انتصار الإسلام شريط في الذاكرة
كان لنجاح الشريط الديني الأول الذي أنتج عام 1950 وعرض في العام الذي يليه ، الدافع الكبير نحو الاهتمام بالشريط التاريخي الديني ، وبلا شك كان تحقيق الربح المادي من الدوافع الأساسية ، ولكن لم يكن هذا هو الدافع الوحيد ، فهناك طرق كثيرة لكسب المال وفي مجال إنتاج الأشرطة نفسها تسمح بالكسب السريع ، وما اختيار الشريط الديني إلا اعتماد على منطلقات ذاتية تعود إلى المنتج نفسه وكذلك الأمر بالنسبة للمخرج .
ولقد جاء في الأخبار الفنية أن المنتج " محمد شلتوت " قد قرر الدخول في مغامرة إنتاج الأشرطة الدينية ، بل إنه سيتخصص في ذلك مدفوعاً بعدة عوامل ، أهمها الصيت الاجتماعي والدعاية الطيبة وحسن استقبال الجمهور لهذه النوعية ، كما حدث في شريط " ظهور الإسلام ".
وربما لو نجح هذا الشريط الجديد " انتصار الإسلام " لنفّذ هذا المنتج وعوده بإنشاء " أستوديو ومعمل للتحميض ، وكذلك استيراد آلات خاصة بالتصوير والتوليف والتركيب ، وهو أمر ربما ساعد على ازدهار وتطوير الشريط المنتج في مصر .
لكن الشريط لم ينجح ولم يكمل هذا المنتج سيرته الإنتاجية متخصصا وفي الإنتاج بشكل عام .
أما المخرج الذي جاء جديدا على الحقل السينمائي فقد أخرج بعد هذا الشريط شريطين آخرين من نفس النوع وتوقف بعد ذلك رغم أن تجربته العملية ودراسته في فرنسا وإيطاليا ، كانت كفيلة باستمراره في مجال الإخراج ، ولا سيما في تلك الفترة ، وربما توجه المخرج أحمد الطوخي بعد ذلك إلى الإذاعة فقدم العديد من المسلسلات الإذاعية .
أما عن الممثلين ، فقد تم اختيار الفنانة ( ماجدة ) وهي بعد لم تزل في بداياتها الأولى ، فقد تم تقديمها سينمائياً عام 1949 ولكن تعددت أدوراها الأولى حتى وصلت إلى حوالي عشرة أشرطة ، فكانت بالتالي جديدة وفي نفس الوقت معروفة .
ولقد شارك " ماجدة " أيضا كل من محسن سرحان وعباس فارس وفريد شوقي وهند رستم في التمثيل ، بينما قام بالتصوير المصور المعروف " أوهان " الذي عمل في أكثر من شريط ، وقام بعدة إضافات جديدة من اختراعه لكي يمكن له تصوير الأشرطة وخصوصاً المشاهد الصعبة فيها .
ولكن كل ذلك الاستعداد المالي والتقني لم يجد نفعاً ، فلم يحقق الشريط الربح المتوقع ، وخصوصاً وأن الأحداث السياسية التي حدثت خلال عام 1952 قد غيرت من اختيارات الجمهور ، ولكن الشريط رغم ذلك عرض في معظم البلاد العربية ، ومن المتوقع أنه قد استرجع كامل مصروفاته الإنتاجية .
ومن ناحية أخرى تم عرض الشريط في القنوات المرئية في السنوات الأخيرة .
ولا شك أن الموزعين قد استفادوا من وجود هذا الشريط ، بصرف النظر عن وضعية ذلك المنتج والذي لم تسمع عنه الخيالة العربية أية أخبار بعد هذا الشريط .
تأتي إلى أحداث الشريط ، مع العلم بأن المحصلة النهائية لم تكن إيجابية بما فيه الكفاية ، مقارنة بالشريط السابق " ظهور الإسلام " وأيضا الأشرطة اللاحقة الأخرى .
اعتبر الكثير من النقاد هذا الشريط من النوع البدوي الصحراوي وليس له علاقة بالشريط التاريخي أو الديني ، والسبب في ذلك يرجع إلى عدم وجود دلائل تاريخية أو إشارات تدل على التاريخ المقترن ببداية ظهور وانتشار الإسلام .
إن كل الشخصيات التي وردت في الشريط هي من النوع المتخيل ، كما أن القصة لها علاقة مباشرة بالمغامرة ، كما أن اللغة المستخدمة هي أيضاً بدوية صحراوية ، فلا أحد يعرف عمرو أو جميلة أو قاسم ، وهم الثلاثي الذي تقوم عليه القصة .
إن الشريط يمكن اعتباره من أشرطة المغامرات الصحراوية ولا توجد به أية إشارة دينية إلا من خلال بعض الكلمات والآيات التي تتردد بين الحين والآخر ، وبالتالي من الصعب اعتبار هذا الشريط من الصنف الديني أو التاريخي .
ورغم أنه من الممكن صياغة قصة خيالة لها أرضية وخلفية دينية ، إلا أن الشريط التاريخي لابد أن تكون له مرجعية حقيقية متمثلة في بعض الشخصيات والوقائع ، وهذا ما لم نجده في شريط " انتصار الإسلام " .
ولا زال المشاهد يذكر تلك الصورة المكررة النمطية للشرير الذي يقوم بأعمال السلب والنهب ، ويتعرض لمواجهة من قبل أحد الشخصيات ، حتى يتم القضاء عليه في النهاية ، وهذا الصراع هو الذي تجسد بين عمرو وقاسم أي بين محسن سرحان وفريد شوقي .
أما جميلة فهي الفتاة التي يدور حولها الصراع منذ البداية إلى النهاية ، ومع مرور التقلبات والمصاعب والحروب بين القبائل ، يصل بنا الشريط في الختام إلى نهاية سعيدة كما هو متوقع .
وهكذا تبدو أحداث الشريط بعيدة تماماً عن الصراع الديني ، وحتى إذا وجدت بعض المواقف التي تم التعبير عنها بكلمات دينية ، مثل الآيات القرآنية أو تكسير الأصنام أو غير ذلك من المشاهد ، فإن ذلك ليس له علاقة بالتاريخ أو بالذين باعتباره حدثاً مجسداً ومقبولاً .
وهكذا يمكن اعتبار هذا الشريط دينياً لبعض الأسباب والمبررات ويمكننا اعتباره شريطاً بدوياً لأسباب ومبررات كثيرة جداً ، إنه لا يختلف كثيرا عن شريط " ابن عنتر " مثلاً و(عنترة وعبلة) وشريط " صراع في الصحراء " وشريط " الصقر " . وهي أشرطة حققت نجاحاً كبيراً بسبب طابع الفروسية والمغامرة الذي سيطر عليها .
ورغم أن بعض الأشرطة لها وقائع حقيقية تستند عليها ؛ إلا أن شريط " انتصار الإسلام " يخلو من ذلك ، فلا يعرف المشاهد تاريخ الأحداث ولا وضعية المسلمين في تلك المرحلة ، بل وفي أي عصر أو سنة تدور وقائع الشريط و لا توجد قرينة يمكن أن نستدل بها عن التاريخ .
بالإضافة إلى ذلك احتوى شريط " انتصار الإسلام " على عدد من الصور النمطية التقليدية المتعارف عليها في أشرطة المغامرات ، مثل وجود أغنية طويلة لها مبرر أو ليس لها مبرر ووجود بعض الرقصات مع غناء جماعي يسمح بإطالة الشريط ، فضلاً عن المعارك الفردية والجماعية والتي يتطلبها الصراع من أجل المال أو المرأة ، وفي أحيان كثيرة الأرض الخصبة أو الماء الذي يندر وجوده في الصحراء .
لقد جاء شريط " انتصار الإسلام " ليربط الجمهور بالشريط الديني وإن كان الأمر لا يعدو أن يكون إطاراً عاماً يغلب عليه الجانب الإعلامي والدعائي ، ولقد استفاد الشريط من الحسي الديني لدى الجمهور الذي يعتبر هذه النوعية عن الأشرطة معادلاً مهماً لباقي الأشرطة الكثيرة التي تقدمها الخيالة العربية ويغلب عليها الطابع التجاري .
كما أن هذه النوعية من الأشرطة تسمح لبعض الكتاب بالتواجد والحضور والتعامل مع فن الخيالة وهم كتاب يجدون في الشريط الديني والتاريخي ضالتهم المنشودة ، ولكن يتطلب ذلك كله أن يكون الشريط التاريخي الديني في المستوى الفني والموضوعي المطلوب ، وهذا الأمر لم يتحقق بصورة قريبة أو بعيدة في هذه الشريط الذي تسلل الضعف إلى مشاهده ، فلم ينل اهتماماً بالملابس واللغة والتصوير الخارجي ، وأهمل الأحداث الدينية الأصلية ، حتى أن بعض النقاد اعتبروا أن الشريط قد صور بالأساس خارج النطاق الديني ، ثم حسبت عليه بعض المشاهد المضافة لكي يراهن على مشاعر الجمهور الدينية ، ولكن النتيجة أكّدت في النهاية عدم جدوى هذا الرهان ، وبالتالي انتظار محاولة أخرى جديدة ربما يكتب لها النجاح ، وقد تجسدت هذه المحاولة في إنتاج شريط جديد حول مؤذن الرسول " بلال بن رباح " وكان وراءها نفس المخرج " أحمد الطوخي " . وهذا ما سنحاول التعرض له في الحلقة القادمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق