شرسة لكنها غير شريرة
إنتاج 2005 نجد امامنا خلفية صفراء تغطى كل مساحة البوستر لتأكيد مزاج التنافس والغيرة وربما الكدر والإزعاج، وقد كتب عليها باللونين الأسود والأحمر المعلومات الأساسية للشريط، والأهم طبعا تلك الصورة التى تعبر عن التحدى بنفس المقاس والأبعاد والتى تشمل كلا من الممثلتين جنيفر لوبير وجين فوندا وكل منهما تواجه الأخرى، وفى حالة إستنفار كامل لا يخفف منه الا لون الملابس البيضاء لكل منهما والذى ربما يشير الى أنه تحد صاف ونبيل ونهايته بيضاء اللون.
هذا ما عبر عنه الملصق الفرعى والذى لم يوزع كثيرا مقارنة بالملصق الرئيسي للشريط.ان التحدى وانقسام الملصق الى جزئين متماثلين والنظرة القائمة على نفس المستوى من أبعاد البوستر، كل ذلك لا يعنى ان الممثلتين متشابهتان فى مقدار الحصة الناتجة والمكسب النهائى الآن جنيفر لوبيز تبقى الأولى فى ترتيب الأسماء، يلى ذلك بالطبع جين فوندا،تم تجتمع باقى الأسماء فى ذيل الشريط بما فى ذلك العنوان الذى يزحف قليلا الى الأسفل ليعطى مساحة لا بأس بها لإبراز الوجهين ونوعية الملابس التى ترتديهما كل امرأة، ملابس تدل على روح الشباب لأنها تكشف عن جزء كبير من الجسد، بينما الملابس المغايرة لجين فوندا تعبر عن جيل آخر قديم فوق الستين بكثير أو قليل.
ان الصراع يتجاوز ما جسده البوستر من تحدى ليشمل أيضا الكثير من الجزئيات والتفاصيل بين غريمتين تقليديتين: الأولى زوجة الابن المنتظرة تشارلى او شارلوت (جنيفر لوبيز) والثانية الحماة فيولا (جين فوندا)، وإذا قلنا أيضا بان السيناريو قد أعدته مؤلفه هى "انيا كاتشيف" فقد عرفنا بأن السباق الذى يدور فيه الشريط هو نسائى إخراج والاتجاه والاختيار، بدون أن يعنى ذلك ضعفا أو تقليلا من شأن الشريط بالاعتماد على جنس مؤلفه.
تفرض عليك الممثلة "جين فوندا" حضورها، ليس بسبب تمثيلها بالطبع، ولكن لانها تمثل جزءا من الماضى القريب فهى تحضر بتاريخها السينمائي ـ حوالى 44 شريط أولها "القصة الطويلة ـ 1960" وآخر شريط كان بعنوان (ستانلى وايرس إنتاج 1990) ـ وبداخل التجربة تسلمت جائزتين لأوسكار التمثيل (عامى 1971 ـ 1978) هذا بالإضافة الى العمل السياسي الاحادى الجانب المرتبط بعائلة فوندا والعلاقات الفنية الإعلامية السياسية المتشابكة التى تسهم فى صنعها هوليوود السياسة.
انها ممثلة من النوع المتوسط فنيا، لكنها اعلاميا اكتسبت شهرة واسعة، ولذلك فرضت حضورا متميز على هذا الشريط حتى يمكن القول بأن الأمور قد تداخلت بين جين فوندا الممثلة وفيولا الشخصية الرئيسية فى شريط الحماة المستبدة أو الشرسة.
ان أول مشهد "لجين فنوندا فىالشريط، يظهرها وهى تدفع الباب المتحرك الى الامام وبشكل مفاجىء لتبدأ تصوير إحدى حلقاتها التلفزيونية، وذلك بعد التمهيد بالحديث عنها وحولها من قبل ابنها الدكتور كيفن أثناء لقائه بالفتاة تشارلى أو اعتراضها له فى موقف عاطفى بدا مصطنعا وسريعا على الشاشة.
تستحق جين فوندا ان تكون مقدمة برامج تدعى فيولا، مشهورة ولها خبرتها العملية لأكثر من ثلاثين عاما ولكن الزمن يتغير، وها هى تسير نحو التقاعد الاجبارى لأن هناك فتاة شابة ومن الجيل الجديد (شبيهة بيرتينى سبيرز) ينتظر ان تحل محلها، بل وعليها ان تقدمها فى حلقتها الأخيرة للتعريف بها.
يبدو الشريط وكأنه يعتمد على هذه "التيمة" الصراع بين الأجيال أو ما شابه ذلك، فقد جاء الجيل الذى لا يقرأ حتى الصحيفة ليحل محل الجيل القديم الذى له خبرته الكبيرة وقراءاته الواسعة واهتماماته غير السطحية.
بهذه الصورة التى تطرح عبر الميديا، تجد فيولا المذيعة المتألقة نفسها خارج الساحة، بعيدة عن الأضواء، بل انها تهجم على ضيفتها الجميلة أثناء التسجيل لتعتدى عليها بكل إحباط كامن فى النفس وضيق وتبرم.
يستفيد الشريط من علاقات الممثلة جين فوندا فعليا، ويوظف مجموعة من الصور فى منزلها معلقة، تمنحها شهرة، ومن ذلك صور تجمعها مع "الدايلاما ومانديلا ومقدمة برنامج أوبرا، وذلك لتأكيد حضور فيولا عالميا، ولكن تتم إزاحتها رغم ذلك بسبب فتاة عمرها سبع عشرة سنة لا تعرف كيف تنطق الحروف بشكل جيد.
تدخل فيولا مصحة عقلية لمدة قصيرة وتخرج منها لتواجه نفس المشكلة تقريبا من جديد.
ان بداية الشريط موفقة تماما حيث يتم استعراض مشاهد لأحد الشواطىء والشوارع الجانبية مع أغنية مصاحبة وباستخدام آلة تصوير من أعلى، وكأنها تبحث عن صيد معين، سرعان ما تجده، ويتمثل فى الفتاة تشارلى التى تعمل فى عمل غريب وهو الإشراف على الكلاب على الشواطىء، كما أن لها ميول فى تصميم الملابس، ويبدو ان السيناريو قد اختار هذه المهنة ليسمح لتشارلى (جنيفر لوبيز) بالتواجد على الشاطىء وكذلك استخدام الكلاب فى بعض المشاهد بعد ذلك.
لكننا نقول بأن العناية برسم شخصية تشارلى لم تكن موفقة، بدءا من اختيار الممثلة والتى بدت كبيرة نسبيا فى السن، أي انها لا تقابل شخصية الفتاة المذيعة الجديدة التى توجست فيولا منها ان تشارلى هذه لم تصلح أن تكون غريما متجددا، وهذا الأمر ينطبق على اختيار ملابس الممثلة الغريبة، والى حد كبير وهناك تصنع فى رسم علاقتها مع رفاقها فى المنزل الذى تعيش فيه وهما الصديقان اللذان ليس لديهما أي عمل الا متابعة تشارلى والاهتمام بها.
أما انطلاق مشروع العلاقة العاطفية، فقد بدأ من قراءة الأبراج، حيث تقود هذه الأبراج تشارلى الى البحث حولها لمعرفة أيهما يمكن أن تتعلق به، وتجد ذلك بسرعة فى الدكتور كيفن (مايكل فارتن) الذى تظهره آلة التصوير فى لقطات بطيئة ومن خلال عين تشارلى نفسها التى تندفع لإقامة علاقة مع ما رسمه القدر وخطته الأبراج، وبسرعة قبل فوات الأوان.
لسنا ندرى لماذا اختار السيناريو هذا الأسلوب فى تركيب علاقة عاطفية سريعة أضعفت نسبيا من الشريط، لكننا نعترف بأن هناك رشاقة فى التناول والمعالجة، وان الشريط بدأ سلسا فى تدفقه وإيقاعه الرشيق.
رغم ان المقدمة توحى بأن ما هو قادم ليس الا تحصيل حاصل وأن الشريط هو من النوع الخفيف الذى يقبل على علاقة وبدون طرح الكثير من الأسئلة. أي اننا أمام شريط كوميدي رومانسي يقترب من "الفارس" أحيانا، والمسألة إذن تختصر فى تساؤلنا هل شريط مقبول أو غير مقبول؟ وفى قولنا هل مستوى الشريط الفنى يقترب أو يبتعد عن غيره من الأشرطة المتشابهة؟
الشريط أنه ي قول الكثير وليس لديه مقولة كبيرة، انما هو شريط من النوع الخفيف وبموضوع متكرر، يعتمد أساسا على عودة الممثلة "جين فوندا" بعد غياب دام خمس عشرة سنة. اما غير ذلك فلا يكاد يبرز أي جديد، وخصوصا وأن اختيار المغنية جنيفر لوبيز لم يكن موفقا بالقدر الكبير، حتى بالنسبة للممثلة نفسها، والتى كررت ما قامت به فى السابق من أدوار، مثل (خادمة من مانهاتن فتاة الجر.
وبالطبع لا يتوقف الشريط على دور لممثلة معينة، فالقصة المختارة سبق ان عولجت بأكثر من طريقة، لذلك تشعر بأنك قد شاهدت هذا الشريط فى السابق، ويكفى أن الأشرطة الكوميدية الكثيرة المنتجة فى السنوات الأخيرة، هى فى تقارب مع هذا الشريط، حيث يقوم شاب معين بتقديم الخطيبة الى أسرته أو بالعكس، ويكفى أن نذكر أشرطة مثل (هيتش ـ حزر من ـ مقابلة الآباء كل شىء حول ايف ـ مقابلة العائلة فوكر أما الخط العام الساخر فهو متكرر أيضا فى أشرطة الكوميديا المتتالية والتى تحاول أن تبتعد عن الموضوعات الساخنة لتقترب أكثر من الموضوعات الاجتماعية العائلية البسيطة وغير المعقدة.
من منطلق البحث عن كبش فداء تبدأ الأم فيولا فى ارتكاب الحماقات المتتالية لكى تبعد تشارلى عن أبنها، فى محاولة منها لتحطيم مشروع الزواج المقترح، وبكل الدوافع السابقة تجاه الجيل الجديد الذى حرمها من وظيفتها، لتصبح مجرد إضافة هامشية تتراشق بالكلمات مع الموظفة التى تعمل عندها "روبى" وتقيم الحفلات لتعيد لنفسها شيئا من الماضى.
وبدون تحديد السبب الحقيقى، فإن محاولات الأم والتى أعتبرها الشريط "حماة" قبل تنفيذ الزواج، لعرقلة زواج ابنها الدكتور انما هو بسبب التفاوت الاجتماعى، فالخطيبة مجرد فتاة بلا عمل وليس لها أهل تقريبا وهى لا ترقى الى مستوى الابن الناجح طبقيا حسب الادعاء.
وفى الحقيقة أجاد الشريط فى تقديم عدد من الخزعبلات الحقيقية النسائية التى توضح وتكشف عن التنافس بين المرأتين على الرجل الوحيد، بل كاد الشريط ان يسير بنا نحو تبنى فكرة تعلق الأم بأبنها (عقدة أوديب معكوسة) وخصوصا عندما لمح الى شذوذ الابن كيفين والذى تبين انه مجرد كذبة من غريمة أخرى لتشارلى تحاول ان تتقرب منه.
فى الشريط موقف واحد غير مسار الشريط، فقد كانت الام هى صاحبة الهجوم المباشر والشراسة التى تظهرها بالغضب والصياح وتكسير الكثير من الأشياء والمواد المنزلية، ولكن أتضح بأن الدكتور "لوكتيك" الذى أدعى مرض فيولا هو مجرد نادل "بول" فى مطعم استعملته الحماة لتنفيذ خطتها ضد غريمتها تشارلى. كان دافعا للأخيرة، بأن ترد وتهاجم وتظهر شراستها وتستخدم كل ما عندها من حيل نسائية، بما فى ذلك الضرب والصفع، لكى تثبت بأنها صاحبة حق فى التأسيس لحياة خارج نطاق سيطرة الحماة المتسلطة.
ان الشريط ملىء بالتفاصيل الصغيرة والمواقف الساذجة، المقبولة أحيانا من قبل رواد السينما إذا أرادوا شريطا خفيفا للتسلية.
ولكن هناك أيضا تكرار نمطى واضح، ومن ذلك مثلا دور "روبى" الفتاة الزنجية صديقة الأم فيولا "وانداسايكس" فقد وجدناها أقرب الى الخادمة منها الى الموظفة، انها تابعة مدفوعة لملاحقة الأم والدفاع عنها والاختلاف معها قليلا، وهذه الأدوار التى كان يقبع فيها بعض الممثلين السود كنا نظن انها قد انتهت بشكلها التقليدي، لكنها تعود من جديد بمواصفات غير مقبولة فنيا، حيث بدأ دور "روبى" مجرد إضافة لخلق عدد من الشخصيات المتحركة والتى تبدو أنها كرتونية مستمدة من أشرطة قديمة وليس من الواقع.
لقد أنقذت جين فوندا نفسها من أن تكون أقرب الى الشخصية الكرتونية الشريرة بخلاف الكثير من الشخصيات الأخرى، وبالتالى يمكن القول بأن الشريط قد استثمر مصلحتها وكانت فيه المستفيدة الأولى.
وبالطبع لا يمكن ان ننسى وجود إدارة تصوير جيدة، استطاعت نقل الأمكنة والمواقع البسيطة الى عالم احتفالي شاسع، كما فى تصوير الحفلة الأخيرة مثلا وكذلك الحركة على الشاطىء، رغم الملل المقترن بالتصوير الداخلى، وليس ذلك بغريب عن صاحب الاوسكار مدير التصوير "رسل كاربنتر" الذى اشتهر بشريط "تايتانك".
اما المخرج "روبرت لوكتيك" فقد عرف بشريط (شقراء بالشرعية) وهو من الأشرطة الخفيفة، فضلا عن شريط "موعد مع تاد هاملوت" ومن الواضح هنا بأن المخرج قد حافظ على محاسن ما هو موجود أمامه، من سيناريو يعتمد على التفاصيل، وتمثيل يميل الى الطبيعة، وموضوعه يطرح كما هو بدون مرجعيات نفسية وخلفيات اجتماعية ثقافية.
فى المشهد الختامى وبموافقة الأم على زواج أبنها كيفن تطلب العروس تشارلى من الجميع البقاء خلف السيارة التى ستنطلق بها، على أن ترمى هى باقة الورد الكبيرة الخاصة بها من وراء ظهرها، وليكن من يستقبلها هو صاحب الحظ الوفير، وتقع باقة بين يدى الحماة. هناك إرسال وهناك استقبال، إذ أن الزواج ليس مشروعا بين شخصية، وكما يقول الشريط، هو أيضا تجميع لأواصر أوسع وأشمل وربط لعلاقات متجددة بين دوائر أقرب وأبعد، إنه حالة جماعية وليست فردية وثنائية.
سيذكر الشريط متابعي السينما العربية، بالأشرطة التى تقدم فى إطار العلاقة بين الزوجة والحماة، وربما يعودون إليها بعد مشاهدة هذا الشريط، فهناك أوجه كثيرة للتشابه، إذ يمكن لجين فوندا ان تلبس اقنعة متعددة لماري منيب وميمى شكيب ونعيمة الصغير ونبيلة السيد وغيرهن الكثير.وكما استقبلت تلك الأشرطة العربية المنتجة فى اطارها الاجتماعى فإن هذا الشريط يمكن ان يستقبل أيضا فى حدوده الفنية الدنيا وإطاره الاجتماعى المقبول. ويبدو تقريبا بأن الموضوعات تكاد تكون واحدة وان التنويعات هى دائما فى الشكل الفنى وطريقة تقديم الشخصيات وهذا يعنى أن علينا القول أن تكون جين فوندا حماة من نوع مختلف، مشكلتها ليس فى ابنها والمرأة التى تنافسها عليه، بل فى أن الابن هو آخر ما تبقى لها بعد أن انصرف عنها الجميع، أو انصرفت هى عن الجميع ان أهم ما يميز السينما العالمية يتمثل فى قدرتها على خلق الأدوار المناسبة لمن هم فى مرحلة عمرية كبيرة فى السن. ولهذا السبب تعود جين فوندا مثلما عادت فى السابق برابرا ستراينسد وكانديس بيرجن واليزبيت هومير والبقية تأتى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق