الخميس، 11 سبتمبر 2008

السيد والسيدة سميث





من يمرر الملح على الطاولة؟!

السيد والسيدة سميث .. أتذكر هذا العنوان ، فقد سبق أن مر بي مرورا عرضيا، إنه عنوان فيلم للمخرج ألفريد هيتشكوك أنتج عام 1941، وينتمي إلى افلام الإثارة والتشويق والرعب الداخلي ، التي عرف بها هذا المخرج ، لكن الفيلم أقرب الى تلك النوعية من أفلام الكوميديا الخفيفة التي اشتهرت بها هوليوود في الثلاثينيات والاربعينيات والتي تدور أحداثها حول العلاقات الزوجية الثنائية في قالب كوميدي رومانسي ، على شاكلة فيلم "الحقيقة المرعبة 1937" وفيلم قصة فيلادلفيا 1940 وغيرها. وأكثر ما يمكن أن تصوره تلك الافلام هو ارتفاع معدل الكذب بين الزوجين أو الخيانة أو تقديم المعلومات المغلوطة، ماليا واجتماعيا ، وهو ما يحتاج إلى تصحيح ، يأتي غالبا في نهاية الفيلم.

أما فيلم السيد والسيدة سميث المنتج عام 2005 فهو مختلف تماما لأن الاعتماد فيه لا يكون على الكوميديا الرومانسية وحدها ، بل يضاف إليها العنف المبالغ فيه ومشاهد الاكشن المثيرة وبعض التوابل الأخرى مثل الايحاءات الجنسية وغيرها.

إن الأمر الاكثر اهمية هو ذلك التقليل من شأن عقدة الشريط والحوادث المرتبطة بقصته والموضوع الذي يراعى أن يكون له بداية ليصل إلى نهاية واضحة، بطريقة بديلة يحاول صناع هذا الفيلم الإعلاء من شأن المشاهد المفردة وغير المترابطة واستخدام المؤثرات البصرية والسمعية . والأهم بالطبع التركيز على النجوم بصفة خاصة ، واستثمار حياتهم الشخصية لكسب المزيد من الإيرادات.

يبقى فيلم "السيد والسيدة سميث" من النوعية الاستثنائية التي لا تصمد أمام الانتاج الجيد ، فهو فيلم يساير متطلبات الزمن من حيث استخدام التقنية وعدم إزعاج المتفرج بالموضوع المنطقي ، والابتعاد عن ملامسة الواقع بكل تفاصيله. إن المهم بالنسبة لفيلم "السيد والسيدة سميث" أن يستعرض صورا لها جاذبية وان يحقق المكاسب المادية السريعة.

يشعر المتفرج بأن هذا الفيلم هو مجرد "وصلة" أو يمكن اعتباره عرضا يقدم في إطار معين ، ويمكن نسيانه مباشرة بعد الانتهاء من متابعته.

ولا شك أن الاعتماد الرئيسي بالنسبة لهذا الفيلم على الممثلين براد بيت وأنجلينا جولي ، وكأن الفيلم قد أعد لهما خصيصا ، وعليهما وحدهما مسؤولية نجاحه والترويج له بصرف النظر عن المشاكل الدرامية الخاصة به.

يقولون بأن هناك طريقتين للتعامل سينمائيا مع الجمهور الآولى : أن يتم استخدام القصة والموضوع وطريقة السرد والعناية بالجو العام الذي يقدم الفيلم من خلاله.

أما الطريقة الثانية فهي استغلال الممثل أو استخدام المميزات التي يتحلى بها، والاعتماد كليا على ما يعرف باسم "الكيمياء الخاصة به" لكي يتم التواصل مع الجمهور.

وبكل وضوح اتجه الفيلم نحو الاعتماد الثاني ، فما اسهل أن يكون الممثل هو المدخل للنجاح السريع بالنسبة للفيلم ، خصوصا إذا كان الممثل هو "براد بيت" والممثلة أنجلينا جولي ، أو كما يقولون "برانجيلينا" ، لكن ما ينبغي أن يشار إليه هو وجود فرق كبير بين النجاح السريع الذي يقترن عادة بشباك التذاكر وبين ذلك النجاح البطيء المقنع الذي يزداد أهمية يوما بعد آخر في اعتماد كلي على العناصر التي يتشكل منها الفيلم ، وليس عنصرا واحدا ولو كان التمثيل.

إن براد بيت نجم اقترن اسمه بأشرطة ناجحة كثيرة منها أوشير 12 انتاج 2004 وطروادة انتاج 2004 وأوشن 11 إنتاج 2003 واعترافات عقل خطير انتاج 2003 والمكسيكي انتاج 2001 ونادي القتال انتاج 1999 والوجه الآخر للشمس انتاج 1997 وسبعة انتاج 1995 وكاليفورنيا انتاج 1993 وغيرها من الافلام ، بعضها نال التقدير النقدي والنجاح التجاري.

أما الممثلة أنجلينا جولي فقد اشتهرت ببعض الادوار منها الاسكندر 2004 قبض الحياة 2004 وابعد من الحدود 2003 والخطئية الاساسية 2001 ولارا كرافت 2001 ، وفي مرتبة تالية يأتي اسم المخرج "دوج ليمان" الذي اشتهر بفيلمه "الهوية بورن 2003 وقبل ذلك فيلم اذهب 1999 والالتحاق 1994 وفيلم الشاذون 1996.

وفي جميع الاحوال فإن أسلوب الاخراج يعتمد على استخدام المخرج لطريقة الاستعرض في تقديم العنف ، فهو عنف متواصل لا يكاد يتوقف وتأتي التفجيرات والقنابل بطريقة مضخمة تملأ كل الشاشة، بحيث تكون سيدة الموقف دائما، فضلا عن استخدام العنف الحركي المتوتر والمطاردات التي لا تنتهي والبعيدة عن المنطق تماما .

إن العنف في فيلم السيد والسيدة سميث لا يقترن باستخدام الجسد فقط ، بل هناك عنفا لفظيا ومشاهد مشحونة دائما تحاول ان تسيطر على المتفرج ولا تتركه يلتقط انفاسه.

أما عن الموضوع فهو ليس مهما وكذلك القصة واحداثها والتفاصيل المنطقية التي تبنى عليها المشاهد ، إن المهم هو تلك الوجبة السريعة التي تشبع الجمهور بشكل سريع لأنها شهية في ظاهرها ، أما بعد ذلك وما يمكنها ان تسبب من آثار تكشف عن زيفها ، فذلك غير مهم في عرف هذه النوعية من الأفلام.

لكن من جانب آخر يحاول الفيلم ان يكون رومانسيا ولاسيما في النصف ساعة الأولى منه ، ويميل أيضا الى الكوميديا، وهذا التداخل في الأنواع والجمع بين الأكشن والكوميديا والرومانسية هو الفطيرة التي قلنا بأنها شهية في الظاهر ولكن مكوناتها متباعدة ومتنافرة.

يبدأ الفيلم بشكل جيد ويجذب إليه المتفرج عندما يركز على الزوجين "جين وجون" وهما في حالة اعتراف أمام مستشار الزواج يصرحان فيها بانتهاء زواجهما الى نوع من الملل والكآبة وانعدام الاثارة والحيوية، ويستعرضان طريقة تعارفهما في كولمبيا، ليكشفا لنا عن أسلوب مبني على الخداع منذ البداية، إذ احتاج كل منهما إلى الآخر لإنقاذ حياته ، وبصفة خاصة إنقاذ "جين" التي من الواضح ان عملها الرئيسي هو ممارسة القتل مقابل المال .

إن هذا التنائي الذي عاش لمدة خمس أو ست سنوات في حياة زوجية رتيبة ومملة يصل إلى نقطة ينتقل فيها إلى ممارسة القتل داخل البيت بدلا من ممارسته ضد الآخرين في الخارج، وهذا أمر طبيعي حيث أن كلا الزوجين قاتل مأجور، ولا يعلم أي منهما عن الآخر شيئا.

وللوهلة الأولى بدا الفيلم اجتماعيا فهو يتطرق الى عدم التواصل بين الزوجين وهذا ما يؤكده مستشار الزواج الذي رأى الملل مسالة طبيعية لا سبيل الى تفاديها وتنطبق على كل الأزواج تقريبا ، وأن العنف الخارجي ينتقل الى الداخل.

إن لكلا الزوجين عالمه الخاص المنفصل عن الآخر ، حيث ينطلق كل زوج مبكرا ، يحاول أن يسبق شريكه في الخروج من البيت المعزول الذي يقع في ضواحي المدينة ليزيد من العزلة ويدلنا على أن عملهما مريب وأن لكل منهما ما يخفيه عن الآخر.

وضمن تفاصيل الاعتراف أمام المستشار يظهر الزوجان على كرسي كبير واحد يواجهان آلة التصوير في حديث مسترسل . هذا في مشهد البداية ، ثم في مشهد آخر نرى الزوج جون لوحده وأخيرا مشهد للزوجة جين لوحدها، وهذه المشاهد لا تقدم ولا تؤخر لكنها مجرد محاولة لربط أحداث الفيلم والتعريف بالظروف التي وصل إليها الوضع العائلي للسيدان سميث لا يظهر المستشار في الصورة ، فالمهم هو صورة الممثلين ويكتفي الفيلم بإسماعنا صوته فقط ، ثم لا يعود إليه في النهاية ويترك الفيلم مفتوحا.

يعمل جون في وكالة خاصة للقتل بالايجار ، فهو قاتل ماجور استطاع إخفاء حقيقته عن زوجته ، وهي أيضا قاتلة مأجورة تعمل لدى وكالة أخرى ، ولذ استطاعت هي الأخرى أن تخفي حقيقتها طول فترة زواجهما ، الذي هو بالنسبة للزوج أقصر في الزمن منه الى الزوجة ، حيث يراه هو زواج الخمس سنوات وتراه هي اطول .

إن حالة الكذب مستمرة ولها بداية ، فقد جاء من ضمن اعترافات الزوجة أنها يهودية ، وأن عائلتها قد ماتت وأنها استأجرت شخصا ليقوم بدور أبيها لكي يتم الزواج.. أما الزوج فقد اعترف بأنه قد تزوج قبل ذلك، وهو أمر لم تعلمه الزوجة إلا مؤخرا.

إن العالم السري لكل فرد سرعان ما يصبح مهددا أو أن مصيره هو التهديد بالاعلان الاجباري، وذلك عندما تطلب كل وكالة من عميلها التخلص من شخص يدعى بنجامين فيعد كل من الزوج والزوجة نفسيهما في مواجهة في قلب الصحراء ، تنتهي بفشلهما سويا في العملية.. وهذا المشهد "الصحراء" جاء مبهرا وبراقا في التنفيذ ، حتى بدا وكأنه منتزع من أحد الأفلام الحربية.

بالطبع لا يمكن طرح اسئلة لها علاقة بنوعية الوكالة التي تمارس القتل والصدفة التي جعلت من الزوجين يعملان في نفس العمل لوكالتين مختلفتين ، ولماذا يقتل شخص ما وليس غيره؟! المهم هو ان كل زوج لديه أسرار خاصة لا يعلمها الآخر ، بما في ذلك الأسلحة التي تتواجد في المنزل ، فلكل منهما مخبأه السري الذي يضع فيه أسلحته التي تتنزع من السكاكين الى المسدسات والرشاشات والقنابل ، أيضا وكما قلنا لا يمكن طرح أية أسئلة حول ذلك كله، لأن الفيلم غير معني بالاجابة عنها وما هو مهم المغامرة بغض النظر عن شروطها.

إن العزلة التي يعيشها كل زوج والفتور في العلاقة العاطفية والجنسية وعدم وجود عوامل مشتركة بين الأزواج ، كل ذلك يؤدي الى أن يتجه كل زوج إلى قتل شريكه وبدون أن يعلم.. هذه هي مقولة الفيلم إذا افترضنا أن لديه مقولة، ولكن الأمور لا تسير بوتيرة واحدة وتسير بسرعة نحو الصراع، فيهمس كل رئيس وكالة للعميل الذي يعمل معه بأن يتخلص من الغريم المنافس، ويعلم كل زوج بأن الآخر هو الهدف الذي عليه التخلص منه وإذا لم يفعل ذلك فقد صار مقتولا ، ويقدم الفيلم مشاهد مطولة حول صراع الزوجين تظهر فيه المازوشية بشكل واضح محاولة جين قتل زوجها في المطعم وفي مصعد العمارة ، ولكن بدون قصد القتل، وكذلك الامر بالنسبة للزوج الذي يقاتل بعنف زوجته في المنزل ، يكسر كل منهما ما هو موجود ثم أخيرا ينتهي الامر على موقف غرامي ساخن ، رغم التعب ، وكأن الأمر يعد وأن يكون شحنا للعوطف النائمة لكي تستيقظ .

لا يعطي الفيلم أية اهمية للشخصيات الثانوية ويتعامل معها بإهمال شديد ، وهذا من سلبيات الفيلم ولاسيما آدم برودي في دور الضحية الافتراضية "بنجامين" والذي يحول المسالة الى اتجاه آخر عندما يعلم السيد والسيدة سميث بأنه خارج اللعبة وأن الهدف يتلخص في رغبة الوكالتين في التخلص منهما سويا ومرة واحدة ، أما فينس فون فيلعب دورا صغيرا لا يبدو مناسبا له وهو رئيس براد بيت إلا أنه يمثل طرفا جوهريا في الفيلم لأنه يدعم فكرة عدم الزواج ويعيش مع امه ويلخص وضعية الزوجين بصوت مرتفع لا تراجع فيه.

بالنسبة لجين فإن الممثلة أنجلينا قد سارت نحو شيء من الغموض ورغم أنها سيطرت على الأدوار النسائية الباقية في وكالتها، إلا أن ذلك لا يبدو واضحا مقارنة بالادوار الرجالية.. وفي جميع الأحوال فإن هناك برودة واضحة في التعامل مع الأدوار رغم النجاح الأوفر حظا بالنسبة للممثلة أنجلينا ولا سيما في طريقة حديثها مع زوجها وقدرتها على السخرية بشكل أفضل.

قلنا بأن الفيلم يميل إلى السخرية ، لكنها سخرية حوار وتعامل مع الكلمات والمعاني وينجح كاتب السيناريو سيمون كينبرغ في اختياره ، ومن ذلك مثلا :المواقف التي تبرز عدم علم كل زوج بعمل شريكه، واستخدام التفاصيل الصغيرة المتعلقة بالبيت في تعبير واضح عن انعزال الزوجين.

يمكننا أن نورد بعض التفاصيل الأخيرة الدالة على ذلك ، حيث يطلب جون من زوجته أن تمرر علبه الملح على طاولة الأكل فتقول له بأن العلبة أقرب إليك وهي تقع في منتصف الطاولة الخاص بك، أيضا يعتمد الحوار على تقابل المعاني والتضمينات المقصودة على شاكلة : لقد افتقدتك يا حبيبي والمعنى الظاهر لقد اشتقت إليك بينما المعنى الضمني لقد ظننتك ميتة. وفي نفس حالة الحرب بين الزوجين في البيت تقول لزوجها بعد أن ترميه بوابل من الرصاص – لا يتاثر به طبعا- هل أنت بخير يا حبيبي؟!

هناك ايضا الجملة التقليدية التي تقال على لسان الزوجة جين فهي تقول : مرحبا أيها الغريب! .. والغريب هو الزوج طبعا.

أما جون الزوج فهو يقول لزوجته : إن تصويبك أفضل من طبخك ! المعنى أن حالتك العدائية هي اكثر رحابة من وضعك باعتبارك زوجة أو ربة بيت.

إن الزوجة تكذب عندما تقول بأنها اخصائية كوميوتر بينما يكذب هو عندما يقول بأنه متعهد أعمال بناء، لكنهما صادقان باعتبارهما قتلة بالايجار وحالة الصدق الوحيدة هذه تهدد حياتهما الى نهاية لم يوضحهاالفيلم وتركها مفتوحة.

يتذكر المتابع من ثنائيات السينما الكثير، بل هناك نوعية من الأفلام تعتمد على الثنائيات "رجل وامرأة" في العادة وهناك أفلام قريبة من ذلك في تقديم نوع من الصراع بين الزوجين، تغذيه بالطبع عوامل اجتماعية وأحيانا سياسية أو مجرد إغراق في تحليل اعماق الشخصيات والبحث في داخلها عن أوجه التلاقي والتنافر.

إننا نتذكر بلا شك الفيلم الشهير "حرب عائلة روز" انتاج 1989 للمخرج "داني دي فيتو" ويقصد بالحرب طبعا ذلك الخلاف الحاد والعنيف بين أوليفر "مايكل دوغلاس" وباربرا "كاثرين تومز" ، لكن الفيلم المذكور نشعر بأنه مبالغ في تقديمه في فيلم "السيد والسيدة سميث" بحيث يبدو وكأنه لا يستقيم مع مقدمة الفيلم والفرضية التي يتعامل معها وخصوصا أن هذا العنف قد كان أقرب الى الدخيل فنيا وموضوعيا ولاسيما بالضرورة الإخراجية التي قدم بها.

إذا تحدثنا عن سبب ذلك فالأمر لا يرجع إلى أن المعالجة السينمائية قد غفلت عن تقديم الخلفية الاجتماعية للعنف ولم تحاول أن تجد بديلا يستجيب لأعماق الشخصيات فالفيلم يتعامل مع كل الشخصيات بسطحية خارجية واضحة.

أما الرومانسية فهي تختفي بمجرد أن تظهر وهي أقرب الى رومانسية الحجر والتي تجسدت في فيلم بنفس الاسم انتج سنة 1999 وفعليا لا تتوفر إلا في شكل موسيقى تصويرية صاحبت الفيلم.

إن هذا الفيلم هو من النوعيةالتي تهرب من الأسئلة لأنها صنعت لجمهور لا يطرح أي نوع من الأسئلة وهو جمهور واسع على أية حالة.

في نهاية الفيلم ينجح الثنائي في القضاء على الأعداء المجهولين الذين يتساقطون سريعا ، وتفشل كل وكالة في التخلص من عميلها الخاص، ولكن الشريط يبقى مفتوحا ، ربما في انتظار الجزء الثاني كما هي العادة.

ليست هناك تعليقات: