اتجاهات وتنظيرات سينمائية
مدخل الى سينما الدوغما
ضمن سلسلة صدرت عن أكاديمية الفنون فى مصر بعنوان (دفترى) ومعها عناوين أخرى تحت شعار عام (دفاتر الاكاديمية)، تم اختيار بعض الموضوعات لتشكل حلقات بحثية تعمل على تغطية جوانب مختلفة من قضايا الفكر والفن، على أن تكون موجهة الى القارىء العام وفى شكل فيه الكثير من الاناقة وجودة الاخراج والطبع.
لم تعمر السلسلة طويلا، فقد توقفت بعد فترة قصيرة، بسبب تغير الاسماء واختلاف الاهتمامات، ولكن الكتب نفسها صدرت، مازال تأثيرها حاضرا أو مستمرا، بصرف النظر عن أية انتقادات يمكن أن توجه الى التجربة.
الكتاب الثالث من السلسلة جاء بعنوان (سينما الدوغما) وهو اصلا رسالة دكتوراه للباحثة ايمان عاطف، اختارت المؤلفة أن تحدث فيها بعض التغيرات لكى تكون صالحة للنشر، بعيدا عن الشكل الاكاديمي المرتبط بالرسائل العلمية والذى لا تكاد دور النشر تتعامل معه من قريب أو بعيد.
يكشف التمهيد عن بعض المداخل المبدئية للموضوع المطروح، منها أن الدوغما هى اتجاه سينمائى يدخل ضمن مفاهيم التطور والتغيير التى ترتبط بالفن السينمائى باعتباره يشكل جزءا من خلفية ثقافية ترتبط بالأحوال والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبالطبع هناك اتجاهات ونظريات سينمائية كان لها تأثيرا كبير، فلم تفقد بريقها بسرعة وارتبطت بتأثيرات أخرى متجددة ومدراس انتشرت فى أمكنة أخرى غير المكان الذى نشأت فيه ولا ينفى ذلك وجود اتجاهات ذهبت مع المتغيرات ولم تكن لها فاعلية تذكر فالأمر يرتبط ويتعلق بأسماء عدد من المخرجين ومقدار نشاطهم الفني.
دعوة واتجاه: ـ
ان الدوغما هى دعوة الى تبنى اتجاه معين فى السينما، يقود الى تنفيذ أفلام تتحرر من القيود وتتجرد من المؤثرات والخدع السينمائية، وبالممارسة يمكن "العودة بالفيلم الى الأساسيات كنوع من البحث الحقيقى والصادق، واكتشاف القوة الخاصة جدا للفيلم "والمقصود طبعا القوة التعبيرية باعتبارها وسيلة للتواصل بين البشر.
لم تأت سينما الدوغما من لا شىء، فهى حركة تمرد ارتكزت على جذور وعى سينمائى يمكن تتبع أصوله فى الماضى، حيث يرجع هذا الاتجاه الى أصول فكرية وفلسفية، تطورت عند بعض المخرجين الى مسألة البحث عن لغة سينمائية تلائم الموضوعات والشواغل بدون محاولة تملق مشاعر الجماهير اعتمادا على المؤثرات والخدع.
يتكون الكتاب من فصلين فقط: ـ الأول بعنوان ماهية الدوغما والثاني بعنوان: خصائص السرد فى سينما الدوغما.
وبالطبع يبدأ الكتاب بطرح العديد من الاسئلة لغرض الاجابة عنها بالتدرج ومن هذه الاسئلة: هل سينما الدوغما تحمل مبادىء فلسفة الدوغما؟ وهل هى ظاهرة سينمائية أم انعطاف جديد لروح العصر؟ وهل هى نسخة جديدة أو مستهلكة؟ وهل هى نزعة فوضوية جديدة أو حركة تمرد فى الفن السينمائي؟
وما هو الرابط بين الدوغما بوصفها تيارا فنيا وبين الدوغما بوصفها مصطلحا فلسفيا متعارفا عليه؟ وهل هى دعوة الى تأسيس مبادىء وأسس جديدة فى الفن السينمائى؟ أم هى احدى افرازات فلسفة ما بعد الحداثة؟
فى العودة الى أصل الكلمة (دوغما) نجدها على المستوى الاخلاقي اقرب الى الجمود العقائدي فى معناها، فهى القطيعة “dogmatism” من الأصل اليوناني دوغما بمعنى قرار أو رأى، فهى اذن التأييد الأعمى لمبادىء مذهب اخلاقي معين، دون امعان نظر ودون دراسة العواقب وبدون دراسة للحالة.
"وغالبا ما تتجلى الدوغمائية فى نزعات مثل الشكلانية الاخلاقية والتعصب" وعلى هذا الأساس فإن التعريف الاخلافي للدوغما يشمل ربطها بالنظام الثابت غير القابل للجدل والحوار وفى هذا نجدها تقترب من النص الديني المقدس أى غير القابل للاختيار.
التغيير جوهر الحياة:ـ
وفى تعريف آخر فلسفى تقول الكاتبة اعتمادا على المعجم الفلسفي المختصر ـ دار التقدم 1986 بأن الدوغما "هى اتجاه فى التفكير مبنى على مفهوم حتى لا يمكن تغييره، وهى مدخل جامد الى مشكلة معينة، يتجاهل ظروفها المكانية والزمانية.. وتعنى ايضا الاعتماد على العقائد الجاهزة أى الموضوعات المجردة.. المعزولة عن الحياة، والتى تؤخذ على انها حقائق مطلقة، لا يرقى اليها الشك وتعتبر اساسا كافيا لادانة أو رفض ما يناقضها" وفى خلاصة يمكن القول بأن الدوغما بصفة الايمان الاعمى بعصمة هذا الشخص أو ذاك، وهذه النصوص أو تلك، والدفاع عن الآراء العتيقة مهما كانت درجة خطأها.
إن التغيير هو جوهر الحياة، لكن هناك احيانا ثوابت ومرجعيات يحتاجها الانسان ولكن ذلك لا يعنى الجمود.
ولربط ذلك بالسينما يمكن القول بأن الأمر قد اتخذ شكلا مغايرا على مستويين.. الأول له طابع التمرد، حيث يتم نفى الدوغما عند الدعوة الى تحطيم القوالب والقواعد الجاهزة.. والمستوى الثاني يسير نحو اتجاه معاكس، حيث تتم الدعوة الى قواعد أخرى افترضها تيار الدوغما وتتمثل فى القواعد العشر التى تمت الدعوة الى تبنيها.
ان سينما الدوغما ظهرت فى الدانمارك وهى تتميز على مستوى البلاد الاسكندنافية بتركيزها على الفلسفة فن البالية، بينما اشتهرت فنلندا مثلا بالعمارة والموسيقى والسويد بكل الفنون والنرويج بالمسرح والتصوير.
جاء فى الكتاب: "إذن فالفلسفة هى المميز للدانمارك كمجتمع حضارى، تلك الفلسفة هى التى شكلت الاساس الفكرى لكل نواحى الفكر الانسانى والفن، ولما كان الفن السينمائى هو من أكثر الفنون ارتباطا بالمجتمع وبحركة الفكر المعاصر، كان من الطبيعى أن ترتبط تلك التيارات بالسينما وتنتشر من خلالها باعتبارها وسيلة اتصال.
وهنا تربط المؤلفة بين قضايا الفكر والتيار الخاص بالقدرية الذى تأثرت به الدانمارك بحسب تعاليم (جون كالفين) القائل بالدعوة الى الزهد وتقبل القدر بكل الرضى، وتجعل كل ذلك مدخلا للحديث عن اتجاه سينمائي يدعى الدوغما، وهو رأى فيه بعض الشطط، وكان الأجدى ان يربط هذا الاتجاه السينمائي بتيارات سينمائية وقضايا أخرى معاصرة، رغم استخدام مصطلح الدوغما الذى يوحى بالكثير من الارتباطات الدينية والاخلاقية.
الحاجة الى الولاء: ـ
الأمر نفسه ينطبق، ولو بصورة أقل على ربط هذا الاتجاه بمطلقات التيارات الفكرية الموصوفة بتيارات (ما بعد الحداثة)، حيث الغموض والتقارب وعدم الاتساق، وهو إفراز طبيعى لعالم ما بعد الحروب وتطور التقنية الذى سار بالحياة نحو انهيار كل ما هو ثابت.
إن قواعد الدوغما سينمائيا أطلق عليها اسم (قواعد العفة) وهو تعبير اخلاقي، يتصف بمفهوم الولاء والإخلاص، يحتاجه العالم بشدة بعد سيادة مفاهيم الشك والحيرة.
وترجع المؤلفة الحاجة الى هذه القواعد المحكومة بحزام العفة الى الرغبة المتوفرة لدى الإنسان للتعانق مع الآخرين والتضحية بالذات للتوافق مع غيره، أي التوفيق بين الإرادة الفردية الذاتية والإرادة الجماعية وهي المعنى المعبر عنه فلسفيا باسم (الولاء) بمعنى ان "الواجب الخلقي يحدد لنا معنى الخير، فيعطي قيمة لحياتنا" أى أن الحاجة الى الولاء تبدو مهمة لتحقيق الخير الفردي أولا ثم الجماعى.
وفى مرحلة لاحقة تضع المؤلفة مبررا أكثر أهمية لوضع قواعد العفة الواردة فى بيان الدوغما وهو مبرر يحتاج الى توسع أكثر لم تركز عليه الكاتبة، ومفاده القول بأن القيمة الحقيقية لنظرية الفيلم تكمن فى أنها "وسيلة الى تفسير إمكانات الفيلم وتنظيمها من حيث القدرة على ربط الفيلم بأنشطة أخرى، ومن ثم اتساع الدائرة من حولها" إن مجمل القواعد النظرية للدوغما قد ساعدت على ربط هذا الاتجاه السينمائي بتلك الاتجاهات الأخرى، تطبيقا لقول المنظر السينمائى (بيلا بلاش) بأنه لا يكاد يوجد فن عظيم بدون نظرية.
إن الدوغما هى تعبير عن روح العصر والفن السينمائى دوما لاهث فى البحث عن الجديد، بحيث أن أي تيار جديد لابد أن يجد له مناصرين بفضل قوة الأدوات والوسائل التى يحملها، والتى ترغم الآخرين من لا يتفاعلون مع هذا الاتجاه على التعامل معه.
بلا شك لابد ممن الأخذ فى الاعتبار بأن اتجاه الدوغما قد جاء ردا على الأفلام الهوليودية المصطنعة التى تروج الى تملق الجمهور ومشاعره عن طريق استخدام الخدع والمؤثرات البصرية والسمعية والتقنية المبتكرة ونظام النجوم، وفى المقابل جاءت الدعوة البديلة الى مداخل أكثر بساطة وبدون تعقيدات.
رغم ذلك فإن هوليوود هى التى حققت التغيرات الكبيرة التى صارت حلما لكل مبدع، وهى الاتجاه الكبير المفتوح والمرن والمعقد والذى لابد أن يلد من يناؤى ويتمرد عليه.
لقد اعتبر بعض السينمائيين والنقاد أن ظهور سينما الدوغما لحظة مهمة فى التاريخ السينمائى تبشر بسينما فتية خلاقة، أمكن من خلالها اكتشاف القوة الخاصة جدا للفيلم كأداة للتعبير عن المشاعر، وعن الجوانب النقية والاجتماعية للشخصيات بشكل حقيقى وبسيط، وبطريقة قوية وحادة وتجعل من المتفرجين أكثر قربا وتصديقا لحياتهم وأفعالهم".
موجات سينمائية: ـ
إذا ذكرنا بعض الموجات السينمائية التى حفل بها التاريخ السينمائى لابد من إعادتها الى حركات فكرية كان لها تأثير واضح على المجريات الثقافية الإبداعية، وبالأخص الفنية منها مثل المسرح والسينما، ولذلك كانت هناك الحركة الدادية والفيلم التجريدى والفيلم الخالص وسينما المؤلف وهناك أيضا سينما الحقيقة والسينما المباشرة والموجة الفرنسية الجديدة والسينما الشعرية وسينما تحت الأرض والواقعية الجديدة والواقعية السحرية وغير ذلك من المسميات.
وهناك لابد من القول بأن سينما الدوغما، حسبما تشير الكاتبة، (سينما الحقيقة).
ورغم الاختلاف الشديد والجدل المتباين حول هذه السينما ـ سينما الحقيقة ـ إلا أنها تتسم بموضوعية طرحتها منذ البداية، مع تخليها بعد ذلك عن الواقعية والانحياز الى انطباعية مباشرة.
ترجع سينما الحقيقة الى "فيرتوف" المخرج والمنظر الروسي المعروف، ثم تبعه بعد ذلك المخرج جان روش، مع وجود بعض الأسماء الأخرى الذين تنتمى أعمالهم الى هذا الاتجاه ولكن بدون قصد نظرى واضح،
من سمات سينما الحقيقة، المباشرة والعفوية والتلقائية فى التعامل مع الأحداث وطريقة السرد والتركيز على الحدث الواقعى بدون إضافة أو تعليق، مع تأكيد على الزمان والمكان الواقعيين، والابتعاد عن المونتاج قدر الإمكان، حيث حركة آلة التصوير هى الأهم بدلا من القطيع، وبالتالى اختيار اللقطات المشهدية الطويلة، مع توظيف للعدسة المقربة وتجنب الإضاءة الصناعية، وهذا يعنى أحيانا أن الصورة تكون مهزوزة والإطار مرتبك ومع عدم الوضوح أحيانا.
يمكن أن نضيف الى ذلك رفض عملية الاعداد المسبق واستخدام آلات تصوير متعددة ومن زوايا مختلفة، وهذه السمات وغيرها يمكن اعتبارها من منظور معين عيوب سينمائية، لكنها صارت جزءا من الجماليات السينمائية.
وتستمر الكاتبة فى تلمس الاتجاهات السينمائية المؤثرة فى سينما الدوغما فتتعرف الى السينما المباشرة وتطرح بعض تفاصيلها التى تقود الى مجمل مبادىء سينما الدوغما أو تقترب منها، أو تقترب منها، وهذا ينطبق على سينما الموجة الجديدة، وسينما تحت الأرض، وبالتأكيد على بعض الأسماء مثل جودار وكلود شابرول، ثم جون ميكاس وبعض المنظرين الذين دعموا تلك الاتجاهات.
عوامل وظواهر:ـ
قبل التطرق المباشر الى قواعد سينما الدوغما تتناول المؤلفة مرجعيات أخرى لهذه السينما لها علاقة بالبيئة الدانماركية وطبيعة الأفراد ونوعية الأفلام المنتجة والتركيز على السينما التسجيلية وفكرة الولاء للطبيعة والمناخ من خلال انتاجات عامة لدى بعض المخرجين ومنهم كارل دراير وغيره، بحيث تخلص الكاتبة الى القول: "لقد كان للمناخ تأثير قوى على الشعب الدانمركى، تأتثير يتجاوز التأثير الطبيعى، فهناك الإحساس عميق جدا بالوحدة الإنسانية، بالبرودة، بالموت، انه انعكاس طبيعى للطبيعة القاسية ودرجة البرودة القاسية، والليل الطويل المظلم معظم شهور السنة، فهذه البلاد هى آخر حد العمار، حيث يليها القطب الشمالى".
تحاول الكاتبة إذن أن تجمع كل العوامل التى ترى أنها قد ساعدت على بروز ظاهرة سينما الدوغما، ولا يوجد مقياس واضح للمؤثرات ومستواها، لكن الجانب البيئي والطبيعى هو المسيطر، رغم أن الجانب الفكرى والفلسفي له حضور أيضا، فضلا عن المؤثر الخارجى العام، وفى ذلك استخدام منهجي أكاديمي يدرس الحالة من زوايا مختلفة للشرح والتفسير، ولا يجعل من مؤثر واحد منطلقا، وهو الأمر الأكثر فعالية نظريا لو تم تطبيقه.
يبدأ جوهر الكتاب من منتصفه تقريبا وبذكر قواعد الدوغما فى عام 1995.
عندما أعلن عن الحركة فى مهرجان كان 1995 وهذا ما لم تذكره الكاتبة، بغرض استغلال الجانب الاعلامى، بواسطة عدد من المخرجين من كوبنهاجن وهم لارس فون ترير الذى قدم الكثير من الأفلام وأهمها "تحطيم الأمواج ـ 1995"
وفيلم "الحمقى ـ 1998" وفيلم (راقصة فى الظلام 2000) وهو الحائز على جائزة السعفة الذهبية وكذلك فيلم (دوقفيل 2002).
ومن المخرجين أيضا توماس فينتر برج وكريستان لفرينهج وسور ن كراج جاكوبسن.
قواعد العفة:ـ
أما قواعد العفة فى سينما الدوغما فقد كانت كالآتي: ـ
1. يجب أن يتم التصوير فى الموقع الاصلى الخاص بالحدث، والديكورات والإكسسوارات ممنوعة. وإذا كانت هناك حاجة شديدة إليها فى الفيلم، فيجب اختيار موقع تصوير تكون موجودة فيه بالفعل.
2. لا يجب الفصل أبدا بين الصوت والصورة عند التصوير، فالذى يسجل أثناء التصوير هو الصوت النهائي للفيلم، والموسيقى لا تستخدم الا إذا كان لها مصدر فى أثناء التصوير.
3. يجب أن تكون الكاميرا محمولة باليد، فمكان وقوع أحداث الفيلم هو الذى يحدد وجود الكاميرا وليس العكس.
4. يجب أن يكون الفيلم ملونا ومقاسه 35مم.
5. تمنع المؤثرات البصرية والمرشحات الضوئية.
6. لابد للفيلم أن يكون خاليا من أية أحداث مصطنعة، مثل القتل، أو استخدام الأسلحة ولا أفضلية لاسم المخرج.
7. الإيهام الزمنى والجغرافي غير مسموح به، ويجب ان تكون أحداث الفيلم فى المكان نفسه والزمن نفسه.
8. الأفلام تكون عامة وليس لها علاقة بالنوع، مثلما نقول أفلام الحركة ـ أفلام الغرب وأفلام الرومانسي وأفلام الرعب وغير ذلك.
أيضا هناك قسم خاص يعلنه أى مخرج ينوي تنفيذ شريط من نوعية الدوغما وبالاعتماد على قواعدها ونص القسم يقول.
"اننى أقسم كمخرج أن أتخلى عن الذوق الشخصى، فأنا لست فنانا.
أقسم أن أمتنع عن ان أبدع عملا. كما أقسم بان اللحظة هى أهم من الكل، والهدف الأعلى هو أن أخرج بالحقيقة من خلال الشخصيات والديكورات، واقسم أن أفعل ذلك بكل الوسائل الممكنة وبتكلفة أي عمل له ذوق جيد وتحت أية اعتبارات جمالية".
بالطبع لم يتم الالتزام بكل تلك القواعد، فأكثر من مخرج اعترف بأنه قد خرقها، وكما أن هناك بعض التغييرات قد حدثت مع مرور الوقت، لأن بعض القواعد لا تعمل كما قال أكثر من مخرج.
خصائص وموضوعات:ـ
وفى انتقالها الى خصائص السرد فى الأسلوب السينمائى لدى أفلام الدوغما تدرس الكاتبة الموضوع من جوانب مختلفة لها علاقة بعدة نقاط هى كالاتي:ـ
1. القصة... وتراها المؤلفة مختلفة فى السينما الدانماركية عن غيرها، فلا اهتمام بالبداية والنهاية ولا ترابط فى خط دراسى متضاد، بل أجزاء متفرقة، تعتمد على سبر أغوار النفس أو الدخول فى فكرة ما وتشريح عاطفة قوية، فالمهم هو انطباع اللحظة وليس مسار القصة نفسه.
وهذا الأمر نجده لدى أفلام الدوغما بوضوح.
أما الموضوع الرئيسي فهو مواجهة الطبيعة بالقدرية وبالاعتماد على الطبيعة مباشرة، وهنا نشير الى أن المؤلفة تعيد بعض الأفكار وتكررها بلا مبرر وكان الأولى أن تذكر بعض المعلومات لمرة واحدة بصرف النظر عن متطلبات الموضوع المقترح.
إن أول فيلم دانماركي كان بعنوان (الإعدام ـ 1903) وأهم فيلم ينتمى لتيار الطبيعة كان بعنوان (على حافة الهاوية ـ 1915) للمخرج "يورين جات"، ثم جاءت أفلام أخرى تركز على الموت والرغبة والجنس من خلال معايير فلسفية تقوم على الخوف والضعف الانسانى.
2. الشخصيات... وهى شخصيات غير نمطية، لا تستطيع التواؤم مع المجتمع ويصعب عليها التعامل مع الناس، وهى عميقة فى فكرها، تتحرك من خلال المشاعر والأفكار وتسيطر عليها الذكريات والتجارب، لذلك نراها مندفعة ومتمردة ومتحولة ومتغيرة.
3. "إن الدراما تنشأ من خلال تتبع لحظات ومواقف تعيشها تلك الشخصيات بكل ما تحمله من أبعاد إنسانية، فأغلبها شخصيات غير قادرة على التكيف مع العالم المحيط بها، إننا نشعر بعزلتها وعدم استقرارها وبعدم قدرتها على التواصل"
4. الزمن... وهو عنصر مهم فى السينما عموما لأنه وكما يقول "تاركوفسكى" "صلصال داخل السينما"، حيث يمكن أن يكون زمن حاضر ويمكن العودة به الى الخلف كما يمكن السير به نحو الامام، وهذا يمكن حفظ الزمن فى علبة معدنية.
5. حركة الكاميرا.. وهى حركة مبررة بحركة الشخصية نفسها فى تفاصيل سينما الدوغما، حيث تبدو الكاميرا وكأنها تتحرك من تلقاء نفسها، فهى تنقل منظورا داخليا وإحساسا خاصا بعالم هذه الشخصيات.
ان الكاميرا تتبع الشخصية لتكشف دوافعها وتعبر عن النظرات والايماءات الموحية فيها، ولهذا تستخدم فى سينما الدوغما الكاميرا المحمولة فى الغالب بقصد المباغتة فى تلقائية تفتقد البناء المحكم.
لقد استفادت الدوغما من التقنية الحديثة والكاميرات الصغيرة ولهذا نجد اللقطات الطويلة المصورة بالفيديو، والتى تعبر عن الحرية والارتجال والحركة السريعة بأنفاس متلاحقة ومن زوايا مختلفة، كما حدث فى فيلم "راقصة فى الظلام" والذى صور بمئة كاميرا.
6. المونتاج... وهو أكثر عناصر اللغة السينمائية إثارة للجدل وله تاريخ طويل فى التنظير منذ بودفكين الى ايز نشتاين، الى التصور الجديد الذى يراهن على الايدولوجيا الفكرية وإرباك المشاهدين، فقد أصبحت هناك "علاقات جديدة بين اللقطة والأخرى بعكس ما تدرب عليه ذوق المشاهد من علاقات نمطية محكمة تربط كل لقطة بما تليها".
ان سينما الدوغما تركز على أسلوب الجدل فى المونتاج وعدم دمج المتفرج اعتمادا على القواعد التقليدية المتعارف عليها، والأهم هو مطابقة المشاهد بحيث يصعب على المتلقى متابعة الفيلم بسلاسة بصرية.
أما الجمع بين التسجيلى والروائى فهو طابع أساسي لسينما الدوغما لأن الإنسان لا يرى الا داخل تفاصيل حياته اليومية.
ورغم أن حركة الدوغما لم تقدم الا اليسير بالنسبة لنظريات المونتاج، إلا أن الأفلام التى تم تنفيذها فى إطار هذا التيار، قد اعتبرت مختلفة كليا عن سابقها، مع إشارة الى أن هناك مدارس واتجاهات خارج أوروبا وأمريكا كانت سابقة فى هذا المجال، ولم تتركها الكاتبة، مثل التجارب اليابانية ولاسيما عند المخرج كتيانوكيتاتسى..
طفرة فيها اختلاف: ـ
فى الموضوع الأخير من كتاب (سينما الدوغما) للدكتورة ايمان عاطف وكان بعنوان (خاتمة) نجد بعض الأفكار المكررة، مع وجود بعض الاستنتاجات الجديدة القليلة.
نستطيع القول بأن "جوهر الدوغما كان دوما هو الموضوع ذاته، والشخصيات بأبعادها الإنسانية المختلفة، فقد أرادت تلك السينما أن تنفذ الى أعماق الإنسان، وتقتحم ذلك العالم الغامض وتكشفه بصورة صادقة، وان بدت فى بعض الأحيان صادقة، إلا أنها هى الحقيقة".
من جانب آخر" إن ما استطاعت أن تقدمه سينما الدوغما هو تأكيدها لقيمة الفن السينمائى كوسيط تجريبي استطاعت من خلال أن تعيد اكتشاف قوة بعض الخصائص السينمائية التى أصبحت طي النسيان" وفى آخر الكتاب هناك محاولة من الكاتبة لربط الدوغما بجدل هيغل، حيث الفكرة أو الموضوع وهو المادة الخام للفيلم ثم نقيض الفكرة أو الموضوع وهو التطور التقنى، وناتج التركيب الجدلى الثلاثى بينهما ولادة شىء جديد، وهو سينما الدوغما وكما تقول المؤلفة فى مبالغة لا مبرر لها فى الاستنتاج: إنها سينما الدوغما التى جمعت بين بدائية وعفوية ووظفت التقنية فى خدمة هذه العفوية وأكدت مقولة هيغل من أنه دائما فوق كل مرحلة من مراحل تطور الفكر مرحلة أخرى لا يزال فى الإمكان بلوغها".
وما لم تقله المؤلفة ان سينما الدوغما كانت مجرد طفرة، ورغبة فى تقديم المختلف، لم تكن صارمة فى قواعدها، ومليئة باستثناءات كثيرة، والأهم انها لم تستمر طويلا ولم تخلف تيارا سينمائيا بارزا ولم تصل الى مرحلة الاعتماد النظرى من قبل المنظرين، فهى ولدت على الهامش واستمرت كذلك هى حالة مؤقتة استفادت منها السينما فى صورة من صورها المحدودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق