الاثنين، 1 سبتمبر 2008

حول يوسف شاهين افلامة وحياتة وعلاقاتة

يوسف شاهين .. تحولات الهاجس السينمائي

لاشك أن هناك عدداً من العوامل والاعتبارات قد تداخلت لتجعل من يوسف شاهين مخرجاً مختلفاً ومتميزاً في السينما العربية ، ويمكن أن ينطبق هذا القول على مخرجين أكثرهم أهمية ينبغي أن تذكر ومنهم عزالدين ذو الفقار وحسن الأمام ،وحسين كمال وصلاح ابوسيف وغيرهم ، إلا أن يوسف شاهين يختلف عن هؤلاء بامتياز ، ولاعجب إذن أن تكون وفاته حالة لا ننظر فيها فقط في ماضي المخرج وما قدمه من أشرطة ، ولكن ننظر فيها أيضا في وضعية السينما العربية ، عندما تفقد آخر المخرجين الذين كان لهم مشروعا سينمائياً ، وكانت الظروف مواتية بالنسبة إليهم لتقديم أكبر عدد من الأشرطة وهذه ظاهرة لن تتكرر كثيراً في السينما العربية .

ولد المخرج يوسف شاهين في عام 1926 وتوفي عام 2008 وخلال هذه الرحلة الطويلة ، كانت السينما هي الهاجس الأول بالنسبة إليه ، فهو لم يقترب من المسرح إلا في فرصة مسرحية واحدة ، وهو ايضا لم يقترب من التلفزيون ، بل كانت حياته مستمرة للانجاز السينمائي مع كل الاسئلة التي تترافق مع هذه الحصيلة النهائية من الافلام المتنوعة والمتعددة.

عوامل مختلفة:

إذا عدنا إلى بعض العوامل التي نرى أنها قد صنعت يوسف شاهين بطريقة أو بأخرى، فسوف نجد أنها تعود إلى المنشأ الأول ، في مدينة الاسكندرية ذات الامتياز في التنوع ولاسيما في تعدد الجنسيات ووجود الأجانب فضلا عن متطلبات أخرى فرضتها حياة الأسرة المتوسطة الاقتصادية الاجتماعية ، فهي أسرة مهاجرة ومسيحية رحلت من مدينة زحلة اللبنانية لتستقر في الاسكندرية وكان الأب المهاجر المعروف باسم «أديب» وهو اسم العائلة ، بينما الاسم الفعلي جبريل يعيش حياة متوسطة ويأمل لأبنه أن يكون طبيباً أو مهندساً ولذلك أدخله مدرسة فرنسية في كلية فيكتوريا الانجليزية ، حتى يمكن أن يكون من النخبة ، وهذا العامل المهم في التنشئة الاجتماعية قد دفعت بيوسف شاهين نحو الارتقاء الاجتماعي والرغبة في تجاوز الوضع الطبيعي نحو تحقيق المزيد من التنافس الأسري والوصول إلى مستوى فئة اجتماعية ذات حضور اجتماعي واقتصادي لافت للأنتباه هذا أحد العوامل المهمة التي ساعدت في التكوين المبدئى هناك دائما شخصية تسعى إلى التفوق وتجاوز واقعها ، وهذا يعني القلق الدائم والبحث عن الجديد والرغبة في تجاوز الممكن والخروج من الدائرة الضيقة إلى دائرة أوسع .

سنجد أن أشرطة شاهين قد تعبر عن هذا المنحى ، وخصوصا في الرباعية المعروفة التي تقترب من السيرة الذاتية ولاسيما بالنسبة للشريطين (حدوثة مصر وأسكندرية ليه).

أشرطة غنائية:

من جانب آخر كانت الدراسة في مدرسة فرنسية أولاً ثم انجليزية ثانياً مدخلا نحو تجاوز الواقع الثقافي ، بالإضافة طبعاً إلى مشاهدة بعض الأشرطة الأمريكية المنتجة في الاربعينيات ونخص منها الأشرطة الغنائية الراقصة ومع وجود عدد من الشخصيات المؤثرة في حياته ، وقد تكون ذات طابع تاريخي وثقافي ، ولايذكر يوسف شاهين بأنه قد تأثر بشخصية محلية ، فهو لاينتمي إلى الواقع الثقافي المحلي له اهتمامات ثقافية في بداياته الأولى إلا من حيث تركيزه على الفنون، وخصوصا الرقص والموسيقا.

هذا الجانب مهم جدا في تكوين يوسف شاهين المخرج فإذا قلنا بأن كلية فيكتوريا قد درس بها إلى جانب المخرج كل من عمر الشريف ، وادوارد سعيد والملك حسين بن طلال ومسعود شومان صاحب مؤسسة شومان المعروفة ، فذلك لايعني الشىء الكثير ، فهناك اسماء كثيرة درست بهذه الكلية ولم تنل أهمية كبيرة .

سنجد أن الموسيقا والرقص والغناء من مداخل اجنبية ، كانت هي العامل المؤثر ، فالثأتير الخارجي ،هو الفاعل بالنسبة ليوسف شاهين وهو ما يفسر ارتباطه بالخارج كثيراً، خارج مصر وخارج الوطن العربي عموماً كما أنه قد صنع في كل اعماله بعداً خارجياً في محاولته لتفعيل الإنتاج المشترك واختيار ممثلين من الخارج .

أول الأفلام:

عمليا بدأ يوسف شاهين الإخراج بعد عودته من أمريكا بعد دراسة للسينما والفنون الدرامية في (دار باسادينا) وهي أقرب إلى المعهد المتوسط وليس جامعة أو كلية ولم تكن في جعبته العملية إلا المشاركة في بعض الأعمال السينمائية من حيث المتابعة والحضور كما أن المصور الإيطالي المعروف (الفيز اوريافانيللي) قد أتاح له في مصر فرصة العمل معه ولقد أتاح له كل ذلك تقديم عمله السينمائي الأول (بابا أمين) 1950 وهو بداية غير متوقعة بحكم طبيعة الموضوع الذي يجعل من الميت رقيباً على أسرته وكل ذلك في شكل حلم قابل للنسيان وهو موضوع جديد على السينما العربية.

الفيلم الثاني (ابن النيل) وهو مقتبس عن فيلم أمريكي وقد تمت المشاركة به في مهرجان كان السينمائي الدولي.

من الأفلام المهمة (سيدة القطار) للمطربة الراحلة ليلى مراد 1952 مع أشرطة اخرى جاءت بعد ذلك ذات طابع غنائي مثل (أنت حبيبي 1952) وهو من الكوميديا الغنائية كذلك يمثل حضور الأغنية في أفلامه حصر العلاقة التعبيرية في نطاق معين كما في شريط (نداء العشاق) 1960.

من أفلامه ايضا - صراع في الوادي وصراع في الميناء ومن خلالهما تعرض للعلاقة بين الاغنياء والفقراء وهو اقتراب سياسي غير مباشر سرعان ما وصل إلى طريق المباشرة في شريط (جميلة الجزائرية - 1958 في عام 1958 جاء فيلم (باب الحديد) وهو أهم شريط للمخرج رغم أنه ليس من أشرطة السيرة الذاتية وينسب أكثر في موضوعه لكاتب السيناريو.

شخصية مركبة

ما يميز هذا الفيلم أنه يقترب من الشرائح الاجتماعية الهامشية من خلال شخصية (قناوي) وشخصيات أخرى أيضا كما أن هناك أبعاد نفسية مركبة وخلفية سياسية للموضوع المطروح ومن المعروف أن شخصية قناوي كانت جزئية إزاء الموضوع الرئيس الذي يهتم بالنقابات والعلاقة بين العمال والرؤساء وهي لم تصبح كذلك إلا بعد قرار المخرج أن يقوم بتمثيلها بنفسه بديلاً عن الممثل السابق وهو شكري سرحان.

أن الاعتبارات الاجتماعية أولاً ثم السياسية تعد من العوامل المهمة في تكوين المخرج وهي احياناً تبدو بسيطة وسطحية إلا أنها تصل إلى مستوى جيد ، كما في فيلم (العصفور) 1974 ثم في شريط (الارض 1970(وقبل ذلك كان شريط جميلة هو البداية والذي استكمل بشريط مهم وهو الناصر صلاح الدين 1963 الذي يجمع بين التاريخ والسياسة كما أنه يشكل بالنسبة للمخرج أهمية خاصة لأنه أقترب من قضية الدين والتي لم يجد يوسف شاهين متنفساً لها في كل أشرطته.

إن بعض الأشرطة يمكن أعتبارها ذات طابع اجتماعي سياسي ولاسيما شريط (فجر يوم جديد 1956) وكذلك الاختيار 1971 الذي يميل نحو الجانب النفسي النقدي المكمل لأشرطة أخرى سابقة ولعلنا ندرك هنا تأثر يوسف شاهين ببعض الموجات السينمائية الخارجية ولاسيما من حيث الشكل الفني.

الأختيار وغيره:

إن الشكل الفني يعد من الاعتبارت المهمة التي حاول المخرج دائما أنها أساسا للعمل في السينما ولعل الاختيار هو البداية ، وفي هذا الجانب كانت هناك محاولات متكررة من يوسف شاهين للحد من سطوة القصة الدرامية المطروحة في شكل حكاية بل حاول تكسير الحكاية دائما أحياناً بقصدية واضحة حتى في الفيلم المعروف (الناس والنيل 1972) وهذه المحاولة للخروج من السرد العادي أوقع يوسف شاهين في مشكلة مع الجمهور فقد انصرف هذا الجمهور عن أشرطته ، بل هناك من الممثلين من يرفض التعامل معه ، وربما صارت أشرطته خاصة ببعض النقاد أو تستخدم للمشاركات الخارجية في المهرجانات.

وبصرف النظر عن النتائج فإن يوسف شاهين يمكنه أن يستخدم الشكل التقليدي والشكل غير التقليدي ، لكنه فضل الاختيار الثاني بسبب الرغبة في التجاوز وتأكيد حضور الذات وهي مسألة طاغية عليه بالدرجة الأولى .

إن أفلام مثل (اسكندرية ليه - حدوثة مصرية) تشكل تكونيا لمقاطع من السيرة الذاتية وهذه الظاهرة تلازمت في الخارج مع وجود بعض المخرجين العالميين ، وكما قلنا فإن المخرج يستخدم شكلاً فنياً خارجياً ويستخدم في نفس الوقت موضوعا محلياً ، والسبب يعود إلى عدم تأثر يوسف شاهين بتراث السينما المصرية ، عدا أقترابه المباشر من المخرج عزالدين ذو الفقار.

إنتاج مشترك:

من الأفلام المهمة التي ينبغي أن تذكر فيلم (عودة الابن الضال) وهو فيلم سيطرت عليه الأغنية بشكل مبالغ فيه ، ولاعجب في ذلك فقد ركز يوسف شاهين على الرقص والموسيقا من خلال فيلم فيه أبعاد رمزية واضحة .

ومن جانب آخر دعم يوسف شاهين فكرة الإنتاج المشترك أو التعاون مع الخارج وهذه قضية أساسية بالنسبة إليه ، فقد تعاون مع الجزائر في إنتاج الفيلمين (العصفور - عودة الابن الضال) وقد تعاون سابقا مع لبنان في تقديم فيلم (بياع الخواتم) لفيروز ، ذلك كان له تعاون مع اسبانيا والمغرب من خلال شريط بعنوان (رمال من ذهب) تدور أحداثه في اسبانيا والمغرب، ولقد تطور هذا التعاون مع فرنسا بداية في شريط (الوداع يا بونابرت) ثم فيلم (المهاجر) ويلي ذلك (المصير) وهناك أيضا اليوم السادس وكلها تقريباً أفلام تاريخية فيها جوانب سياسية مباشرة وتحتوى على مقولات فكرية بسيطة اضعفت أحيانا من مستوى هذه الأفلام لكنها في المجمل أشرطة لايقدمها إلا مخرج في حجم يوسف شاهين.

مقولات وأفكار:

من الأفلام السياسية الاخيرة للمخرج فيلم (الآخر) وهو شريط يطرح مقولات سياسية مباشرة ، ويقترب من الواقع السياسي أحيانا ولكن المخرج يتسرع في إصدار الاحكام وهذا ما تكرر ايضاً في فيلم اسكندرية نيويورك ، وربما كان الرأي السياسي المباشر هو أحد أسباب ضعف أفلام يوسف شاهين الأخيرة باستثناء فيلم (سكوت حنصور) الغنائي الكوميدي.

لكن رغم ذلك ، ورغم اختلاف النقاد في تقييمهم لتجربة المخرج يوسف شاهين فإن اهتمامه بالسينما وتركيزها على جوهرها من حيث هي صوره قبل أن تكون قصة من الظواهر اللافتة للنظر في السينما العربية ، ولهذا السبب نال المخرج جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان برلين عن شريط اسكندرية ليه ، وفاز بجائزة مهرجان قرطاج عن فيلم الاختيار كما أنه فاز بجائزة مهرجان كان بمناسبة خمسينية المهرجان ومنح لقب فارس في فرنسا وهناك تكريمات داخلية كثيرة أهمها منحه دكتوراة فخرية من الجامعة الأمريكية في مصر .آخر أفلام المخرج (هى فوضى 2007) وهو مشترك في الاخراج مع خالد يوسف ، وهناك لابد من أن نذكر بأن يوسف شاهين هو أهم مخرج اسهم في تدريب المخرجين ولقد تعامل معه أكبر عدد من المخرجين ، وهو في ذلك يقترب من محاولاته المتعددة لتقديم الوجوه الجديدة ، بداية من عمر الشريف وعمرو عبدالجليل وغيرهم.إن يوسف شاهين كما قلنا هو آخر المخرجين الذين يمكن اعتبارهم أصحاب مشروعات سينمائية كبيرة ، ذلك أن المرحلة الجديدة لاتسمح إلا بأنتاج أفلام ، مجرد أفلام متباعدة لانستطيع أن نصل بها إلى شخصية المخرج أما يوسف شاهين فكل فيلم من أفلامه يشير إليه ولا يشير إلى غيره.

ليست هناك تعليقات: