ا
علامات فارقة فى السينما الفلسطينية المعاصرة
رغم أهمية القضية الفلسطينية ثقافيا، وانشغال الكثير من المثقفين بها وبموضوعاتها وتشعباتها، إلا أن الكتب الصادرة عن المجالات الفنية تبقى قليلة، من أقل ما يصدر عن المسرح فى فلسطين، وعن الأغنية والموسيقى وعن الموروث الثقافى الفولكلورى وعن السينما والفنون السمعية البصرية عامة!
هى منشورات قليلة، رغم أن العنصر الثقافى هو الذى يشكل عامل الثبات والمواجهة والصمود الدائم.
ومن الكتب المعنية بالشأن الفلسطيني سينمائيا يأتى هذا الكتاب "ثلاث علامات فى السينما الفلسطينية الجديدة"لمؤلفه الناقد السينمائى "بشار ابراهيم" والذى سبق أن أصدر عددا من الكتب فى النقد السينمائى منها: رؤى ومواقف فى السينما السورية ـ 1997، ونظرة على السينما الفلسطينية فى القرن العشرين ـ 2000 وعبد الناصر والسينما ـ 2001 والسينما الفلسطينية فى القرن العشرين ـ 2001.
السينما وسينما القضية: ـ
صدر الكتاب عن دار المدى بسوريا وفى حجم متوسط وعدد صفحات لا تتجاوز (232) صفحة خالية من الصور، وهو يتطرق الى ثلاثة مخرجين فلسطينيين اعتبرهم الكاتب علامات رئيسية فى السينما ا لفلسطينية الجديدة.
قبل تناول الموضوع، يطرح الكاتب بعض الافكار التمهيدية، ومن ذلك محاولة ضبط مصطلح (السينما الفلسطينية) فى مقدمة سبق أن نشرت فى كتاب (السينما الفلسطينية فى القرن العشرين)، حيث يشير الناقد الى الفرق الواضح بين السينما الفلسطينية وسينما القضية الفلسطينية، وحسب المتفق عليه فى السينما، فإن الجهة المنتجة هى صاحبة الفيلم وجنسيته من جنسيتها، وهكذا يصبح الفيلم فلسطينيا اذا كانت الجهة المنتجة، جزئيا أو كليا، فلسطينية، والباقى يعد من أفلام القضية الفلسطينية (فالفيلم ينتمى الى السينما الفلسطينية، طالما أن الجهة المنتجة، أو المشاركة بالانتاج، هى فلسطينية الجنسية، سواء كانت هذه الجهة مؤسساتية، شخصية، جماعية أو فردية، وقد تضم السينما الفلسطينية ما هو متعلق بالقضية الفلسطينية أو غير متعلق بها.
ولعل محاولة فك المؤلف لهذا الاشتباك والاشتباه فى تعريف الفيلم الفلسطيني يعود الى تداخل هذا المصطلح، اذ يعتبر الكثيرون أن أى فيلم يتعرض للقضية الفلسطينية هو فلسطيني، أجنبى أو عربى، بينما فى الواقع لا يعتبر الفيلم فلسطينيا إلا اذا كانت الجهة المنتجة فلسطينية.
الموضوع الثانى الذى يتطرق اليه المؤلف هو تعريف السينما الفلسطينية الجديدة التى اخذت ملامحها تتشكل مع بدايات التسعينات، من حيث الرؤية السينمائية والبناء البصرى وآليات السرد وغيرها من التقنيات.
والقول هنا يلمس أيضا طبيعة الموضوعات، فقد اختفت السينما الفلسطينية التحريضية والدعائية المباشرة التى تظهر الفلسطيني باعتباره فدائيا فقط، وصار التركيز على الفلسطيني الانسان فى جميع صوره وشؤون حياته تحت الاحتلال هو البديل.
السينما القديمة انتجتها منظمات فلسطينية مختلفة، والسينما الجديدة انتجتها جهات واطراف فلسطينية تعمل فى مجال السينما والفنون، ويستمر الكاتب فى ذكر الفوارق، أو التعرض لصفات السينما الفلسطينية الجديدة، مؤكدا على سمة التأمل والتى تصل الى درجة الشاعرية احيانا، ولكن مع تصوير لبشاعة الاحتلال وممارساته اللاانسانية.
هناك ايضا سمة واضحة تميز السينما الفلسطينية، وهى أن المخرجين هم من مواليد فلسطين المحتلة، الذين درسوا فى البداية داخلها ثم عملوا بعد ذلك خارج أو داخل فلسطين.
ان السينما الجديدة تهدف الى "تقديم خطاب يناسب المرحلة المستجدة، بقديمها دون أن يفلت ذلك الخطاب الخيوط الاساسية للموضوع، من بين يديه، خاصة فى الوقت الذى بدأ فيه أن الخطاب الثورى التحريضي للثورة، وللمنظمة وكأنه قد استنفد اغراضه، وبدأ فى لفظ انفاسه.
عوامل وملامح عامة: ـ
ورغم أن بعض النقاد يشكك فى وجود سينما فلسطينية اصلا، الا أن بعض الاسماء قد أكدت حضورها على مستوى الاخراج، ومن هؤلاء المخرج ميشيل خليفى والمخرج رشيد مشهراوى والمخرج ايلياسليمان، ومى المصري وهانى أبو حسن ونزار حسن وغيرهم.
ومرة أخرى يمكن القول بأن السينما الفلسطينية هى مجرد انتاج سينمائى وأفلام تنتج وهى ليست صناعة، وهذا ما ينطبق على دول عربية كثيرة.
لقد ذكر المؤلف عددا من العوامل التى هيأت لنشوء سينما فلسطينية جديدة، من بينها استنفاد السينما القديمة لموضوعاتها واشكالها، والمراهنة على التغيير، استنادا الى متغيرات ايديولوجية وثقافية وسياسية.
والجانب المهم هو وجود جيل جديد من المخرجين الذين درسوا فى أوروبا وامريكا وغيرها، وتمكنوا من التعرف على تجارب سينمائية عالمية، وعادوا الى فلسطين ليقدموا سينما تحاول أن تصل الى العالم أجمع وليس مجرد العرض الداخلى العربى والفلسطينيى لترقى السينما الفلسطينية الى مستوى ابداعات أدبية أخرى مثل الشعر الرواية.
ويلخص الكاتب فكرته ذات الطبيعة السياسية، ليقول بأن مركز الثقل فى الفعل الفلسطيني قد انتقل من الخارج الى الداخل.
ان ذلك يعنى أن بعض حركات اليسار قد تعاملت مع الفلسطيني لتتيح له العمل فى مجالات المسرح والسينما، ولكن فى حدود معينة، بحكم طبيعة السياسة فى اسرائيل التى ترفض الآخر "غوييم".
الا اذا فرض هذا الآخر نفسه.
ويمضى المؤلف بعيدا، فى وضع الخلفية لبداية السينما الفلسطينية الجديدة، وهو أمر لا يمكن النظر على أنه داخل المنظور السينمائى، اذ أن ظاهر التغيير فى السينما الفلسطينية مسألة فنية بالدرجة الأولى.
ومن ملامح هذه السينما أنها تتكون باستمرار وتتراكم بالتجربة، كما انها أكثر ميلا الى الوثائقى والتسجيلى لاعتبارات كثيرة بعضها مادى وبعضها موضوعى.
ويعد التعبير عن الذات، هو الملمح الرئيسي فى السينما الجديدة، ذلك أن أفلام المخرجين قد اتجهت نحو الرؤية الذاتية والحنين والذاكرة، بل السيرة الذاتية احيانا، فى غياب لصورة الفلسطينى المناضل بشكل مباشر واحلال الطفل بديلا له.
هناك خواص يتطرق اليها المؤلف، تم استنتاجها من أفلام كثيرة منتجة، منها ظاهر كسر السرد السينمائى،وظهور المخرج، مع احتفاظ الافلام الفلسطينية بمسافة ما بينها وبين المتلقي. وكل ذلك فى اطار البحث عن المستقبل.
"إن التوق المستقبلى هو الذى يدفع الفلسطينى للدمج بين صورة الوطن الترابى المتجسد، وصورة الوطن الحلمي المتخيل وبرفعه الى درجة الجنة المنتظرة".
تجارب سينمائية مكتملة: ـ
كما قلنا يتناول المؤلف فى كتابه ثلاثة مخرجين ويترك الباقى ليعود اليهم فى المستقبل، وربما رأى بأن تجارب هؤلاء مكتملة الى حد معين، بحيث يمكن الحديث عنهم، وهو أمر لا ينطبق على مخرجين آخرين.
ان المخرج ميشيل خليفى هو البداية الفعلية للسينما الفلسطينية الجديدة، وفعليا كان ذلك بفيلم الذاكرة الخصبة انتاج 1980 ثم الشريط الروائى "عرس الجليل" عام 1987.
قبل ذلك كانت هناك أربعة افلام وثائيقية، انجزت بمشاركة من بلجيكا ولكنها لم تنل اهتماما كبيرا، رغم أنها كانت افلام مختلفة.
ويذكر أن "الذاكرة الخصبة" قد نال جائزة مهرجانا قرطاج الأولى بالنسبة للافلام القصيرة وعرض فى أسبوع النقاد فى مهرجان كان الفرنسى.
يقول الكاتب: "الذاكرة الخصبة فيلم مؤسس بثقة وتمكن... يعيد تأسيس علاقتنا البصرية مع وطن، كتبناه على الورق، وخلقنا صورته مرة أخرى فى الذهن والمخيلة، من تفاصيل حكايا الكبار وذاكرتهم، ليدخله الفيلم فى حيز الرؤية ويرسخه فى ذاكرتنا نحن".
بعد ذلك جاء شريط "طريق النعيم ـ 1981" وهو وثائقى طويل بتمويل من جهات بلجيكية مثل الشريط السابق، ويتطرق الى موضوع اغتيال رئيس مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى بلجيكا.
ولا يكاد يختلف الشريط التالى "معلول تحتفل بدمارها" عن باقى الاشرطة.
فهو وثائقى يتناول قرية من قرى الجليل، طرد منها أهلها، ليصبحوا مجرد لاجئين ولقد كان من مزايا هذا الشريط أنه اهتم بالمكان وشكل بداية لسلسلة أفلام انتجت بواسطة جهات عربية واوروبية.
توالت افلام ميشيل خليفى، وكان الفيلم الأهم هو "عرس الجليل" انتاج 1987، وقد نال الجائزة الذهبية فى مهرجان (سان سباتيان) فى اسبانيا وذهبية مهرجان قرطاج وغير ذلك من الجوائز العالمية.
عرس الجليل وغيره: ـ
ويقدم المؤلف قراءة موسعة نسبية فى فيلم (عرس الجليل) ويستعرض رموزه وجوانبه الفنية باعتباره من أهم الافلام الفلسطينية، رغم رفضه من قبل بعض الجهات، لأنه ينتقد السلوك الفلسطيني الداخلى وتصرفات الافراد بدوافع ذاتية نفعية.
فى عام 1987 جاء فيلم (نشيد الحجر) وهو تحية لثورة الحجارة يجمع بين الوثائقية والدرامية فى خطين متوازيين يقترنان بالشاعرية والتى يغلب عليها الطابع الأدبى وليس العاطفى، رغم أن الأصل فى الحكاية هى قصة حب، محكاة باللغة العربية ويغلب عليها الشعر الذى يقترب من التصنع أحيانا.
المؤلف لا يسير دائما فى خط الناقد المعجب، لكنه يقدم بعض الملاحظات المدعومة ببعض الشواهد، مع هوامش مفيدة فى آخر الكتاب.
وآخر افلام ميشيل خليفى، فيلم طويل بعنوان "حكاية الجواهر الثلاث" وهو من النوع الروائى الذى يصور قصة عاطفية بسيطة ربما تكون موجهة للصبيان، رغم أن ظاهرها قصة متخيلة من حكايات الشعوب أو من ألف ليلة وليلة، وربما حكاية غجرية.
انها قصة يوسف وعائدة والمهر والبراءة والجواهر الثمينة والاحلام.
يقول المؤلف: "لقد عمد المخرج الى جعل صيغة السرد مجرد مفتاح وللدخول الى الحكاية الغرائبية التى لاتكف عن محاولاتها الانتماء الى الواقعية، وهنا تبدو الصعوبة فى تجاوز هذا الحاجز ما بين السردية الشفوية والسردية البصرية، وتبيان آلية تداخل ما هو غرائبي اسطورى بما هو واقعى عياني مشخص، واقتراح تصويره وتجسيده سينمائيا، وربما هذا بعض مما جعل الفيلم أكثر ثقلا وتعقيدا، وأقل حضورا واستقبالا، مما استطاعه فيلم المخرج الروائى الأول "عرس الجليل".
ومن الافلام التى انتجها المخرج ميشيل خليفى (الزواج المختلط فى الاراضى المقدسة) عام 1995 وهو فيلم تسجيلي يطرح قضية الزواج المختلط باعتباره يحمل بوادر حل لبعض المشكلات داخل فلسطين المحتلة، وهو شريط لم ينجح ولم يعرض كثيرا مثل الأفلام السابقة، ان المخرج الذى درس وعاش فى بلجيكا بدا مؤسسا للسينما الجديدة فى فلسطين، لكنه لم يكمل مشواره.
مخرج ومنتج فى نفس الوقت: ـ
بعد تقديم معلومات عن كل فيلم لميشيل خليفى فيما يشبه الفيلموغرافي الموسعة ينتقل المؤلف الى مخرج آخر من الثلاثية، وهو المخرج الفلسطينى (رشيد مشهراوى) وهو من الجيل اللاحق والذى عاش فى المخيمات وعمل فى ميدان الديكور والتمثيل، لينتقل بعد ذلك الى الاخراج.
البداية كانت بفيلم قصير بعنوان "جواز سفر" أنجزه بعد عودته من هولندا عام 1987.
وتوالت الافلام بعد ذلك وكانت على التوالى: فيلم الملجأ عام 1989 وفى عام 1990 اخرج فيلم "دار ودور" ثم فيلم "أيام طويلة فى غزة" وفيلم "الساحر" الى أن جاء الفيلم الروائى الأول "حتى اشعار آخر" وهو الفيلم الذى فاز بجائزة الهرم الذهبى بمهرجان القاهرة السينمائى عام 1993.
لقد انشأ مشهراوى شركة جديدة للانتاج ودخل فى تجارب انتاجية مع دول اوروبية متعددة، وخصوصا هولندا ونجح فى ذلك، ولولا هذا الانتاج المشترك لما استطاع هذا المخرج أن يحقق مشروعه السينمائى الذى حلم به وكان أكثر المخرجين حيوية ومثابرة وارتباطا بالسينما.
الفيلم الروائى الطويل الثانى كان بعنوان (حيفا) وهو شخصية متحركة قريب من الجنون العاقل، أطلق عليه هذا الاسم نسبة الى مدينة "حيفا" التى جاء منها ليعيش فى المخيم.
ويذكر المؤلف أن الذى ساعد على نجاح هذا الشريط الممثل الرئيسي محمد البكرى بالاضافة الى اعتبارات اخرى تقنية وفنية.
يقول الكاتب: "حيفا فيلم يحاول بذكاء، بدقة وبحذر، تناول واحد من أخطر وأكثر التفاصيل جدلا فى الواقع الفلسطيني، من موقع المسؤولية الوطنية أولا وتاليا، ولعلنا لن نجد محاولات مماثلة من قبل السينمائيين الفلسطينيين فى التوقف أمام حدث كبير مثل توقيع اتفاقيات أوسلو وتناوله بصورة مباشرة كما فعل المخرج رشيد مشهراوى فى فيلمه حيفا".
أخرج رشيد مشهراوى افلاما أخرى قصيرة ووثائقية، ومنها فيلم (رباب) انتاج 1997 وقصته تدور حول امرأة تعانى من سجن الاحتلال وسجن التقاليد.
أما فيلم (توتر ـ 1998) فهو صامت، لكنه ناطق بالتعبيرات والاشارات والايماءات، وهو يقترب من الصيغة التجريبية.
بعد فيلم (خلف الاسوار ـ 2000) جاء فيلم قصير وهو (غباش ـ 2000) ويكاد الفيلم أن يكون تجريبيا ايضا، لكنه أقرب الى الفيلم الشكلي الذى يعتمد على الغناء التقليدي فى ربطه للأحداث داخل الارض المحتلة.
هناك ايضا فيلم (موسم حب) وكذلك فيلم (هنا صوت فلسطين) ثم الفيلم الروائى الطويل (تذكرة الى القدس) انتاج 2002 والفيلم الاخير يعتمد على تجربة ذاتية للمخرج من خلال عرضه الافلام بواسطة عربة متنقلة، ورغم الاختلاف، فإن الفيلم أقرب الى الشريط العالمى المعروف (سينما الجنة).
ومن الملاحظات التى يركز عليها الكاتب تداخل أفلام رشيد مشهراوى واقترابها من بعضها.
يقول الكاتب: "سينما مشهراوى، على المستوى المضمونى هى سينما فلسطينية خالصة، كما انها على المستوى الفني سينما بارعة، وهى تنتمى الى الرمزية الشعرية، حينا، أو سينما الحياة اليومية، القائمة على كثافة اللقطة فى أحيان أخرى، فهو مخرج يميل دائما نحو رصد التفاصيل الدقيقة للحياة الشعبية فى المخيمات".
مخرج وتساؤلات: ـ
الشخصية الاخيرة هى المخرج ايليا سليمان، وهو الأكثر شهرة عالميا، بسبب فوز فيلمه (يد آلهية) بجائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مهرجان كان الفرنسى 2002. كما أن حضوره السينمائى قد خلق مشكلات سياسية حاول المؤلف التقليل من شأنها.
من مدينة الناصرة الى امريكا، حيث درس ايليا سليمان السينما وعمل فى عدة افلام فى البداية، الى أن جاء فيلمه الأول "مقدمات لنهاية جدال ـ 1991" وهو فيلم وثائقى يتعرض لقضية الاعلام الغربى وموقفه تجاه القضايا العربية وصورة العربى فى هذا الاعلام.
الفيلم الثانى الوثائقى كان بعنوان (تكريم بالقتل) انتاج 1992 وهو جزء خامس من مجموعة افلام حول الخليج، شارك فيها كل من نورى بوزيد وناجية مبروك ومصطفى درقاوى وبرهان علوية.
قلنا بأن ايليا سليمان قد اثار الكثير من المشكلات وقد اعتبر فى بعض الاحيان خارج السرب الفلسطينيى، وخصوصا وأن نبرته ساخرة وتحكيمية ولاذعة، كما يقول المؤلف، وكان شريطه (سجل اختفاء) انتاج عام 1996، مشروعا باحثا عن هوية شعب، رغم الشبهات التى طالت الدعم المادى من داخل فلسطين المحتلة وبأموال من مصارف ومراكز اسرائيلية، يعتبر ايليا سليمان أموالها من حقه، لأنها اصلا ضرائب من شعب فلسطين.
يرى المؤلف بأن (سجل اختفاء) فيلم فلسطيني بامتياز، وفوزه بعدة جوائز خارجية هو نجاح للسينما الفلسطينية النابعة من الداخل وليس الخارج.
يأتى الفيلم "على هيئة يوميات تسجلها عناوين مكتوبة على مساحة الشاشة، تؤرخ الايام التى بدأ المخرج بقضائها اثر عودته الطويلة، بعد غياب سنوات عن بلده ومدينته وأهله".
ومن حيث الموضوع، فقد اعتبر هذا الفيلم من الافلام التى تضع الشكوك امام الواقع الفلسطينى، مع جرأة فى النقد، ربما تصل الى رد فعل عكسي من قبل كل مستقبل الفيلم، لكن لابد من الاشارة بأن نجاح أفلام ايليا سليمان خارجيا، كان سببا فى التجاوز عن بعض الاخطاء والسلبيات الموضوعية والفكرية، وهو أمر لم يصرح به المؤلف ولم يناقشه تحت وطأة الحماس للافلام الفلسطينية.
لقد قدم ايليا سليمان افلاما كثيرة قصيرة منها فيلم "عمل ثابت" وفيلم "تكريم بالقتل" وفيلم "الحلم العربى" وفيلم "سايبر فلسطين"، وكلها افلام ترتفع أمامها اسئلة كثيرة لم يحاول المؤلف أن يجيب عنها.
إن أهم أفلام ايليا سليمان هو "يد الهية" وفيه نجد اليوميات متتالية فى ترتيبها "كما نتلمس حالة من القلق والاحتقان" مع اختلاف فى اسلوب السرد، واعتماد على امكانيات الكومبيوتر فى التعبير الدال على الكثير مما يقال.
ان فيلم "يد الهية" يؤكد على جدارة المخرج السينمائى الفلسطينيى ومدى سعة وخصوبة خياله وجرأته وبراعته فى القدرة على نسج عالم كامل متداخل ومتصارع مع الآخر.
يتوقف الكتاب عند هذا المخرج وبالطبع هناك نجاحات لمخرجين آخرين من فلسطين، ربما اتسع لهم كتاب آخر.
يبقى كتاب الناقد بشار ابراهيم شاملا ومتكاملا فى تعرضه للمخرجين الذين اختارهم ورغم أن العادة فى الاصدارات العربية أن تكون مثل هذه الكتابات مشفوعة بحوارات مطولة مع المخرجين، إلا ان المؤلف لم يفعل ذلك، ربما لأنه اختار الطريقة النقدية التى جعلت من الكتاب أقرب الى الحديث عن الافلام بصفتها المفردة وليس حديثا شاملا عن كل مخرج على حدة.
الكتاب مكتوب بلغة بسيطة والافكار بدت واضحة، ومن الواضح ان القرارات النقدية كانت مباشرة ولم تعتمد على المصادر والمراجع.
من مزايا الكتاب ايضا حسن اخراجه وتعبيرية غلافه الذى يتضمن "كولاجا" من ثلاثة افلام رئيسية لكل مخرج وهى (حيفا ـ يد الهية ـ عرس الجليل).
رغم نبرة الحماس والدفاع عن الموضوع، إلا أن الكتاب يتعامل مع النقد السينمائى جزءا من حالة ثقافية عامة تشكل السينما أحد روافدها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق