![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj6-zO5x6KJ8-PiTZZrVeaTAVR7rGMpqJIK5KJ1ZseiiOqIQjED52TSXHTqLqsZIb-mwzjg8jKOjwJXechv1eamXfS2aQ_Xe6QdAaW2RJ1zjHlbbOfro-n1ObLanBFWt_7bEem1Dk7cu8A/s400/70851275fw0.jpg)
عودة إلى الذاكرة السينمائية
هل لنا أن نعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء ! وفي الواقع نعود بها إلى ما هو أكثر من المعتاد إلى أيام كانت فيها السينما تشكل حلماً عند الغالبية العظمى من الجمهور ، ولا يعنيذلك أن السينما قد كفت على أن تكون كذلك ، لكنها صارت في قلب المنافسة مع وسائط أخرى ، سرقت منها الكثير من الجاذبية ، ولاسيما في العقدين الأخيرين ، عندما شاعت القنوات المرئية ، وصارت مسألة مشاهدة الأفلام أكثر سهولة وبساطة بفضل التطور التقني الحديث . نعم لقد كانت السينما حلماً ، وبعض المنظرين حولوا هذا المفهوم البسيط إلى نظريات تناقش العلاقة المتبادلة بين الفن والجمهور ، انطلاقاً من فكرة هذا الحلم وازدهاره عبر العقود المتتالية .
بدايات أولى :
عندما نعود إلى بداية الستينات سوف نجد السينما هي أداة الترفيه المثالية ، وربما الوحيدة ، وربما الأفضل ، ولا سيما عند الأوساط الشعبية ، وهي تشكل حلماً ، أقرب إلى شعاع النور المنبعث في دور العرض على الشاشات العريضة النظيفة منها والمتسخة ، هذا الأمر انطبق على بلادنا وبلاد العالم .ها نحن قد عدنا إلى تلك الأيام والمكان مدينة طرابلس في الستينات ، لنجد ذلك الصبي الصغير ، والذي لم يبلغ الثامنة من عمره بعد، يتسلل إلى دار عرض ، يسمونها الرشيد ، كان قد سمع عنها من رفاقه الكثيرون ، لم تكن الرشيد هذه إلا دار عرض شعبية ، رخيصة الثمن ، وهو ما أدركه بعد ذلك ، والأمر في جميع الأحوال لم يكن يعني عنده شيئاً ، فالمهم أن شاشة العرض مليئة بالشخصيات المتحركة النابضة بالحياة . هناك أصوات وموسيقى وأحداث مختصرة وشيقة ، لها تتابع .فيها شدّ وجذب وإثارة ، وفيها أوهام وأحلام . كانت للسينما بدايات أخرى ، عندما كانت السيارة المتنقلة تعرض بعض الأشرطة في الساحات الواسعة وعلى خلفيات المباني في ساعات متاخرة تطول أحياناً إلى متتصف الليل ، ولاسيما في ليالي الصيف الطويلة وفي منطقة كانت تسمى باب عكارة . لم تكن عروض الحائط مؤثرة ، وخصوصاً إذا كان التعرف إلى دار العرض كان هو المبدأ ، ولازلت أذكر تلك اللحظة التي تعرفت فيها على السينما ، من خلال دار عرض الرشيد ، ومن خلال فيلم شهير لإسماعيل ياسين بعنوان ( عفريتة إسماعيل ياسين ) عرفت بعد ذلك أنه من إخراج حسن الصيفي وقد أنتج عام 1954ف .
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEicT3X1fw5GjjA3vya3XDQvNSDAE0axe_butJJU-wdpxDpF7lvS2Kel2LVZXPis4QKZFUnzESr9q9DlgyHF4s-3NZRybsrkZUAHE8bR6U0JW0L8IV0p4Zz7Bc6xZrbwU3aLUJhOGppmZP8/s400/afistfuld.jpg)
قلب المدينة :
تقع دار عرض الرشيد في قلب مدينة طرابلس ، والأرجح أن الاسم قد جاء اختصاراً لاسم ( هارون الرشيد ) ، وكانت دار عرض بسيطة تعرض شريط كل يومين أو ثلاثة أيام وخصوصاً وأنها تشرف على محطة الحافلات العامة ( حالياً ميدان السويحلي ) ، فإلى هذه المحطة تأتي كل الحافلات ، ومن مناطق مختلفة ، ومنها منطقة الهضبة الخضراء وباب بن غشير والفرناج وسوق الجمعة ، ويتطلع الصبية إلى التردد على هذه الدار لسهولة الوصول إليها من ناحية ، ولرخص تذكرتها من ناحية أخرى .، وكذلك يقف أمامها عدد كبير من الباعة الجوالين ، الذين يبيعون مشروبات شعبية مثل السحلب والحمص والعصائر ، بالإضافة إلى المكسرات والمشروبات الزجاجية والسندويتشات وغير ذلك من البضائع الرخيصة الثمن . تعرض دار عرض الرشيد أشرطة متعددة أغلبها أشرطة عربية ، وهي تقع ضمن مجموعة دور عرض لشركة خاصة تشمل دار عرض الرويال ( الشعب ) وكذلك دار عرض ( أ ب ت ) وهي الدار التي أطلق عليها لاحقا دار عرض الحرية ثم أغلقت وهدمت بعد ذلك . من أسباب شهرة دار عرض الرشيد ، موقعها كما قلنا ، ثم رخص ثمن تذكرتها ، فهي متواضعة لا تحتوي على نوافذ وسقفها من قطع ( الزينقو ) وبها مراوح تعمل باستمرار ولكنها خفيفة وغير مؤثرة ، والدار رغم ذلك ، ورغم إنارتها الضعيفة وحوائطها المتسخة ، تلقى إقبالاً كبيراً من الرواد ، ولِمَ لا ، ودور العرض كما قلنا كانت هي المتنفس شبه الوحيد للتسلية والمتعة الأسبوعية . في دار العرض هذه شاهدت الأشرطة العربية الأبيض والأسود ، والتي تتكرر بسبب إقبال الناس عليها ومن ذلك أشرطة إسماعيل ياسين وفريد الأطرش وأنور وجدي وأم كلثوم وفريد شوقي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEivBz_XffPphpB0m_5vUjJ9X1C3y6pUTlRfJ5S6wquWcy8bNQ-B-kAYrAlBOcmJrtU-zjVQnX5w3BQnO6du12h4tF-BHJKD-TmZwX6b19Qlj5ualmVyjnmpIAeEOB5GQElyjvLBYPdhRwk/s400/AOHassan_1.jpg)
لازلت أذكر إذن هذا الشريط جيداً ( عفريتة إسماعيل ياسين) .أنه أول شريط شاهدته ، ولعل سبب ارتباطه بالذاكرة ، أنه يحتوي على بعض الخدع البسيطة والتي كانت تبدو لنا وقتها غريبة وخصوصاً الكيفية التي تظهر بها العفريتة ، وهي الراقصة ( كيتي ) التي تُقتل ثم تظهر لزوجها لكي تساعده في اكتشاف الجريمة والتي دبرها صاحب الملهى الليلي ( فريد شوقي ) ، وهي أيضاً تساعد الزوج ( إسماعيل ياسين ) في الزواج من امرأة أخرى ، ثم تختفي هذه العفريتة نهائياً بعد ذلك ، ومن الطبيعي أن يلفت انتباهنا هذا الشريط إلى باقي أشرطة إسماعيل ياسين ، والتي تعرضها هذه الدار باستمرار ، ويكون دافعاً لمشاهدة المزيد من الأشرطة . أذكر جيداً أن السبب في دخولي دار هذه السينما وللمرة الأولى هو رغبة ( خالي ) في ذهابي معه وهو المتردد على السينما أسبوعياً ، ولولا ذلك لكان من الصعب إقناع أسرتي بالموافقة على هذه الخطوة ، رغم أنها تعد بسيطة وطبيعية في تلك الآونة . بعد ذلك صار الذهاب إلى اسينما عادة أسبوعية ، تعرفت فيها على باقي أشرطة إسماعيل ياسين ، وخصوصاً الأشرطة التي تحمل اسمه مثل : إسماعيل ياسين في الجيش ، وإسماعيل ياسين في البوليس الحربي ، وإسماعيل ياسين في متحف الشمع ، إسماعيل ياسين ملك البترول ، ولم يكن في علمي أن إسماعيل ياسين هذا له أشرطة أخرى يظهر فيها مساعداً للبطل ، وهي كثيرة جداً الا بعد أن تعرفت على ذلك من خلال أعداد من مجلة ( الكواكب المصرية ) وهي أيضاً المجلة التي قادتني إلى اشرطة أخرى ، ولاسيما أشرطة ( فريد الأطرش ) الغنائية ، ولازلت أذكر جيداً شريط ( لحن الخلود ) إنتاج 1952 وإخراج بركات ، وكذلك أشرطة أخرى اشترك فيها المطرب مع سامية جمال على وجه التحديد . ومن أشهر الأشرطة التي علقت بذاكرتي ، وخصوصاً من ناحية الملصق المحفز لمشاهدة الشريط ( أمير الانتقام ) للمخرج بركات وبطولة أنور وجدي ، وهو الشريط الذي قادني لقراءة الرواية العالمية ( الكونت دي مونت كريستو ) وباقي روايات الإسكندر دوماس
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiErODaXjjT2Y4zmp-a8tk-ws9WpQ1Tg_mnt8Hm1IAmNJFLKxm51EBuIUxqK65Hb_xI9Dq14fk33yJVZ1UJXR4BYiBjDlFZPQUpJSlmDvonVs9qvZ7fFDAri55aLZJw0enX4FQ2TANCiow/s400/s28.jpg)
من مزايا دار عرض الرشيد ، أنها تعلن عن الشريط المعروض في إطار يقع على يسار المدخل ، والإطار الآخر على اليمين يعلن عن الشريط القادم ، ومن النادر جداً أن يحدث تغييراً في المواعيد ، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الملصقات التي بداخل ردهة القاعة وهي معلقة بتوزيع غير منظم يمهد لعروض قادمة غير طارئة إلا في أيام الأعياد . كانت التذاكر صغيرة الحجم تقذفها آلة صغيرة ، ولا يتم قطعها باليد عند الشراء ، ولكنها تقطع عند الباب ، والدخول كما هي العادة في أغلب دور العرض في كل وقت ، حيث تستمر العروض متواصلة ، وهناك من يحضر الشريط أكثر من مرة ، ليس للمتعة فقط ، ولكن لإضاعة الوقت وخصوصاً في فصل الشتاء ، حيث يسمع صوت المطر بشكل خفيف على السقف ، لكنه لا يغطي على صوت الشريط والذي في الغالب يصل إلى أعلاه ، حتى أنه يسمع في جوار دار العرض وما حولها . لقد ارتبطت دار عرض الرشيد في الذهن بالأشرطة العربية المصرية ، ومن النادر أن يعرض غيها شريط أجنبي إلا في سنوات متأخرة نسبياً ، عندما ظهرت أشرطة إيطالية تاريخية كان لها جمهورها الواسع ، ومن ذلك أشرطة هرقل وماشيستي والمصارعين العشرة وأورسوس وسبارتاكوس وغيرهم . لابد من القول هنا بأن دار عرض الرشيد بمدينة طرابلس ، كانت مكانا للتجمع واللقاء ، يمكن ان يرتبط هذا اللقاء برحلة في شوارع مدينة طرابلس ، أو الذهاب إلى دار عرض أخرى ، لكن في الغالب يستقر الأمر على مشاهدة الشريط المعروض في هذه الدار ، بسبب سهولة العودة إلى البيت مهما تأخر الوقت ، ولوجود الكثير من المتطلبات في الأزقة والشوارع القريبة منها ، وخصوصاً أكشاك بيع المجلات ولا سيما الفنية منها . نعم لقد كانت هناك نقلة أخرى من أشرطة عربية كوميدية وأخرة غنائية إلى أنواع أخرى من الأشرطة الدرامية ، ولاسيما المقتبسة عن روايات عربية وعالمية ، وهذه النقلة كان لها الأثر البالغ من حيث اختلاط الفرجة السينمائية بعالم القراءة الأدبية ولاسيما قراءة الروايات التي تمت مشاهدتها على الشاشة ، وأحياناً البحث عن أوجه المقارنة والتفضيل ، ولكن بطريقة ليست واعية تماماً ، إلا من حيث رسم وتصميم الشخصيات ، ومن ذلك روايات لإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وعبدالحليم عبدالله ثم نجيب محفوظ في مرحلة لاحقة .
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEh-Ao6G9DpohzMhdT7Jqh2hMTLqT8ju6-k2KMM9rW3KWutxueJjgRDb4fMMFjKQ7aUF7zQdOxMD2XEa00cLwR8nLf3V4QZfYvPDD_iMOTYrMhFqECnBGUUz_wAyO9P9XrBVHEmry7Vvacc/s400/Alfitowah.jpg)
بحثاً عن بطل :
لا أدري لماذا لم يسيطر على تفكيري فكرة البحث عن البطل في الأشرطة ، والتركيز على النجم الأوحد ، رغم أن الدافع لمشاهدة الشريط يكون الممثل كما حدث في أشرطة إسماعيل ياسين وفريد الأطرش ، ثم في فترة لاحقة فريد شوقي في سلسلة من الأشرطة ذات طابع المغامرة الاجتماعية ، ولاسيما ما يخص منها الحارة الشعبية مثل ( فتوات الحسينية – ابو حديد – الفتوة – النمرود – سلطان – المارد ) . كما أن الممثلة هدى سلطان كان لها دور مهم في إقبالي على الاشرطة ذات الطابع الغنائي ، في مرحلة لاحقة لأشرطة فريد الأطرش ومحمد الكحلاوي ، ثم مرحلة ما خاصة بأشرطة عبد الحليم حافظ . بين الحين والآخر كانت دار عرض الرشيد تعيد بعض الأشرطة القديمة ، مثل ( قبلة في الصحراء ) وأشرطة أخرى لأم كلثوم ، مثل ( فاطمة – سلاّمة ) وفي أحيان نادرة نرى شريطاً لمحمد عبدالوهاب ، مثل ( ممنوع الحب ) في نسخة رديئة بسبب التكرار وإعادة هذه الأشرطة لجمهور يمكن اعتباره من الدرجة الثالثة ( الترسو ) .
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiif6OH84Olt3jg5t0uK1Dadg4nwja3lOfqIFpg9ZwLCMNMN4VnKPNCC5akGwh1bG3oFQYQhX8QdBP7qF1u5hJEbqrVvUuwEzD21pJcUKdYZ2dDUniLg5qtlVyyBeRwfbqQvQ3rY436ogc/s400/2035on8-1c2e3bef77.jpg)
عروض معينة :
من جانب آخر عرضت دار عرض الرشيد ، بعض الأشرطة ، والتي يمكن وصفها باليتيمات ، ومن ذلك على سبيل المثال شريط ( كتاب الأدغال ) إنتاج 1942 لمخرجه زولتان كوردا ، وكذلك شريط ( لص بغداد – 1940 ) وشريط ( علي بابا والأربعين حرامي ) وشريط ( عمر العادل ) من تركيا ، وجميعها أشرطة ترتبط بلحظة الاكتشاف حيث تأتي المفاجأة في الغالب من عدم المعرفة المبدئية بمثل هذه الأشرطة، ومبلغ الإعجاب يكون متعلقاً ببعض الغرائب والخدع فيما يعرف باسم ( الفانتازيا ) والتي لا تتحقق في الأشرطة العربية أو أشرطة رعاة البقر أو الأشرطة البوليسية .
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj3qCWpqz5rnLp2AJ10uFV7JCVR2CUIuusUyBOpRDqQCR3gxzxsHv59av4Bgav6AN-cjcVd3VWFOTVeKMqd8dpTaO2aBQ1DjVLp8DHy0TXewPG2_CHSpqxOpMtfv_-8ztgAbLDWmw3qGbU/s400/film1081.jpg)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق