الأربعاء، 26 نوفمبر 2008

غربيان في قارب واحد



الأمنيات التي تأتي متأخرة


ربما هناك حاجة للعودة إلى بعض المعاني اللغوية للتواصل مع بعض الأشرطة،وهو أمر يتكرر أحياناً عندما يكون فيهم عنوان الفيلم هو المدخل للتعامل معه،ولايحدث ذلك دائماً وبالضرورة،ولكنها الأحداث والوقائع هي التي تقود إلى هذا الاختيار الذي لايعد ملزما في بعض الأحيان.
عنوان الشريط هو "قائمة الموت"ولكن المعنى الفعلي هو "قائمة الأمنيات"،وفي داخل الشريط نجد شرحا لهذا المعنى على لسان "كارتر"أحد الشخصتين الرئيستين،فهو من جاء بهذا المفهوم الذي يكاد يشكل التصور الشامل لأحداث الشريط.
عكس الاتجاه:

هناك ربط في اللغة الانجليزية "تعبير أمريكى"بين الدلو والموت،والدلو هنا يقصد به الإناء المفتوح من أعلى والمستخدم في الغسيل أو ري بعض النباتات.وعندما يتم القاء هذا الاناء أو رفسه بالرجل،فهذا تعبير عن النهاية أو الموت.
أما القائمة نفسها فهي من الأمنيات التي يضعها الشاب في مطلع حياته،وتتضمن عدداً من الأهداف أو الغايات التي يمكن تنفيذها بالتدريج،ومن هنا جاء الربط بين قائمة الأمنيات والموت.ليصبح كل مايمكن تصوره من أهداف قبل موت الإنسان.
هذا الشريط "قائمة الأمنيات"يوحي بالسوداوية منذ البداية،كما أنه يجعل أبطاله من الكهول الذين تجاوزوا السبعين عاماً،ويضع المرض وتقبل الموت خلفية تسبق الأحداث وتقودها.
إنه شريط يتعامل مع الموت ويسير بعكس اتجاه السينما التي تضع قضايا الشباب هي الأهم ومع الاعتماد على جمهور الشباب والفتيان،وهو أمر يهمله هذا الشريط الذي يمكن اعتباره موجهاً لنوعية خاصة من الجمهور،مهما قلنا بأن السينما هي فن للجميع.
مجرد تعليق:

يبدأ الشريط بصوت الممثل "مورجان فريمان"وهو يسرد لنا قصة رجل يدعى "ادوارد"،شخص متميز مع خلفية بصرية للتلوج،حيث سيدفن هذا الرجل في أعلى مكان من العالم،والتعليق هنا يخدم إضافة أبعاد للشخصيات،ربما لاتتوفر فيها فعلياً.
ولقد اعتاد الجمهور على صوت فريمان راويا في عدد من الأشرطة،لما يتميز به صوته من وضوح ورخامة وحسن ايقاع.
لكن فريمان ليس مجرد راوي.إنه الشخصية الأساسية تقريباً،حيث نراه في بداية الشريط الفعلية،يعمل ميكانيكياً يدعى كارترو من الوهلة الأولى ندرك أنه يملك قدرة على جمع المعلومات وتذكرها،وهو يطرح باستمرار أسئلته ويبحث عن إجابات لها.
سوف نجد "كارتر"يجد المعلومة المطلوبة من قبل الميكانيكي الآخر الذي يعمل معه ويفك معاني الكلمات المتقاطعة حسب الطلب،وفي لمحة من الشريط خاطفة تسقط من يده لفافة التبغ ويتحرك ظل جسده في تمايل لنجده بعد ذلك في غرفة للطوارىء في مجمع كول الصحي.


غرفة واحدة:

إثر ذلك وبعد اجتماع إداري ممل حول بعض الشؤون المالية الخاصة بالمجمع الطبي الذي يملكه ادوارد كول،يصاب هذا الرجل بنوبة مرضية مفاجئة لينقل بعدها إلى غرفة للطوارىء في نفس المستشفى.
يعطى الشريط تلميحاً منذ البداية،مبرراً جمع المريضان في غرفة واحدة،رغم الفارق في المستوى المالي الاقتصادي بينهما،مفاده اصرار صاحب المستشفى ادوارد على وضع كل مريضين في غرفة واحدة.وهذا النظام اصابه هو شخصياً وبشكل مباشر،وإن كان في ذلك الكثير من عدم الاقناع،إلا أن الأحداث المتتالية تصب في مجرى آخر.
من الطبيعي أن تكون كل شخصية مختلفة عن الأخرى،كارتر من النوع الهادىء الذي يسأل كثيراً ومن متتبعي برنامج "جيو بردى"للمسابقات،ولديه كم هائل من المعلومات يلقيها عندما يحين موعدها،إنه أيضاً شخص عائلي،لديه زوجة وثلاثة أبناء ولديه احفاد،وهو يجتمع بأسرته على الأكل،وبه نزوع نحو الايمان وهو مخلص،أمضى عمره تحت السيارات من أجل أسرته،ومن قبيل التفرقة المباشرة،التفرقة بين الشخصيتين،جاء كارتر....وقام بدور الممثل"مورجان فريمان".
أما شخصية ادوارد،وقد قام بدور الممثل ـ جاك نيكلسون)فهو ثري جداً،تمكن من تحقيق ثروته بالكفاح اليومي ومن الصغر،يملك مصحة كبيرة،وربما أعمال أخرى،وهو ....سريع الغضب،تزوج من أربع نساء،ولكن في النتيجة وجد نفسه عازباً،لايزوره أحد،إلا من يعمل معه بشكل مباشر.
إن مايجمع الغريبان مجرد غرفة واحدة وإصابة بالسرطان وفي مرحلة تعتبر متأخرة،حيث لم يبق لهما من العمر إلا بضعة أشهر فقط،وأبواب الموت مفتوحة أمامهما ومشرعة،رغم العناية الطبية،وخصوصاً بالنسبة لكارتر،والذي توقف بسبب المرض عن ممارسة عادات الأغنياء،ومن ذلك تناول أنواع الأكلات الراقية.إن المريضين يتنقلان بعربة المداوة،ورغم التباعد بينهما إلا أن المرض يقربهما من بعضهما.

قائمة الأمنيات:-

ينقسم الشريط إلى قسمين:الأول يشمل الحوادث والأحداث داخل المستشفى أو بالأصح داخل غرفة العناية،والقسم الثانى يبدأ عندما يكتب كارتر قائمة الأمنيات ويلهو بها فتقع في يد ادوارد الذي يصمم على تنفيذ هذه القائمة،بعد أن يضيف إليها بعض النقاط،ويتم الاتفاق على ذلك،وعلى حساب الثري ادوارد،من نقاط هذه القائمة النزول بالمظلات من الطائرة،قيادة سيارات السباق،حفر الوشم على الجسم،ثم السفر إلى بعض الأماكن السياحية مثل تاج محل في الهند والاهرامات في مصر والرحلة إلى جنوب فرنسا وهونج كونج ومحاولة الوقوف على جبل الهمالايا.
في كل تلك الرحلات يحاول كارتر أن يكون "دليل الرحلة".وهو أمر يصيب السيناريو بالخلل،كما أن النقلة واسعة وعنيفة،حيث يصبح العجز قوة،بالاعتماد على الروح المعنوية،وكأن الشباب قد عاد لهذين المسافرين وهما يحاولان أن يحققا بعض الأمانى قبل أن يدركهما الموت.
ورغم رفض زوجة "كارتر"للرحلة وهي فرجينيا فهي ممرضة سابقة تقوم بدور الممثلة "بفرلي تود"ومساعده (طوماس)يقوم بدور الممثل شين هيز السكرتير الشخصي لكارتر،تحقق الرحلة غاياتها مع بعض التغيرات الخفيفة،وأحياناً اشارات لإمكانية التراجع،ولاسيما عندما يبرز التناقض بين سلوك الشخصيتين فيما يتعلق بالعلاقة مع المرأة ثم الأهم اضافة بند جديد لقائمة الأمنيات،يمكن من خلاله اجبار كارتر على زيارة ابنته التي هجرته بصفة نهائية بعد خلاف بينهما دام طويلاً.

نهاية الرحلة:-

تسير الأحداث باتجاه آخر بعد العود.وعدم تحقيق بعض بنود القائمة،والأهم اصابة كارتر بالمرض وموته بعد ذلك،ثم ايفاء ادوارد بتحقيق أمنية صديقة وزيارة ابنته.
ينتهى الشريط بتعليق كارتر على دفن صديقه في اعلى الجبل،رغم أنه قد توفى قبله،إلا أن ذلك يدخل ضمن السرد المتوقع،حيث يمضي كل طرف نحو تحقيق أمنيته والتى لاشك أنه بالغها
.
ليس هناك سلبية في الشريط،تكاد تكون واضحة،إلا الاعتماد على التصوير الداخلي،في غرفة المستشفى أولاً، ثم الاعتماد على الاستوديو في تصوير الرحلة الخارجية،مما جعل الشريط أقرب إلى اللوحات المصطنعة،وقد حدث ذلك بشكل واضح عند تصوير اهرامات مصر وتاج محل وسور الصين وكل المناطق الخارجية الأخرى،ولايكفي بالطبع استخدام الموسيقى أو التعبير بواسطة الاذان أو الملابس الهندية للايحاء بالسفر إلى الخارج،لأن عدم الدقة في التنفيذ قد افقدت الشريط بعدا حيوياً،كان ينقصه منذ البداية.
من الأمنيات المذكورة في القائمة سوف نجد زيارة الاهرامات،وهو مكان مناسب للتعامل مع الموت ويقترن بتحقيق البهجة في الحياة وتحقيق البهجة للآخرين كما ورد في تساؤلات ماقبل الموت عند الفراعنة،أما باقي الأماكن السياحية فهي غير مختارة بعناية وليس لها علاقة مباشرة بالموضوع الرئيسي.

زراعة البهجة:-

من أهم الأمنيات أيضاً أن تزرع البهجة في القلوب،وهو ماتحقق عندما زار ادوارد ابنته بعد فراق طويل.وكذلك تقبيل أجمل فتاة في العالم،والمقصود تقبيل حفيدته،ولكن السيناريو يمضي بعيداً في تغير مسار شخصياته بعد الرحلة.فاحدهما قد ذهب غريباً وعاد زوجاً كما تقول الزوجة،والثانى قد مات عيناه مغلقتان وقلبه مفتوح كما قال صديقه المعلق على الأحداث.
ورغم هذه المبالغة وغيرها،إلا أن الشريط يتعامل بقدر من الجدية مع الموضوع ويحافظ على الايقاع المطلوب،رغم كثرة الحكم المتناثرة،التي جعلت الشريط له طابع سمعي وتأملي،في محاولة للبحث عن عمق فكري بلا طائل.
اعتمد الشريط بالدرجة الأولى موهبة ممثليه،وخصوصاً جاك نيكلسون الذي استخدم تجربته الطويلة في التعامل مع الدور،ورغم أنك تشاهد ماسبق عن مشاهدته في السابق من حركات اساليب وتعبيرات قام بها هذا الممثل،إلا أنه في النصف الثاني من الشريط قد تحرر نسبياً من قيوده التعبيرية وتحول إلى مجرد شخص عادي.رغم ذلك فإنك تشاهد جاك نيكلسون في دور جديد وليس دوراً جديداً لجاك نيكلسون،وهذا الأمر ينطبق بحدود ضيقه على (مورجان فريمان)والذي استسلم لدوره بطريقة أسرع وأفضل.

حيوية منقوصة:-

يبقى المخرج (روب رينر)والذي سبق أن قدم عشرات الادوار ممثلاً وكذلك بعض الأشرطة الناجحة مخرجاً،ولكنه تعامل مع هذا الفيلم بحيوية منقوصة،وخصوصاً عندما اعتمد على التصوير الداخلي أو اللقطات المحشورة،اليومي بالانتقال في المكان،كما حدث مثلاً في الرحلة إلى تنزانيا،حيث صورت مجموعة من الحيوانات من أعلى ومطاردة وهمية يمكن أن تقع في أي مكان.كما أنه لن يستفد من المستشفى واكتفى بغرفة وحيدة.أما التصوير الخارجى فهو يضم لقطات عامة لعمارات أو مداخل لها أو طرق مصطنعة،وكأن الأمر لايعدو تصوير مسلسل مرئي بالطريقة القديمة.
لقد سبق لهذا المخرج أن أخرج بعض الأشرطة الجيدة وأهمها:الرئيس الأمريكى 1995-أشباح الميسسيبي 1996-عروس الأمير 1987-القصة لنا 1999-اليكس وايما 2000-بالإضافة إلى أشرطة أخرى مثل (الملهمة-ألوان اساسية-كل شخص هو البطل-لديه مزاج خاص)ومعظم أشرطته السابقة يغلب عليها البساطة والخفة،إلا هذا الشريط الذي حمل من الأفكار مافوق طاقته،مثلما حملت اجساد الممثلين مغامرة لاقبل لهم بها.




ليست هناك تعليقات: