الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

حول فيلم لوعة الحب للمخرج صلاح ابوسيف


اللوعة لها وجه آخر


بعض النقاد يقسمون أشرطة المخرج صلاح أبو سيف ( 1915-1996 ) إلى ثلاثة اتجاهات والاتجاه الأول واقعي وهو الأصل الذي عرّف به المخرج والاتجاه الثاني أقرب إلى أن يسمى بنوع الحركة والمغامرة ثم الاتجاه الثالث وهو القريب إلى النوع الرومانسي . ورغم أن هناك أشرطة متداخلة النوعية ، ويصعب حصر الأفلام في حدود ضيقة وإطارات نظرية حاسمة ، تضع فيها أشرطة المخرج صلاح أبوسيف فيما يشبه الجداول والتقسيمات الفنية الصارمة ، إلا أن ذلك الرأي صحيح في المجمل ، ولولا بعض الأشرطة التي تخرج عن تلك الأطر التي تعد من أفضل أشرطته مثل « السقامات وحمام الملاطيلي وبداية ونهاية ».. لأمكن القول بأن هذا التقسيم يحقق غايات النقد والتحليل فيما يختاره من خطوط عامة تنتمي بشكل أو بآخر لنظرية الأنواع التي تستفيد منها السينما إلى حد بعيد
.
نوعية الأشرطة :-

من الأشرطة الرومانسية الواضحة شريط « الوسادة الخالية » 1957 - أنا حرة 1959- رسالة من امرأة مجهولة 1962 وربما نضيف إليها أيضاً أشرطة مثل « الطريق المسدود ـ هذا هو الحب ـ لا أنام ـ وسقطت في بحر العسل » ، ومعظم تلك الأشرطة تقف إلى جانب وجهة نظر المرأة ، في دوافعها للتحرر الاجتماعي والعاطفي .
من أشهر هذه الأشرطة شريط بعنوان « لوعة الحب » إنتاج عام 1960 وهوشريط قريب إلى حد ما إلى شريط الوسادة الخالية ، غير أنه يبقى شريطا مقتبساً عن رواية شهيرة للكاتب الفرنسي أميل زولا ( 1840- 1902 ) وهي رواية الوحش البشري وتقوم القصة التي صاغها جليل البذاري على الثلاثي المعروف ( رجلان وإمرأة ) ، أحدهما حسب الفكرة الأصلية فيه شيء من الوحشية ، والآخر فيه الكثير من الرومانسية .
وبالطبع يقف الشريط إلى جانب المرأة ويتبني وجهة نظرها وتصورها لمفهوم العلاقة العاطفية الزوجية ، ولكن في حدوداً معينة لا تسمح للشخصيات بالسقوط المباشر لأن هناك دائما حدود معينة تسمح للجميع بالتراجع .

تعاون ثنائي

كاتب السيناريو هو المخرج نفسه ، صلاح أبوسيف ، بالاشتراك مع جليل البذاري ، أما الحوار فقد كتبه السيد بدير ، وهو من أشهر كتاب الحوار رغم أنه قد عمل ممثلا ومخرجاً وكاتباً للسيناريو و وقد سبق له العمل مع صلاح أبوسيف في سيناريوهات مثل : ( دايما في قلبي 1996 - المنتقم 1997 - لك يوم يا ظالم 1951 - ريا وسكينة 1953 - الوحش 1954 - شباب امرأة 1956 - والمهنة تترواح بين المشاركة في السيناريوهات أو كتابة الحوار ومن الأشرطة أيضاً « الأسطى حسن 1952 - الفتوة 1957 - الوسادة الخالية 1957 - لا أنام 1957 - بين السماء والأرض 1959»
لا تهمنا كثيراً الحدود المتداخلة والفاصلة بين الرواية الأصلية والشريط ، حيث لا شك في النجاح قد صادف عملية الاقتباس عن الأشرطة والرواية الأجنبية ، ولا سيما في مراحل وعقود كثرة الإنتاج السينمائي واقتراب القصص إلى الواقع ، وكل من جليل البذاري والسيد بدير وأبو السعود الأبياري وحسن الامام وقبلهم جميعاً بديع خيري استطاعوا أ ن يشيفوا إلى السينما العربية قصصا عربية في شخصياتها وأجوائها ، بالرغم من أن بعض المصادر كانت أجنبية .
إن شريط « لوعة الحب » هو أحد هذه الأشرطة الناجحة على مستوى الاقتباس ، فلا يكاد يشعر المتفرج بأنه أمام قصة أجنبية من حيث الخلفية الاجتماعية أو نوع الشخصية أو السلوك الشخصي ولا سيما وأن التركيز قد كان في الشريط على مهنة واحدة أفرد لها السيناريو والاخراج مساحة جيدة نسبياً ، وهي مهنة العاملين في سكك الحديد ، بحيث ظهرت في الشريط أكثر من شخصية من العمال السائقين وغيرهم ، وقد جمعهم في الأغلب مكان معين بعد العمل ، وهو حانة يملكها أجنبي ، يكثر فيها شرب الخمر ، وقد بدأ هذا الخط الجانبي مبرراً ، لأن الزوج ( محمود ) قد أعتاد على شرب الخمر، وهي عادة كانت سبباً في إضافة عادات أخرى سلبية وتدل على سلوك متعجرف نسبياً
.
خط جانبي :-

هناك عدد من أصدقاء محمود يسيرون على نفس الخط وقد استخدمهم الشريط باعتبارهم شلة مساعدة على ممارسة القبح في البداية ، ولكن الأحداث بدأت بالتدريج تسير نحو تكسير علاقة شخصيات هذه الشلة ببعضها .
إن الشلة السلبية ( رجال ) تواجه منذ البداية شلة أخرى من الفتيات الحالمات في ليلة زواج ( آمال ) التي تزوجت زواجاً تقليديا مثل أمها ، على أمل أن يكون هذا الزواج بداية لحياة سعيدة تأتي مع مرور الأيام .
وهنا نلحظ بأن التأكيد على الجانب الرومانسي بتوقع المعالمة العاطفية الخشنة المبنية على الأفلام ، وقد صادفها اعتراض واضح لأن الزوج محمود يختلف في طباعه تماماً بسلوكه الفظ وقد بدأ هذا واضحاً من طريقته في الكلام وطلباته الغريبة مثل مطالبته الدائمة لزوجته بخلع حذائه ، والأمر كان مفاجأة يؤكد عليها الشريط في ليلة الزفاف نفسها و المعنى هنا لا يعدو أن يكون محاولة لزرع الصدمة التي تحدث للزوجة ويبدو بالتالي تطور الأحداث بعد ذلك .

استعارة ولكن :-

هذا الشريط من الأشرطة القليلة التي تستخدم ( القطة ) باعتبارها استعارة فالقطة هي مجرد تابع للزوجة آمال تنقلها معها من بيتها وتكشف عن وجه المرأة الرومانسي ، الذي يتعامل مع الحيوانات الأليفة بمنتهى الرقة ، في الوقت نفسه نجد أن الزوج قد أرسل هذه القطة إلى الخارج بكل خشونة منذ الليلة الأولى وبالتالي لم تستخدم هذه القطة لترسيخ فكرة السيطرة برميها أو قتلها ولكن بالتعامل معها فقط في اطار بعيد عن الرقة وهو ما يتناسب مع طبيعة الزوج المخمور دائماً .
ينبغي أن نلحظ هنا بأن الزوج محمود يسكن في منازل عمال سكك الحديد ولكن المشهد العام لم يكن دالاً ، فلا يوجد منظر عام يؤكد ذلك ، ومن الواضح أن ذلك لم يساعد الشريط على خلق مكان حيوي ، فالتصوير الداخلي هو الغالب ، واختفاء العلاقات المكانية بدأ واضحاً ، رغم أن هناك مشاهد كثيرة نسبياً لحركة القطارات استخدام جيد لملابس العمال السوداء وربما أيضاً حسن التعامل مع سلوكهم الذي يميل إلى الفظاظة ، أو هكذا تصور صناع الشريط ذلك .

تعدد شخصيات :-

يعتني الشريط ( السيناريو والاخراج ) برسم الشخصيات الرئيسة .. آمال فتاة حالمة رومانسية تحلم بزوج يداعب رومانسيتها ، ولكنها تتزوج بطريقة تقليدية وتكتشف أنها قد أخطأت الأسلوب في الزواج ، وفي المقابل هناك صديقة لها تهتم بمعرفة من ترتبط به في المستقبل وتبالغ في ذلك أو أن الشريط يظهرها على هذا النحو المتطرف في السلوك التحرري لكي تعكس تناقضاً مع الشخصية النسائية الرئيسة .
هناك محمود السائق الحريص والناجح في عمله ولكنه فظ وسيء المعاملة و سكير وهو يتصرف بعفوية تجاه الزوجة الجديدة ، وسلوكه هذا رهين زواية النظر ، فالخادمة مثلاً تراه طبيعياً وكذلك الأم والتي تعتبره عادياً ، لأنه لا يختلف عن سلوك زوجها والأب المتوفى سائق قطار أيضاً ، فالابنة آمال هي استمرار لجيل وطريقة في التفكير لكنه جيل مختلف له تطلعات أخرى وهو جيل جديد حالم ، حتى إذا كان بعيداً عن تطبيق أفكاره النظرية فعلياً أو أنه ليس بمقدوره تطبيقها .
هذا التناقض يفرز شخصية أخرى جديدة وهو ( حسن ) يعمل أيضاً في السكك الحديد مساعد للسائق محمود ، فهو أقرب في سنه إلي سن الزوجة وهو من جيل الشباب ، ولا نستطيع أن نعتبره حالماً ، لكنه يستطيع أن يسد الفراغ الناشيء في العلاقة بين محمود وآمال .

مبرر رئيسي :-

يصنع السيناريو مبرراً فيجعل السائق محمود مسافراً للعمل في مكان آخر لشهور معدودة ، تسمح بتطور العلاقة بين حسن وآمال ، وخصوصاً وأن هناك ثغرة لم يفت الشريط أن يقدم لها في البداية وهي ثغرة ضعيفة ، حيث يطالب صاحب محلات « الموبيليا » السائق محمود بالدين الذي عليه ، مما يجعل من حسن متصرفاً في مرتب زميله والمسؤول عليه ، ومن مهمته أيضاً تسليمه للزوجة والتي تسقط زجاجة المشروب عندما حلّ حسن ضيفاً في بيتها لتسليمها المرتب ، وتدل قطعة الزجاج التي دخلت في قدم آمال على أن هناك جرح معين سوف يهيج ولا سيما وقد نقلها حسن معه إلى عيادة العمال لعلاجها مستخدماً دراجته النارية والتي تتيح قدراً من الرومانسية الخفية في البداية ، ثم العلاقة العاطفية الجديدة الناشئة بين أمال وحسن وسوف يرى المتفرج بأن تلك العلاقة تعلن عن نفسها عن معاملة القطة وهو الرمز المباشر لآمال .
تحصل آمال على ما تحتاج إليه من عاطفة معنوية تفتقدها من زوجها ، ويعبر الشريط عن ذلك بنزهة على شاطيء النيل مع تناول القليل أو الكثير من الترمس ، ومن جانب آخر تتعدد اللقاءات بين آمال وحسن ، ويشك محمود مبدئياً في ذلك عندما يعود فجأة إلى منزله ، ويشك مرة أخرى ولكن في حدود معينة تعبر عن الغضب فقط من غياب الزوجة .

ترميز مباشر :-

يستمر الشريط في اعتبار القطة هي الرمز للزوجة آمال فهي تقابل قطًا خارج المنزل كما يقول محمود وهي تفعل ذلك لأن من في البيت لا يعاملها بشكل جيد .كما تقول الزوجة ، ولأنها أيضاً تقابل من يعاملها بشكل جيد خارج المنزل وهو حسن الذي يشعر بأنه يخدغ صديقه ، فيعمل على التهرب ويطلب النقل إلى مدينة بعيدة طواعية واختياراً.
يختار الشريط بعض التفاصيل الصغيرة لمحاولة ايقاظ الشخصيات ، فمثلا نجد عاملا من المجموعة يدفع بزوجته إلى الموت لأنه يعاملها بشكل سيء جداً ، وهو يندم أثر ذلك ، وفي حديث ثنائي بينه وبين محمود يشعر الأخير بأنه هو المعني فيعمل مباشرة على تغيير طريقة تعامله مع زوجته ، ويبدأبالقطة التي في البيت .
وصف معين :-

أما حسن ، فإن أخته تطلب منه شرحاً لكلمة تصف بها من يخون صديقه من قصة توجد في كتاب معين ، تصور كيف أن صديقاً خان صديقه بعد أن أودعه أمانة وطلب منه المحافظة عليها ، فيقابله الصديق الآخر بالخيانة .
هناك حافز آخر تعلنه أم حسن لابنها عندما تقول له بأنه ليس لدينا شيء في هذا المكان ويمكننا الانتقال إلى مكان آخر ، مثل هذه التفاصيل والرموز يحبذ المخرج صلاح أبو سيف استخدامها ، فهو قد استخدم الثور في شريط ( شباب امرأة ) رمزاً للحيوية والقوة العمياء واستخدم ايضا جدي الماعز للتعبير عن الخسة والنذالة في شريط ( القاهرة 30 ) .. وهو هنا في هذا الشريط يستخدم القطة ويبالغ في ذلك إلى أبعد الحدود وإلى درجة التبسيط والترميز الصريح والمباشر .

أكثر من نجم :-

مثل عادته أيضا يستخدم المخرج أكثر من نجم لأشرطته .. وهو هنا يختار الممثل أحمد مظهر ليلعب بكفاءة عالية دور السائق محمود بكل مظاهر عدم اللياقة التي تظهر عليه وعلى سلوكه بينما يختار عمر الشريف ليلعب دور حسن الذي نجح في إظهار القلق والحيرة والتودد بين الواجب والعاطفة ، والمخرج ايضاً يختار شادية لتعلب دور آمال بنجاح كبير في مرحلة الخوف ومرحلة ابراز العواطف ثم مرحلة العودة إلى موقفها الأولى بعد أن أبدى الزوج شيئاً من التغيير وخصوصاً بعد أن علم بأن زوجته حامل وهو الدافع الرئيسي للتغيير .. ومن الطبيعي ألا تغني شادية فهي ممثلة فقط في أكثر من شريط ولكن المخرج يصر على أن يجعلها تغني ويتصنع المواقف لذلك الموقف الأول عندما سقط حسن في ماء النيل وهو يهم بركوب القارب في نزهة ثنائية مع آمال فقد غنت شادية أغنية « يا بهية » من ألحان بليغ حمدي ومن جانب آخر أراد السيناريو عدم إكمال النزهة العاطفية لأن قصة الحب الافتراضية لا تسير في خطها الطبيعي وكان لابد لها أن تتوقف بسقوط حسن في الماء وكأن ذلك إشارة إلى سقوط معين أو علاقة سلبية في مصيره .
الأغنية الثانية غنتها على الشباك الذي يفتح مباشرة على خط قطار سكة الحديد وربما تكون الأغنية الثانية مبررة ، لكن حذف الأغنيتين يفيد الشريط كثيراً ، إلا إذا كان الهدف تجارياً ، يسعى لمخاطبة الجمهور ، كما حدث في شريط ( شباب امرأة ) عندما غنت شادية أيضاً بلا مبرر ، ولقد استخدم المخرج الشباك بنجاح في النهاية .
ينتهي الشريط برحيل حسن إلى أسيوط وعودة الحياة إلى طبيعتها بعد تغير سلوك الزوج محمود ، والسبب اجتماعي وطبيعي ويتمثل في ولادة الطفل الذي أنهى الشريط ولكن القضية نفسها لم تزل مطروحة .
تشابه ظاهري :-


بكل تأكيد سوف نجد أكثر من شريط يشبه موضوع هذا الشريط فمثلاً شريط « شيء من العذاب » للمخرج نفسه يحمل نفس الموضوع ، صراع بين رجلين حول فتاة له جانب اجتماعي ويلمس اختلاف الأجيال ولكن جوهر القصة مختلف ، ايضا هناك شريط آخر بعنوان « زوجتي والكلب ـ 1971 » للمخرج سعيد مرزوق يتطرق إلى فكرة الشك بين رئيس بحري وزجته الصغيرة ، وخصوصاً عندما أرسل إليها شاباً ليسلم مرتبه ، مع العلم بأن الشاب يشبه الكلب مثلما تشبه الزوجه في شريط « لوعة الحب » القطة .
وفي جميع الأحوال يبدو صلاح أبو سيف في مثل هذه الأشرطة قادراً على سرد القصة والتعامل مع الممثلين ، لكنه يخفق أحياناً في اختيار أمكنة التصوير ، خصوصاً المكان الذي التقى فيه حسن مع أمال والذي سمي متحفاً وهو بعيد عن ذلك تماماً ، أيضاً هناك بحث عن التشويق في النهاية بلا مبرر ويمكن القول باختصار بأن الممثلين هم وحدهم من حمل عبء إنقاذ هذا الشريط وساروا به إلى طريق النجاة ، لذلك يتابع المشاهد الممثلين أولا ويترك لهم أمران يسحبوا حبل القصة أينما شاؤوا رغم أن حبل الدراما يتحكم فيه المخرج وحده .



ليست هناك تعليقات: