الخميس، 25 سبتمبر 2008

الدين والتاريخ على الشاشة



بلال بن رباح ...

في يوم 7 من شهر الفاتح عام 1953 تم عرض شريط " بلال مؤذن الرسول " لأول مرة بمدينة القاهرة ، وقد حضر عرضه الأول عدد من المسؤولين والمهتمين ، وقد حقق عند عرضه نجاحاً كبيراً ، وازداد هذا النجاح انتشار في أقطار عربية أخرى .

والواقع أن الشريط التاريخي الذي له مسحة دينية من أضمن الأشرطة من حيث التوزيع ، فهو يجد قبولاً من الجمهور الذي يتشوق إلى مشاهدة بعض الوقائع والحوادث التاريخية ، وتتبع الشخصيات التي كان لها دوراً مهم في التاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص .

ومن أشهر الأشرطة التاريخية التي تحمل موضوعاً دينياً كان شريط ( بلال بن رباح ) للمخرج " أحمد الطوخي " في ثاني تجربه له بعد الشريط الأول " انتصار الاسلام " .

ولعل الشريط المذكور هو أول شريط يتعرض لشخصية دينية ويتتبعها ، فهو من أشرطة الشخصيات والذي تنطبق عليه المواصفات الخاصة بهذه النوعية من الأشرطة .

إن أهم المواصفات تخص إمكانية أن تكون الشخصية قابلة للنمو والتطور وأن تكون ذات أبعاد درامية ، فهل كانت شخصية " بلال بن رباح " من هذا النوع ؟

من خلال مجريات الوقائع التاريخية المعروفة لم تكن شخصية " بلال " قريبة من هذا التصور ، لكنها كانت شخصية نابضة بالحركة والمتغيرات ، وكانت في صعود وهبوط والأهم أنها شخصية صلبة لا تستلم بسهولة ، وهذا مبعث الإعجاب بهذه الشخصية .

ولسنا هنا بصدد تقييم الشريط نقدياً ، فهو من الأشرطة البسيطة ، مثله مثل غيره من الأشرطة الدينية ، الملىء بالثغرات ونقاط الضعف ، ولكن تبقى الموضوعات المختارة مهمة ، ولها فاعليتها وتأثيرها على الجمهور كيفما كان المستوى الفني .

يبدأ الشريط بصوت الراوي وهي عادة تكررت في الأشرطة التاريخية ، لتغطية أي نقص في الأحداث المصورة ، إذ غالباً ما يأتي صوت الراوي لينقل إلى المشاهدين مالم يعرض وما لم تنقله آله التصوير ، سواء أكان الأمر مقدمة أو تحليلاً أو تمهيداً لا بد منه .

ينقل لنا الراوي حديثا شريفاً ينسب إلى الرسول صلى الله وعليه وسلم ، وينطبق هذا الحديث على بلال بكامله تقريباً ، حيث يقول الحديث : " الجنة لمن أطاعني ولو كان عبداً حبشياً ، والنار لمن عصاني ولو كان شريفاً قريشياً " .

ومن المشاهد الأولى تبدو " مكة " مسرحاً للأحداث ، ويتعرض الشريط لأحوال " رباح " وزوجته " حمامة ، وهما مجرد خادمين في بيت أحد السادة ، حيث يمارس عليهما القهر ولكنها يصمدان ، وخصوصاً وأنهما ينتظران مولوداً جديداً وهو بلال بن رباح .

ورغم أن مكة تحفل بعبادة الأصنام ، إلا أن بلالاً يشب متديناً في أجواء انتظار لما هو قادم ، حيث يتوقع الجميع ظهور دين جديد يعيد الأمور إلى نصابها ويزيل عن الأشقياء والعبيد كل ألوان العذاب والشقاء .

لقد أشار الباحث " محمود قاسم " في كتابه "صورة الأديان " إلى مبالغتين في التناول أثرتا في الشريط وهما :

أولاً .. إبراز حقيقة ظهور دين الإسلام ووجود لنبي جديد في مكة ، ومحاولة جعل هذه الحقيقة ، معلومة من قبل الجميع ، بينما هي حقيقة لا يعلمها إلا بعض أولئك الذين لهم علاقة مباشرة بالأديان السماوية ، وإن كان الباحث لم يصرح بهذه النتيجة بشكل مباشر.

ثانياً .. استخدام حوار فلسفي من قبل الشخصيات يكشف عن ثقافة معينة كان لها حضور في فترة إنتاج الشريط ، مثل العبارة التي جاءت على لسان رباح : " ما أسهل أن تولد .. وما أصعب أن تعيش " حيث يعبر هذه الرأي على فكرة فلسفية معاصرة .

ولكن بالطبع ، هناك اعتبارات درامية تدفع سيناريو شريط " بلال " نحو تبني أفكار ووقائع تدفع بأحداثه نحو التطور ، وأهم ملمح يعتمد عليه الشريط فكرة الصبر والانتظار، فشخصية بلال من الشخصيات المستضعفة ولكنها تملك صبراً قوياً يفوق إمكانات الجسم الضعيف عن التحمل .

وهذا الصبر له ختام مشرف ومبهج ، عبرت عنه الأحلام والرؤى التي أبصرتها أم بلال في منامها .

ومن ملامح الشريط أيضا استناده على الحزن وإظهار الألم طيلة مراحل الشريط كما أن السيناريو قد جعل من بلال مغنياً يطرب أهل القوافل وشباب الحي ، وهذا يخالف الحقيقة التاريخية التي تقول بأن بلال قد عمل بالتجارة ، إلا أن الاختيار الأول له ما يبرره درامياً ، وخصوصاً وأن بلالاً سيصبح مؤذناً للصلاة وهو أمر ينسجم مع حسن الصوت وجودته .

ورغم ذلك فإن الأغاني التي قدمها الشريط قد كانت مجرد خلفية صوتية لحركة القوافل التجارية أو لبعض مظاهر الحياة في قريش .

ومن أغاني الشريط ، أغنية ألفها الشاعر " بيرم التونس " تقول : على سير الجمال والله ... تعيد القول يا حادي

على حجاج بيت الله ... وزوار النبي الهادي

ومن الإضافات الأساسية ، وجود شخصية تدعى " الفضل " قامت بتحرير بلال من أمية ابن خلف ، في محاولة من الشريط لتجنب ظهور شخصية أبي بكر الصديق بعد رحلة من العذاب عاشها بلال ، وهو يعلن بصوت الواثق " أحد أحد " ولقد أوضح الشريط بعض طرق التعذيب ولكن بصورة غير متقنة ، كما أشار إلى انتقال بلال إلى يثرب وعمله داعية إلى الإسلام في المساجد ، وهكذا تتعدد الصور التي يظهر فيها بلال ، من أجل استمرار الشريط الذي يصعب تصور وجود قصة متكاملة له ، يستند عليها .

وبواسطة الراوي تتم إضافة بعض التعليقات من حين إلى آخر ، كما أن بعض الوقائع لا تتفق مع الحقائق التاريخية ، ولكنها إضافات ليست جوهرية ، مثل طريقة زواج بلال وعلاقته بزوجته الصابرة أيضاً والتي أسماها الشريط هند – قامت بالدور ماجدة – ثم أعماله التجارية وسفره إلى الشام بعد وفاة الرسول[صلى الله عليه وسلم] .

ومن المشاهد المعروفة أيضاً تقدم بلال لرفع الآذان بعد انتهاء العمل في مسجد الرسول[صلى الله عليه وسلم] بالمدينة ، وتقديم بعض الصور الحياتية المعاشة في المدينة من خلال مجريات التعامل اليومي مع اليهود وبعض الشخصيات الإسلامية التي يركز الشريط على اعتبارها غير أساسية أو رئيسية .

وبالطبع ، بأن شريطاً ما حول شخصية محددة ، لا بد له أن يركز على هذه الشخصية مهملاً أو متناسياً التركيز على شخصيات أخرى ، وبشكل عام بدا الشريط ومن خلال السيناريو أن الحوار فيه يغلب عليه التطويل ، فضلاً عن تدخلات الراوي الذي أخذ مساحة كبيرة من مدة الشريط .

ولعل أبرز عناصر الشريط التصوير الذي قاده مدير التصوير عبد العزيز فهمي كما أن التمثيل كان متميزا خصوصاً بالنسبة للممثل " يحيى شاهين " الذي قدم دوراً جيداً ، رغم الانفعال المبالغ فيه والأداء المسرحي المتضخم . ولقد غابت باقي الأدوار مثل حسين رياض ومحمود المليجي وماجدة ، لأن الشخصية الرئيسية كانت هي الطاغية .

وبلا شك فإن مثل هذه الأشرطة التاريخية تحتاج إلى كفاءات عالية وإتقان في المعدات والملابس وغير ذلك من الأساسيات ،وما تقدمه الخيالة العربية في هذا الصدد لا يعدو أن يكون محاولة مبتدئة لا يمكن لها أن تصل إلى مستوى كبير من الإتقان .

على هذا الأساس ينبغي أن نضع شريط " بلال مؤذن الرسول [صلى الله عليه وسلم]" في إطاره الطبيعي ، فهو شريط متوسط القيمة الفنية ، وأحيانا به ضعف شديد ، ولكن من ناحية أخرى يتعرض لموضوع مهم من الناحية الدينية التاريخية ،ألا وهو بدايات تشكل الدعوة الإسلامية والصمود النفسي والبدني لبعض الضعفاء الذين استطاعوا أن يكونوا أقوياء بالدين وليس بشيء غير .

يطرح شريط " بلال مؤذن الرسول [صلى الله عليه وسلم] " قضايا كثيرة ، لا تنبع من عرضه فقط ولكن من إنتاجه أيضاً ، فالأشرطة التي تتعرض إلى شخصيات إسلامية لا ينظر إليها باعتبارها أشرطة تاريخية ولكنها أشرطة دينية تستوجب الشروط الدينية وهذه من القضايا التي يصعب البت فيها بسهولة .

ورغم أن الخيالة العربية قد قدمت شخصيات من التاريخ الإسلامي ، باعتبار أن الشريط الديني هو بالأساس تاريخي ، إلا إنها شخصيات قليلة ، والسبب يرجع أولاً وأخيراً إلى صعوبة التعامل مع الشخصيات والمتطلبات الإنتاجية الكبيرة التي تحتاجها مثل هذه الأشرطة .

وما الشريط الذي تناولناه هنا إلا صورة مصغرة لما يمكن أن تكشف عنه قضايا ومشكلات الشريط الديني التاريخي وما أكثرها !

ليست هناك تعليقات: