الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

حول فيلم حرب العوالم



الأرض لا ترحب بضيوفها

ينتظر عشاق السينما أفلام المخرج ستيفن سبيلبيرغ بلهفة وتشوق، إن لم نقل بفارغ صبر، ليس لأن الأفلام الاخرى التي تقدم لا تلبي الحاجة ، ولكن لأن هذا المخرج يقدم مع كل فيلم جديد نقلات سينمائية كبيرة في عالم السينما وتطوره على الصعيد التقني والفني.

إنه أحد اهم المخرجين في العالم وفق التصور الامريكي لمفهوم السينما الذي راعي مع جودة الانتاج تحقيق العوائد المادية الكبيرة، والتي نجح فيها سبيلبيرغ من خلال ما قدمه من افلام غلب عليها الطابع التقني والتجاري والغرائبي.

وفي فيلمه الجديد "حرب العوالم" إنتاج 2005 يدور المخرج في نفس الدائرة المعتادة لأفلام الكوارث ، بسبب وقوع الأفراد في قبضة المخلوقات غير العادية والتي تسعى للفتك بهم أو بسبب ثورة عوامل الطبيعة وما شابه ذلك.

إذا عدنا الى بعض أفلام المخرج سبيلبيرغ القريبة إلى هذا المعنى وجدناها كثيرة ، أهمها "الفك المفترس" إنتاج 1975 والذي كان فتحا في أفلام الرعب الجماعي. بالاضافة إلى الحديقة الجوراسية إنتاج 1993 وأشرطة أخرى يتداخل فيها الرعب مع الخوف مع بعض القضايا الاجتماعية والعائلية مثل شريط "إي تي" إنتاج 1982 وشريط "لقاءات من النوع الثالث" إنتاج 1999 وشريط "الذكاء الاصطناعي" إنتاج 2001.

كما أن هناك أشرطة يتم التركيز فيها على الويلات والمصاعب الانسانية التي تواجه الفرد والجماعة كما في شريط "إنقاذ الجندي رايان" إنتاج 1998 وشريط "آمستاد" إنتاج 1997، وبعض الأشرطة الأخرى مثل "قائمة شيندلر" إنتاج 1993 وبعض أشرطة المغامرة مثل "سلسلة إنديانا جونز".

والحقيقة أن هذا المخرج له تنويعات متباعدة في اختيار الموضوعات ، حيث يتنقل من نوع لآخر بكل سهولة ، وهذا ما حدث فعلا عندما قدم شريط "امبراطورية الشمس" انتاج 1985. ثم نجده بعد سنوات يعود ليخرج شريطا رومانسيا بعنوان "دائما" إنتاج 1989 وينتقل بعدها إلى شريط "هوك" إنتاج 1991 وهو شريط مغامرات وفانتازيا.

وبالطبع لابد لنا من ذكر أشرطة مثل "امسك بي ان استطعت" وشريط "تقرير الأقلية" انتاج 2002 ثم الشريط المتميز "المحطة النهائية" إنتاج 2004.

ليس ما ذكر يمثل كل أشرطة المخرج المنتج المتميزة ستيفن سبيلبيرغ لكن الأشرطة التي تعامل معها تشهد بقدرته على التعامل مع كل الأنواع وهي ميزة مرتبطة بالقليل من المخرجين وليس كلهم .. فهناك طابع إنساني عام في معظم الأشرطة التي قدمها المخرج ، وهناك توجه نحو التعامل مع الشأن العائلي ، حيث يتواجد الأطفال دائما في أسرة مضطربة أو مفككة أو تعاني من مشاكل اجتماعية ، أما الأهم فهو ان البسطاء من الأفراد يلقى بهم في أتون جحيم ليس لهم به علاقة ، يكتشفونه أولا بأول، وبالطبع هؤلاء الأفراد العاديون هم أقرب إلى الجمهور ، ومن هنا يأتي مصدر استغلاله وسيلة لمتعة أساسها أن يخاف الجمهور فيقبل على الأفلام أكثر فأكثر.

أما أهم علامة شكلية دالة في أشرطة المخرج سبيلبيرغ فهي وجود ذلك الطفل الذي يعيش عزلة فرضت عليه ، فتلتقي عناصر الشريط لتخدم قيمته الموضوعية في قلب الأحداث وحولها.

كان من الضروري الحديث عن مخرج الفيلم قبل التعرض للفيلم نفسه ، والسبب يرجع الى أن المخرج هو الفيلم نفسه، وأنه يصعب الفصل بينهما ، ليس لأن للأمر علاقة بسينما المؤلف ، ولكن لأن فيلم "حرب العوالم" يتقاطع مع الأشرطة السابقة للمخرج ، وأيضا مع الظروف العالمية الحالية، ويطرح بعض وجهات النظر المتشابكة والمتضاربة في مقاصدها وأهدافها.

يستند فيلم "حرب العوالم" على رواية شهيرة للكاتب البريطاني هيربرت جورج ويلز 1897 – 1946 كتبت عام 1998، ونشرت بنفس العنوان ، في وقت كانت الامبراطورية البريطانية واسعة ومسيطرة عالميا، ورغم أنه لاتوجد إشارة واضحة إلى أن غزاة الأرض الذين أبرزتهم الرواية من سكان كوكب المريخ ، إلا أن المريخ كان الكوكب الأقرب الى احتمال وجود حياة من نوع معين على سطحه، وكما تقول بعض الآراء النقدية ، فإن الانجليز وهم يحتلون اراضي غيرهم ويغزون شعوب بعض المناطق في آسيا وأفريقيا كانوا أشبه بغزاة الأرض الذين يسعون إلى تدميرها ، كان ذلك هو الاطار السياسي التاريخي ، وكذلك العلمي والتقني الذي اهتم به الكاتب هيربرت ويلز في صياغة خيالة أدبية ، وكما تجسد ذلك في بعض الروايات مثل : جزيرة الدكتور مورو.. آلة الزمن.. الرجل غير المرئي.. أول رجال القمر.. امبراطورية النمل.. وغيرها من الروايات العلمية التخيلية.

لم تقتبس رواية حرب العوالم لأول مرة في هذا الشريط ، لكن اقتبست سابقا ، وتحديدا في شريط حرب العوالم إنتاج 1953 ومن إخراج بايرون هوسكين وهو شريط متقدم في تقنيته وفق الزمن الذي أنتج فيه ، ومن الطبيعي أن يقترب من مفهوم الحرب الباردة في تلك الآونة.

هناك ايضا شريط تلفزي أنتج عام 1975 بنفس الاسم ، لكنه أضاف أيضا إلى موضوعه ما حدث عام 1938 عندما قدم المخرج الشهير أورسن ويلز دراما إذاعية اعتمدت على الرواية ، لكنها كانت واقعية الى الدرجة التي خرج فيها الناس إلى الشوارع بعد سماعهم عن غزاة قادمين إلى الأرض.

كما يمكن التوقف قليلا أمام المسلسل التلفزي المعتمد على نفس الرواية وهو انتاج عام 1988 ويبدو أنه من المسلسلات غير الناجحة لأنه لم ينتشر بشكل جيد.

هذا يعني أن رواية هيربرت ويلز ، مثل غيرها من رواياته ، قد عرفت طريقها إلى الشاشات بعده ، طرق فماذا أضاف المخرج ستيفن سبيلبيرغ الى كل ما سبق؟

سيبقى هذا الشريط متميزا ، رغم أنه ليس من أعمال المخرج الجيدة فقد توفرت فيه بالطبع التقنية التي يحرص عليها هذا المخرج ويطورها من فيلم لآخر، وفي هذا الشريط نجد تقنية الفيديو متداخلة مع تقنية السينما ، بحيث تجري الأحداث بشكل طبيعي وقريب إلى العين، في درجة عالية من الواقعية ، رغم أن هناك جانبا تخيليا كبيرا يتمثل في وجود تلك الآلات الضخمة التي تتحرك على ثلاثة أرجل وتخرج منها كائنات رقيقة الهيكل ، سبق أن شوهدت أشكالها بطريقة تقريبية في عدة أشرطة للمخرج، لكن المخرج يقربها إلى المشاهد في هذا الفيلم بعكس أشرطة سابقة له ، والسبب يرجع الى أن الكائنات الغريبة أو الغرباء جميعا الذين يقومون بغزو الارض قد كانوا مسالمين ، لديهم حسن النوايا الطيبة في التعاون المشترك، وهو ما حدث تحديدا في ثلاثية سبيلبيرغ الافتراضية "أولا أي تي ثانيا لقاءات من النوع الثالث وثالثا العقل الاصطناعي" حيث يندرج الكائن الغريب في أجواء كوكب الأرض العائلية أو تبدو على هؤلاء الغرباء بوادر إيجابية في تعاملهم ، وفي رسائلهم ذات الطابع الانساني الوجداني.

أما في شريط "حرب العوالم" فالأمر مختلف تماما، ذلك أن الغرباء هنا يحاولون تدمير وتبخير الجميع ، بل وصل الأمر إلى درجة امتصاص الدماء وتجميعها فيما يشبه الخزان داخل سفينة فضائية ضخمة.

الأمر الثاني المتعلق باختلاف شريط "حرب العوالم" عما سبقه فيتمثل في أن الآلات الجهنمية تخرج من باطن الأرض ولا تاتي مباشرة من كوكب آخر أو مصدر مغاير، إنها وكما يقول الفيلم قد عاشت ملايين السنين تحت الأرض وتنتظر فقط إشارات ضوئية تشبه البرق لكي تشق الأرض وتخرج منها.

بالطبع ليست هناك إجابات ولو نظرية حول منطقية هذه الوقائع ، فلا تفهم لماذا زرعت الآلات في الأرض كل هذه المدة؟! أو كيف كانت تستقر بكل الكائنات التي فيها ، خصوصا وانها تمتص الدماء وتحتاج اليها على ما يبدو ؟ ثم كيف يكون للبرق تأثير عليها وما علاقة الزوابع بها؟! وكأن المسألة تتعلق بأرواح "التيتان" وبراكين "الزينو"!! اسئلة كثيرة جاءت بسبب الاضافات على الرواية الأصلية.. فلا توجد إجابة واضحة عليها أو تفسير يحمل منطقا داخليا واضحا، وبالتالي فالمشاهد يخرج بعد الفيلم وهو لا يذكر إلا بعض لحظات الرعب ، وهذا ما يجعل الفيلم مجرد رقم في سلسلة أفلام الصيف التي لا تستحق أن تطرح أسئلة حولها!!

لابد لنا من العودة الى بداية الشريط ، لوضع تلك التساؤلات في موضعها الحقيقي، فمع المقدمة التي تشمل صوت الراوي "مورغان فريمان" نعود إلى سطور الرواية نفسها وكيف أن الناس لا تبالي بما يجري حولها، فهي تعيش حياتها وتبني يوما بعد يوم، وفي خلفية شبه وثائقية، يمضي الصوت الرخيم مشيرا إلى ما يدبر في الخفاء، إلى الكائنات التي تهدد الأرض في غفلة وصمت وفي النهاية يعود الصوت ليقرأ سطور النهاية.

في الواقع لا توجد كائنات محددة، لأن المصدر هو باطن الأرض أي داخل الأرض نفسها، حتى لو كانت إشارات الفعل الحقيقية تأتي من الخارج، وعلينا أن نبحث إذن عن هؤلاء الذين يسعون لتدمير العالم وهم من الأرض نفسها!!

لا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي الباعث وراء كل هذه الشكوك والتأويلات ، وإن الرواية قد كيفت لتخدم تداعيات هذا الحدث المهم في تاريخ أمريكا المعاصر.

ومع وجود هذا الإطار العام. فإن الفيلم يلمس الجانب النفسي المتكرر لدى سبيلبيرغ ، ورغم أن المخرج يشارك في كتابة السيناريو. وكتب السيناريو كل من جوش فريمان وديفيد كوب إلا انه يركز على ما يشغله من مثيرات لها طابع ذاتي ونفسي ، حتى يمكن الافتراض بأن "عقدة أوديب" هي الباعث وراء الكثير من الأفلام لستيفن سبيلبيرغ ومنها هذا الفيلم.

في بداية الفيلم فعليا، نجد مشهدا قصيرا يوضح طبيعة عمل "ري فيرير" يقوم بالدور "توم كروز" ، فهو عامل فني على الرافعات الضخمة، وبالطبع لسنا ندري سببا لاختيار هذه الوظيفة، إلا انه يمكن القول بأن الوظيفة تقول بأنه الأب، يتعامل مع الآلات الضخمة وله القدرة على تحريك المواد الكبيرة، كما أن وظيفته تعني أنه شخص غير منظم أو ليس لديه الوقت للعناية بأسرته، لذلك نجده يسرع بإنهاء عمله ومغادرته بالسيارة الى حيث بيته لكي يلحق بالموعد المحدد.

إن السيارة هنا هي تمهيد لحدث آخر وهو أن الابن "روبي" سوف يقودها دون علم والده ويضطر الأب للنزول إلى الشارع لاستردادها ، وفي الشارع سوف يعرف ما يحدث بالضبط من أجواء غريبة تنذر ببداية الكارثة.

أما المشهد الرئيسي في الفيلم، فملخصه أن كلا من الولدين "الفتاة الصغيرة راشيل والصبي روبي" سوف يقضيان العطلة مع أبيهما ، حيث أن الأم المطلقة والمتزوجة من شخص آخر وهي حامل أيضا، سوف تذهب لقضاء العطلة الأسبوعية في بوسطن.. وعند التقاء الاطراف وهو ما تصوره الكاميرا فعليا تحيي الفتاة الصغيرة تقوم بدور "داكوتا فاننغ" اباها يستعد الأب لاحتضان ابنه روبي "جوستن شانستوين" فلا يأبه الابن لذلك، بل يمضي نحو المنزل مباشرة.

هذا المشهد الذي وصفناه بأنه رئيسي له تكملة تأتي في نهاية الشريط وفي المشهد الختامي ، حيث يجري الابن نحو أبيه ويحتضنه ، لاغيا بذلك المشهد الأول ، وإن النقلة هنا هي رحلة التجربة والامتحان التي خاضها أبطال الشريط وصولا إلى نقطة معينة وهي غير النقطة التي انطلقوا منها.

وإذا كانت الرحلة تهدف إلى الانتقال من نيويورك الى بوسطن ، ولم يتحقق ذلك ، فإن الرحلة الأخرى الخاصة بعلاقة الأب بابنه قد تطورت حتى حققت أهدافها في النهاية.

ولأهمية الابن بالنسبة لأشرطة سبيلبيرغ، فإنه يبقى دائما ضرورة ، مع العلم بأن شخصية الابن هذه ليست موجودة في الرواية الأصلية، بل أضيفت إلى الفتاة الصغيرة لكي يتحقق الكيان العائلي المهدد بالانهيار من داخله ومن خارجه بواسطة ما يعترضه من مصاعب.

وهكذا نجد طيلة الاحداث والتي بدأت بالبرق وقطع الاتصالات والاصوات الحادة مع خروج سفن فضائية من تحت الأرض وتبخيرها للناس وتحطيمها لكل شيء، نجدها قد ملئت بالتفاصيل الخاصة بمحاولة الأب حماية ولديه والحفاظ عليهما وإيصالهما الى منزل أمهما أولا ثم إلى بوسطن ثانيا، وهي ليست مكان للنجاة بالطبع، ولكن مكان يشكل هدفا بالنسبة له، لابد أن يثبت بأنه أهل لتحقيق الهدف.

إن الشريط يقوم على محاولة الأب اثبات أنه جدير بتحمل المسؤولية وأنه أهل لأبوة وعلى الابناء احترامه قياسا على ذلك.. والمشكلة بالطبع تتضح في العلاقة المفقودة بين العائلة وخصوصا علاقة الأب بأبنائه لأن الأم ناجحة وإيجابية وهي حامل من زوجها الثاني ايضا.

ترسل الإشارات الضوئية فتتوقف الاتصالات ويصيب الرعب الجميع وهو رعب في الداخل ، داخل البيت، ورعب في الشارع أي أن الفيلم يسير في اتجاهين، أحداث تقع داخل المنزل ، الأول ثم الثاني وأخيرا المكان المعزول وهو قبو تحت الأرض في ضيافة شخص غريب وهو "أوتليفي" – قام بالدور الممثل "تيم روبينز" صاحب شريط اللاعب وشريط قطع صغيرة ومصحة شوسانك والنهر الغامض وغير ذلك من الاشرطة المهمة – والاتجاه الثاني أحداث تقع في الخارج ، والحقيقة أن شخصية "أوتليفي" قد منحت الشريط بعدا إضافيا ، خرجت به من السطحية التي سار عليها من البداية، وهو ليس شخصية حقيقية من شخصيات الرواية، بل هو تكوين من شخصيتين أحدها شخصية القس التي اختفت من هذا الشريط ، حيث من النادر أن نجد هذه الشخصية في أشرطة سبيلبيرغ.

لقد بدا الشريط أثناء التصوير الخارجي وكأنه استدعاء ليوم "ما بعد الغد" نهاية العالم ، ويقترب الشريط في ذلك من أشرطة مثل "يوم الاستقلال" ، إلا أنه يصور الحرب بشكل مباشر ولا تظهر القوات الامريكية إلا في خلفية الحداث، بل يمكن القول إن الشريط ليس حربا للعوالم بقدرما هو لكارثة فجائية تتجه أحيانا نحو التطرف إلى ما يصيب البشر من تغييرات بسبب الأهوال التي تعترضهم فتفقدهم إنسانيتهم ، كما في مشاهد الاستيلاء على السيارة ثم العبور عبر الجسر الى المركبة البحرية، والتجمع البشري في مناطق مهددة بالاخطار، ومن المشاهد الجيدة، حركة النهر المتدفق المليء بالجثث الطافية، وهو مشهد أكثر رعبا من المشاهد التي تترك فيها المركبات الضخمة وخصوصا المشاهد يراه من خلال الفتاة الصغيرة.

في النصف الأول من الشريط تتظافر الجهود لمداخل جيدة ، ولكن بعد ذلك يتحرك الحدث، لأنه أوشك على الانتهاء من المنتصف.. وللعلم فإن هذا الشريط يعد من أقصر أشرطة سبيلبيرغ الأخيرة "118" دقيقة.. ولكن التعاون مع مدير التصوير جانوس كامينسكي والموسيقي جون باري قد أنقذا الشريط من التراجع بسبب عدم وضوح الهدف، لاسيما وان الفيلم قد صدر من النوع "الكارثي" الذي يقترب أحيانا من شريط "غودزيللا" في نسخته اليابانية، كما أن المشاهد الكبيرة المعروضة تقترب من مشاهد سبق لنا رؤيتها في اشرطة المخرج ، كما في شريط "إنقاذ الجندي ريان" مثلا وشريط "تقرير الأقلية" والذي سبق أن شاهدنا فيه حركة التلصص لعدسة التصوير المتحركة داخل القبو.

أما السفينة الفضائية نفسها فلديها قاعدة تجمع فيها ما تلتقطه لتلتهمه بعد ذلك أو تمتص دمه بواسطة سيقان ملتوية حادة ودقيقة. ورغم كل المصاعب فإن هناك من ينجح في الفرار منها ولاسيما "ري وابنته".

لم يوفق الشريط في توضيح العلاقة بين الابن "روبي" وحركة الجيش، فهو يحاول بأمر أبيه الالتحاق برتل الدبابات وبدافع داخلي غير مدروس ، ورغم أن الأب يترك ابنه مضطرا ، لأنه اختار جانب حماية القوات العسكرية له، إلا أن الجميع بالطبع يصلون الى البيت الأصلي، بعد أن سقطت قطعة حديدية من قلب قاعدة السفينة الفضائية لتكون هي نقطة ضعفها والتي أدركها الجميع ، فتهاوت السفن لذلك السبب ، وصارت في لحظة واحدة لا تساوي شيئا بإرادة صناع الاشرطة ليس إلا.

النهاية البسيطة والمفتعلة والمتوقعة ، أعادت الأمور إلى نصابها رغم كثرة الضحايا والخسائر الكبيرة ، ومما أضعف النهاية عدم إشارة الشريط إلى أن هذه الآلات يمكنها أن تظهر مرة أخرى، جريا على شبه القاعدة المتبعة في هذا النوع من الأفلام ، والتي توحي دائما بأن هناك شيئا ما يشير إلى استمرارية ما نتوهم أنه قد انقضى وتخلصنا منه ولاسيما إذا كان شرا.

لابد من الإشارة في النهاية إلى شخصية "ري" والذي يسيطر على الشريط ولا يعلم المشاهد بشيء إلا من وجهة نظره ، فهو الشخصية المحورية الذي يستلم الفيلم بعد تمهيد الراوي.

ومن الطبيعي أن شخصية من هذا النوع المسيطرة على الفيلم تماما لا تكاد تسمح بوجود شخصيات أخرى منافسة، فالأم "أيون" تقوم بالدور "ميراندا آتوا" لم تظهر إلا في دقائق معدودة ولا ينافس "ري" إلا الطفلين فقط وخصوصا الفتاة الصغيرة على وجه الخصوص.

ولقد بدا واضحا أن الفيلم يركز على نجومية توم كروز ، فمعظم المشاهد لا تحتاج إلى تمثيل بقدر ما تحتاج على نجم يضمن نجاح الشخصية ، رغم ذلك فإن تصرفات الممثل وصبيانيته أحيانا وفيها سرعة في التصرف واندفاع غير محكم ، فالجمهور ينسى الشخصية كما ينسى الفيلم بمجرد الانتهاء منه تقريبا ، وللممثل دور في ذلك.

لقد توفرت لهذا الممثل أدوار كثيرة طيلة السنوات الماضية بعضها جيد ، ولكن لم يتحول بعد من نجم إلى ممثل ، ومن أهم أدواره المعروفة "لون المال – 1986، مولود في الرابع من يوليو 1989، ارحل بعيدا – 1992، ماغنوليا – 1999، عينان مقفلتان على اتساعهما – 1999، فانيلا سكاي – 2001، مهمة مستحيلة – 2001، تقرير الأقلية – 2002، الساموراي الأخير 2003، الغامض 2004.

إن فيلم سبيلبيرغ نمطي يعتمد على موضوعة وحدة وشخصية واحدة ويستند إلى تصور واحد وفق رأي لمنظور فكري واحد ومقدم بطريقة أقرب إلى جمهور الكتلة الواحدة.

ليست هناك تعليقات: