الاثنين، 24 نوفمبر 2008

الهواء الذى يتنفسه بعض الناس









الدوران حول حقيقة غائبة

هناك عدد كبير من الأشرطة المنتجة في السينما العالمية تميل نحو استخدام أكبر عدد من النجوم وهذه مسألة ليست وليدة اليوم وخصوصاً إذا كان الموضوع يحتاج إلى عدد كبير من الشخصيات متقاربة من حيث ظهورها على الشاشة ومن حيث حضورها وأهميتها .
من الأشرطة الحديثة نسبياً سوف نجد شريطاً بعنوان ( مجموعة أوشن ) وهو شريط يضم مجموعة كبيرة من الممثلين النجوم بلا مبرر لذلك وهناك أيضاً شريط بعنوان ( الهواء الذي اتنفس ) ولا يكاد يوجد أي مبرر لحشر كل النجوم من الممثلين فيه وهذا ما ينطبق على أشرطة كثيرة من بينها هذا الشريط من إنتاج ٢٠٠٨ وهو بعنوان ( درجة الأفضلية ) لمخرجه ( بيت ترافيس ( الايرلندي القادم من التلفزيون في ثالث تجربة سينمائية له . إن استخدام النجوم لأغراض تجارية عملية محفوفة بالمخاطر .
ففي أغلب الأحيان له ينقذ هؤلاء الشريط من الفشل ، لأن الممثل النجم لا يكاد يستقر في دوره فهو مجرد رقم فقط ورغم ذلك فإن النجاح كثير ما يكون حليف بعض الأشرطة ولا سيما الأشرطة الكلاسيكية المعروفة مثل ( الزمرة المتوحشة - انثا عشر رجلاً بلا قذر - والعظماء السبعة ، وآخر تلك الأشرطة كان ( اللامتسامح لكلينت ايسترود ١٩٩٥ ) .
في الغالب تكون الأشرطة المعتمدة على تعدد الشخصيات ذات طابع مبسط من حيث الموضوع ونوعيته فالشكل الظاهري لا يصلح بتعميق الحدث والتركيز على الشخصية ولعلنا نذكر في هذا الصدد الشريط الياباني المعروف ( راشمون ) إنتاج عام ١٩٥٠ لمخرجه اكيرا كيرا ساوا والذي نري فيه وصفاً للقصة من أربع وجهات نظر وكل شخص يصف الحادثة التي اعتمد عليها الشريط بطريقته الخاصة والتي تختلف وتتقاطع وتتفق أحياناً مع وجهات النظر الأخرى ولكن في النهاية لا توجد حقيقة معينة واضحة حتى بدأ الأمر على خلاف ذلك .

الحقيقة النسبية

هذا الشريط يسير على نفس المنوال إنه يعرض الحقيقة النسبية والتي تتمثل في جريمة قتل وكذلك جريمة اختطاف رئيس دولة في دولة أخرى أثناء حضوره لمؤتمر يقول الشريط إنه ضد الإرهاب وبالتالي فالشريط من تلك النوعية التي تتبنى قضايا سياسية معاصرة من وجهة نظر الإنتاج السينمائي في هوليود ، من المنظور التقليدي .
هناك دوران إنتاجي لا يتوقف حول هذا ( الإرهاب ) الذي تتبعه نحو السينما ، ولا ترى فيه إلا وسيلة لإنتاج ما يمكن أن يجذب الجمهور بصرف النظر عن الدواعي والمبررات السياسية حيث لا تتوقف عجلة الإنتاج السينمائي إلا أمام قضية واحدة وهي تحقيق الأرباح والأقرب استخدام الشعارات التعارف عليها الكليشهات العامة التي لا تحتاج إلى تفكير أو تدبير .
تقول قصة الشريط بأن عدداً من زعماء العالم يجتمعون في مدينة سالامنكا الأسبانية في مؤتمر كبير لمناقشة قضايا الإرهاب ومن بين هؤلاء رئيس أمريكا الافتراضي ( اشتون ) والذي يصل إلى ساحة عامة كبيرة ليلقى خطاباً وسط جمهور حاشد وإجراءات أمنية صارمة وعدد لا يحصى من المراسلين والقنوات المرئية .
في البداية نتابع هذا الحدث من خلال منتجه بإحدى القنوات الإخبارية ( ريكس ) وتقوم بدورها الممثلة ( سيغوري ويفر ) التي تتولى الإشراف على نقل الحدث بالتحكم في عدد من آلات التصوير الموزعة في أنحاء الساحة ، ولا مانع في هذا السياق من إظهار إحدى المراسلات وهي تبدي اختلافها مع السياسة الأمريكية وكذلك تركيز آلة التصوير على بعض المحتجين ضد الخطاب المنتظر للرئيس الأمريكي .

رصاص وقنابل

بالطبع ليس هناك رؤساء آخرين ولا نكاد نجد مبررا لهذا الخطاب فالرئيس الأمريكي في العادة لا يلقي خطباً في الجمهور المحتشد على الأقل في العهود الأخيرة كما أن الاجتماع الدولي له طابع رسمي ولا دخل للجمهور فيه .. إلا أن الحدث الذي يقوم عليه شريط ( مركز الأفضلية ) أو درجة الأفضلية يفترض وجود هذا الحشد الكبير مع إلقاء خطاب عام وقبل ذلك تقديم خاص من قبل عمدة المدينة وهكذا يختفي المؤتمر لكي يبقى الرئيس الأمريكي وحده عرضة للانتقام من قبل بعض المجمو عات كما يشير إلى ذلك الشريط بكل وضوح .
من خلال وجهة نظر المنتجة والمخرجة التلفزيونية (ريكس ) نري ونتابع الحدث حيث تنطلق رصاصتين إلى جسد الرئيس الأمريكي وهو يكاد يشرع في إلقاء خطابه ، وكل ذلك من خلال شاشات صغيرة داخل استوديو صغير لا يطرقه أحد إلا (العميل السري ) أو البودي غارد ( توماس بارنس ) الذي حاول أن يتابع الحدث من بداياته المسجلة مرئياً وخصوصاً بعد الانفجارين الكبيرين وحالة الفوضى التي سادت في الساحة الكبيرة .

لحظة البداية

يعود الشريط إلى العشرين دقيقة السابقة مرة أخرى ليبدأ السرد من جديد بواسطة شخصية أخرى " توماس " وهو أحد رجال الحماية والذي سبق أن جرح في موقف سابق له علاقة بالاعتداء على الرئيس ولذلك فهو شديد الحرص وكثير الشكوك ومن ذلك شكه من نافذة في الشارع المقابل تتحرك ستائرها وهو أمر لفت انتباه سائح أمريكي يستخدم آلة تصوير ( فيديو ) وفي لحظة إطلاق النار يحاول توماس أن يوقف أحد الأشخاص عندما يراه يجري باتجاه الرئيس كما أنه يتابع مشاهد مما سجلته آلة تصوير السائح وعن طريقها يلحظ تلك الفتاة التي تلقي حقيبة المتفجرات تحت الطاولة ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا الشك في أحد الرجال من الحماية ( اسباني ) وهو تايلور الذي يحاول أن يتابعه لإلقاء القبض عليه .
هناك أيضاً وجهة نظر أخرى ومرة أخرى يعود الشريط إلى لحظة البداية ليسرد الوقائع بطريقة مختلفة نسبياً وهذه المرة من وجهة نظر ( هوارد ) السائح الأمريكي الذي يخاطب أسرته من خلال الهاتف ويسجل الوقائع ولسنا ندري مدى أهمية ما يسجله بالنسبة لعائلته لأنه حدث سياسي ومجرد خطاب ليس له أهمية عائلية ولكن آلة التصوير " الفيديو " الصغيرة تسمح بمراقبة بعض الأحداث ومن ذلك معرفة بعض العناصر التي تقف وراء هذه الحادثة وكذلك شخصية " يرنيك " ثم شخصية الفتاة " فيرونيكا " التي تعمل مع إحدى المنظمات وترمي بالحقيبة المنتفجرة بالتعاون مع بعض الأطراف الأخرى مثل شواريز الذي يقوم بدوره الممثل المغربي سعيد تاجموني وكذلك جافير الذي يقوم بدوره " ادجاررا مسريز " .

أماكن حرجة

وجهة النظر الأخيرة نتابعها من خلال الرئيس نفس توماس والذي قام بدور الممثل ( ويليام هيرت ) والذي نعرف أنه فعلياً موجود بأحد الطوابق في الفندق المقابل والشخصية التي اغتيلت هي مجرد شبيه له وضع في نفس الموقف وربما هذا ما جاء به الشريط من الناحية الفعلية فكرة أن يكون للرئيس الأمريكي بديل يستخدم في الأماكن الحرجة لكن الجماعات المنظمة تستفيد من كل ذلك لأنها تفجر المكان وتدخل إلى الفندق وتقود الرئيس وهو مغمى عليه إلى سيارة أسعاف وتعمل على تهريبه وبكل بساطة ثم يدخل بنا الشريط في مطاردات أقرب إلى أشرطة الحركة بين الأطراف التي تعمل على إنقاذ الرئيس وغيرها التي تنوي اعتقاله مع إضافة بعض الرتوش الدرامية مثل الفتاة الصغيرة التي تفقد أمها وينقذها السائح الأمريكي مرتين وفي المرة الأخيرة تعمل الجماعة المختطفة على تفادي أصابتها بالسيارة السريعة ويكون ذلك سبباً في اعتقالها وإنقاذ الرئيس بعض قتل العناصر .
إن الشريط يستخدم عدداً من الممثلين بـلا جـدوى ولا يكـاد يبرز منهم إلا ( دينس كواد ) الذي قام بدور البودي غارد توماس أما الباقي فقد كانوا مجرد أرقام ولا سيما وأن وجهات النظر المتتالية لا تضيف جديداً فهي تعيد نفس الحدث بطريقة أخرى ليس فيها جديد كما أن السرد ميكانيكي يعتمد على الحركة السريعة التقطيع السريع ولكن في المجمل لا يقول الشريط شيئاً وحتى في جانبه السياسي تتسم الأحداث بعض البرود فهي تعتبر أن المغرب المجاور لأسبانيا يعمل على تصدير الجماعات المنظمة التي يصفها الشريط بالإرهابية وفي نفس الوقت يدافع الرئيس على علاقاته بهذه الدول مهما كانت الظروف ويبدو الطرح هنا فيه الكثير من المباشرة والسطحية لأنه ليس هناك هدف واضح ولا قضية ولكن فقط إرهاب من أجل الإرهاب وهو أمر دأبت السينما الأمريكية على تقديمه بطريقة مصطنعة وسريعة تتماشى مع العناوين الرئيسة بدون محاولة تحليلية واضحة .

حقيقة حائرة

لذلك جاء الشريط فارغاً ومبسطاً رغم كل مظاهر محاولة حبس الأنفاس والتشويق والسبب يعود إلى عدم وجود قضية واضحة تبرر سلوك هذه الجماعة التي تسعى لاختطاف رئيس دولة في دولة أخرى .
كما أن عناصر الحركة قد دفعت بالشريط نحو مطاردات فارقة لا يقوى عليها إلا أفراد يتسلخحون بطابع " الأكشن " مثل جون فاندام وبروس ويليس وأحياناً جاكي شان وهو أمر أفرغ الشريط من محتواه السياسي الذي كان يفترض أن يقع الاهتمام به بصرف النظر عن الحقيقة الضائعة والتي ظلت ضائعة إلى نهاية الشريط حيث القضاء على بعض الأفراد لا يعني إطلاقاً أن جوهر العمليات قد تم القضاء عليه .
لا شك أن أماكن التصوير كانت جيدة ( المكسيك ) وأيضاً كان هناك إتقان في رسم المشهد الخاص بالانفجار ثم انتهى الشريط بعد ذلك ولم تفلح جهود الممثلين الكثر في إنقاذه رغم محاولتهم ذلك .
لقد دمج الشريط العناصر المتطرفة التي افترض وجودها في أسبانيا مع عناصر أخرى خارجية ليجعل من قضية الإرهاب مجرد إطار فاقد لكل مصداقية إلا مصداقية البحث عن الربح من أقرب الطرق وأسهلها بدون عناء البحث والتفكير والعودة إلى الأصول الأولى لأي قضية من القضايا .
يمكن اعتبار هذا الشريط مسلياً رغم أنه استخدم شكلاً معقداً ليقول ما لا يستحق أن يقال .

ليست هناك تعليقات: