السبت، 13 ديسمبر 2008

فيلم لكل زمان






قطرات من المرح الخجول


أينما تصفحت كتابا أو دليلا سنيمائيا، أو كان الرجوع لأهم مواقع السينما العالمية هو السبيل سوف تجد هذا الشريط أمام عينيك باعتباره من أهم الأشرطة العالمية وسوف يكون ترتيبه في البداية سواء تعلق الأمر بأفضل مائة فيلم سينمائي أو أفضل خمسين فيلما وكذلك بالنسبة لأفضل أشرطة المغامرات وأشرطة الغرب الأمريكي إنه فيلم يحمل عنوانا غريبا «بوتش كاسيدي وسندانس كير» ولايحتاج الأمر إلى طول تفكير، فهما مجرد اسمين لشخصين من الفليم بل هما أبطال هذا الفيلم ولا تتحرك الأحداث إلا بحضورهما.

ترشيحات وجوائز:

لقد أنتج هذا الفيلم عام 1969 وفاز بأربع جوائز أوسكار وهي جائزة القصة مع السيناريو وجائزة إدارة التصوير وجائزة الموسيقا وجائزة الأغنية أما الترشيح للأوسكار فقد شمل التصوير والإخراج والإنتاج وللمعلومية فإن الشريط الذي نافسه في ذلك العام كان الفيلم الشهير «كاوبوي منتصف الليل» لمخرجه جون شايلزنجر ويبقى مجرد الوقوف أمام هذا الفيلم الأخير نجاحا بصرف النظر عن التفاصيل وأسباب ترجيح فيلم عن آخر.
تعود الأحداث إلى العام 1900 وفي مناطق أمريكية تعرف بجبال «الروكي» حيث كان نشاط الخارجين عن القانون أقوى من قدرات السلطة وخصوصا فيما يتعلق بسرقة القطارات وهي الظاهرة المتكررة التي أبرزها الكثير من الأفلام منذ فيلم «سرقة القطار الكبرى» عام 1903 لقد اشتهرت «عصابة حفرة في الجدار» والتي تشمل الصديقين ويرأسها بوتش بأنها متخصصة في سرقة القطارات بما تحمله من أموال وكذلك سرقة المصارف ولا يعرف عنها سرقة الأفراد أو الاعتداء عليهم فهي عصابة لها أخلاقيات معينة كما هو الادعاء دائما.
يبدأ الفيلم بعرض قصير للفيلم لما تقوم به العصابة وبألوان أقرب إلى الأصفر سيبيا، تم تأتي العودة إلى الألوان الطبيعية العادية ويركز الفيلم منذ البداية على مقدار الاختلاف بين الشخصيتين كيد أو هاري ثم بوتش أو روبرت: الأول مقامر يستخدم السلاح برشاقة وبسرعة ولا يميل إلى اتخاذ القرارات كما أنه ليس حاسما ويبدو وكأنه مجرد تابع لصديقه لكنه ليس كذلك.
أما بوتش فهو يميل إلى التفكير والتخيل وله سلطة على أفراد العصابة وعملية اتخاذ القرار وقد بدا ذلك واضحا في تخلصه من المناوئ له الذي حاول أن ينفصل لوحده كما أنه أشار بمحاولة الالتحاق بالجيش في المكسيك للتخلص من العقوبات التي ستلحق به وبصديقه ولا سيما وأن هناك إعلانات بالقبض على عصابة «حفرة في الجدار» ودفع مبالغ مالية كبيرة لمن يرشد عن مكان وجودها برعاية مؤسسة سكك الحديد.


حركة ومغامرة:

ما يمكن أن يعتبر مختلفا في هذا الفيلم أنه من أفلام المغامرة والحركة في اطار أفلام الغرب الأمريكي لكنه لا يهتم كثيراً بالمعارك وأصوات الرصاص والمطاردات العنيفة ويكتفي بالإشارة إلى ذلك عن المشهد الأخير في الفيلم حيث النهاية تطلبت مواجهة مسلحة بين الفريقين هناك أيضا الحوار الساخر واستخدام التعبيرات غير المباشرة التي تلفت النظر ومن ذلك الحوار بين المقامرين أثناء المشهد التعريفي بكيد ساندس أما الفتاة «آنيتا» وقامت بدورها الممثلة كاثرين روس، فهي امرأة مختلفة نتعرف عليها أيضا في مشهد مبتكر غير متوقع عندما يهددها كيد تم نكتشف أن كل ذلك مجرد لعبة.
يقوم الفيلم على سرقة للقطار،ثم تكرار هذه السرقة ومع وجود شخصية الرجل المرافق المخلص في القطار وتكرار طرق الخداع وعدم نجاح الصديقين ماليا رغم متاعب السرقة وكل ذلك يؤدي إلى محاولة الهروب إلى منطقة خارجية رأى بوتش أن تكون بوليفيا حيث يمكن أن تكون أكثر أمنا وبالفعل يصلان إلى هذا المكان والذي يظهر بشكل مختلف عن خيال بوتش المدعي أحيانا بأنه عارف بكل شيء بما في ذلك اللغة الأسبانية والتي اتضح أنه لا يجيدها.
يتميز هذا الفيلم أيضاً بغرابة الأطوار نسبيا ولهذا كان عنصر الجاذبية متحققاً دائما لأن هناك جانباً خفياً وغير صريح يبقى إلى النهاية، ذلك أن الصديقين تربطهما صداقة غير عادية ويعرف كل منهما عيوب الآخر ورغم المطاردة والمسقبل عير الواضح إلا أن قرارهما بالفرار إلى مدينة مختلفة هو أقرب إلى البحث عن عالم جديد مغاير ومن الواضح أن الفشل قد لاحق بوتش وكيد منذ زمن طويل ولم يتمكن كل منهما من تحقيق تطلعاته والتي ليس من بينها الاستقرار في مكان واحد.


شكل القصة:

إن الفيلم واقعي كما تقول المقدمة في البداية وهو أحد الأفلام التي تخصصت في الخارجين عن القانون وما أكثرهم إلا أن شكل القصة المطروحة في الفيلم لا تجعل من الشخصيتين قدوة مثالية بل ربما لا يتوفر الإعجاب بهما نهائيا فالمشاهد يتابع الأحداث من وجهة نظرهما فقط ولا يعرف باقي التفاصيل حتى إن المطاردة من قبل بعض الأشخاص الذين استعانت بهم القوات المحلية ظهرت من بعيد وفي لقطات عامة وطويلة لا تبرز الوجوه، وبالتالي نشعر وكأن الأمر مجرد خيال سلبي لشخصين هاربين من العدالة في بوليفيا يقوم كل من كيد وبوتش بنفس الدور ومعهما الفتاة آنيتا أيضا حيث تبقى سرقة المصارف هي العمل الوحيد الذي يتقنه كل منهما ومع شيء من السخرية يتمثل في عدم المعرفة باللغة الأسبانية ثم محاولة كل منهما البحث عن عمل حقيقي ولقد جاء بطريقة ساخرة حيث صار الصديقان يحميان انتقال المبالغ المخصصة للرواتب بدلا من سرقتها وكل ذلك لم ينقذهما من المتابعة المطولة والتي تصل إلى نهايتها عندما تعود الفتاة وتتركهما إلى حين المواجهة مع القوات المحلية كثيرة العدد والنهاية ساخرة ايضا لأن كلاً من بوتش وكيد يخططان للهرب قد أصيبا سويا ويخططان لمواجهة من المعروف سلفا أنها خاسرة.
يتميز الفليم بموسيقا جيدة بالإضافة إلى أكثر من أغنية معبرة وخصوصا أغنية «دع قطرات المطر تسقط على رأسي» التي كانت خلفية لمشهد خفيف تظهر فيه آنيتا مع كيد على دراجة عادية ربما كانت اختراعا جديدا في حينه كما تقول الأحداث داخل الشريط، والمشهد خارج السياق وجد الإضافة بعض المرح الرومانسي.

أشرطة وأدوار:

لابد من الإشارة إلى المخرج «جورج روي هيل» والذي رشح للأوسكار عن هذا الفيلم ولكنه فاز بها في شريط آخر وهو «اللسعة ـ 1973» كما أنه أخرج بعض الأشرطة المهمة مثل «هاواي ـ 1966 ـ العاب في الطابق الأعلى ـ 1963 ـ قصة حب صغيرة ـ 1979 ـ المزرعة الهزلية 1988»
.
أما المممثل روبرت ردفورد «كيد» قد انطلق بعد هذا الدور ليصبح من أهم الممثلين رغم أنه قدم بعض الأدوار قبل هذا الفيلم أما الممثل بول نيومان فقد أعاده الدور إلى الأضواء بعد تجارب سلبية كثيرة ويذكر هنا بأن الدورين كانا قد خصصا سلفا لكل من وارن بتي وستيف ماكوين ولكن الظروف قادت العمل نحو اختيارات أخرى كانت في مصلحة الممثلين وكذلك المخرج وكاتب السيناريو ومدير التصوير بل أيضا المشاركين بالأغاني وكذلك الممثلة كاثرين روز والتي رسخت مشوارها الفني بعدد من الأفلام اللاحقة مثل «زوجات ستيفورد» 1975ـ رحلة إلى الجحيم 1976 ـ جرائم في تكساس 1979 ـ وكذلك الفيلم الذي أراد له صانعوه الاستفادة من الأصل وهو «امرأة سندانس المطلوبة للعدالة» 1976 ولكن الفيلم الأخير لم ينجح كذلك لم ينجح الفيلم الآخر «بوتش وسندانس.. الأيام الأخيرة ـ 1979» للمخرج ريتشارد ليستر وظل الفيلم الأصلي هو الأهم بما حققه من نجاحات فنية وتجارية كبيرة مازالت تسرى إلى الآن حتى إن بعض النقاد تساءل عن أسباب هذا النجاح فعليا وبالطبع لا تكاد توجد إجابة، ذلك أن الغموض لم يصاحب أحداث الفيلم فقط ولكن صاحب أيضا ما هو خارج الفيلم.

ليست هناك تعليقات: