الجمعة، 26 سبتمبر 2008

حول ليلة البيبى دول






قناع زائف للنجومية

فى عام 1957 أنتج شريط كوميدى بعنوان: "حسن ومرقص وكوهين" كتب قصته وحواره كل من نجيب الريحانى وبديع خيري، وأخرجه فؤاد الجزايرلي، المخرج الذى قدم أكثر من عمل فنى كوميدى مثل "بحبح باشا – الشاطر حسن – جحا والسبع بنات – الحظ السعيد" بالإضافة إلى أشرطة أخرى مثل "شهرزاد وفتح مصر وغرام بدرية وأحلام الحب وتحت السلاح" وغير ذلك من الأفلام. ولقد جمع الشريط عددا من الممثلين المعروفين وهم عبد الفتاح القصرى وحسن فائق ومحمد كمال المصرى بالإضافة إلى عايدة عثمان وشكرى سرحان وسميحة توفيق، يصور الفيلم ثلاثة أفراد مسلم ومسيحى ويهودي، يعملون معا من أجل هدف واحد وهو الاستفادة من الثروة الجديدة التى نزلت على صديقهم عباس وهو لا يعلم عنها شيئا، فيسعون إلى جعله يعمل فى المحل الكبير الذى يملكونه بعقد طويل الأمد.. ولكن ينتهى الأمر بانفصال عباس وتخلصه منهم بمساعدة خطيبته. الفيلم كوميدى ودلالته أن الأجواء كانت مناسبة جدا لكى يعيش أهل الديانات فى مكان واحد ويشتركون فى عمل واحد، ولو كان الأمر قدم فى إطار كوميدي. فى عام 2008 تم إنتاج شريط جديد وبواسطة شركة "غود نيوز" "حسن ومرقص" ولقد استبعد كوهين اليهودى لعدم وجود هذه الشخصية على أرض الواقع بعد حرب 1967 ولأسباب أخرى سياسية لا مجال للخوض فيها، لم يحمل الفيلم القديم أية رسالة أو هدف واضح وطنى أو اجتماعي، فقد اكتفى بتصوير قصة شبه واقعية وقدم شرائح وجودها طبيعى وكان الغرض هو إنجاز شريط كوميدى خفيف دون أية أهداف خلفية مباشرة إلا ما كان غير مباشر. لقد اجتمع فى الفيلم الجديد من الممثلين عادل إمام وعمر الشريف فكان التصور الأول الذى يجعل من اسم الممثل أشد تأثيرا من عنوان الفيلم نفسه مع الإشارة إلى أن الفيلم القديم معروف أيضا على نطاق واسع فى مصر، وبالتالى فإن الدعاية لم تأت من وجود النجوم فقط، ولكن أيضا من العنوان المنقوص، فكأننا نقول عادل وعمر أو حسن ومرقص. الجانب الإعلامى مهم جدا لشركة "غود نيوز" ولديها تجربة سابقة فى جمع النجوم من خلال شريط "ليلة البيبى دول" وتجربة فى الدعاية أيضا من خلال أفلام سابقة مثل "حليم"، "عمارة يعقوبيان"، ويقود الاعتماد على النجوم أحيانا إلى إهمال جوانب أخرى يعتمد عليها الفيلم بدرجات متفاوتة. هناك نجمان يقودان الفيلم "حسن ومرقص" وهما اسمان أشبه بالأعلام من الذاكرة السينمائية وكل ذلك يجلب النجاح التجارى والمفترض أن يدعم نجاح الفيلم غير أن ذلك لم يحدث، وربما لو كانت الشخصيات المختارة بعيدة عن النجومية لكان أفضل ولو اختيرت أسماء جديدة لكان أفضل، غير أن الفيلم يطرح ما عنده كما هو وعلينا أن نقبل بما يقدمه، وهو أمر إيجابى بصفة خاصة، لأن الإنتاج الجيد قليل نسبيا ويفرح أهل السينما عندما يجدون فيلما مقبولا إن لم يكن جيدا. شخصية واحدة يعتمد فيلم "حسن ومرقص"، إنتاج 2008، على شخصية واحدة متكررة أو شخصية متكررة من الجانب الآخر، فهذا مرقص عالم اللاهوت الذى لا يتفق مع رجال الكنيسة فيما يدعون إليه من تطرف والبعيد عن الوجه المتشدد الذى افترض الفيلم وجوده، وقد يبدو الأمر غير منطقي، إلا أن اختيارات الفيلم سارت نحو محاولة الاعتداء على مرقص من قبل جماعات دينية مسيحية لا يعجبها رأيه المسالم المختلف وكثرة انتقاداته. هذا الوجه له صورة أخرى، إنه حسن المسلم والتاجر الصغير الذى يموت أخوه المتطرف الدينى وزعيم الجماعة، ويطلب منه أن يكون بديلا عنه، ولا يفهم لماذا؟ فهناك أكثر من شاب والحاجة ماسة إلى هذا العجوز فقط، ولكن كما قلنا هذه هى ركائز الفيلم الأساسية، فكل من الشخصيتين تهرب من واقع معين نحو خلاص مؤقت ويكون ذلك عن طريق المسؤول الأمنى الذى يوفر أوراقا رسمية مختلفة للطرفين، بعد التهديد بالقتل والاعتداء الفعلى عليهما، ويختار أن يصبح مرقص المسيحى رجلا مسلما وهو حسن العطار بينما يكون حسن هو مرقص فى تبادل افتراضى للأدوار وبهدف هروب كل طرف من مشكلته الخاصة. إن الأفلام التى تقترب من مفهوم الوحدة الوطنية فى مصر كثيرة وفى أكثر من فيلم هناك إشارات دالة على ذلك ولقد ارتفعت شدة حساسية هذه الأفلام كما أنها زادت فى العدد، وهذا يتوافق مع تفاقم مشكلة العلاقة المتوترة أحيانا بين المسيحيين والمسلمين، وفى حدود معينة، تظهر وتختفى حسب الظروف السياسية والاجتماعية. وإذا كان أكثر من فيلم قد مر على هذه القضية من خلال طرح النموذج المسيحى إلا ان أهم الأفلام كان فيلم بعنوان "فيلم هندي" لمخرجه السيد راضي، فهو يطرح موضوع الوحدة الوطنية من خلال النسيج الاجتماعى المعاش، دون خطاب مباشر وإن كان الشريط نفسه قد اعتمد على نموذجين أيضا. حلقة وصل هناك حلقة وصل ضعيفة بين مرقص وكوهين، "عزت أبو عوف" لم يحسن السيناريو رسمها، وربما أضاف إليها الإخراج بعض "الرتوش" التى جعلت من الشخصية أقرب إلى زعيم عصابة، فضلا عن أن هذه الشخصية بدت وكأنها الحد الأعلى للسلطة المحلية، وأضاف إليها شخصية أخرى تابعة لها، تعمل معه وتوصله بالناس عن طريق المكالمات الهاتفية، وهى شخصية كاريكاتورية بعيدا عن أجواء الفيلم، وربما وجدت لإضافة بعض الكوميديا المفقودة فى الفيلم. لقد ظهر مرقص فى مشاهد كثيرة وهنا بدا وكأن المقصود بذلك ظهور النجم عادل إمام فلا توجد شخصية حية بقدر ما يوجد نجم يتحرك ببطء شديد وإذا قلنا بأننا أمام نجم سينمائى فعلينا أن نقبل كل شيء منه ولا داعى لوجود خلفيات واضحة ومنطق داخلى يقود الفيلم. فى مدينة المنيا يلتقى مرقص بحسن حيث السكن فى عمارة واحدة وفى طابق واحد كما يلعب كل شخص دور الآخر، فيتعرف المسيحى على المسلم فى نفسه، وكذلك يفعل المسلم، مع إطالة فى دور مرقص، لأنه مطلوب بأن يكون داعية إسلاميا، وأن يعطى دروسا فى الدين، وهى مشاهد ضعيفة وغير مقنعة، وخصوصا عندما يحاول أن يتخلص من هذه الورطة بطريقة ساذجة وسط إصرار لا مبرر له من أبناء البلد بدعوى معرفتهم بالشيخ حسن العطار الذى يحمل اسمه. لحظة معينة فى هذا الجانب أظن أنه لو مثّل ممثل آخر غير عادل إمام لصار الاعتناء بالدور وخطه المرسوم أكثر مما هو عليه وكذلك الأمر بالنسبة إلى عمر الشريف وبدرجة أقل. يتعاون حسن ومرقص ويتعرف ابن مرقص على ابنة حسن وتتحول العلاقة إلى عمل وتجارة مع وجود بعض المناوشات من قبل الجيران الذين يدعمون ديانة كل شخص فى تعارض بين المسرح الاجتماعى ومنافعه وهذه الشخصيات من الداخل، إلى أن يصل الفيلم إلى لحظة معينة يكتشف كل منهما حقيقة الآخر، بحيث لا مجال للعيش فى شقة واحدة، بعد أن فرت الشخصيات من أفعال الغوغاء وسلوكهم النفعى المؤقت إلى مكان آخر. إن بعض الأفلام وفى الغالب تنسب إلى مخرجين غير محترفين، تفتقد الايقاع الذى يربط الفيلم، وهذا ما حدث مع فيلم حسن ومرقص فقد بدا السرد ضعيفا فى البداية واستحقت المشاهد المتتالية بعض الهدوء ولكن مع النصف الثانى من الفيلم تقريبا، صارت المشاهد تأتى بلا توازن متقطعة ومنفصلة، فمن السجن مثلا إلى العلاقة العاطفية بين الابنين ثم الأزمة المفتعلة عند كشف كل أسرة عن حقيقتها وكذلك وجود من يحرك الاحداث نحو الاشتعال لأسباب شخصية، وفى جميع الأحوال فإن الإيقاع فى النصف الثانى يبدو لاهثا وراء أية نهاية ممكنة لهذا الفيلم، والاعتماد بالطبع على تخمينين رئيسيين والمراهنة عليهما لسد بعض الثغرات فى الفيلم، فما يأتى من عمر الشريف مقبول وكل ما يأتى من عادل إمام لا يناقش ولا يتم الاعتراض عليه. المباشرة أولا هنا لابد من الإشارة إلى نقطة أخرى تتعلق بالفيلمين "حسن ومرقص" وكذلك" ليلة البيبى دول" وهى الخطابية المباشرة، وحتى إذا افترضنا أن الفيلم الأول يقبل هذه النوعية من المباشرة فإن نهايته تعبر عن الجانب الإيجابى للوحدة الوطنية فى مصر فى جانبها الفردى فقط، وذلك ضد دعوات الجموع التى تتحرك بواسطة الأغراض النفعية والمصالح المباشرة، ولكن الفيلم الثانى كثف الخطابية وكثرة النقاشات المطولة، ولاسيما حول الدور الأمريكى فى المنطقة التى تقف حجر عثرة أمام نجاح الفيلم، ولا يعنى تجسيد الأحداث الساخنة أو التأثر بها أنها تعود نحو إنجاح الفيلم، والذى هو فن قبل أن يكون مقالة سياسية أو دراسة تحليلية. فى الفيلمين إطالة واضحة فهناك مساحة كافية وأكثر لإبراز النجوم حيث يسود الاعتقاد بأن النجم يمكن مشاهدته فى أية صورة كانت، وإن الإقبال عليه لاسمه وليس للفيلم الذى يقدمه. إن النجومية لها مداخل كثيرة يقودها دائما الفيلم الجيد من جميع جوانبه والتجارب العالمية أكبر دليل على ذلك ولا نعنى أن الأفلام ينبغى أن تكون سياسية أو اجتماعية بالضرورة، فحتى أفلام الحركة والمغامرة والخيال العلمى والرومانسية لها قيود ومرجعيات لا يستطيع النجم وحده أن يتحمل تبعاتها.










































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































ليست هناك تعليقات: