أساليب ومناهج في التصوير الضوئي
عند أشهر المصورين في العالم
العين الثالثة) هو آخر كتابات الفنان فتحي العريبى، وهو كتاب جديد في نوعيته بالنسبة للمكتبة الليبية، لأنه يتناول في موضوعه مسألة الصورة، ولكن من جانب معين أقرب إلى القاموس الخاص بالمصورين الذين اختارهم وفق رؤيته الخاصة وتذوقه الشخصي وأحيانا بحسب شهرة هؤلاء والنجاحات التي حققوها.
صدر الكتاب عن مجلس الثقافة العام بالجماهيرية في طبعة أنيقة وحجم صغير ضمن مجموعة من الكتب المتنوعة من "إصدارات 2006" وقد اختار لوحة الغلاف الفنان فتحي العريبى نفسه، وهى لوحة تشكيلية، رغم أن الكتاب معني بالتصوير وكان من الأفضل اختيار صورة معبرة عن مجمل المحتويات.
اختار مؤلف الكتاب وقد كان دوره أقرب إلى الإعداد والاختيار، أن تكون المقدمة (تحية للصورة والمصور) والكلمة هي لزهير سعادة والتي يقول فيها إن الصورة "هي الأبجدية الكونية من قبل أن يعرف البشر الأبجديات، تقرأها العين بدون وسيط وتبصمها الذاكرة وهي والخلود صنوان".
يقوم الكتاب على فكرة أساسها التعريف بعدد ممن تعاملوا مع التصوير، وذلك وفق ترتيب ألقبائي، ولذلك كان احمد الأسعد من لبنان هو البداية، ولا يستطيع القارئ أن يتعرف على هذا المصور بشكل جيد، لأن المؤلف يختار له صورة واحدة، ويترك المعلومات هي المدخل الأساسي لتعريف القارئ به وبدوره في تنشيط عملية التصوير، وربما نقل عنه بعض العبارات مثل قوله: "أنا من الناحية الفنية مصور تقليدي جدا بمعنى إنني لازلت استعمل آلات تصوير من نوع رولى فلكس التي أجد نفسي أكثر تحكما بها، لأنها تمنحني مجالات وزوايا غير محدودة، رغم أنى أمتلك أحدث آلات التصوير ولكني لا أستعملها".
ومما يلاحظه المؤلف، لكنه لا يطيل ولا يتوسع في الموضوع، أن التصوير في لبنان قد ازدادت أهميته مع الحروب الداخلية، بسبب التركيز على اللقطات المختارة بعناية عالميا، وهذا أمر نجده يتكرر في أكثر من مكان وزمان.
المصورين الذين يذكرهم المؤلف إدوارد أدامس والذي تحصل على أكثر من 300 جائزة في التصوير، بالإضافة إلى عمله في وكالة (اسوشيتدبرس) وكذلك مجلة (تايم) ومن جانب آخر ينقل المؤلف بعض أقوال المصور من خلال سؤال وجواب لهما طبيعة افتراضية.
إن هذا ينطبق أيضا على المصور "ادوارد بويا" الفرنسي صاحب التحقيقات والاهتمامات المتعددة في الرسم والموسيقى والذي يقول بأن المصور: "لا يستطيع أن يلتقط أكثر من ثلاث صور جيدة كل سنة، وأن التصوير الضوئي في مجمله يقوم على الحب من أول نظرة"
من المصورين الذين جاء ذكرهم في الكتاب السوري "ازاد بوباجيان" الذي نال عدة جوائز عالمية وانتقل بعد ذلك إلى باقي العالم، حيث أنه من القلائل المختصين بصور الوجوه والتأكيد على أهمية الخلفية لتبدو صافية وغير مزدحمة، لتبرز بشكل واضح تقاطيع الوجوه.
تتعدد الأسماء التي يذكرها الكتاب وبشكل مختصر ولكنه مفيد للقارئ عساه أن يبحث بنفسه عما هو إضافي وجديد.
من السماء اللافتة والتي يضمها الكتاب "اميل زولا" الروائي الفرنسي المعروف، فهو بالإضافة إلى رواياته الناجحة مثل الوضع البشري وجيرمينال وغيرها، وبالإضافة إلى دراسته للطباع البشرية من خلال مفهوم الطبيعة وتأثير البيئة، اختار أيضا التصوير باعتباره هواية.
إنه يقول "كنت في نهاية القرن التاسع عشر بين أقراني الكتّاب الأكثر شغفا بفن التصوير الضوئي، حيث اقتنيت أكثر من عشر كاميرات، وكنت أضع مختبرات التصوير في الطوابق التحتية بالمنازل أسكنها هنا وهناك" ويذكر في هذا الصدد أن الروائي زولا قد التقط عشرات الصور التي نقلت التحولات الحديثة في باريس مثل الهاتف والمترو والسيارة والكهرباء.
ومن ايطاليا يختار المؤلف اسما معروفا وهو (اورليانو لوكاس) المنحاز إلى الطبقات الشعبية والفقراء والذي صار رئيسا للتحرير بفضل قدراته الكبيرة في التصوير حيث انتقل إلى معسكرات اللاجئين في فلسطين، والمخيمات في لبنان وصور، غيرهم من المهاجرين والنازحين.
أما الجانب السلبي في التعامل مع هذه المهنة فنجده عند بعض المصورين الذين يختارهم المؤلف، ومن ذلك تركيزه على المصور اللبناني "البيرتمريان" الذي نقل عنه حكايات تصور المشاق التي تعرض لها، لكي يتحصل على بعض الصور النادرة، وعند اكتمال الرحلة، فإن المحصلة في الغالب غير مشجعة، وكما يقول نفس المصور: "مهنة المصور بعد فوات العمر الجميل مهنة لا طائل من ورائها في نهاية المشوار، مهنة متعبة وخطرة وكثيرة المشاكل وتنتهي بالمصور إلى الشيخوخة المهملة والضياع، وهو لا يملك من أسمال حياته شيئا، كما أن حفلات التكريم والتقدير تتجاوز إلى الآخرين من أهل الحظوة، ثم يموت نسيا منسيا".
وبطريقة معاكسة نجد المصور (أنسل آدامز) الذي يصور الطبيعة بدون الإنسان، ولكن صوره تباع بأرقام عالية السعر، كما أن أغلفة المجلات تختار له دائما الصور المتعددة التي يصنعها بنفسها وكما يقول: عليك ألا تلتقط الصورة، بل تصنعها، فالتعبير هو الطريق الأقوى للرؤية".
إذن تتعدد الأسماء التي يحتويها الكتاب، وإن كان أغلب المصورين، من النوع الذي يتعامل مع وكالات الأنباء والمجلات والصحف مثل (بول بورنيت) وكذلك بريت أدوارد ويستون والذي يطغى عنده الجانب العملي ومع تركيز خاص على صور الأبيض والأسود.
ومن الأسماء العربية النسائية، نجد المصورة اللبنانية (بيا وورد) وهى بحكم كونها شاعرة، فإن صورها تحفل بالشعرية، رغم أنها قد انشغلت كثيرا بالصور الحية في الحرب اللبنانية.
ومما تقوله هذه المصورة: "إن الصورة يمكنها الوصول إلى عدد أكبر من الناس، خصوصا أولئك الذين لا يعنى لهم الشعر الشيء الكثير، باعتباره لا يصل إليهم بالسلاسة المطلوبة".
تتعدد الأسماء التي يتطرق إليها مؤلف الكتاب، ونجد من بينهم: بيل فولي وتيرى فينشر وجايوانيت أولال وجون راسل وجون سيمز وجون كيلي وديفيد كين ورالف غيبسون ورلي الزين وريتشارد كوك ثم المصور المعروف س.س. لوكوود، المصور بمجلة الجغرافيا العالمية وصاحب الكتب الشهيرة في مجالات تصوير الطبيعة.
ومن التصوير الخارجي إلى التصوير تحت الماء بواسطة المصورة (سوزان فلاميس) وهنا ننتقل من مجال التصوير الثابت الذي يركز عليه المؤلف إلى التصوير المتحرك ومما تقوله المصورة: "الصور الجيدة أقوم بالتقاطها في الأعماق الضحلة وفي المناطق الخالية من الصخور والقريبة إلى السطح، ومن شروط التصوير الناجح تحت الماء القدرة على اتخاذ القرارات المسبقة سواء من حيث الموضوع وعمق المسافات، أو من جهة الأجهزة التي ترافقني مع الكثير من الصبر وعدم الاعتماد على الحظ في أغلب الأحيان".
من المصورين الذين يذكرهم الكاتب أيضا.. سوزان سلاز، صاحبة كتاب (الهدوء الزائف) والمصور اللبناني عدنان ناجي والذي عمل بصحيفة السفير وعمل أيضا بمجلة الأسبوع العربي، ومما يقوله المصور ويلاقي ترحيبا من مؤلف الكتاب التأكيد على التصوير بالأبيض والأسود: "إن التصوير بالأبيض والأسود هو الأقرب عندي للحقيقة. إنه القادر على تدرج التناغم للضوء القوي نحو الظل وخطوطه المتفاوتة تمنح المعنى الحقيقي للأشياء الثابتة والصورة الملونة تبقى جميلة فقط في نظر الناس الذين يتعاملون مع هذا الفن السريع".
ورغم قلة المصورين العرب الذين يقع عليهم اختيار المؤلف إلا أنه لا يغفل ذكر بعض المواهب، ومن بينهم البحريني (فريد البيات) والذي يقول عنه: "وهنا نجد أن الفنان البحريني فريد البيات يفضل في أساليبه الفنية التصوير بالأبيض والأسود، من حيث الاعتماد على تباين الظل والضوء، وفي التصوير الملون يجنح إلى إبراز الجوانب اللونية، كما يعول كثيرا على اختيار زواياه بدقة من أجل دعم لقطاته بقيم فنية أعمق وأشمل معتبرا ذلك نصف جماليات الأثر الفني".
ومثلما اهتم المؤلف بالتصوير الطبيعي وتصوير أماكن الحروب واختيار أسماء كان لها الدور الكبير في نقل صور من هذا العالم، فإن التصوير في الأماكن الخطرة كان له مكان خاص، ومن المصورين المهتمين بذلك "كريس بونينغتون" الذي اهتم بالتصوير على قمة جبال الألب. كما أنه صور في مناطق الاسكيمو وبعض الجزر النائية الباردة.
من المغرب اختار المؤلف الفنانة (لطيفة التيجاني) التي اهتمت بالتصوير الضوئي وقالت فيه: "إن أهمية التصوير الضوئي تكمن في إمكانية التقاط ما نريد من الصور في الوقت الذي تفسح لنا العدسة مجالا لنرى أشياء لم نتوقع رؤيتها بالعين المجردة، كما تعطينا العدسة القدرة على قراءة هذه الرؤية مرة أخرى".
تستمر رحلة المؤلف في اختياراته لمصورين لهم نجاحات كثيرة، ومن بينهم مكرم جاد الكريم من مصر والتابع لصحيفة أخبار اليوم وكذلك نانسي كامي وولف هوبر ويوسف كارش.
لقد قدم لنا المؤلف (فتحي العريبي) (35) شخصية من عالم التصوير الثابت وهي المهنة التي تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب تقنية الفيديو التي تصور لنا ما هو متحرك في شكل أشرطة تعرض في القنوات المرئية وليس في الصحف والمجلات والمعارض الفنية.
هناك إحساس بأن الكتاب هو لحظة توديع لفن التصوير الثابت والذي نقل لنا خلال العقود الماضية تراثا من الحياة النابضة على المستوى الإنساني والسياسي، وبشكل يميل أكثر نحو الفنية والإبداع.
بالطبع إن التصوير الثابت من الفنون المتجددة، رغم المتغيرات الحديثة ولكنه يتراجع والأحداث نفسها هي التي تجعله أكثر حيوية وتكفل له الحياة المستمرة.
لقد أصدر الفنان والمصور فتحي العريبي في السابق بعض الكتب التي لها علاقة بالتصوير، ومنها المتفرج الوحيد 1975 والبعد الثاني للقضية 1984 والدليل إلى فن الصورة والتشكيل 1998 ودليل أجهزة التصوير الضوئي 1998 وتاريخ التصوير الصحفي في ساحات القتال 1998. وهذا الكتاب الجديد الشيق هو تتمة لما يمكن أن يقدمه عاشق للصور والتصوير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق