتبر الشريط من أفضل الأشرطة الموسيقية وخصوصا بالنسبة للممثلين ولا سيما بيتر أوتول وصوفيا لورين أما الإخراج فهو للمخرج " أرثر هيلر" صاحب شريط "قصة حب – شقة بلازا – طبرق – بينلوب – عين الشيطان – وغير ذلك ، ومن ناحية أخرى تشير المصادر إلى وجود شريط بعنوان(دون كيشوت) أنتج عام 1992 وهو من إخراج "جوزيف فرانكو" وهو إنتاج أسباني على الأرجح وهو أيضا إعادة تصور للمادة التي أعدها أورسن ويلز عندما كان يأمل في إنتاج شريط هو الرواية .

أما الشريط الذي يبدو أنه الأهم فهو للمخرج بيتر ياتس والذي سبق له وأن أخرج أشرطة معروفة عالمية مثل " مدافع نافارون " عام 1961 "جون وماري" عام 1969 و"حرب ميرفي "عام 1971 و"الأعماق " عام 1977 وشريط "التحطيم" عام 1979 و " الشاهد " عام 1981 والرجل البريء وغير ذلك من الأشرطة .

أنتج شريط "دون كيشوت" وعرض عام 2000 وقام ببطولة الممثل "جون ليتقو" مع "بوب هوسكن" و" إيزابيل روسيلليني" ، وهو شريط مرئي وليس سينمائياً .

هذا بالإضافة طبعا إلى بعض الأشرطة التسجيلية وأهمها شريط "ضائع في لاما نشا" إنتاج عام 2002 وهو من إخراج "تيري جيليام" .

وهنا لابد من الإشارة إلى أن هناك بعض الأعمال التي أنتجت في أسبانيا في الجانب التسجيلي والوثائقي وكذلك النوع الروائي ومن الأشرطة التي لا تذكر كثيرا ، شريط " دون كيشوت من لامانشا" للمخرج " رافائيل قيل" وقد أنتج عام 1947 ويعد من أقرب الأشرطة إلى تفصيلات وجزئيات الرواية مثله مثل شريط "دون كيشوت" إنتاج عام 1965 .

أشرطة غنائية:

ويلاحظ هنا بأن الاتجاه نحو الشريط الغنائي الموسيقي قد جاء بسبب نوعية الموضوع الذي تتعرض له الرواية وتقوم عليه ، ولعل أهم الأشرطة المرئية الموسيقية شريط " دون كيشوت" المعتمد على باليه أنتج عام 1984 بالاعتماد على عناصر المسرح الأمريكي للباليه بنيويورك .

هناك شريط قصير بعنوان " كيشوت سيرفانتس" أنتج عام 1992 وهو شريط متميز .

ورغم أن هناك أشرطة أخرى قد أنتجت مرئيا على الأرجح ، إلا أنها لم تطرح أفضل ما يمكنها أن تقدمه حول هذه الرواية العجائبية ورغم أن الغبار قد نفض عن أشرطة أخرى أنتجت في بدايات الخيالة العالمية ولا سيما إنتاجات 1915 – 1923-1926 مما يغني المكتبة السينمائية الروائية ، إلا أن أشرطة الرسوم المتحركة قد استطاعت أن تقدم أفضل ما عندها وهذا ما يتناسب مع هذه الرواية ولم يتناسب مع روايات أخرى عالمية شهيرة من ذلك شريط الرسوم المتحركة "دون كيشوت وصديقه بانشا" الذي أنتج عام 1956 ، وشريط " دون كيشوت وبانشا" وهو إنتاج مرئي من نوع الرسوم المتحركة عرض عام 1971 .

هناك أيضا شريط " عودة كيشوت " إنتاج عام 1996 ، وشريط " دون كيشوت" من جديد إنتاج 1973 .

والشريط الأكثر تداولا من نوعية الرسوم المتحركة هو مغامرات "دون كيشوت وصديقه" وهو إنتاج أمريكي كبير وقد قدم بعنوان آخر أيضا وهو غراميات " دون كيشوت " .

نحو خيال مزيف :

هكذا نلحظ بأن وجهات النظر تتعدد بحسب الزاوية التي ينظر بها إلى هذه الشخصية ، لكن الخط العام لا يخرج عن النزعة الخيالية التي تسيطر على "دون كيشوت" ، فتجعله أسيرا لأوهام من الماضي ، أرادها أن تستمر ، بصرف النظر عما يدور حوله من واقع مختلف .

ولقد راهنت أشرطة الرسوم المتحركة على نوعية الشخصية أولاً ثم علاقته بصديقه وأخيرا علاقته بباقي الشخصيات التي يمكن التعبير عنها بواسطة المبالغة واستخدام الأساليب الفنية التي تستخدم فيها الرسوم والإخراج المرئي .

لكن من المهم القول بأن شخصية "دون كيشوت" ليست من النوع السافر أو الضاحك ، فهو جاد في كل ما يقوم به ، ويوافقه في ذلك صديقه سانشا ، إلا أن أعماله وتصرفاته تقود إلى السخرية منه ، لأنه يعيش الأحلام بالفروسية وهو غير مؤهل لها ، فهو مجرد فارس بسيط ومتواضع ، أيضا دفعت الرغبة في النفوذ وحب الشهرة وتحقيق مبدأ الفروسية ، دفعت بالفونسو نحو اللجوء إلى الخيال المزيف .

لابد لنا من تقديم لمحة عن هذا الكاتب " سيرفانتس سافيديرا دي ميخويل " فهو من مواليد – على الأرجح – عام 1547 ولقد كتب روايته على مرحلتين " 1605-1615" ولقد اعتبرت منذ صدورها من أهم ما كتب بالأسبانية من أدب يصل إلى مستوى ما كتبه هوميروس ودانتي ووليم شكسبير .

ومن جانب آخر اعتبرت الرواية هجائية ساخرة ولا سيما من فرسان العصر الوسيط الذي ما زالت أفكاره وخصائصه معششة في أسبانيا ، فضلا عن السخرية من القصص الخرافية التي كانت منتشرة بما فيها تلك النوعية من الروايات التي تعرف باسم الروايات الرعوية .

ولد "سيرفانتس " عام 1568 بمدينة " دي مانشا" التابعة لقشتالة ، جنوب مدريد وما يعرف عنه وهو طالب كتابة الشعر حتى أنه أصدر ديوانا شعريا يخلد فيه ذكرى الملكة إليزابيث وبعد رحلته إلى روما التحق بالعسكرية في نابولي ولقد شارك في معركة ضد الأتراك عام 1571 ، وهي معركة "ليبناتو" وفيها أصيب بجروح جعلته غير قادر على استخدام يده اليسرى ، وعند عودته إلى أسبانيا قبض عليه من قبل بعض البحارة وسجن في الجزائر إلى أن دفعت أسرته فدية لإنقاذه .

ولم يتمكن من الحصول على وظيفة مرموقة رغم أنه محارب متقاعد ، لذلك اتجه نحو الكتابة ، فكتب شعرا وكتب مسرحيات ، لكنها ضاعت أو أنه لم يكملها إلا القليل منها.

أيام السجن :

أهم ما كتبه في تلك الآونة رواية " غالاتيا " عام 1585 ونجحت الرواية لكنها لم تخدمه ماديا فعمل في تسجيل البضائع الخاصة بالأسطول الأسباني " الأرمادا" وعمل أيضا في جمع الضرائب وأودع السجن أكثر من مرة لأنه لم يحسن جباية الضرائب بشكل منظم .

ولقد أشار بعض المحللين والنقاد بأن هناك افتراضاً بأن أيام السجن قد ساعدته على التخيل ، فتصور شخصية الفارس الذي يقدم على المغامرة تلو الأخرى في شكل حكايات من القرون الوسطى .

وفعلا كتب سرفانتس روايته في جزء أول وطبعت بطريقة غير قانونية في ثلاث طبعات ، نجحت بعدها نجاحا كبيرا لم يستفد منه سرفانتس شيئا لأنه لم يكن على علم بالمسائل الإدارية والقانونية .

كان ذلك في عام 1605 وترجم الكتاب إلى الإنجليزية عام 1612 ولقد أصدر سيرفانتس مجموعة قصص ساخرة التقط شخصياتها وأحداثها من حياة المجرمين والسجناء والمشردين وجاءت بعنوان "الكلاب التي تنطق" عام 1613 ثم أعقبه بالجزء الثاني من دون كيشوت وأخيرا رواية رمزية بعنوان "برنيسيللا" وفي نفس اليوم الذي توفي فيه شكسبير ، مات "سيرفانتس" مودعا عالما يقع بين الحقيقة والخيال ، مات وهو على فقر واضح للجميع ، غير أنه في الحقيقة كان غنياً من مستوى رفيع ، لأن عمله الأدبي " دون كيشوت" قد أكسبه خلودا أدبيا وجعله جزءا متداخلا مع الأدب الأسباني الذي يستمد مصادره وأساسياته من ثقافات متعددة ومتنوعة أهمها الثقافة العربية الإسلامية .

براءة وأحلام مجهضة :

جاءت القيمة الفنية للرواية من أنها جمعت بين الحكايات التقليدية والأسلوب الباروكي الزخرفي الذي ينسج قصة إلى جوانب أخرى ، من جانب ، والأسلوب الحديث نسبيا الذي يصف الشخصيات من الداخل ، فلا يكتفي بالنظر إلى الزخرفة الخارجية فقط .

لهذا السبب كتب الكثير عن علاقة "دون كيشوت" بصاحبه ورفيق رحلته ، وكذلك علاقته ببروسيلينا – سيدته المتخيلة ، أما صراعه الأخير مع أحد الطلبة النابهين ودخوله في رهان معه ، فهو يمثل حالة قطع معلنة بين الماضي والحاضر ، بين طالب الجامعة والفارس الحقيقي وبين الزيف الذي يمثله "دون كيشوت" بكل براءة وأحلام مجهضة وآمال مغدورة وواقع لا يمكن التعامل معه إلا بهذه الطريقة .

في آخر الرواية ، و " دون كيشوت" على فراش الموت ، يقول بأنه هو الذي هزم نفسه ولم يهزمه أحد ، فقد كان يود أن يخسر لكي تنتهي رحلة الخيال الواهم وتبدأ رحلة العقل والعلم ، وهذا ما حدث فعلا في أماكن من أوروبا ، كانت أسبانيا من بينها ، لكنها في مرحلة متأخرة عنها بعقود وربما قرون .

عندما نتحدث عن الشريط الرئيسي هو "دون كيشوت" إنتاج 2000 فنعني بذلك الشريط المرئي الذي أخرجه "بيتر بيس" وأنتجه المنتج الإنجليزي "هربرت هالمي" والذي قدم سلسة من الأعمال المرئية التي تعتمد على أصول كلاسيكية ومنها حديقة الحيوانات لجورج أرويل – اليس في بلاد العجائب – ميرلين وغير ذلك من الأشرطة المرئية المخصصة أصلا إلى للبث المرئي .

عندما نتحدث عن ذلك فإننا ندرك ولا شك طبيعة العمل المرئي الذي يراهن على التقشف أو على الأقل ليس من مصلحته الإنتاجية أن يظهر العمل بصورة ضخمة إنتاجيا ، ويترك ذلك إلى السينما التي تصرف الملايين أحيانا من أجل عمل كلاسيكي أو تاريخي أو من أشرطة الخيال العلمي .

سنرى ذلك التقشف في الإنتاج بوضوح من خلال أكثر مشاهد الشريط المرئي الداخلية ، وعلى سبيل المثال المكتبة في أول الشريط ثم الفندق وفناء البيت ، ورغم أن "دون كيشوت" من هو من فنه " هيدالغو" أي الفرسان الذين يعتبرون في آخر القائمة اجتماعيا وكذلك الأمر بالنسبة لسانتو ، فإن أمكنة أخرى ومواقع تصوير أخرى كانت أقرب إلى التواضع وحتى اختيار الأماكن الطبيعية كان يميل نحو اختيار الاعتيادي والمألوف من مناطق خضراء في الغالب .

رغم ذلك فإن مشهد محاربة طواحين الهواء ، كان جيدا وكذلك الأمر بالنسبة لمشهد الكهف رغم الجانب المصطنع الواضح فيه ، وبالطبع يحتاج الشريط إلى درجة من الإقناع الطبيعي التي يحققها بدرجات معينة وإن كان المتفرج لا يمكنه أن يتداخل مع الشخصيات أو الأجواء أو الفضاء الذي يدور فيه الحدث بسبب بعض النواقص التي يؤثر عدم وجودها على حسن استقبال الشريط التاريخي .

ومن هنا نلمس الفراغ وقلة عدد الشخصيات في الشريط إلا في حدود معينة ، إذ لم يستطع هذا الشريط المرئي أن يقدم لنا العصر الذي دارت فيه الأحداث بكل أجوائه بما في ذلك من ملابس وأدوات لم تبرز ، فضلا عن الموسيقى والخلفية الاجتماعية والسياسية المختفية .

سيد لامانشا القادم :

يبدأ شريط " دون كيشوت" بالمقدمة المعروفة التي نرى فيها الونسو في مكتبته وهو يعيش في عالم الكتب ولا سيما المتخيلة والغرائبية منها .

وعلى هذا الأساس فإن المؤلف الرئيسي قد اخترع شخصية أخرى لتكون مدخلا لعالمه وها هو أيضا يتحول إلى شخصية جديدة يخترعها الونسو وهي شخصية النبيل دون كيشوت ، سيد لامانشا.

ولكن دون كيشوت لا يكتفي بأن يكون شخصية مبتكرة ، بل يستمر في التخيل ، فيخترع شخصية الفارس الذي يحقق العدالة وينقذ الضعفاء ويدفع الظلم إنه فارس من العصور الوسطى بحسب مواثيق شرف الفرسان .

وكما قلنا لا يلفت الشريط كثيرا نظرنا إلى الوقائع التي أدت إلى هذا التحول في شخصية الفونسو ، إنه ومع أسرته المحدودة ولا سيما ابنه اختيف يمضي نحو عالم التغيير والخيال ، ربما هربا من واقع صعب ، وربما أيضا بحثا عن شيء لا يعرفه ..

تتحول الفتاة الفقيرة المجاورة له إلى سيدة ، يعمل هو على إعلاء شأنها ورفعها باعتبارها السيدة الأكثر جمالا في أسبانيا .

وهذا الأمر ينطبق أيضا على صديقه "سانشا" إنه فلاح فقير يسكن بجواره يعيش مع امرأته وأولاده ، وبقدر نجاح الفونسو في إقناع صديقه بالارتحال معه في رحلات خارجية يحققان فيها العدالة ويحميان كل ضعيف ، لم تقتنع زوجة سانشا إلا بما يقدمه لها الواقع مع أفعال فعلية . غير أن الزوج ليس لديه ما يعوض به فقره ، ويلجأ إلى الحلم أيضاً ، ويرضى بأن يسافر مع صديقه نظير أن يسلم له جزيرة كاملة يحكمها .

تبدو شخصية "سانشا" واقعية ، رغم أنها تسير بمعية دون كيشوت الحالم ، ولقد سار الشريط في نفس الاتجاه تقريباً واعتمد على كفاءة ممثلين هما جون لينو وبوب هوسكن ولا سيما الثاني المناسب للدور بشكل جيد .

محاربة الطواحين :

يتتبع الشريط الرواية فمن محاربة طواحين الهواء إلى مناصرة الضعفاء والمشاركة في الحروب ، ويعتمد الشريط في كل ذلك ، على تصور الواقع أولا ثم المتخيل حسبما يراه دون كيشوت وأحياناً التداخل بينهما بحسب رؤية صديقه سانشا ، وهذا الأمر يحدث في مشهد العمالقة الذين برزوا من طواحين الهواء وكذلك الخرفان التي تحولت إلى فرسان ، والمرافقين من الراهبات اللاتي تحولن إلى لصوص وهكذا يستمر الشريط في نسخ القصص المتخيلة واحدة بعد الأخرى .

ولعل المشهد الرئيسي يتمثل في الفندق الصغير الذي تحول إلى حصن كبير بحسب مخيلة دون كيشوت ، ثم ترسيمه فارسا ومنحه الوسام الأول ، من قبل صاحب الفندق الذي وجد نفسه مدفوعا إلى ذلك لكي يكسب بعض المال .

يعود دون كيشوت في الشريط إلى منزله مرتين وفي الرواية ثلاث مرات لكي يبدأ من جديد ولكن بحماس أقل ودافع بارد لأن الظروف تسير به في عكس ما كان يأمل .

في الرواية كان المؤلف نفسه يتدخل بين الحين والآخر ، ولكن في الشريط لا مجال لذلك ، فالتعليقات يصعب تثبيتها سينمائياً ، وعلى سبيل المثال يصور الشريط بشكل بسيط نزول دون كيشوت إلى الحفرة الكبيرة لإنقاذ إحدى الشياه المختفية ، ثم نراه داخل الكهف يتخيل أنه دفع مالا من أجل سيدته الجميلة ، وهو مبلغ زهيد لا يتناسب معها حسب رأيه ، غير أن هذا المال قد دفع فعليا لعدد من اللصوص لكي يعيدوا الشاة المسروقة ، وهكذا ينجح الشريط في عرضه للمشاهد رغم البساطة والتقشف في استخدام الخدع البصرية .

أثناء العودة الثانية لدون كيشوت تبدأ الأسرة في التفكير في إعادته لواقعه وفعلا تنجح في ذلك .

متغيرات جديدة :

دون كيشوت رواية ساخرة وعميقة فيها الكثير من القصص المفردة ،والتي يجمعها خط هذه الشخصية التي عبرت عن زمانها وأحلام مؤلفها ومشاغله وأيضا انتقاده للحياة في أسبانيا قبل كل شيء ، وكانت لسان عصر بكامله لقد سخر دون كيشوت من الحياة في أسبانيا لأنها تعتمد على تصوير الخرافات والأساطير وفي مكان آخر من العالم كان هناك زحف علمي يتقدم ويتطور ، وهذا ما حدث فعلا فقد تطورت الحياة في أكثر من دولة وبقيت أسبانيا تحكم بأوهام الفروسية رغم أنها دولة غنية نسبيا ، ليس بسبب الزراعة فقط ولكن لأنها غزت أمريكا واستولت على الذهب وعادت به ، ولكنها لم تستخدمه للبناء والعمل بقدر ما وزع على الطبقات الغنية حسب النظام الاجتماعي المتخلف في ذلك الوقت ، مقارنة ببعض الدول الأوروبية ، إنه " دون كيشوت " الفارس الحاضر أبدا رغم تغيير السنين والذي قدمته السينما باحتشام لا يتناسب مع مكانه .

ليست هناك تعليقات: