غرام في الصحراء
(1)
من التجارب التي لم يكررها المخرج صلاح أبو سيف إخراجه لشريط ، أخرج نسخة أخرى له مخرج أجنبي وهو الإيطالي "جاكومو جانتولومي" ونقصد بذلك شريط " الصقر" إنتاج عام 1950ف ، رغم إن هذا غير مؤكد .
لسنا هنا في البحث في الأسباب التي كان وراء تنفيذ نسختين من شريط واحد ، الأولى إيطالية والثانية عربية وبطاقم مختلف تماما ويمكن القول بقصة مختلفة إلى حد معين ، يسمح به السيناريو المزدوج ، لكننا نتعامل مع شريط (الصقر) على اعتبار إنه شريط ليس له شقيق .
إن صلاح أبو سيف ، المخرج الذي قدم أنواع مختلفة من الأشرطة وطرق وتعامل مع معظم الأشكال إلا ما هو كوميدي خفيف أو ما يعرف بالفارس ، كان من أوائل المخرجين الذين اهتموا بالشريط التاريخي ، ولا شك إن إخراجه لشريط ( عنتر وعبلة ) إنتاج عام 1948ف كان دليلا على هذا الاهتمام والذي لم نجد له تفسيراً واضحاً إلا في محاولة هذا المزج التعامل مع السنين باعتبارها فنا لابد أن يكون ممتعاً وشيقاً وهو أمر يتحقق في أشرطة المغامرات الصحراوية ويمكن اعتبار شريط ( عنتر وعبلة ) مدخل مهماً لانجاز شريط الصقر الذي يتشابه إلى حد بعيد مع الشريط الأول .
من الأشرطة التي أنجزها صلاح أبو سيف ونجدها قريبة لأشرطة المغامرة والتاريخ شريط (الوحش ) إنتاج 1954 وشريط (فجر الإسلام ) الديني التاريخي إنتاج عام 1971 تم هناك أيضاً شريط ( القادسية ).
والواقع إن الشريط الايطالي (الصقر) لم يعرض في أكثر الدول العربية لأسباب لها علاقة بالتوزيع فقط ، وبالتالي من الصعب وضع مقارنة بينه وبين الشريط العربي.ولكن مرة آخري نقل بان المقارنة ليس لها ضرورة طالما أن السيناريو مختلف وباقي العناصر الفنية كذلك .
(2)
لا يتواجد في الشريط كل من نجيب محفوظ أو السيد زيادة ،وهى اللذان تعامل مع المزج في أعمال من نفس النوع ،غير أن بيرم التونسي يحضر كاتباً للحوار . إي السيناريو فهو مشترك للنسختين العربية والإيطالية وباسم(نينو نونافيز) كاتب القصة أيضاً .
هناك عنا وإيطالية تتواجد في الشريط مثل المصور والمؤلف الموسيقي ومهندس المناظر ، وهنا نرجح أن الشريط الإيطالي قد تم تصويره أولاً ، ثم تمت الاستفادة من كل ما تركته الشركة المنتجة (شركة موسو الإيطالية) ليضاف بعد ذلك أستوديو مصر بصفته منتجا ثانيا .
رغم ذلك ، فإن هناك معلومات تقول بأن النسخة التي تم إنتاجها واحدة وهي مشتركة ولا يوجد شريط إيطالي وآخر عربي نقول ذلك وهو أمر ممكن بالطبع ، إلا أنه يصعب تصور أن شركة إيطالية تجازف بإنتاج شريط محلي يعتمد على ممثلين ليس من بينهم إيطالي واحد ، صالح لخدم التوزيع في إيطاليا في الحدود الدنيا على الأقل .
(3)
إذا تعرضنا إلى بعض ما كتب من نقد حول الشريط المذكور ، وجدنا جانبا منه سلبيا ولا سيما فيما يتعلق بالإخراج وكتابة السيناريو حيث بدأ الشريط وكأن أحداثه تقع خارج التاريخ ، كما أن المكان غير معروف ، وهذا من عوامل الضعف المتسللة إلى هذا الشريط الذي يعد أقرب إلى أشرطة المغامرة الأجنبية رغم أن هناك إنتاج عربي يوازي ذلك ، ولا سيما بعض أشرطة الممثل(توجو مزراجي) وكذلك بدر لاما .
من جانب آخر نجد أن التعاون مع بعض العناصر الإيطالية في السينما المصرية كان واضحا في الثلاثينيات والأربعينيات ، وهذا ما يجعل من احتمال أن يكون الناتج شريطا واحد اجتمعت عليه الكفاءات الإيطالية والعربية في تعاون مشترك ، لسنا نفهم سبباً واضحا له ، أو مبررا صريحا تجاريا يسمح لأهل الإنتاج بأن يخوضوا في هذه التجربة غير واضحة المعالم.
نقول ذلك ونحن ندرك أن التعاون بين مصر وإيطاليا قد تكرر عام 1965 بشريط(ابن كليوباترا) إخراج فرناندو بالدي وإنتاج شركة مصرية وهي فيلمنتاج ، لكن الشريط المذكور كانت البطولة فيه للمثلين من إيطاليا وبمشاركة جانبية لكل من ليلى فوزي وشكري سرحان ويحيى شاهين .
(4)
إذا عدنا إلى النقد أو الانتقاد الموجه إلى الشريط نجده ينصب على موضوع الشريط وكيفية إعداده ، ونضيف أيضاً بأن لغة الحوار كانت ضعيفة ، ولم يهتم بها بيرم التونسي بما فيه الكفاية ، لأنها جاءت حديثة نسبياً ولم نجد تلك اللغة الخاصة التي ابتكرها للأشرطة الصحراوية والبدوية ، والسبب يمكم أن يكون مرجعه إلى أن الشريط ملتبس في أحداثه ، فهو ليس شريط بادية أو صحراء ، رغم أنه يوهمنا بذلك .
مثل العادة يجمع الشريط بين الفتاة التي تأتي من أوروبا وهي هنا ليست أوروبية ولكنها مصرية كانت تعيش في باريس وتعدو بعد وفاة أبيها الثري لكي تنال ما أورثه لها ولابد أن تكون معها رفيقة مصاحبة لها وكانت "بولا" التي نراها أجنبية وخادمة ومربية .
اللقاء هو بين ابنة باريس وراشد شيخ القبيلة الشاب الذي لم نرى فعليا له قبيلة ، لكنه يتعامل على أساس أنه شيخ لقبيلة وملابسه تدل على أنه من فرسان القرون الوسطى وليس له علاقة مباشرة بالصحراء .
من الطبيعي أن تنشأ العلاقة بين الفتاة ليلى والشاب راشد ومن اللقاء الأول ولا عجب أيضا أن يكون هناك تجاوب بين صديق البطل (سعيد) وصديقة البطلة بولا .
(5)
من مشكلات شريط(الصقر) أن الأحداث غير ناضجة ، وفيها سرعة لا يتقبلها المشاهد ، مثل المواجهة المبدئية بين إبراهيم ابن العم وابنة عمه ، والقصة المكررة عن الصراع حول الميراث وخروج ابن العم (إبراهيم) منه ، ثم العلاقة بين هذا الموظف والمحاسب وشخصية أخرى اسمها يوسف ، ليس لها عمل واضح ، كذلك يركز الشريط على نقطة ضعف معينة وقع فيها الشيخ راشد المعروف بأنه ذكي وإلا كيف يمكن أن يكون شيخا .
هناك أيضا تطورات وتفصيلات تخص الأم وعلاقة القبائل ببعضها ، وجميعها تعاني من نواقص واضحة ، جاءت جميعا على حساب تركيبة هذا الشريط .
(6)
في علاقة هذا الشريط بالمرحلة الإنتاجية ، يمكن اعتبار شريط خفيف ، به حركة واضحة ومعارك ولكن السيناريو لم يجعل من إبراهيم ( سعد خليل) الكفء الذي يقف في وجه راشد (عماد حمدي) كما أن الشريط ينحرك من واقع رغبة إبراهيم في كسب الثروة وليس السعي للوصول إلا ابنة عمه (سامية جمال) .
أما نقطة ارتكاز الشريط فهي تقوم على العلاقة مع الأجنبي ، فمع تلك المرحلة وما جاء بعدها ، لا يمكن تصور هذا الأجنبي إلا مخادعا ، فهو يدعي البحث عن المال و يعقد المواثيق مع القبائل من أجل البحث عن الذهب وهذا أمر غريب بالطبع ، إلا انه يعامل هذه القبائل بوحشية بدون سبب واضح رغم ذلك فإن أهالي يغنون جميعا ( يا صحراء المهندس جاي ) ونحن هنا لا نناقش الشريط بشروط الحاضر ، ولكن هناك ضعف يتسلل إلى الشريط من كل الزوايا ولهذا لم يكن من الأشرطة المهمة في تلك الفترة ، وخصوصا وإنه ينسب إلى المخرج ( صلاح أبو سيف) صاحب الاتجاه الواقعي الاجتماعي وإن كان هذا الاتجاه لم يتوضح لديه بعد ، وما هذه الأشرطة الخفيفة إلا مقدمة لممارسة (السينما) فنيا وتقنيا .
إن الأجنبي يخدع أهل القبائل ويشردهم ويتعامل معهم بقسوة ، والأسباب غير واضحة حسبما فسرت ذلك أحداث الشريط ، والمقصود طبعا أن يتحمل الشيخ راشد المسؤولية لأنه وحده ممن اتفق مع هؤلاء الأجانب الذين يفجرون الأرض بحثا عن المعادن . تحس بأن الشريط لا يكاد يختلف عن الأشرطة السائدة آنذاك ولا سيما الأجنبية مثل ابن الشيخ مثلا وبعض أشرطة المغامرة التي تنفذ في الصحراء .
كما قلنا هناك أكثر من رقصة في الشريط ، مع أغاني لابد منها وبعض المعارك بالسيف وغيره ، وكما قلنا فإن العلاقة بين .....؟ الصقر – المقصود صقر القبيلة باعتباره شريط مغامرة وعنتر بن شداد علاقة بارزة مع الاختلاف طبعا في نوعية القصة .
لا توجد بالشريط أرضية معينة ، فنحن في منتصف القرن التاسع عشر ولكن لا وجود لخلفية معينة سياسية أو اجتماعية ، فالشيخ راشد لا يختلف عن دوان جوان أو فارس من المغرب ، يعشق الفتاة القادمة من الغرب(فرنسا) فهو - الشريط – يطرح العلاقة بين البدوي والمرأة المتحضرة القادمة من الغرب ، رغم إنها مصرية .
إنه لقاء من نوع مختلف بين الشرق والغرب ، حيث يتولد الإعجاب وينتهي الأمر بالزواج بين الصحراء وباريس ، لا شك أن هناك اهتمام جيد بالملابس والديكور والموسيقى وكذلك التصور وجميعه أجنبي ، ولكن لم يفلح كل ذلك من تقديم شريط جيد ، حتى على مستوى المغامرة ، نقول ذلك رغم الجهد الواضح الذي قام بع معظم الممثلين ولا سيما الممثلة سامية جمال المتميزة في هذا الدور مع سعد خليل في دور إبراهيم وباقي الممثلين الذين لم ينفع تمثيلهم المقبول بجعل الشريط في المستوى المطلوب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق