تساؤلات لا تبحث عن اجابة
بعد أن عرض فى أكثر من مهرجان سينمائى ونال تقديرات نقدية لافتة للنظر، وخصوصا فى مهرجاني السينما العربية فى باريس والفيلم العربى فى توتردام بهولندا، ها هو الفيلم الاخير للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوى يعرض فى افتتاح مهرجان الاسماعيلية للافلام التسجيلية والقصيرة فى دورته العاشرة من 15 الى 22 ـ 9 ـ 2006.
وبالطبع، يغلب على شريط الافتتاح، وخاصة لمهرجان مثل الاسماعيلية السينمائى الدولى، أن يكون له الطابع السياسي الذى يمنحه امتيازا فنيا، وكذلك يستجيب للبعد السياسي المطلوب المتناسب مع ما تمر به المنطقة العربية من أحداث ساخنة.
اسم الشريط: "أخى عرفات" انتاج 2006، وقد اشتركت عدة مؤسسات أوروبية فى انتاجه بالاضافة الى جهة الانتاج الفلسطينية والتى يملكها المخرج نفسه وهى مركز الانتاج السينمائى.
يشير عنوان الشريط الى الرئيس الراحل عرفات، ويوحى بأن الفيلم سيكون على عرفات نفسه، لكن وقائع الفيلم التسجيلي تسير نحو اتجاه آخر، لأن الفيلم يقدم جانبا من شخصية فتحى عرفات، الأخ الاصغر لياسر عرفات والنداء الذى يعبر عنه العنوان يصدر من فتحى عرفات، الطبيب الذى توفي بعد اخيه بحوالي ثلاث اسابيع دون أن يعلم بأن ابى عمار قد سبقه الى الموت بأيام معدودة اذن شريط مشهراوى الاخير ليس له علاقة مباشرة بعرفات الرئيس رغم أن صورة الرئيس ظلت مسيطرة عن الفيلم ومنذ البداية، لأن الجمهور لا يهمه معرفة الطبيب فتحي عرفات، مؤسس الهلال الأحمر الفلسطيني وليس معنيا بالتعرف عن تفاصيل حياته فى ايامه الاخيرة، بقدر ما هو معني بكل ما له علاقة بياسر عرفات وفى كل شاردة وواردة، ومن هنا فان الفيلم لن يلتقط موضوعه بتلك الطريقة الجيدة المفقودة.
ربما تذكر المتفرج الشريط الوثائقى المرئي المعروف الذى اخرجه اوليفر ستون منذ ثلاث سنوات وكان بعنوان (غير المرغوب فيه) والفيلم كان ايضا حول ياسر عرفات، الرئيس المحاصر فى رام الله، من غير أن يظهر في الفيلم، كما كان يستهدف سيناريو الفيلم فى الاصل، فى ثنائية ارادها المخرج ان تكمل بعضها، من ياسر عرفات فى الشريط الأول الى كاسترو فى الشريط الثانى.
لكن المسألة هنا اختلفت، فقد جاء فيلم (أخى عرفات) لمدة أقصر الـ "52 دقيقة" وبوجه مختلف، فهو يعتمد اساسا على حركة المخرج نفسه وتنقلاته، فضلا عن تساؤلاته التى يرددها من خارج الكادر، فى شكل تعليق على الأحداث المتتالية، وبصوت المخرج نفسه رشيد مشهراوى الذى تتبعه الكاميرا اينما سار.
يذكرنا الفيلم ايضا بفيلم آخر لمخرجه الفلسطيني محمد بكرى وكان بعنوان (من يوم ما رحت) انتاج 2005 حول الكاتب الراحل اميل حبيب، فهو الشخصية التى يوجه اليها التساؤل، "هذا هو ما يحدث، من الالام وانهيارات، والأمر يسير على نفس المنوال من يوم ما رحت، لست لأنك السبب ولكن باعتبارك شاهدا على عملية السلام المؤودة".
فى شريط مشهراوى تساؤل يوجه فى نهاية الشريط الى الرئيس الراحل ياسر عرفات... وماذا بعد والى اين تسير الأمور، ويكون الجواب:
"الصبر.. الصبر" مستشهدا بأية من القرآن الكريم.
ولكن قبل الوصول الى هذا المشهد هناك مسافة قطعها الفيلم، وبدأت بالرغبة فى إلقاء السؤال على ياسر عرفات نفسه، وكان الاعتماد فعليا على شخصية فتحى عرفات التى يعرفها المخرج جيدا.
ان فتحى عرفات هو مجرد وسيلة مساعدة للالتقاء بعرفات الرئيس لطرح التساؤل عليه، انها الحجة التى ينبنى عليها الفيلم من أجل اخراج فيلم بواسطة آلة تصوير حديثة وخفيفة يمكن ان تنتقل عبر كل مكان بواسطة نفر من الاصدقاء، شكلوا طاقم الفيلم.
ان الطبيب فتحى عرفات الوسيط يتحول الى هدف ويصبح الشريط كله تقريبا حوله، من القاهرة التى ترجع فيها الة التصوير الى مستشفى الهلال الحمر الفلسطيني ليبدأ الحوار مع فتحى عرفات حول طفولته المشتركة مع أخيه، ثم الانتقال الى الشقة لعرض صور عائلية قديمة، بجانب تعليق مستمر حول نوعية الطفولة المعاشة ومع التركيز على الرئيس الذى يعيش حالة حصار فى كهولته، يعرض مرئيا بين الحين والآخر.
هناك ايضا عودة الى الشقة التى عاش فيها عرفات عندما كان رئيسا لاتحاد الطلبة الفلسطينيين.
والفيلم بحواره وتعليقاته يكاد يقع فى مصيدة البطء والفراغ، وخصوصا وأن الطبيب عرفات يعيش حالة من المرض، والتى تجعله فى حالة استشفاء طوال الشريط الى حين الانتقال الى باريس للعلاج من السرطان الذى يزحف محطما جسده، فى حالة تواز مع الرئيس المحاصر والذى لا تظهره الشاشة الا من خلال الاخبار المرئية، فى مشهد جيد، يظهر فتحى عرفات وهو يغنى اغنية لمحمد عبد الوهاب وبحضور شلة من الاصدقاء، وهو المشهد الذى يعبر عن التعلق بالحياة رغم اجواء المستشفيات والحقن والادوية والابر الصينية.
تعود الكاميرا الى معبر رفح ومنه الى رام الله حيث يسمح للمخرج بالبقاء داخل المدينة لمدة يومين حسب القانون الاسرائيلي الذى يلزم كل فرد بالاستقرار فى المكان الذى ولد فيه فقط.
فى وسط مدينة رام الله ولغرض اللقاء بعرفات بمساعدة الاخ فتحى عرفات تبرز التناقضات والسلبيات، وكما قال سائق التاكسي فان أى فلسطينى لا يساطيع أن يعيش الا اذا كان تابعا لتنظيم أو عائلة غنية أو جماعة مسلحة، من غير ذلك ليس هناك الا تفجير النفس.
لم يكن مشهد اللقاء مع الرئيس عرفات وبحضور شقيقه طويلا، ومر التساؤل سريعا وكذلك الاجابة، ليتحول الشريط بعد ذلك شريط آخر ينوى المخرج تصويره بعنوان "انتظار" انه شريط حول الصبر الذى يطول ويطول، ويكفى ان الممثل الذى طلب منه أن يؤدى شخصية رجل "صابر" قد هرب لأنه لم يفهم مقاصد المخرج، وكيف يمكن التعبير عن الصبر المفتوح وغير المحدود، وكأن لا أحد يقبل بالصبر المطلق.
ان الممثل هنا هو أى فلسطيني صابر أو بالاحرى حائر!
يكتمل الشريط ليصل الى نهايته من خلال متابعة رحلة أبى عمار الى باريس للعلاج ثم جنازته المرئية، وأمام كل ذلك يطرح التساؤل مجددا هل نحن أمام بداية أم نهاية؟
فى الفيلم الكثير من العفوية، لكن هناك تخطيط جيد لكل ما هوى عفوى، وخصوصا الربط بين البداية والنهاية في البداية نجد انفسنا امام شخص هو المخرد ينهض من جلسته، وفى النهاية يعود نفس الشخص الى الاسلتقاء على ظهره من جديد والأمر واضح هنا على ان النهاية دائما هى البداية والمصير مجهول.
فى كل افلامه السابقة الروائية منها والتسجيلية والقصيرة وعددها (15) شريطا يبدو التوازن قائما بين الاجتماعى والسياسي والفني، واذا كان هذا الفيلم هو الاضعف فى مسيرة المخرج رشيد مشهراوى الا أنه حلقة مضافة تكمل مسيرة المخرج الفنية منذ: حظر تجول وحيفا وتذكرة الى القدس وكذلك اشرطة مثل يعيش فى القدس وربابا وموسم الحب وخلف الجدران والملجأ وغير ذلك من الافلام التى تصرح بالفن قبل السا]سة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق