حول قصة السينما فى ليبيا
مازال كتاب (قصة الخيالة العربية الليبية) لمؤلفه الكاتب والمخرج الراحل محمد علي الفرجاني، يعد المرجع الرئيسي لتجربة السينما فى ليبيا، ورغم أن مشروع هذه السينما لم يتقدم بخطوات جيدة، منذ البدايات وحتى الآن، إلا أن أي كتاب يصدر ليسجل خطواتها الوئيدة مسألة ضرورية لابد منها للتوثيق وتدبّر الأمور الأساسية أحيانا لخلق بدايات أخرى جديدة يمكن ان تحدث فى أية لحظة.
مازال هذا الكتاب هو المرجع الرئيسي، رغم وجود عشرات المقالات المبعثرة التى تحاول أن تتعامل مع هذه السينما، وهذا يعد من الايجابيات الكثيرة التى قدمها المخرج الراحل للقراء والمشاهدين.
لقد اصدر محمد الفرجانى فى السابق كتابين عن الدار العربية للكتاب.. الأول بعنوان: تاريخ الخيالة التسجيلية والكتاب الثانى بعنوان فن الشريط التسجيلي، وفى الأصل كان الكتابان موضوعا لرسالة ماجستير اعدها الكاتب فى مصر حول الخيالة التسجيلية وكانت بعنوان:
"تطور الأساليب الفنية للسينما التسجيلية وأثر ذلك فى نهضة الفيلم التسجيلي" عام 1974.
قصة الخيالة لها مراحل:
للكاتب الراحل أيضا عدد من المقالات المتفرقة التى نشرها فى بعض الدوريات والمجلات، وهي تستحق أن تجمع فى كتاب جديد، وخصوصا ما يتعلق منها بتلك الموضوعات التى تمس تجربته في الإخراج السينمائي.
والحقيقة أن فكرة اصدار هذا الكتاب "قصة الخيالة العربية الليبية" ترجع الى سنوات سابقة، فقد اعده الكاتب فى البداية اعتمادا على تكليف ادارى لجمع وتنظيم المعلومات الخاصة بالتجربة السينمائية فى ليبيا، ثم تطور الأمر الى كتاب مستقل، وبقيت المقدمة الدالة على تاريخ البداية كما هي، وهي التي كتبها مدير عام الشركة العامة للخيالة سابقا وهو المهندس البخاري سالم جودة عام 1976، حيث نلمس ذلك الشعور بالعمل فى مشروع تأسيسي سينمائي مهم، ولهذا جاء قوله منسجما مع تجربة البداية:
"لقد غيبنا دور الخيالة فى حياتنا الفنية والثقافية، اعطيناها ظهرنا...
فأصبنا العاملين فيها بالاحباط الشديد وهم الذين حاولوا بكل شوق الابداع الكامن داخلهم الى خلق بدايات واعدة.. لقد وضعوا خطوتهم الأولى فى رحلة الالف ميل، وهم لازالوا يعاندون المستحيل من أجل خطوة أخرى وأخرى وأخرى"
لم يطبع الكتاب طيلة الفترة السابقة ولم يجد ناشرا يتولى أمر نشره، الى أن طبع عن طريق الشركة العامة للخيالة باعتبارها الجهة التي يهمها شأن السينما في ليبيا وهى الشركة التي تمت تصفيتها بشكل نهائي.
على هذا الاساس، فقد احتوى الكتاب على بعض المقدمات. منها ما جاء على غلاف الكتاب الخلفى للناقد الراحل سليمان كشلاف، وهى كلمة تحاول أن تضع كاتب الكتاب فى وضعه الطبيعى المهم من حيث قيمته الفنية:
"إن محمد على الفرجاني ليس مجرد صفحة عابرة، لكنه أحد الركائز المهمة فى تقدم وتطور صناعة الخيالة فى ليبيا، مهما كان المستوى الموجود عليه الآن، ومهما كانت محدودية الاعمال التي قدمت".
نترك الكاتب ونهتم بالكتاب، حيث سنجد أن المؤلف قد قسم موضوعاته المختارة الى قسمين.. المرحلة الأولى تشمل زمن ما قبل تاريخ إنشاء المؤسسة العامة للخيالة 1973 والمرحلة الثانية تشمل زمن ما بعد ذلك والى حين صدور الكتاب.
وبالطبع جاءت المرحلة الاولى فى صورة سريعة من حيث العرض، بسبب عدم توفر المعلومات الكثيرة، وبسبب قلة الانتاج، وايضا لابد من القول بأن الهدف الرئيسي للكتاب هو رصد تجربة السينما في ليبيا من خلال ما قامت به المؤسسة العامة للخيالة ثم الشركة نفسها من الجانب الفني والإداري والانتاج.
دور عرض كثيرة:
يقول الكاتب بأن أول دار عرض تأسست بطرابلس ترجع الى ما قبل 1911، اي خلال فترة العهد العثمانى الثانى، وقد عرفت دار العرض هذه باسم "سينما توغراف باب البحر" وكان مدخلها قوس ماركوس أوريليوس المعروف، وبسبب ذلك قام الايطاليون بهدمها مع المنازل المجاورة حتى لا تغطى معالم القوس الرومانى التاريخي.
من جانب آخر تعرض الكاتب ايضا الى عروض واستيراد الأشرطة، ولاسيما وأن العديد من دور العرض قد شيدت فى طرابلس وبنغازى خلال حقبة الاستيطان الايطالى بطرابلس.
وهنا يقول الكاتب نظريا بأن عروض خيال الظل القديمة كانت تعرض فى قاعات بسيطة، ثم تطورت هذه القاعات بعد ذلك لتصبح قاعات رئيسية تعرض الاشرطة الصامتة والجرائد المصورة التى اختارتها ايطاليا للعرض وخصوصا للجالية الايطالية، ومن ذلك دار عرض "الغريانى" فى طرابلس ودار عرض "الخمس القديمة" بمدينة الخمس.
ويذكر الكاتب اسماء بعض دور العرض ومنها: "البرنيتشي" فى بنغازى و"الماريماريو" فى ساحة الشهداء ـ ودار عرض الهمبرا ودار عرض الرشيد والغزالة والرويال والنصر والقابي وغيرها ومن ضمن ما يذكره الكاتب أن هناك عروضا أخرى كانت تقيمها مراكز القواعد الاجنبية ولاسيما قاعدة الملاحة الامريكية، وفضلا عن المراكز الثقافية التى كانت تعرض الاشرطة والمركز الثقافى العربى الوحدي كان المركز الثقافى المصري.
ولا يقدم الكاتب صورا دالة على ذلك، كما لا توجد بيانات يمكن أن تكشف عن نوعية العروض المقدمة، وخصوص وان شركات النفط كانت مهتمة بالعروض السنمائية للعاملين فيها، وكذلك كانت العروض العامة تنظم بشكل اسبوعى عن طريق السيارات المتنقلة للجمهور في أماكن لا توجد بها دور عرض.
أقسام خاصة للسينما:
يقول الكاتب، وقد عاصر بنفسه تلك المرحلة، بأن قسما للسينما قد تأسس عام 1959 ويتبع "وزارة الأنباء والارشاد" يتولى مهمة الانتاج والعرض.
ايضا هناك اقسام للسينما فى وزارات اخرى مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ـ وايضا فى بعض المحافظات الرئيسية.
هناك اشارات سريعة يقدمها الكاتب، لا تعنى بالغرض مثل ذكره لنوعية الاشرطة المعروضة دون توسع فى ذلك وكذلك وجود دور عرض صيفية مثل ارنياجاردينا ودرنة الصيفى، ومدى اقبال الجمهور على دور العرض.
بالنسبة للانتاج، لم تشهد مرحلة (ما قبل انشاء المؤسسة العامة للخيالة" الا تقديم بعض الاشرطة الوثائيقية، ومنها الجريدة الناطقة المصورة وهى جريدة وطنية حاولت أن تكون بديلا وطنيا للجريدة الايطالية (ليبيا اليوم) والتى صدر منها العديد من الاعداد لخدمة المشروعات الايطالية فى ليبيا.
من جانب آخر صورت الكثير من الاشرطة الوثائقية السياحية ذات الطابع الدعائى من قبل اقسام الخيالة الرسمية، وبتنفيذ من قبل شركات أجنبية، من ذلك مثلا شريط "طرابلس عروس البحر" وشريط "غدامس درة الصحراء" و شريط "حياة فى الصحراء" وشريط "واحات من رخام" وكل ذلك تم بداية الستينيات.
كما ان الصحراء الليبية قد اختارتها شركات هوليوود لتكون مواقع لتصوير بعض اشرطة المغامرات، مثل شريط "تمبكتو" وشريط "الخيمة السوداء".
أما الاشرطة الايطالية وخصوصا الحربية منها فقد كانت كثيرة ومتنوعة ولكن الصحراء وحدها كانت المكان المناسب لتلك الاشرطة وبالتالى لم تظهر باقى المدن والقوى الليبية إلا فى حدود ضيقة.
ويسجل الكاتب باختصار اهم معالم تلك الفترة، ومنها تصوير حوالي 80 شريط تسجيلي وانشاء معمل "اسود وابيض" وتأسيس مكتبة تضم كل الاشرطة الليبية.
محاولات انتاجية:
ومما يذكره المؤلف أن محاولة أولى لتصوير شريط روائي قصير قد انتهت سلبيا والمقصود "صائد الحوت" لمخرجه محمد الفرجاني 1967 حيث عند طبع الشريط فى الخارج تعرض للتلف التام.
يقول الكاتب بأن أول محاولة لتنفيذ شريط روائى طويل، قد تمت عام 1970 وقامت بها الشركة الليبية للانتاج السينمائى وهى شركة خاصة لصاحبها المنتج على الهلودى ولكن التجربة توقفت فى بدايتها الأولى.
أما التجربة التى تحققت فعليا، فقد تمثلت فى شريط "عندما يقسو القدر" انتاج الشركة الليية للانتاج السينمائى عام 1973 ومن اخراج عبد الله الزروق، وكان أول شريط ليبي يعرض رغم أن بدايات تنفيذه ترجع الى قبل ذلك بسنوات.
ويذكر المؤلف أن شريط "الطريق" قد انتجته "ادارة السينما" عام 1973 وهو للمخرج محمد يوسف شعبان.
اما شركة الشرق للاعمال السينمائية، وهى شركة ليبية خاصة فقد عملت فى مصر وانتجت بعض الاشرطة منها شريط "كلمة شرف" وكذلك شريط "أبو ربيع" هذا ما يقوله المؤلف، والحقيقة أن شركة الشرق مصرية الترخيص ولكن صاحبها الرئيسي ليبي.
المرحلة الثانية التى رصدها المؤلف تمتد من عام 1973 الى ما بعد ذلك بسنوات أي من تاريخ تأسيس المؤسسة العامة للخيالة 1973.. ولقد اشار المؤلف الى أهداف التأسيس والرسم الهيكلى للمؤسسة وبعض المعلومات حول انشاء بعض دور العرض جديدة وكذلك تبعية كل دور العرض الى المؤسسة، ثم لتصبح بعد ذلك المؤسسة هى المسؤولة على كل النشاط السينمائى من انتاج وتوزيع ورقابة وغيرها.
يهتم الكاتب بتفاصيل كثيرة ذات طابع ادارى ومنها تغير التسمية من مؤسسة الى شركة، ثم الدمج مع شركة الخدمات الاعلامية، والانفصال عنها بعد شهور قليلة.
جداول واحصائيات: ـ
ما هو مفيد فى هذا الكتاب "قصة الخيالة العربية الليبية" وجود جداول لدور العرض فى كل ليبيا وتواريخ انشاء هذه الدور، بحيث نعلم بأن دور العرض العاملة قد وصلت فى بعض سنوات الستينيات الى أكثر من اربعين قاعة عرض. ومن هذه السينمات نذكر دار عرض ماريماريو رسالينوس ـ بيرينتى ـ بايوكى ـ ريفولى الصيفي ـ الكورسو ـ ليستى ـ حديقة تشيركور بلازا ـ قابى الصغيرة والكبيرة والودان ـ الهمبرا ـ الرشيد وهناك ايضا الاديون فى المتروبول ورويال وريكس ولوكس وبيانكى وجودايم والنهضة والشرق والبركة واكس وهايتى والجلاء والزهرة والاتحاد والاهلى وحلمي والفردوس وغير ذلك من دور العرض والتى صارت تحمل اسماء مختلفة عربية، كما أن اكثرها قد تحول الى مخازن ومقار لجمعيات وفرق مسرحية.
ومن خلال تتبع الجداول سوف نجد أن عدد دور العرض قد تناقص على المستوى الكلي حتى وصل الى 20 دار عرض فقط عام 1996.
ينتقل المؤلف بعد ذلك الى تناول مجالات انتاج الاشرطة التسجيلية والتى قامت بها المؤسسة ثم الشركة العامة للخيالة، وهى أشرطة قد تم تنفيذها لمصلحة مؤسسات عامة وفى الكتاب كشوفات لاسماء هذه الاشرطة وذكر الجهة المنتجة وبيان تعريفى بالشريط مع ذكر المصور والمخرج، وسوف نجد أن الاشرطة مقسمة على مجالات الزراعة والصناعة والاعلام واكثرها تغطية بالسينما لبعض الاحداث والاحتفالات والمناسبات العامة، ويكفى أن نذكر بعض اسماء هذه الأشرطة لنعرف نوعيتها.. لأنها ذات طابع توثيقى، وفى الحقيقة كان عدد الاشرطة كبيرا وشاملا واستفاد منها ذوو الاختصاص التقنى من المتدربين وبخبرات محلية، وكذلك تمت الاستعانة ببعض العناصر من مصر والجزائر ويوغسلافيا وغيرهم.
وبشكل عام، واذا اضفنا الجريدة المصورة باعدادها المتنوعة يمكن ان نقول بأن الاشرطة التسجيلية المنتجة قد وصل عددها الى اكثر من "300 شريط".
أشرطة روائية:
في محور آخر يتطرق المؤلف الى مجال انتاج الاشرطة الروائية وهى الاشرطة التى انتجتها المؤسسة العامة للخيالة ومن ذلك شريط الضوء الاخضر للمخرج المغربى عبد الله المصباحي وقد شارك فيه عدد من الفنانين من معظم الدول العربية المعروفة فنيا مثل مصر وتونس والمغرب وقد عرض هذا الشريط فى عام 1976.
ومن الأشرطة المشتركة الانتاج شريط "السفراء" للمخرج التونسى ناصر القطارى انتاج عام 1975.
كما أن المؤلف ذكر بعض الاشرطة الاخرى والتى تدخل ضمن الانتاج المشترك فعليا، مثل شريط "أين تخبئون الشمس" لمخرجه عبد الله المصباحي ولكن المخرج لم يكمل عمله وأكمله الممثل نور الشريف بطل الشريط، ولم يذكر المؤلف الشريط الروسي الليبي المشترك "الذاكرة".
وأشار المؤلف الى بعض الاشرطة المنتجة، ومن ذلك شريط "معركة تاقرفت" الروائي التاريخي الطويل، وهو الشريط الذى اشترك فى اخراجه كل من مصطفى خشيم ومحمود عياد ديرزة وكان ذلك عام 1981.
ومن ضمن الاشرطة الروائية المذكورة شريط "الشظية" لمخرجه محمد على الفرجانى، انتاج عام 1984، وهو روائى طويل من انتاج الشركة العامة للخيالة.
وبالطبع لم يذكر الكاتب شريط "معزوفة المطر" وهو ايضا شريط روائى طويل لأن انتاجه كان متاخرا عام 1993 وقد اخرجه المخرج عبد الله الزروق.
ومن ناحية اخرى ذكر المؤلف بعض المعلومات حول اشرطة لم تستكمل مثل "الحب فى الازقة الضيقة ـ يوم فى حياة بئر ـ رسالة لم تصل ـ الذكريات" ومن ايجابيات الكتاب وجود قائمة بالاشرطة الليبية التى نالت جوائز فى مهرجانات سينمائية مختلفة مثل شريط "صبرا وشاتيلا" وشريط "السفراء" وشريط "الشظية".
وبالطبع لم يتوسع الكاتب فى استعراض الاشرطة، ولم يتناولها بالنقد، ولم يقدم فيها أى رأى، بحكم ان الكتاب المعد يخدم اهدافا اعلامية، بقصد التعريف باعمال الشركة العامة للخيالة، وليس هناك أى هدف آخر ثقافى أو فكرى أو نقدى يعلو على ذلك الا فى حدود المعلومات القيمة المطروحة.
فى آخر الكتاب هناك معلومات حول الكيفية التى تراقب بها الاشرطة والقوانين الرقابية واللوائح الخاصة بالانتاج والتوزيع والعرض، وكذلك اللوائح الخاصة بالقطاع الخاص وطريقة استيراد وعرض الاشرطة وذلك منذ عام 1947 الى عام 1990.
هناك ايضا عرض للدورات المحلية فى مجال الخيالة وكذلك البعثات الخارجية، وكما قلنا فإن الجانب الادارى هو الطاغي على هذه الفصول الأخيرة، وإذا قلنا بأن مثل هذه المعلومات ليست مهمة بالنسبة للقارىء العادى، فإن التوثيق لها يعد من القضايا المهمة.
حسبما اشير فى المقدمة فإن هناك معلومات اخرى حذفت لها اعتبارات زمنية، بقصد التخفيف من وطأة المعلومات الكثيرة التى جاءت فى الكتاب.
بالطبع يحقق الكتاب أهدافا كثيرة، ولكن الحاجة الى كتاب آخر من منظور مختلف، مسألة مهمة ايضا، لا تبطل الجهد الكبير التنظيمي الذى أسس له الكاتب والمخرج الراحل محمد على الفرجانى المعروف بدقة معلوماته وجديته وتوسعه فى كل ما يتناول من موضوعات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق