الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

الميلو دراما..مبالغة لابد منها










الميلو دراما..مبالغة لابد منها!



تغيرت معاني الميلودراما على مر العصور،فهي وإن بدأت مع المأساة الأغريقية إلا أنها دلت أيضاً على الأوبرا في القرن الثامن عشر وتطور أيضاً معناها أو تغيّر في القرن التاسع عشر لتصبح دراما شعبية قريبة من تجسيد الأحزان العنيفة،ولاسيما في فن القصة القوطية.والتي تقترن عاطفتها المبكية بالمفآجات المسرحية،وكذلك بالحبكات التي تفيض بالدسائس المعقدة،والتي تضم العاشق والفتاة الضحية والمخادع الوصولي.وكل ذلك مدعدوم بموسيقا معبّرة حزينة.كما في شريط "أطفال الفردوس"لمارسيل كارنيه عام 1945 وغيره من الأشرطة.

معاني سلبية:-

ولكن سوف نجد بوضوح شديد بأن ذكر مصطلح الميلودراما كثيراً مايوحي بالمعنى السلبي،وتصنف هذه النوعية من الأشرطة باعتبارها من الأفلام الرديئة التي تتناسب مع جمهور الفئة الثالثة،حتى أن الإنتاج الميلو درامي لايعرض في المهرجانات ولا ينال اهتماماً نقدياً واسعاً،لأنه مصنوع مباشرة من أجل الجمهور والتلاعب بأنفعالاته العاطفية.

وهذا ماحدث في السينما العربية،ففي الوقت الذي انتشرت فيه الأفلام التي تقترب من الميلو دراما في عقود الاربعينيات والخمسينيات،نجدها متقلصة في السنوات الأخيرة-في غلبة واضحة لأنواع أخرى مثل الكوميديا وأفلام الحركة وربما أفلام الرومانس.

على الرغم من ذلك،فإن للأفلام الميلودرامية جمهورها،وهى قابلة للاستعادة،بعدة طرق وأساليب،وكثيراً مايطرح الإنتاج هذه النوعية،متداخلة مع أنواع أخرى،مما يعنى أن الميلودراما باقية،مهما تغيرت الأحوال والظروق.

لقد ارتبطت هذه الميلودراما بالصدفة المتدخلة في حياة البشر،وتلاعب الأقدار بمصائرهم،والصراع غير الإنساني بين الشخصيات،وتصاعد قوة الحياة وتباعد الفئات وأختلافها في الغنى والفقر،وكل تلك الاعتبارات ربما لاتتوفر في حياتنا المعاصرة بسبب سيطرة الجوانب العلمية والتقنية ولكن لاتخلو الأفلام أحياناً من اعتمادها على الميلودراما،بصرف النظر عن حقيقة التسمية ودقة المصطلح وتطبيقه.

ألوان مختلفة:-

لاشك أن أكثر المخرجين في السينما العربية قد قدموا أشرطة يمكن أن يطلق عليها ميلودراما،على الرغم تداخلها مع أنواع أخرى،ولاسيما النوع الغنائي الاستعراضي،وكذلك النوع الكوميدي،ومن ذلك المخرج أحمد سالم الذي قدم أكثر من فيلم ميلودرامي مثل:"الماضى المجهول 1946 ثم المستقبل المجهول 1948".أما أنور وجدي فبالإضافة إلى تمثيله في أكثر من فيلم،فهو قد أخرج أشرطة ترتكز على عنصر الميلودراما،حتى وإن لم تكن كلياً تنتمى هذه النوعية،ومن ذلك مثلاً:"ياسمين 1950"،حيث يبدو جوهر الشريط له طابع ميلودرامي،وجد للتأثير على الجمهور وبالاستخدام الجيد للموسيقا والغناء وكذلك الأطفال وبعض المتشردين من الفئات المسحوقة التي اصابها القدر،وكانت في الأصل من أهل الصيت والغنى،ولعل شريط "ذهب"1953 هو الأوضح في ذلك.

إن أهم مخرج قدم الميلودراما هو حسن الإمام من مصر،مع حضور قوي لبعض المخرجين الآخرين مثل إبراهيم عمارة والسيد زيادة وكذلك عزالدين ذو الفقار الذي قدم أهم أفلام الميلودراما مثل:

"الشموع السوداء - 1962"،بالإضافة إلى شريط "أنا الماضى 51 - أسير الظلام 1947-أغلى من عينيه 1955"ولاننسى أن أفلام هذا المخرج الرومانسية مثل "إنى راحلة-رد قلبي-بين الاطلال"هى أيضاً أفلام ميلودراما بطريقة أو بأخرى.

أكثر من شريط:-

ولاشك أن حسن الإمام قد استفاد كثيراً من الروايات الأجنبية التي يعمل على تمصيرها من أجل تقديم موضوعات ذات طابع واقعي لكنها لاتخلو من بهجة أحياناً،اعتمادا على فكرة اليُتم أو التشويه أو ربط الشخصيات بفكرة التضحية من أجل الآخرين،ولهذا السبب أُعيدت رواية "غادة الكاميليا"ممصره في أكثر من فيلم،بالإضافة إلى استخدام بعض النماذج القادرة على جذب الانتباه العاطفي،مثل الشخصية العمياء أو الأخرس أو الأحدب أو الشخصية المشوهة.

تأويل وتفسير:-

لاشك أن هناك تأويلات وتفسيرات ذات طابع سياسي واجتماعي قد ارتبطت بمفهوم الميلودراما،ومنها تفسير الأشياء اعتمادا على الاقدار،والدعوة إلى الرضى بما يقدمه القدر وكذلك القبول بالأرزاق كما هي،ولاتنجو من ذلك أفلام المغامرات البدوية وكذلك الأفلام التاريخية القليلة التي قدمتها السينما في مصر،أيضاً أعتبرت الميلودراما في مواجهة مع الواقعية،لأنها تبالغ في طرح القضايا،بينما السينما الواقعية تصور الواقع أو تنتقده،وفي جميع الأحوال لاتخلو الميلودراما من الجاذبية،وخصوصاً عندما تكون مدمجة في أنواع أخرى.كما قدمت في بعض الأعمال لبعض المخرجين مثل عاطف سالم والذي قدم بعض الأشرطة التي تعبر عن الواقعية الميلودرامية مثل:"خان الخليلي 1966،ومضى قطار العمر 1975-البوساء وضاع العمر ياولدي 1979".

أما صلاح أبو سيف،فقد قدم بعض الأفلام الميلودرامية،ولكن في إطار واقعي اجتماعي،وهى تعد من أضعف أفلامه مثل "لاتطفى الشمس 1961-الزوجة الثانية 1967-المواطن مصرى 1991".

لايمكننا أن ننفي أيضاً بأن هناك أجيال من المخرجين قد اقتربوا من الأفلام الميلودرامية مثل علي عبدالخالق في أشرطة "مثل الكيف 1985-جري الوحوش 1987.كذلك المخرج عاطف الطيب الذي قدم شريط "البدرون 1987"وكذلك خيرى بشارة الذي قدم شريط "يوم حلو يوم مر-1988".أيضاً محمد خان الذي قدم شريطاً قريباً للميلودراما وهو:"أحلام هند وكاميليا-1988".وإذا كنا نعتبر أفلام مثل العزيمة-باب الحديد-زينب-/هى أفلام تقترب كثيراً من الميلودراما،فإن هذا النوع إذن لايختفي كلياً-وهو يتنوع ويتجدد ويتداخل مع أنواع أخرى ويسيطر عليها،ولاشك أن الميلودراما هى نوع مرشح لأن يكون حاضراً في أفلام قادمة خلال السنوات القادمة،بصرف النظر عن أن يكون هذا النوع خالصاً وصافياً أو مختلطاً بأنواع وأشكال أخرى من الأفلام.

ليست هناك تعليقات: