جاذبية الصورة السينمائية
بالاضافة إلى دراساته وأبحاثه في المسرح وعمله في مجالات الترجمة وممارسة النشاط الثقافي الاكاديمي تنال السينما اهتماما خاصا من الدكتور عقيل مهدي يوسف لاسيما وأنه قد عمل رئيسا لناد بالعراق لفترات متلاحقة، فضلا عن التدريس بكليات في بغداد وطرابلس في مواد لها علاقة بالسينما بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهذا الكتاب الصادر منذ فترة قريبة يجمع بين جوانب مختلفة فهو أولا كتاب له طبيعة تعليمية وموجه إلى طلبة كليات الفنون والإعلام وهو أيضا كتاب ثقافي نقدي يركز على الدراسة النظرية للسينما وفنونها البصرية.
عنوان الكتاب هو "جاذبية الصورة السينمائية" مع عنوان جانبي يشير إلى أن الموضوع المختار هو دراسة في جمالية السينما وذلك لتأكيد المفهوم النظري للكتاب من خلال طرح بعض الأسئلة والإجابات عليها، ومن ذلك : ما المقصود بجاذبية الصورة السينمائية؟ وكيف يحقق المخرج صورته السينمائية؟ وكيف تمكن زيادة فعالية المتفرج على التلقي بواسطة استعمال الصورة؟ وغير ذلك من الأسئلة المرتبطة بالموضوع الرئيسي.
يتكون الكتاب من فصول أساسية وفصل ثامن إضافي يحتوي على كشاف تحليلي عن العدسات وتأثيرها ويحتوي أيضا على معجم صغير لبعض المصطلحات السينمائية المختارة.
أما نهاية الكتاب فتضم أسئلة وأجوبة خاصة بطلبة كلية الفنون والإعلام بطرابلس، حيث أن الكتاب موجه بالدرجة الأولى إلى الطلبة لمساعدتهم علي استيعاب مادة السينما. وبالطبع لا يعني الشرط الأكاديمي أن الكتاب يكتفي بذلك فهو موجه أيضا للقراء، وخصوصا فيما يتعلق بطريقة الشرح والعمل على تبسيط مفردات العمل السينمائي وضرب الأمثلة الدالة كلما كان ذلك ممكنا وكاشفا عن بعض المفاهيم غير الواضحة.
أما المصادر والمراجع التي جاءت آخر الكتاب فهي الكتب الصادرة باللغة العربية ، المترجمة والموضوعة وهي المراجع التقليدية المعروفة التي يتداولها المهتمون بالسينما وأهمها بالطبع كتاب اللغة السينمائية ترجمة سعد مكاوي وكتاب فن السينما ترجمة عبد العزيز فهمي وصلاح التهامي وكتاب الإحساس السينمائي ترجمة سهيل جبر وكتاب ما هي السينما ترجمة ريمون فرنسيس وكتاب فهم السينما ترجمة جعفر علي وغير ذلك من الكتب السينمائية والفنية، التقنية والنقدية والتذوقية والتي استطاع المؤلف أن يصيغ منها كتابا قريبا للقارئ أقرب إلى اعتباره مرشدا لفن الصورة السينمائية.
وجاء الفصل الأول تحت اسم "التكامل الفني للصورة السينمائية" من حيث مصادرها في الموروث الانساني والذاكرة واطروحاتها التقنية العلمية وحبالياتها التشكيلية، وهذا يؤدي إلى دراسة معنى التحكم في الصورة ، فالصورة الفنية تدفعنا إلى تفسير الحياة بالفكر والتأويل وهي ليست نفعية جامدة إنما تدلنا على جوهرها الروحي. يستفيد المؤلف من آراء الكتاب بشكل مباشر ويستخدم ذلك الأسلوب المبسط طوال شرحه لمفهوم الصورة، وهو يستفيد من آراء بعض المفكرين ومنهم برجسون واتين سوريو وجرمان جولاك وتحضر ايضا أسماء بعض المخرجين مثل جان كوكتو وآبيل غانس ورينيه كلير وجون غريسون أي أن الكاتب يستفيد مما كتب عن الصورة السينمائية ويجمعه متتابعا في شكل مختصرات وتعليقات واستنتاجات محدودة كأن يقول في الفصل الأول: "إن الصورة السينمائية تحتمل معالجات قد تبدو متناقضة ومتطرفة، هي تضم في إطارها الشكلانية البحتة، والصورة الطبيعية والمضمونات الدرامية واللادرامية، والتسجيلية والخطوط التجريدية والرسومات المسطحة والصورة بمنظورها الكلاسيكي والصورة المستندة إلى السيناريو والصورة المرتجلة.".
يتعرض الكاتب أيضا إلى الصورة في الأدب فيذكرها بشكل سريع كما هي معروضة في بعض الروايات مثل "رحلات جليفر وقصص جويس وكافكا ودوس باسوس ويناقش أيضا القول بأن سردية الصورة قد اقتبست أصلا من سردية الرواية ويعض العلاقات المتداخلة بين الرواية والسينما ولكن في تناول متسارع، بحيث لم يف التناول بالغرض المطلوب. وهذا الأمر انطبق أيضا على قراءة الصورة السينمائية وعلاقتها بالمسرح أي الفرق بين السينما والمسرح ومدى الاختلاف والاتفاق بينهما من خلال صورة الممثل وصورة المكان في السينما وفي هذا السياق تكثر الأمثلة التقليدية المستقاة من أفلام أيزنشتاين ولاسيما المدرعة بو تو مكين والاسكندرنفسكي.
وعلى نفس المنوال يتعرض المؤلف إلى علاقة صورة الفيلم بالموسيقى وعلاقة الصورة السينمائية بالفنون التشكيلية أي علاقتها باللوحة التشكيلية الثابتة وحيث أن هذا الموضوع قابل للكثير من النقاش بما لا يتناسب مع موضوع الكتاب الرئيسي ، لذلك يلجأ المؤلف إلى المقارنات المركزة فيما يسميه "بالترسيمة" وهو أسلوب يستخدمه في باقي صفحات الكتاب لكي تتضح الاختصارات والفروقات بين الصورة السينمائية وغيرها من الفنون ويعني به الرسومات التوضيحية.
وتجدر الملاحظة هنا بأن الأمثلة المختارة لم تأت نتيجة مشاهدات، بل هي نتيجة قراءات، ولذلك لا نجدها واضحة كثيرا أو يغلب عليها طابع السرعة في السرد والشرح، وهي متناثرة بين أفلام العالم المختلفة من فرنسا إلى إيطاليا إلى أسبانيا بحسب مصدر الكتاب المرجع.
في الفصل الثاني يتطرق المؤلف إلى "مفهوم الصورة في التنظير الجمالي" والمعنى هنا يسير نحو التأكيد على الفرق بين الصورة العادية الفوتوغرافية وتلك الصورة المتحركة التي تعكس قيما فنية ومعنونة لها جمالية فنية في حدود الزمان والمكان المرتبطين بها.
إن الصورة الفنية لابد لها أن تكون واقعية وآنية وجمالية ودالة ومحددة ومرنة وذلك عن طريق حركة الكاميرا وشكل اللقطة وزاوية التصوير والكادر والإضاءة والديكور والملابس.
ومن أسلوب الأسئلة والأجوبة تتضح أكثر بعض المعاني المرتبطة بالصورة وخصوصا عندما يتعلق بالأفلام التجريبية وكذلك السينما البحتة التي يسميها المؤلف "الصورة البحتة" وأيضا الأفلام السيريالية وجميعها تتفق على عدم نقل الحقائق الموضوعية والتركيز على العالم الذي تشعر به الروح وكذلك تصوير الإحساسات الداخلية والحالات الذهنية عن طريق خلط الصور ببعضها.
وهنا تحضر بعض الأشئلة لمخرجين مثل والتر روثمان وبوريس ايفانز وأبشتاين بالاضافة إلى بعض المخرجين الذين أسهموا مبكرا في التأسيس لأفلام تجريبية مثل الرسام السويدي إيجلبنح عام 1917 وكذلك الرسام النمساوي شيفر.
في فقرة خاصة يعود المؤلف إلى طريقة السؤال والجواب، ويخصصها لبعض آراء رودولف آرنهايم في الصورة وعناصرها وإطارها كما أنه ينتقل إلى دراسة موضوع آخر وهو التكوين في نفس الفصل الذي يناقش عددا من الجماليات المفتوحة في أبعادها ودلالاتها. لابد من التوضيح بأن الكتاب قد اعتمد على نظام آخر غير الفصول ، وهو نظام الترقيم المتتالي الذي يربط الموضوعات بشكل أوسع وأشمل، فكلما تمت الإشارة إلى نقطة معينة مفردة في سياق عام توضع في دائرة لها رقم متسلسل وفي هذا الفصل وصلت الأرقام المتسلسلة إلى "60" نقطة أو فكرة أما إجمالي الأرقام فهي تتجاوز "300" رقما شاملة لكل الكتاب.
ترتيب عناصر الصورة
لا يفرز المؤلف فصلا خاصا للتكوين رغم أهمية البحث فيه ويعتبره جزءا من جمالية الفيلم ويعرفه بأنه ترتيب عناصر الصورة البشرية والمادية داخل إطار الكادر من عدة جوانب مثل اختيار زاوية التصوير وعمق المجال بما في ذلك تشويه التكوين نفسه.
وفي هذا السياق فإن المؤلف ينقل تقريبا بعض الآراء كما هي وبالأخص شرح بورفكين الوارد في كتابه "الفن السينمائي" حيث يرى أن التكوين ينحصر في "الحدث والمكان، التركيب/ الإيقاع، الطول، والمحتوى". أما معاني الصورة السينمائية فينقلها المؤلف عن رينيه كلير ، حيث تختصر في "المغزى، العواطف، الانفعال، الحركة، والإيقاع" وبالنسبة لوظائف الصورة فهي وصفية أو سردية أو رمزية أو درامية.
وبالطبع سوف نرى هنا بأن عدم التوسع في الأخذ بآراء عدد آخر مختلف من النقاد والمنظرين قد أضعف الكتاب بشكل واضح فلا يكفي أن نحصر التعريفات في عدد معين من الاقتباسات لأنها لا تغطي كل جوانب التكوين أو وظائف الصورة أو تعريف الكادر أو عمق المجال.
ومن زاوية أخرى كان يمكن للطريقة التي اتبعها المؤلف في اختصار التعريفات والتوضيحات أن تشير نحو إصدار ما يشبه المعجم السينمائي المصغر، حيث لا وجود لرأي الكاتب ولا وجود لتجربته أو اختياراته من الأفلام، رغم ذلك فهناك عناوين لا وجود لها إلا من زاوية ذاتية مثل القول بلسطة الصورة.
وما يؤكد ذلك حديث المؤلف عن "عمق المجال" ووظائفه وذلك حسب التعريف أندريه بازان وهي تشمل المستوى المكاني والمستوى الزماني ثم الحركة ثم المستوى الدرامي وواقعية الحدث نفسه والوسيط السينمائي المبتكر.
ورغم عدم الترابط في تسلسل وحدات الكتاب إلا أن حسن الاختيار والصياغة الجيدة والايجاز في التوضيح وإيراد التعريفات كلها عوامل تجعل من الكتاب قابلا للقراءة رغم أن القارئ المختص قد سبق له المرور على كل تلك المعلومات المتناثرة.
الصورة بين الإخراج السينمائي والسيناريو
الفصل الثالث من الكتاب هو ولا شك أضعف الفصول والسبب يعود إلى أن الكاتب لم يناقش تحديدا مفهوم الصورة بل تعرض بشكل عام إلى الإخراج السينمائي من حيث تعريف المخرج ومهامه ووظيفته وطريقة عمله، وهناك أيضا استعراض لكيفية تنفيذ الفيلم ومراحل الاعداد له، مع تداخل لمفاهيم أخرى حول الايقاع والتقطيع واستخدام المفارقة وعلاقة الفيلم بالواقع.
ومن الطبيعي أن يكون الاستشهاد مقتصرا على أهم المخرجين والذين سبق للمؤلف أن ذكرهم سابقا مثل ايزنشتاين وغودار وآرثر بن وكيراساوا وفرانسوا تروفو وغيرهم، مع توضيح لطريقة تعاملهم مع اللون والمرشحات والتقنيات الجديدة.
وفي هذا الفصل يعود الكاتب الى السينما العربية عندما يذكر بعض تعليقات المخرج صلاح ابو سيف حول وقائع وأحداث جرت أثناء التصوير وهي لا تكاد تهم القارئ في شيء إلا فيما يتعلق بتوضيح المخاطر التي يتعرض لها المخرج وغيره من العاملين في الفيلم.
الفصل الرابع خصص لقراءة الصورة في السيناريو وفي الحقيقة لا يحتوي الفصل إلا على بعض التعريفات الاولية للسيناريو ومكوناته وشروطه ولا يتم التركيز على الصورة نفسها، والتي لا يطالب السينارست بتوضيح أبعادها فيما يكتبه من معالجة لأنها من عمل المخرج، ولكن لا يمنع ذلك من القول بأن الاهتمام بالصورة من أساسيات التعامل مع السيناريو.
أيضا لم يورد الكاتب أي نموذج من السيناريوهات العربية والاجنبية، كما أنه لم يهتم بالاقتباس من الأعمال الأدبية، وبذلك بدت التفاصيل الواردة في هذا الفصل بعيدة عن المستجدات في حقل كتابة السيناريو انطلاقا من تطور هذا النوع وعدد المؤلفات التي اهتمت به، والتي ازداد عددها في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ.
وبسبب نقص مادة السيناريو المعروضة في الكتاب ينتقل الكاتب إلى موضوع ليس له علاقة بالعنوان الرئيسي ونقصد بذلك موضوع المكان في السينما والذي سبق أن عالجه في أماكن أخرى، حيث يفرق بين المكان والموقع والفضاء: "تتحرك النقطة في الفراغ فتسمى المكان وتؤشر لحدوده، بينما الفضاء سعة من كل محيطنا الأرض، وحيث يقصد كادر التصوير اختيار بقعة معينة للتصوير فيها والافادة من معطياتها الجغرافية والطبيعية تسمى الموقع.".
هناك أيضا في هذا الفصل موضوعات جانبية أخرى مثل الكادر السينمائي بعناصره المختلفة .. والاضاءة والضوء والحركة والمونتاج الخلاق، كما أن هناك توضيحات خاصة بأفلام الرعب وأفلام الغرب الامريكي ، كل ذلك نفترض وجود دراسة من واقع المكان وعلاقة الصورة به، ولكن عمليا لم يتحقق ذلك.
رسم الصورة السينمائية بالصوت
ندخل مباشرة إلى الفصل الخامس الذي خصص لدراسة علاقة الصوت بالصورة السينمائية والصوت هنا قد يكون حوار الفيلم نفسه، ويكون أحيانا الموسيقى وفي بعض الأحيان يستخدم الصمت بوصفه مؤثرا يتداخل مع غيره من المؤثرات مثل الأغنية الفردية والجماعية وفي جميع الأحوال فإن إيقاع الصوت له دلالة مادية ومعنوية تبعا لحالة المتفرج النفسية والايقاع قد يكون مستمدا وجزءا من العالم المادي، وفي بعض الاحيان يكون متفرقا في السرعة والبطء من حيث ملاحظة الانسان لهذا العالم.
في هذا الفصل هناك محاولة لتقديم ازدواجية متفاعلة بين الصوت والصورة في حدود معينة بالاعتماد على اقتباسات من كتب عالجت فيلم المواطن كين لارسون ويلز، مع مرور سريع على بعض الافلام الحديثة مثل تايتانيك والمصير.
ومرة أخرى نقول بأن الحديث عن الصوت بشكل عام لم يمنح أية دلالة منهجية للكاتب يمكن أن تفيد على المستوى الاكاديمي فضلا عن أن اعتبار الصورة السينمائية هي الفيلم بعينه جعل من التطرق لموضوعات مثل الصمت والموسيقى والمؤثرات الصوتية بمثابة الحديث العام الذي يذكر حول السينما ولكن بشكل موجز ومبسط ولا يحقق غرضا معرفيا.
فن صناعة الصورة السينمائية
هذا الموضوع الذي اختير ليكون فصلا سادسا من الكتاب هو مجرد مجموعة من المختصرات حول المونتاج وعلاقته بالفيلم، أو الصورة السينمائية بشكل عام، ومخطط الموضوع لا يكاد يختلف عن الموضوعات السابقة، وفي هذا يقول المؤلف: "لنباشر إذن وضع خطتنا في البحث عن معنى المونتاج ودوره في صناعة الصورة السينمائية مسترشدين كما قلنا بآراء وبحوث الدارسين الكبار لفن الخيالة على مستوى التنظير والتفكير والممارسة والتدبر العملي.".
أما الآراء الواردة في الكتاب فهي لنفس الاسماء التي عرفها القراء سابقا، كما يتحدث الكاتب مطولا عن الانتقالات في المونتاج.. فمن الانتقال الآلي العادي إلى الانتقال السايكولوجي ومن التوليف الخاص بالاستمرارية الى توليف اللا استمرارية وتوليف الغرافيك.
بشكل واضح تنال أفكار بودفكين اهتماما متميزا من المؤلف فيعرض الكثير منها وبخاصة تنظيراته حول وسائل التأثير في المونتاج والتي تنحصر في التناقض والتوازي والرمز والترابط الزمني والتكرار، ويضرب الكاتب أمثلة لكل ذلك مستندا إلى عدد من القراءات النظرية، وهذا يتفق أيضا مع طريقة السؤال والجواب التي تسيطر على معظم الكتاب مع بعض الاضافات بين الحين والآخر.
الصورة والتلقي
يفترض أن يكون هذا الفصل هو الأهم لأن الصورة الفيلمية موجهة أساسا إلى الجمهور ، فالجمهور السينمائي هو الهدف الأساسي في تجربة صنع الفيلم وهو المحطة الأخيرة التي تختبر فيها ما استطاع العاملون تحقيقه في الفيلم من نتائج فنية كما أن ثقافة المشاهد تتباين بالتأكيد بين متفرج وآخر، ولكل مشاهد مزاجه وانفعالاته الحسية والعاطفية والفكرية.
وبكل تأكيد فإن المونتاج يعد الوسيلة الأساسية بالنسبة للمخرج في التحكم بالمتفرج وإثارة مشاعره كما أن التحكم في عرض المعلومات بواسطة العرض أو التأجيل أو إخفاء المعلومة في التوقيت المناسب يعد من الوسائل الفاعلة في إثارة الانفعالات والأكثر وضوحا استخدام وسائل التشويق والمفارقات والمفاجآت.. أما لعبة الاندماج في الفيلم فيمر عليها المؤلف بسرعة رغم أنها جوهر عملية التلقي السينمائي.
من خلال اختيار المؤلف للعنوان الرئيسي للكتاب "جاذبية الصورة السينمائية" سوف نجد أن الصفحة رقم "184" هي المعبرة عن هذا الاختيار الذي يصل بالكاتب إلى شرح السر الجمالي للصورة في عدد من النقاط هي: "أولا السحر، وهو ما تدل عليه الظروف النفسية والذاتية للعرض المشهدي، أي أجواء العرض في القاعة، وأيضا خصائص العالم المعروض بدلالاته الواقعية ، كذلك القوة المؤثرة النابعة من الفيلم بكل فنياته الجمالية والرمزية وما يحتوي عليه من رموز واستعارات ، والتعامل مع لعبة المجاز، بالاضافة إلى الايقاع العام والموسيقى والمؤثرات. هذا بالنسبة للسحر أما النقطة الثانية فخاصة بالحدة، أي حدة الفيلم الذي يكشف الواقع بإيقاع التوليف وتكوين الصورة وزاوية التصوير وبالمنظر الكبير "البانورامي" وبعمق الصورة.
النقطة الثالثة تتمثل في الجوهر الباطن الذي يتم الكشف عنه بفضل قوة نفاذ الكاميرا والسرد الذاتي وإسقاط الاقنعة الخارجية بواسطة استخدام تعدد الزوايا واللقطات ثم تدفق السرد بتواصل تام يكشف عن الهواجس الداخلية.
أخيرا يمكن تطبيق آليات الدفاع النفسي على شعور المتفرج، مع الأخذ في الاعتبار الجاذبية السيكولوجية للصورة، وذلك وفق الآتي: التفكير والتعويض والانكار والابدال والتثبيت والتوحد والتخيل والتمنطق والاستدماج والعزل والتبرير والاسقاط والتكوين البعدي والنكوص والكبت والتسامي.
العنصر الأخير في عملية التلقي له علاقة بالممثل وهو لا شك يحتاج إلى التوسع في البحث رغم أن المؤلف اختصر علاقة المتفرج بالممثل في الجانب النفسي بالدرجة الأولى وقد ذكر أسماء ونجوما كان لها التأثير الكبير مثل غريتا جاربو وشارلي شابلن ولكن يحتاج هذا الموضوع إلى عرض وتحليل وليس مجرد تجميع النقاط التي تقترب من ردة فعل المتفرج تجاه ممثل معين أو غيره.
يبقى في النهاية الفصل الأخير والخاص بتقديم فهرس محدود من المصطلحات السينمائية وعددها قليل على اية حال لا تصلح أن تكون متطابقة مع أهمية الصورة لأن التركيز واقتصار المصطلحات على ما يلائم الصورة السينمائية لم يجعل الثبت مفيدا لاسيما بالنسبة للطلبة وهم الجمهور الذي توخاه المؤلف في اختياره لنوعية الكتاب المنشور، وربما حقق نجاحا في ذلك إلى حد ما.
لم توفق دار النشر "دار الكتاب الجديد – لبنان" في تصميمها واختيارها للغلاف، وخصوصا أن عدد الصور قد وصل إلى أربع صور تشمل صورة تعبيرية رئيسية "أسود وأبيض" وصور صغيرة هامشية فتشتت الانتباه ، ولم يبق واضحا إلا العنوان الرئيسي "جاذبية الصورة السينمائية"، وبقي غير ذلك خارج مجال الجاذبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق