الأربعاء، 3 ديسمبر 2008

بيرغمان يتحدث عن حياته وأفلامه









أحلام السيرة الذاتية وأوهامها


هذا الكتاب الجديد الصادر ضمن سلسلة الفن السابع، والذي يحمل رقم "137" ليس جديدا في الحقيقة، لأنه تجميع لبعض الكتابات السابقة حول المخرج انغمار بيرجمان، بعضها سبق نشره في شكل كتب، ومن ذلك مثلا السيرة الذاتية للمخرج والتي نشرت سابقا باسم المصباح السحري وقد صدر الكتاب ضمن سلسلة الفن السابع نفسها، أيضا هناك كتاب بعنوان صور، وهو سيرة حياة للمخرج ولكن من خلال الأشرطة التي أخرجها، وقد سبق أن صدر الكتاب ضمن نفس السلسلة، وأخيرا سيناريو بعنوان "الصمت" صدر أيضا من ضمن منشورات دار الطليعة منذ عقدين من الزمن.
لا يبدو ضروريا أن يتم تجميع هذه الكتب في كتاب موسع: إلا إذا اعتبرنا أن هناك تكريما للمخرج، وهو ما حدث فعلا في مهرجان دمشق السينمائي 2007 وعندما عرضت مجموعة أفلام للمخرج انغمار بيرغمان بعد رحيله في مطلع السنة الماضية.

المصباح السحري:

ربما يكون القارئ هو المستفيد من إعادة طبع هذه الكتب، وخصوصا ونحن نعلم بأن الكمية المطبوعة من كل الكتب قليلة نسبيا، لا تتجاوز "2000" نسخة في أفضل الحالات، مما يعنى أهمية أن يعاد نشرها بين الحين والآخر.
في سيرته الذاتية "المصباح السحري" والتي ترجمها "باسل الخطيب" والأقرب عن الروسية، يتحدث بيرغمان عن حياته بطريقة سردية منذ ولادته عام 1918 في مدينة استكهولم ، حيث سوء التغذية وكثرة الأمراض والمخاوف، ثم الإعجاب بالأم والغيرة من الأشقاء والدخول الصعب إلى عالم المدرسة والتعرف على الآخرين.
وفى جميع الأحوال تبدو علاقة الابن بالأم هي الأساس لمعظم التحولات القادمة، وخصوصا موتها المبكر نسبيا وموت الأب قبلا.


أبواب موصدة:

من ناحية نفسية يصف بيرغمان حياته بأنها كانت موصدة الأبواب بسبب النظام الكهنوتي الصارم الذي عاش فيه، إنه يقول: "ارتبطت نشأتنا بمفاهيم الخطيئة والاعتراف والعقاب والغفران وصلاة المائدة، وكذلك العوامل القاسية التي حكمت العلاقات بين الأبناء والآباء".. إن العقاب كما يقول بيرغمان يبدو وضعيا ومتوارثا عبر الأجيال.
ومن خلال تكرار مفهوم العقاب بالنسبة للطفل يظهر الأثر الواضح لسيطرة عبء الخطيئة، وهو أمر ربما يجد الناقد السينمائي له مرجعية في أشرطة المخرج.
هناك أنواع من العقاب عاشها بيرغمان مثل الحرمان من الطعام والحرمان من الذهاب إلى السينما, وبعد ذلك يأتي دفق جديد من المشاعر مختلطة بالكذب والحب وشيء من المغامرة الطفولية، ورغم أن الكاتب يقفز أحيانا إلى الأمام ولا يعتمد على السرد الزمني المتتالي، كما حدث عندما تعرض إلى موت أمه ودخوله المسرح والسيرك إلا أن السيرة تتخذ شكل اعترافات متداخلة.
يقول بيرغمان: "وكي أكون صادقا فإنني أنظر إلى سنواتي المبكرة بكثير من البهجة والفضول كان خيالي وأحاسيسي مشبعين تماما ولا أذكر وجود لحظات باهتة في طفولتي، كانت الأيام والساعات تتفجر بالاكتشافات والرؤى غير المتوقعة واللحظات السحرية.".

أعماق الخيال:

في بعض الأحيان يوغل الكاتب في أعماق الخيال وهذه مسألة مهمة بالنسبة إليه، فهو يقترب من الأشباح والأطياف والقصص الدينية مثل آدم وحواء وقصة إسحق وإبراهيم، وكلها تدور في فلك الذين سيكون له أثر واضح في التأسيس لأفلام بيرغمان.
يقول الكاتب بأن أول فيلم شاهده كان بعنوان "الأسود الجميل" وربما لا يحرك هذا الفيلم الكثير من المشاعر الداخلية، لكنه يدفع بيرغمان إلى شراء جهاز عرض سينمائي أو بالأحرى مقايضته بمبلغ مالي لكي يتمكن من عرض الشرائح السينمائية وكان الفيلم بعنوان "السيدة هول".
لا شك أن هناك تفاصيل كثيرة يطرحها المخرج بيرغمان بطريقة جزئية ولا سيما ما يخص عائلته "الجد والجدة" والأخيرة كان لها التأثير الكبير على الطفل الصغير، بعض الإضافات الجديدة، ومن هنا جاء العنوان "المصباح السحري" الذي يشير إلى جهاز السينما العارض، يقول المخرج: "وقد أعجبت بالعم كارل كثيرا، عندما اخترع أشياء جديدة لمصباحي السحري وجهازي السينمائي، لقد أعاد تركيب العدسات وحامل الشرائح الفيلمية، وأدخل إلى الجهاز مرآة مقعرة، وأضاف ثلاث قطع من الزجاج الملون وأوجد خلفية للأشكال، فكانت الأنوف تكبر والأشباح تظهر من القبور والسفن تغرق.".


مراحل العمر:

تنقسم السيرة وفق المراحل العمرية هناك مرحلة الطفولة ، وأخرى خاصة بالمراهقة، وفيها تعرف على المسرح وخصوصا مسرحية "لعبة حلم" لسترندبرغ وهي مسرحية أخرجها بيرغمان بعد ذلك عدة مرات.
وفي هذا الجانب يتحدث المخرج كثيرا عن تأثره بالكاتب والمخرج لسترندبرغ من خلال عدة مسرحيات ومنها الطريق إلى دمشق بالإضافة إلى بعض مسرحيات شكسبير ومنها ماكبث وهاملت والتي أعاد المخرج بيرغمان العمل فيها أكثر من مرة وبرؤى مختلفة.
أما العمل في السينما فقد بدأ مبكرا وهو متداخل مع المسرح ومع العلاقات التي تتجاوز حدود العائلة إلى كواليس العمل الفني، ويبدو أن المرض له تأثير واضح على نوعية الإنتاج الفني للمخرج من الأنفلونزا إلى الحمى إلى عدم التوازن والإحساس بالتشنجات المستمرة، إذا افترضنا أن المخرج يتأثر بما يعانيه سلبيا أو إيجابيا والغريب أن الأمراض تستمر مع المخرج حتى أثناء تنفيذ أعماله، وهنا يتحدث المخرج عن تأثره ببعض المخرجين مثل فيللني وغيره، ويستقطع بعض الذكريات الدالة على المرض من ناحية في تنفيذ بعض المشاهد من ناحية أخرى.

علاقات عاطفية:

يقول المخرج بيرغمان: "يتم تحديد الإيقاع في أفلامي من خلال النص الموجود على الطاولة، والذي يولد فيما بعد أمام الكاميرا بكل أنواع الارتجال تبقى غريبة بالنسبة إلى إذا ما أجبرت على اتخاذ قرارات سريعة فإنني أتعرق من الخوف وأصبح قاسيا، إن التصوير بالنسبة لي هو وهم مكون من تفاصيل وانعكاس للواقع الذي كلما عشته لمدة أطول، بدا لي وهميا أكثر فأكثر.".

وكما يتحدث بيرغمان عن عائلته يتطرق أيضا لجوانب من علاقاته العاطفية، ويذكر هوامش واعترافات تخص أسرته وأبيه على وجه التحديد لكنه كان ينظر دائما إلى أن العلاقة بين الرجل والمرأة يشوبها شيء من الإثم، وربما كان ذلك لأسباب تربوية دينية كما أن الكاتب سيرندبرغ من خلال بعض مسرحياته كان مؤثرا ولاسيما في مسرحية "البجع" وكذلك مسرحية "رقصة الموت" ومن الجانب الأخلاقي تتحول الذكريات أحيانا إلى يوميات متباعدة، وخصوصا فيما يتعلق بشركة برسونا الإنتاجية التي أسسها وعلاقتها بالضرائب ويخصص لذلك مساحة كبيرة، كما أنه يخصص مساحة أيضا لعلاقته بالممثلة "أنغريد بيرغمان" وأيضا بعض الجوائز التي تحصل عليها مثل جائزة "غوتة"
ويمكن اعتبار المذكرات كشفا لجوانب ذاتية فيها الكثير من الطرافة ولاسيما فيما يتعلق بالإطار العاطفي وعلاقة المخرج بالمرأة.
ومن مزايا هذه المذكرات "المصباح السحري" الترجمة الشيقة التي جعلها المترجم في إطار لغوي بسيط، تمكن متابعته وكأنه قد كتب مباشرة باللغة العربية، ورغم أن المخرج يعود إلى البدايات أحيانا ولا يسرد الحوادث بشكل تتابعي إلا أن القارئ يمكنه استيعاب كل التنقلات مهما كان نوعها.

مشاهد مصورة:

يتعرض المخرج أيضا إلى بعض الصور من الممارسات النازية ولاسيما تأثير كتاب "كفاحي" لأدولف هتلر، وعلاقة بعض إخوته بالأحزاب الاشتراكية التي أسست في السويد باعتبارها رديفا لتلك الأحزاب الألمانية.
بين الحين والآخر تظهر أصداء لأعماله المسرحية والسينمائية مثل أوبرا القروش والصمت وبيضة الثعبان ووجها لوجه.
باقي المذكرات وخصوصا وقد تجاوز بيرغمان مرحلة الشباب، تدور كلها حول إنتاج الأفلام وإخراجها وكذلك العمل المسرحي وأيضا إدارة بعض المؤسسات الفنية ثم السفر إلى الخارج لغرض المسرحيات والأفلام.
يعترف بيرغمان بأنه قد اكتشف الكثير من الكتاب والمخرجين متأخرا ولكن صارت السينما تقريبا هي عالمه ولاسيما وقد تعرف على الكثير من الشخصيات الفنية التي يذكرها لاحقا مثل تشارلي شابلن ولورانس أوليفيه.
في آخر المذكرات نجد سردا لوقائع حياة بيرغمان وأعماله، فيما السيرة المختصرة والتي تبدأ من عام 1918 وتنتهي عام 1988، وتحتاج هذه السيرة المختصرة إلى تكملة إضافية، كان من الممكن أن يقوم بها الناشر أو المترجم، وخصوصا وأن الكتاب يعد مرجعيا، ومن المفترض أنه يغطى الأحداث المهمة التي عاشها بيرغمان إلى حين وفاته 2007.

حياة عملية:

ننتقل إلى الكتاب الثاني، وهو بعنوان "صور" وقد ترجمه "زياد خاشوق" عن اللغة الفرنسية، وقد صدر الكتاب بالعربية عن سلسلة الفن السابع أيضا.
وكتاب صور يختلف كثيرا عن الكتاب الأول فهو مقسم إلى فصول هي على التوالي: ـ أحلام وحالمون ـ أوائل الأفلام ـ مهازل وهزليون ـ أؤمن أو لا أؤمن ـ أفلام أخرى ـ كوميديا وترفيه.
أما من الناحية الموضوعية، فالكتاب يتعامل مباشرة مع صور من الحياة العملية فى المسرح والسينما ـ وكأن المخرج بيرغمان يعمل على اختيار بعض الصور المنتقاة من حياته وعلاقاته ليوضح أبعادها وتفاصيلها.
يتحدث المخرج مثلا عن الأوراق الأولى لبعض أفلامه، مثل "الطقوس ـ ليل البهلوانات ـ أحلام امرأة ـ دروس في الحب" ويتحدث المخرج هنا بصراحة عن أفلامه الفاشلة بدون البحث في أسباب هذا الفشل، ولاسيما فيلم "بيضة الثعبان" الذي أشار إليه في كتاب "المصباح السحري".

بالطبع هناك تفاصيل أكثر حول علاقة المخرج ببعض المخرجين الممثلين، مثل "روبرت دى نيرو ـ دينو دى لورنتس ـ رتيشارد هاريسا" وبالأخص ليف اولمان التى عملت مع المخرج فى عدد من الافلام، ومن الافلام التى تمت الاشارة الى بعض التفاصيل فيها "حياة العائس ـ صرخا ـ وهمسات ـ مشاهد من الحياة الزوجية ـ بعد البروفة ـ الختم السابع ـ ابتسامات ليلة صيف".
ومما يقوله عن فيلم "الختم السابع": "هو أحد الأفلام العزيزة على لقبي. لا أدرى لماذا بالضبط، وبالطبع ليس عملا خاليا من الأخطاء. انه ملطخ بأنواع من الجنون، ويمكن اكتشاف السرعة التي أنجز بها، لكنني أجد، ممثلنا بالحيوية والنشاط متخلصا من كل أنواع العصاب".

أفلام أفضل
:

لا شك أن التعليقات التي يضيفها المخرج على أفلامه تسهم بفهم أفضل لهذه الأفلام، ولكن النقد ربما لا يهتم بهذا كثيرا، وهذا ما يحدث عندما يتطرق المخرج إلى فيلم مثل "المرأة" أو فيلم مثل برسونا أو النبع، وحتى فكرة الثلاثية إنما هي في الحقيقة فكرة نقدية، وهذا ما ينقله المخرج عن الناقد "فيغلوت سيومان" في كتابه "يوميات بيرغمان" عندما يقول: "شريط عبر المرآة يعبر عن يقين مكتب بالقوة وشريط المتناولون يعبر عن يقين مكشوف وشريط الصمت عن البصمة السلبية ولهذا تتشكل الثلاثية".

وفى جميع الأحوال فإن العودة إلى حياة بيرغمان تشكل من خلالهما لفهم أفلامه، فهو يكتب القصص وهو يخرجها وهناك دلائل تشير إلى ذلك، مثل فيلم "ألعاب صيفية" التي يكشف بأن قصته تعود إلى ذكرى معينة في أحد فصول الصيف.
ويوضح المخرج كيف أنه أحيانا يدخل في مشروعات سينمائية من أجل تدبير بعض المال، لكن القصص دائما جاهزة معه، وهى بسيطة في بداياتها، تتحول بالتدريج إلى سيناريو متكامل.

عنف الحرب

على مستوى آخر، يركز المخرج على بعض الأفلام دون غيرها، ومن ذلك شريط "العار" الذي يقول عنه: "عندما أخرجت العار كانت تحدوني في قرارة نفسي رغبة جامحة في إظهار عنف الحرب دون مواربة. إلا أن نواياي وأمنياتي كانت أكبر من كفاءاتي، ولم أدرك أنه يطلب ممن ريد رسم لوحة معاصرة للحرب فيها معاناة ودقة مهنية غير تلك التي لدي القدرة على تقديمها".
تتوالى الأفلام التي يناقشها المخرج ويتعرض إلى بعض تفاصيلها. كما في فيلم "على عتبة الحياة ـ شغف في فارو ـ صرخات وهمسات" وبالطبع تبدو الإثارة واضحة إلى تقدير مستوى التمثيل في مثل هذه الأفلام، بينما لا تكون هناك هذه النظرة الى المهن الأخرى، ويصل المخرج في حد إعجابه بالممثلين إلى درجة يقول فيها بأن أفلامه من دون "بيبى اندرسوف وليف اولمان وماكس فون سيدو وفيكتور سيرستروم" وربما غيرهم أيضا ـ هذه الأفلام لا تساوى شيئا، أو على الأقل لا يمكن تصور مثل هذه الأفلام من غير هؤلاء الممثلين.


أوائل الأفلام:

في فصل آخر، وبعد أن يتناول بيرغمان الكيفية التي أنجزت بها مجموعة من الأفلام من بينها الشريط الشهير "الصمت" يتناول في فصل لاحق ما يسميه أوائل الأشرطة ومن بيتها فيلم بعنوان العار وفيلم آخر بعنوان مركب الهند والفيلم الأشهر "سوناتا الخريف".
أما في مجال الكوميديا فإن الحافز كان تجاريا كما يقول المخرج، ومن أفلام الكوميديا في انتظار النساء، إلا أن بيرغمان لا يتمتع بحس فكاهي، ليس على صعيد الأفلام فقط، ولكن على صعيد رسم الشخصيات، فمن النادر أن يكون ناضجا في إضافة المشهد الكوميدي، وفى تحريك الممثل وفق هذا الإطار، رغم إنه اخرج للمسرح بعض المسرحيات التي يفترض أن تكون كوميدية مثل دون جوان وبيت الشاي ثم عودة دون جوان. ولقد أفاض بيرغمان في كتابه "المصباح السحري" في معالجة الأسباب التي جعلته سلبيا في تقديم الأعمال في الكوميدية سينمائيا ومسرحيا. ورغم انه يطوف كثيرا وينتقل إلا أنه لا يكاد يذكر من أفلامه إلا بعض الأشرطة القليلة، ومنها "الناي السحري" المقتبس عن أوبرا لموزارت كان المخرج قد تأثر بها صغيرا وحاول أن يخرجها إلى المسرح بعد ذلك، وكان إنتاجها سينمائيا كان هو الأقرب إلى التنفيذ.
كذلك يذكر في مذكراته شريطا طويلا يصلح للعرض السينمائي والتلفزي، وهو شريط" فاني والكسندر" الذي أنتج في خريف 1978.
الكتاب الثالث هو سيناريو شريط الصمت، وهو الجزء الثالث من ثلاثية شهيرة تحسب للمخرج انغمار بيرغمان وكان الجزء الأول بعنوان "عبر المرآة".

أما الجزء الثاني فقد كان بعنوان "نور الشتاء".. لقد ترجم السيناريو عن الفرنسية الناقد إبراهيم العريس. وهو يعد إضافة جيدة للكتاب الجامع، إذا لابد من تطبيق نظري لأفكار المخرج بيرغمان من خلال نص مهم يكتشف به القارئ قيمة هذا المخرج، وليس من خلال أفلامه فقط ولكن من خلال السيناريوهات التي يكتبها.
والواقع أن هناك إضافات معينة للسيناريو تتمثل في المشاهد التي تم تنفيذها وهى غير مدرجة في النص، وهي متميزة من خلال نوعية الحرف المستخدم، وفى هذا للفائدة واستيعاب أكثر لروح الاختلاف بين المرئي والمكتوب.

ليست هناك تعليقات: