"السينما من خلال العين والأذن"
رغم شهرته الواسعة باعتباره مونتيرا، إلا أن قيس الزبيدي قد نجح ايضا في مجال الاخراج لاسيما للأشرطة الوثائقية المعنية بالقضية الفلسطينية، وكلنا يذكر فيلمه الشهير "سجل شعب". وهو إلى ذلك كاتب في مجال السينما، معني بحكم ثقافته بالكثير من القضايا النظرية المتعلقة بالسينما العربية والعالمية.
آخر ما أصدره قيس الزبيدي من كتب كان بعنوان "بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني". أما في مجال السينما فقد جاء هذا الكتاب الذي صدر في سلسلة الفن السابع عدد "112" في سوريا وعنوانه "المرئي والمسموع في السينما" وهو عنوان عام يحاول الكاتب ان يجعله جامعا وشاملا ومتضمنا لكل الموضوعات المتفرقة التي تطرق إليها الكتاب.
محبة السينما:
إن مقالات الكتاب كتبت ما بين عام 1969 وعام 2005 وهى متنوعة ومتعددة ولقد اعتبر الكاتب ان المقالات قد جمعت بهدف محبة السينما، وهى تود ان تصل إلى القارئ لتكون، أداته المرشدة إلى هذا الهدف، مهما اختلفت الآراء حول انواع النقد ووظائفه وقيمة النص الذي يعالج بنية الفيلم نفسه.
يقول المؤلف في مقدمته: "ربما يصل الهدف من وراء كل ذلك إلى أهمية الكشف عن مسار تكوين البنية السينمائية التي تتجسد مرة بعد أخرى في الأفلام وكيف ينشأ تاريخ السينما من التجسيد المبتكر في الأفلام، ويوازي ذلك أهمية كيف يمكن أن يتمرس الناقد ومشاهد الأفلام، الطالب وصانع الأفلام، ليس فقط في قراءة الفيلم، إنما أيضا في قراءة النص الذي يتناول وظائف بنية الفيلم الفنية عندها يمكن ان تتأسس قراءة وكتابة تأويلية وممارسة مبدعة، جديرة بظاهرة فن الفيلم.
يتكون الكتاب من عدة فصول مقسمة حسب نوع المقالات المختارة، ففي الفصل الأول نجد قراءات لعدد من الأفلام تصل إلى عشرين فيلما، ليس هناك توافق بينها لكنها مختارات من عروض في مهرجانات وأسابيع خاصة وعروض تجارية، ومن الأفلام والموضوعات التي ذكرت نجد ما يأتي: أسلوب من الحب ـ الجلد والعظم ـ قنال ـ السينما الفيتنامية الشابة ـ اليائسون ـ عشرون ساعة ـ عشرة الاف شمس ـ عالم فيلليني ـ أمار كورد ـ اللعبة ـ الصحراء الصحراء ـ الفافيل ـ التحري ـ حب وغضب ـ نوة ـ شبح الجنة ـ الميزانية الربعية ـ السينما الكوبية ـ السينما الجزائرية.
يحتوى الفصل الثاني على قراءات نقدية لبعض الكتب، ومنها: علم جمال السينما ـ بحثا عن السينما ـ قصة السينما في العالم ـ فن الفيلم ـ محطات الانتظار ـ تحولات السينما العربية ـ شاشة للتضليل ـ فرانشيسكو روزي والفيلم السياسي.
هناك ايضا فصل ثالث وبه مقالات ذات طبيعة نظرية ومنها: حول جدلية الشكل والمضمون في العمل السينمائي ـ المنطق السينمائى وعناصره المميزة ـ البطل الدرامي الجديد والمونتاج عند ايزنشتاين.
الفصل الرابع يشمل موضعين حول الفيلم التسجيلي.
الفصل السادس جاء بعنوان "في نظرية السينما" أولا تخطيط أولى في ماهية السينما ـ وثانيا فن الصور المتحركة أم فن صور الحركة وثالثا حول قضية اللغة في السينما والتلفزيون.
الفصل السابع والأخير يضم فصلا واحدا بعنوان: دراسات ويشمل موضوعات حو السيناريو والمونتاج والصوت وغيرها.
آلية التذوق:
يعتمد الكاتب، فيما يقدمه من قراءات نقدية سينمائية، على الجانب الذي يميل إلى التذوق الفني، فمقالات الكتاب مفتوحة على محاولة الاقتراب من الفيلم المفقود، ومن المخرج بالدرجة الأولى، وأحيانا يتلمس الكاتب طريقة نحو نوعية السينما نفسها، كما حدث بالنسبة للسينما البلغارية وكذلك المجرية، ومن ناحية أخرى نجد محاولة أيضا للتركيز على السيناريو وكذلك المونتاج وبدرجة أقل التصوير والديكور أما الاقتراب من عالم التمثيل فهو باهت، بسبب ميول الكاتب أولا، وكذلك نوعية اختياراته السينمائية التي يمكن إدراجها ضمن سياق افلام المؤلفين، كما حدث بالنسبة لفيللينى وغودار وميكلوس ياتشو وانطونيوني وغيرهم.
اما بالنسبة للشخصيات فهى تدخل ضمن القراءة الخاصة بتتابع قصة الشريط والتي يميل الكاتب إلى سردها بطريقة انيقة ومختصرة، مع استخلاص مدروس لأهم المشاهد الكبيرة والدالة التي احتوى عليها كل شريط.
لا يمكننا القول بوجود منهج أو اتجاه نقدى خاص بالكاتب، لكن هناك دائما محاولة واعية للاقتراب من أي فيلم من الأفلام، وهى في الغالب أفلام عرضت في مناسبات معينة، كما في الشريط الجزائري "نوة" وكذلك شريط "ذكريات التخلق" من كوبا، والقليل من الأفلام الاخرى.
ومن الأمثلة المختارة يمكننا ان نقيس بعض العبارات التي تدل على كيفية تعامل الكاتب مع الأفلام التي تناولها بالنقد.
انه يقول حول فيلم "عشرة آلاف شمس" لمخرجه فيرنيك كوسا من هنغاريا: ـ
"فيلم يعتمد على الصورة الفوتوغرافية المشحونة بالفكر والمجاز الفني، ويعتمد نوعا من الانتقال الزمنى في البناء، يتجلى في محاولة إفراغ فترات زمنية طويلة، بصور مكثفة، ذات طابع ذاتي خاص، وما يميز صور الماضي عند كوسا انها تحمل معرفة عصرية كونتها مرارة التجربة الاجتماعية وآلامها المفجعة".
ربما تكون القراءات النقدية لفيلم "قنال" من إخراج البولندي "أندريه فايدا" من أفضل موضوعات هذا الفصل، لأن متابعة الفيلم لا تأتى بالاعتماد على تسلسل القصة، ولكن وفق تسلسل المشاهد المهمة وما تحتوى عليه من علاقات وتكوينات وموسيقى وغير ذلك من اساسيات الفيلم.
سوف نجد في هذه الفقرة ما يدل على ذلك: "يتمكن فايدا من الجمع بين المشاهد الخارجية للمعارف التي تعتمد اللقطات أمامه التي تعطي إحالة وثائقية للمكان والمشاهد الداخلية التي تعتمد في غالبيتها على اللقطات القريبة والكبيرة التي تعبر عن الجو الرهيب داخل المجارى، حيث الموت والضياع في كل زاوية ودهليز كما تعبر عن تفاعل ابطال الفيلم مع هذا الجو".
تنويعات سينمائية:
ليست كل المقالات ذات طابع عمودي، بل هناك مقالات افقية تقترب من عملية التعريف للسينما في بعض البلدان، مثل ما كتبه المؤلف حول السينما الكوبية أو السينما الفيتنامية لكن بالطبع سوف تكون الفائدة من جميع المقالات محدودة لأنها كتبت في فترات طويلة سابقة ولا تغطى المتغيرات الكثيرة في السينما الجزائرية أو المجرية أو الكوبية أو غيرها.
في الفصل اللاحق المخصص لاستعراض بعض الكتب، يجد القارىء بعض العروض الصحفية السريعة لهذه الكتب السينمائية التي اختارها المؤلف، لكن هناك دائما آراء جيدة وحصيفة يطرحها المؤلف حول هذه الكتب.
من هذه الموضوعات قراءة في كتاب "علم جمال السينما" لمؤلفه الفرنسي "هنري أجيل" والذي أصدرته دار الطليعة ببيروت عام 1980 وترجمة الناقد ابراهيم العريس، ثم قراءة أخرى في كتاب يرى المؤلف بأنه جديد وقديم في نفس الوقت بسبب أهميته، وهو كتاب "فن الفيلم" لمؤلفه مصطفى حسين من مصر عام 1951، وهذا الكتاب يكاد يكون مفقودا لأنه لا أحد قد أشار اليه في مراجعه المتعلقة بالسينما، ونقصد بذلك النقاد الذين اهتموا بالدراسات النظرية التي يختص بها هذا الكتاب.
من سلسلة دار الطليعة نفسها يناقش المؤلف كتابا بعنوان "فرانشيسكا روزي" للمؤلفة الروسية فيكتورفا وقد ترجم الكتاب الناقد عدنان مدانات. أما تركيز الكاتب فقد ذهب نحو الاهتمام بالمخرج "روزي" وليس الكتاب نفسه ومادته، وهذا ما انطبق ايضا على عرض المؤلف لكتاب "بحثا عن السينما" لعدنان مدانات مع تقديم بعض الآراء النقدية المستوحاة من النقاشات التي عالجها الكتاب الثانى، ايضا هناك مناقشة لكتاب "تحولات السينما العربية المعاصرة" للناقد عدنان مدانات ايضا، وهو كتاب حديث نسبيا، مع توفر مداخل أخرى للقراءة، ومنها البحث في نوعية النقد المطروح وموقعه ومقدار استجابة القراء له.
هناك ايضا كتب أخرى ناقشها المؤلف قيس الزبيدي، ومنها كتاب "شاشة التضليل" للناقد محمد عبيد والصادر عن دار كنعان بسوريا عام 2004، وتدور موضوعاته حول السينما الصهيونية وأيضا بعض الكتب الأخرى المتفاوتة القيمة الفنية وفي نفس الوقت متباعدة في اطروحاتها النقدية ومتشابكة فيما تطرحه من أسئلة.
علاقات متداخلة:
إن مقالات الفصل الثالث، تبدو غير واضحة المعالم، ورغم انها تنتمى إلى النقد النظري، إلا أنها غير متكاملة، وكأنها قد استلت من منتصف كتاب معين، اذ ليس لها مقدمة تبرر مناقشة بعض القضايا المطروحة وخصوصا أن هذه القضايا تنتمى إلى موجات قديمة وليست جديدة.
المقال الأول له علاقة بعلم الجمال وليس له علاقة مباشرة بالسينما بينما نقرأ في المقال الثاني تصنيفا للاختلاف القائم بين الاتجاه الدال على عملية بناء الواقع في صناعة الأفلام والاتجاه الخاص بطرح المعنى الايحائى للصورة، وهو ما يطرحه النموذج الثانى من الانتاج.
تمثل النموذج الأول المخرج الألماني "كارل دارير" في فيلمه المعروف "آلام جان دارك 1928" بينما يمثل الاتجاه الثانى المخرج ايزنشتين في فيلمه "أكتوبر- 1927".
وعلى نفس الوتيرة يعالج الكاتب مفهوم البطل الدرامي عند ايزنشتاين من خلال استيعاب مزايا المونتاج الاساسية واستخدامها لتصوير مفهوم البطل الجماعي أولا ثم البطل الفردي بعد ذلك.
يقول المؤلف: "ان مونتاج الجاذبيات الذي اعتمد إثارة المتفرج بوسائل تعبيرية وكان أول محاولة فنية للتأثير المدروس على المتفرج قد تحول إلى مونتاج ميكانيكي يستند على مشاركة عقل وحس المتفرج في العملية السينمائية عن طريق اتاحة الفرصة للمتفرج بالسير في نفس درب الفنان وقت عملية الخلق الفني، ولم يعد المتفرج يشاهد العناصر المعروضة للعمل الفني انما أصبح يعيش عملية النشوء الديناميكية، ويشاهد العناصر المعروضة للعمل لفنى، وعملية تطور الأثر الفنى ايضا مثلما عاشها خالقها من قبل".
وتنطبق فكرة الموضوعات الناقصة على المقالات القصيرة ايضا، وهذا ما نراه واضحا في المقالين الخاصين ببنية اللغة السينمائية، حيث تتم مناقشة آراء الباحث الهولندي (جان مارى بيترس) وفي بعض الأحيان الاكتفاء بشرحها.
السينما والسرد:
في فصل لاحق يعالج الكتاب العلاقة القائمة بين الرواية والسينما من خلال نموذجين الأول فيلم "اليازرلي" المقتبس عن قصة قصيرة بنفس العنوان للروائي السوري حنا مينة، والنموذج الثانى يتطرق إلى دراسة "إشكالية تحويل الرواية إلى فيلم من خلال أعمال الروائي غسان كنفاني.
بالنسبة للفيلم الأول فقد اخرجه مؤلف الكتاب نفسه "قيس الزبيدي" عام 1974 ومن انتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا، والمخرج هنا يحاول ان يجمع عددا من الآراء حول الفيلم، ومنها رأى الروائي نفسه صاحب النص، وكذلك رأى الناقد السوري الراحل سعيد مراد، ثم وجهة نظر الناقد اللبنانى وليد شميط والناقد البولونى ليسلاف باير. وكل هؤلاء اجتمعوا في مهرجان طشقند لمناقشة بعض الأفلام المعروضة ومنها هذا الفيلم.
ورغم أن الكاتب يتطرق إلى فيلم من اخراجه إلا أن هناك حيادا واضحا ومسيطرا، وفلت الكاتب بوضوح شديد من محاولة تضخيم الذات التي سار عليها بعض المخرجين.
وعن العلاقة بين الرواية والسينما يتطرق الكاتب إلى عدد من القضايا المشتركة والتي تتحقق أحيانا في الأعمال العالمية ويجدها المؤلف ايضا في أعمال غسان كنفاني والأفلام المقتبسة عن قصصه ورواياته، وفي آخر الفصل يقدم المؤلف فهرسا لأهم الأفلام التي اقتبست عن اعمال غسان كنفاني، ويمكن أن نسردها فنجدها كالآتي: ـ فيلم زهرة البرقوق عن قصة برقوق نيسان ـ فيلم السكين عن رواية ما تبقى لكم ـ فيلم عائد إلى حيفا عن رواية بنفس الاسم ـ المتبقي عن رواية عائد إلى حيفا ـ المخدوعون عن رواية رجال في الشمس.
هناك ايضا افلام اشترك فيها غسان كفناني، ومنها فيلم "لماذا المقاومة؟" وفيلم "أوراق سوداء" وفيلم "أبدا في الذاكرة" وفيلم "لن تسكت البنادق" وفيلم "الكلمة البندقية"، والأخير من إخراج قاسم حول وهو وثيقة سينمائية عن حادثة اغتيال غسان كنفاني 1972.
التسجيلي والسياسي:
في الفصل الخامس نقرأ موضوعين حول الفيلم التسجيلي، ففي الموضوع الأول يطرح الكاتب مقاربة للفيلم التسجيلي وعلاقته بالسينما العربية، حيث حسبما يرى الكاتب، يمكن للفيلم التسجيلي أن يضيف الجديد للكيفية التي يبنى بها الواقع في السينما، بعيدا عن السينما الوهمية التي يجرى وراءها الفيلم الروائى احيانا، كما هو الحال في السينما العربية التي صنعت عالما وهميا مزيفا فكان أقرب إلى الفخ الذي يصطاد الجمهور.
ومن جانب آخر يرى الكاتب بأن الفيلم التسجيلى يمكنه أن ينقذ السينما العربية، ليس من حيث انتاج نوعيته فقط، ولكن يمكن للاسلوب التسجيلي أن يرقى بمستوى الفيلم الروائى بالتركيز على طريقته واسلوبه في تسجيل الواقع وليس صورته المزيفة.
الموضوع الثانى بعنوان "حول الفيلم السياسي" وهو ليس له علاقة مباشرة بالفيلم التسجيلي، لأنه يتطرق إلى الفيلم السياسي الروائي في تجارب مختلفة، من الفيلم الروسي، إلى الفيلم الألماني، ثم الفيلم الإيطالي، وان كانت هناك محاولة لربط التسجيلي بالروائي من خلال بعض الأفلام، وأهمها أفلام المخرج الإيطالي فرانشيسكو روزي التي تعتمد على وقائع فعلية هي أقرب إلى الوثائق، كما في أفلام مثل "الأيدي فوق المدينة ـ ساكووفنزيكي" يقول الكاتب مشيرا إلى نوعية مختلفة من الفيلم السياسي: ثمة نوع آخر من الفيلم السياسي لا يعتمد على وقائع فعلية، إنما على حوادث درامية مبتكرة، تعبر بصوت درامي، عن أوضاع اجتماعية حقيقية، وهذه الحوادث لا تستخدم مادة ارشيفية تسجيلية، انما تستقصي عناصر فنية في التصوير والتنفيذ والمونتاج مستعارة من المنهج التسجيلي".
وبحكم اهتمام المؤلف بالفيلم التسجيلي مخرجا وكاتبا ومونتيرا، فهو يعتبر هذا النوع من مبررات انتشار الفيلم السياسي لأنه يقترب من الواقع، فهو "الشكل الأمين للتطور الاجتماعي بتناقضاته وبدرجات قوته وضعفه المتباينة".
تبدو عناوين الفصول في كثير من الاحيان مجرد مداخل لموضوعات، قصد بها أن تكون جامعة من ناحية تنظيمية فقط، وهذا ما ينطبق على عنوان الفصل السادس "في نظرية السينما".
ان الفن هو شكل من أشكال الوعي الاجتماعي للإنسان، غير أن هذا الشكل يوجد في أجناس فنية معينة تمتلك أدوات وسائل تعبيرها الخاصة، وامكاناتها الفنية المتميزة، وفيما اذا كان الفيلم فنا قائما بذاته، تخبرنا بذلك وسائله التي يعبر بواسطتها".
هذا الموضوع يمكن ان يتواجد في أي فصل آخر، فالعنوان المطروح "تخطيط أولي في ماهية السينما" يصلح أن يكون ضمن فصل مقالات أو دراسات، رغم أن طابعه النظرى واضح وخصوصا في محاولته لتعريف السينما وذكر خصائصها من حيث أنها فن تركيبي مستقل ووسيلة تعبير متميزة ووسيلة اتصال سمعية وبصرية، كما انها نظام من العلامات.
الصورة والتعبير:
وفي موضوع عنوانه "فن الصور المتحركة أم فن صور الحركة" يبحث الكاتب في بعض إشكاليات اللغة السينمائية كما يطرحها عدد من النقاد ومنهم جان متري واندريه بازان، مع التركيز على خاصية الفيلم الاساسية وهى الحركة أو الايهام بوجود الحركة اعتمادا على مبدأ استمرار الرؤية.
يقول الكاتب: "إن قدرة الصورة العبقرية على التعبير كعنصر اساسي يقوم وجودها على الحركات وتنويعاتها وتناسقاتها البصرية السردية، مما يجعل من الحركة ايضا عبقرية السينما، لأن الحركة هى الشكل وهى تصنع شكلها الخاص، ويقودنا البحث عن أشكال الحركة الخاصة إلى البحث عن المبدأ الفني الموحد للغة التعبير السينمائية".
وتشمل الحركة فيما تشمله أيضا الإيقاع وطريقة سير الزمن وهي مبدأ الشكل الموحد والمنظم للعلاقة بين الصورة والمونتاج.
ومن جانب آخر يقتبس الكاتب بعض الآراء النقدية للمنظرين المهتمين بالحركة وأشكالها ومنهم فيرتوف ـ لوتمان ـ تاركوفسكي ـ جان مار بيترس هذا بالاضافة إلى ذكر أنواع الحركة خارج وداخل الكادر السينمائي.
وحول قضية اللغة في السينما يتركز البحث الوارد في الفصل الخاص بنظرية السينما، ورغم الجهد المبذول في هذا البحث إلا أن الأفكار المذكورة غير واضحة المعاني، والسبب يعود إلى تطرق الكاتب إلى آراء العديد من الأسماء التي لها علاقة باللغة ومفاهيمها، من ابن جني إلى كلود ليفي شتراوس وامبرتو ايكو وجان ميتري وتودروف ولوتمان وغيرهم والنتيجة وجود قفزات لها طابع استعراضي، لأن وجهة نظر واحدة تكفي أن تكون لوحدها موضوعا للدراسة والبحث فما بالك بالآراء المقتبسة من مصادر كثيرة وبطريقة سريعة، ربما لا تؤدي إلى غرض واضح، إلا تقديم الاشارات الأولية التي يمكن أن تكون فاتحة لمباحث أكثر اتساعا.
تقنيات سينمائية:
في الفصل السابع والأخير يتطرق الكاتب إلى موضوعات لها علاقة بالفيلم ولكن من الناحية المهنية فقط، ففي البداية نجد موضوعا حول السيناريو، وفي الواقع فان الموضوع يشمل كل المراحل التي يمر بها الفيلم بشكل مبسط، وقد كتب هذا الموضوع من باب تقديم معلومات عامة حول السينما وكيفية عمل الأفلام من البداية إلى النهاية، ولكن بشكل مختصر.
نفس الأمر ينطبق على الموضوع الخاص بالمونتاج ثم الموضوع الخاص بالصوت حيث تم إدراج بعض الآراء الخاصة بمفهوم الصوت في السينما وعلاقته بالصورة وأهميته وأهمية توظيفه، من جانب آخر واعتمادا على كتاب مترجم يستفيد الكاتب من آراء المخرج الفرنسي روبير بيرسون الواردة في كتابه: "ملاحظات في السينما" والمتعلقة بالصوت.
هناك في آخر الكتاب ملحق يشمل تعريفات خاصة بالسينما، وهي تعريفات لم ترد في تفاصيل الكتاب فعليا، ولكنها مقترحة من قبل الكاتب وربما كانت قد اعدت بصياغة منه، والتعاريف لا تفي بالغرض المطلوب، لكنها محاولة تقريبية لتوضيح بعض التصورات والمفاهيم قبل التقطيع ـ تكوين الصورة ـ الحبكة ـ مطابقة زوايا الرؤية ـ مسألة ذهنية ـ الفيلم الناطق ـ الموقع ـ المونتاج ـ وغيره.
لعل أفضل ما في الكتاب تلك الصياغة الجيدة والاسلوب الواضح، مع جدية في طرح الموضوعات ومناقشتها، ولكن الأفكار المطروحة لا يكاد يشعر القارئ بفعاليتها وسخونتها، ومن هذه النقطة بالتحديد تسللت البرودة وأخضعت كل من وقع في دائرتها من القراء، والذين يجدون صعوبة في التفاعل مع محتويات الكتاب رغم كل الايجابيات التي يحتوى عليها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق