دراسة وتحليل لنماذج من الأفلام الأمريكية
هو أحد الكتب القليلة المعنية بالسينما والصادرة عن دور النشر الليبية، وهو آخر الكتب التى صدرت باسم الشركة العامة للخيالة، وهى قليلة على كل حال فمجال السينما ينال اهتماما متميزا مقارنة بغيره من المجالات
والكتاب بعنوان (الدعاية فى الخيالة) وفى عنوان فرعى نقرأ: دراسة تحليلة لمضمون بعض النماذج من الأشرطة الأمريكية.
يقول الاستاذ سليمان كشلاف فى المقدمة ، بأن الكتاب فى أصله مجرد اطروحة أكاديمية، ربما لا تصلح للنشر اذا كانت موجهة الى القارىء العام، لأن الأطروحة مليئة بالجداول والأرقام والتفاصيل، وكان لابد لكتاب يصدر ويستهدف القارىء مباشرة، أن يكون سهلا وحجمه مناسبا ومختصرا، لذلك اختصره وحدف منه ما يراه غير مناسب باعتباره ناشرا للكتاب من خلال الشركة العامة للخيالة.
يقول مؤلف الكتاب المخرج عصام طرخان بأنه (قد تم اختيار موضوع الدعاية المقدمة من خلال أشرطة الخيالة، باعتبارها احدى وسائل الاتصال الجماهيرى، حيث استخدم مقدمو الدعاية، فنون وتقنيات هذه الوسيلة الاعلامية، من أجل ايصال الاغراض الدعائية فى قوالب ترفيهية، تم اعدادها بكل اهتمام ودقة، واضعين فى الاعتبار، جذب انتباه أكبر عدد ممكن من المتلقين، حيث أن الخطوات أو المراحل النفسية الاساسية التى يجب أن تتضمنها العملية الاتصالية الاقناعية وهى أولا جذب الانتباه والحفاظ عليه".
عنوانين ومحتويات: ـ
يتكون الكتاب من أربعة فصول.. الفصل الأول بعنوان (تعريفات) والفصل الثانى بعنوان (المعالجة الفنية للنموذج فى أشرطة الخيالة) أما الفصل الثالث فهو يختص بتحليل مضمون بعض نماذج الأشرطة الأمريكية، فيما يتطرق الفصل الرابع الى النموذج العربى فى اشرطة الخيالة، كما أن بالكتاب ملحق بعرض استثمارات تحليل الاشرطة.
ومن خلال عرض محتويات الفصل الثانى سوف نجد أن العنوان الذى تم اختياره، وغالبا من قبل الناشر، لا ينطبق تماما على هذه المحتويات، حيث نجد موضوعات متشعبة خارج نطاق التعريف، مثل الوصف التاريخى وأنواع الدعاية وعلاقتها بالاعلام.
وفى اطار التعريف فإن الدعاية هى: ـ فن تشكيل القوى العاطفية والمصالح الفردية بقصد خلق حالة من التشتت الذهني والغموض الفكرى الذى يسمح بتسهيل عملية الاقناع بفكرة أو بمبدأ أو توجيه فكرى بحيث يؤدى الى تغير معين فى مظاهر الاستجابة بخصوص موقف المواطن من مشكلة معينة".
هناك ايضا تعريفات اخرى قليلة مثل تعريف السينما ومفهوم دراسة التحليل المضموني للفيلم السينمائى غيرها.
وبالطبع جاءت التعريفات قليلة ولم يتوسع فيها المؤلف بالشكل الذى يجعلها تفى بالغرض المطلوب.
مستويات تاريخية: ـ
على المستوى التاريخى يعود الباحث الى الفراعنة كبداية للعرض التاريخى ثم انتقل الى الاغريق والرومان، حيث أن لكل حضارة طريقتها فى التعبير عن الدعاية، فالفراعنة استخدموا طريقة تدوين الانتصارات ضد الاعداء على الجدران واحيانا تظهر الرسومات بشكل مبالغ فيه.
ولقد اعتبر الباحث أن كتابة التاريخ لدى هيرودوتس تمثل دعاية للتاريخ الوطنى فى بلاده وهذا ما انطبق ايضا على ارسطو الذى استخدم فن المحاججة والاقناع.
أما الرومان فقد كانوا يهتمون كثيرا بالاحتفال بالانتصارات وبالدعاية لقوتهم وعظمة الامبراطور، لغرض خارجى يوضح قوة الامبراطورية الرومانية ولغرض داخلى يتجسد فى الدعاية للامبراطور.
يقول الباحث بأن الدعاية قد انفصلت عن الدعوة فى القرن الثامن عشر وصارت الدعاية تستخدم لاغراض فى سياسية وتخدم اهدافا سياسية وليست دينية، وقد تمثل ذلك فيما قامت به الثورة الفرنسية من اجراءات، مثل استخدام النشيد القومى الفرنسي واصدار المطبوعات الدعائية، وكذلك انشاء اجهزة مهمتها العمل الدعائى مثل تأسيس المكتب المعنوى للدولة.
يعتبر الباحث، اعتمادا على بعض المصادر مثل كتاب الدعاية والاعلان لعبد القادر حاتم وكتاب الدعاية الصهيونية لحامد ربيع، بأن الدعوة لها طابع دينى، كما حدث بالنسبة للتبشير فى الديانة المسيحية ثم الدعوة للاسلام فى بدايات انتشار الدين الاسلامى، ويخلص الكاتب الى تحديد الفروق بين الدعوة والدعاية فيقول "بان الدعوة ليست هى الدعاية" الأولى تخلق شحنة انفعالية والثانية تسعى الى المنطق الذاتى لتخاطبه، الاولى لا تتردد فى الكذب، والثانية تسعى الى الحقيقة.
الأولى تريد أن تأسر غير المهتم أو تقوي من صداقة الصديق، والثانية لا تخاطب الا من تريد أن تحيله الى مؤمن متعصب فى ايمانه" هذا بالاضافة الى فروقات أخرى تسير على نفس القياس.
أهم محتويات هذا الفصل موضوع حول الدعاية الشيوعية بعد التطورات التقنية فى الاساليب وخصوصا اثناء الحرب العالمية الأولى ثم الثانية والصراع بين الكتلتين فيما يعرف باسم الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى وامريكا.
أما التركيز الاساسي بالنسبة للكتاب فهو حول الدعاية الامريكية وطريقة استخدامها لمختلف الاجهزة الادارية والاعلامية والاذاعات الموجهة، ثم استخدام السينما والتلفزيون وغيرها من الوسائل المكتوبة والمرئية.
وباعتبار الموضوع الرئيسي فإن التركيز قد كان حول السينما الامريكية، ولكن فى صورة ملاحظات عامة تنطبق على كل وسائط الاعلام مثل تعريف الدعاية مجددا أو تسمية أنواعها، مثل القول بوجود دعاية بيضاء واضحة ودعاية سوداء وهى مستورة، ثم الدعاية الرمادية وهى مكشوفة لكنها تختفى وراء هدف آخر غير مشكوف.
أساليب الدعاية: ـ
هناك ايضا اساليب للدعاية مثل استخدام النكتة وأسلوب التكرار، وأسلوب الكذب، ثم أسلوب الاستعطاف والاستضعاف والشعارات البراقة والاناشيد وأساليب جس النبض واستخدام المؤثراث الدينية غيرها.
ومثل هذه الموضوعات لا تشكل الجزء المهم من الموضوع، لكنها وجدت فى التقديم العام ونالت أكثر مما تستحق على حساب اختفاء موضوعات أخرى، ومنها سرد تطور استخدام الدعاية فى السينما العالمية منذ بدايتها وهو المدخل الرئيسى المفقود، حيث أن من الطبيعى أن تكون هناك نظرة عامة سينمائية، ثم الدخول بعد ذلك فى التفاصيل.
هناك بد من الأشارة بأن الرسالة الاكاديمية المقصودة تدخل ضمن سياق الاطار الاعلامى العام وليس الفني أو السينمائى أو التقني.
لكن يبقى هذا الفصل الذى يعنى بتطور الدعاية فى مراحل مختلفة من تاريخ السينما، مفقودا والحاجة اليه ماسة.
لابد من الاشارة ايضا الى أن الكتاب قد صدر فى حجم متوسط، يصل الى 200 صفحة وقد أخذت المقدمة العامة حوالى ربع الكتاب لتبدأ بعد ذلك الموضوعات الرئيسية المرتبطة بالعنوان.
يقول الكاتب: "أخذت الدعاية تتطور فى أشرطة السينما الأمريكية وذلك من الناحيتين التقنية والفنية، حيث تقدم لها الامكانات الضخمة فى الانتاج والتوزيع وتحولت الى ظاهرة لا يمكن تجنبها أو اغفالها، ومهما قلنا عن الدعاية سواء لتبرير وجودها أو الحط من شأنها، فإن الحقيقة الواقعة هى أن لها أثرها على كل جانب منها".
ويركز الكتاب على النماذج المتكررة فى السينما الأمريكية، فيما يعرف باسم الانماط المكررة والتى تستخدم سياسيا للربط بين السينما والدعاية.
نعم إن أهداف الدعاية المضللة لابد أن تكون محكمة كل الاحكام ومدروسة دراسة دقيقة، وذلك من جوانبها الفنية والنفسية فى نفس الوقت، بحيث يسرى تأثيرها بفعالية وسرعة عند المتلقى، حيث لا يكفى أن يقوم البطل بالقتل أو الانتصار على الشرير، بل يجب أن يكتسب ايضا المعركة الداخلية، حيث تقف الرغبة ضد الواجب والشرف والامانة.
هناك تفاصيل متممة لكل ذلك، ومنها الانبهار بالنماذج الامريكية وتكتسب هذه النماذج المصداقية أكبر بما تقوم به من أفعال فى وعي المتلقى فى لا وعيه بصفة خاصة.
تعليقات حول الصورة: ـ
فى الفصل الثانى نقرأ معالجة فنية لفكرة النموذج، رغم أنه لم يتحدد بشكل كامل ولم تقدم النماذج من حيث أنواعها فى الافلام، وكيف يمكن أن تتسلل الى الجمهور.
يطرح الفصل الثانى موضوعات تخص المخرج بشكل عام ومن ذلك طريقة استخدامه لآلة التصوير من حيث اختيار الزاوية والموقع وتفاصيل اللقطة وكذلك الاعتماد على الاقتصاد المرئى من حيث استخدام الضرورى والابتعاد عن الزوائد.
يقول الكاتب: (إن الاقتصاد المرئى فى محتويات الصورة يساعد على شد الانتباه والتركيز المتواصل بكل يسر وسهولة، وهنا تكمن قدرة السينما على تبنى الأعمال الفنية الاخرى، والفن كما هو معروف، مرئى فى معظمه، ما عدا الموسيقى، وهو يعتمد أساسا على لفت الانتباه والتشديد على لفت الانتباه والانظار كخطوة أولى لايصال المضمون" هناك ايضا وجهة نظر خاصة بخط الأفق، وهو موضوع ينطبق على جميع أنواع الافلام، ولا يختص بالافلام الامريكية.
ومن الموضوعات المتكررة ايضا البحث فى التكوين السينمائى وهذه مسألة تقنية تخدم اغراض الرسالة الاكاديمية ولكن لا تخدم اغراض الموضوع المقترح الا فى حدود ضيقة، وهنا يأتى البحث فى الخطوط الرأسية والافقية والواجهة الأمامية وكذلك الخلفية.
وهذا الفصل يشمل رسومات وصورا توضيحية وأنواع التوازن وعوامل الثقل وكذلك دائرة الألوان وغيرها من التفصيلات الفنية والتقنية العامة.
فى الفصل الثالث وهو أساس الاطروحة نجد تحليلا لنماذج من الافلام الامريكية من حيث فئة الموضوع وجوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية.
ويمكننا القول بأن هذا الفصل غير واضح بالنسبة للقارىء، وربما السبب يعود الى مسألة حذف بعض الأجزاء، ولكن ما طرح فى الكتاب يبدو منقوصا ولم يتم شرحه بما فيه الكفاية، فمن الذى وضع العينات وكيف تم فرزها وما هى الافلام قيد البحث واسئلة كثيرة لم ترد عليها أية إجابة، هذا بالاضافة الى أن النتائج تفتقد الى توضيح يخرجها الى حيز المفيد الذى له دلالة اعلامية او سينمائية.
أنواع من الافلام:ـ
فى دراسة تالية، يجيب الباحث على بعض الاسئلة، وهنا ندرك أهمية الجهد المبذول ومن الافلام التى اعتمدها الباحث باعتبارها عينات.. افلام مثل: أفضل الأفضل ـ سوبرمان ـ السلاح المميت ـ رامبو ـ طرزان ـ الهارب ـ النسر الحديدى ـ المبيد ـ وحيد فى المنزل، وهى افلام محدودة من حيث نوعية وتاريخ الانتاج.
ومن خلال تحليل بعض النماذج ولاسيما الاساسية فى الأفلام المذكورة يصل الباحث الى عدد من الاستنتاجات غير الواضحة والتى لم يتم تركيزها حسبما ورد فى الكتاب من تفاصيل.
الفصل الرابع خاص بما يسميه "النموذج العربى فى الأشرطة الامريكية" ولكن المحتوى لا يحقق الهدف المنشود وخصوصا وأن العرض المطروح للتحليل لا يلمس نماذج عربية كثيرة وربما لم تكن هناك دواع لربط هذا الموضوع بفهرس الكتاب اصلا.
ومن الموضوعات الجانبية نجد ايضا ما يسميه الباحث أهمية الانتاج السينمائى العربى المشترك والاجراءات العملية للمساعد .. على تحقيق هذا الانتاج.
ويبدو لنا بوضوح فى النهاية بأن مؤلف الكتاب قد وضع أساسا يمكن أن يكمله غيره من الباحثين، وليس لنا أن نطالبه بكل شىء، وما قدمه الكاتب عصام طرخان يسير فى هذا السياق الذى يفتح للقارىء والباحثين آفاقا جديدة للدراسة، وفى هذا كل الكفاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق