الاثنين، 8 سبتمبر 2008

الموجة الثالثة فى السينما الواقعية الايطالية


افلام الموجة الثالثة فى السينما الواقعية الايطالية







لا يصطدم الجمهور ببروز ظاهرة الواقعية فى السينما، وهناك عشرات الافلام
الامريكية التى اقتربت من هذا المصطلح، وهناك ايضا افلام فرنسية ذات صبغة
واقعية، فالقضايا الاجتماعية المطروحة تقترن فى الغالب بالواقعية.

ولكن المدرسة الواقعية فى السينما هى غير ذلك، فقد بدأت هذه المدرسة فعليا
عندما اعلنت الحرب العالمية الثانية، وافلست المصارف، وصار من الصعب
التعامل مع استوديوهات السينما وتأجير المعدات ودفع الأجور الكبيرة، فضلا
عن صعوبة تنفيذ الديكورات الضخمة، بسبب الافلاس. وهذا ما دفع بالجميع نحو
التصوير فى الشارع وفى البيوت.

"عندما ظهرت تلك الافلام على الشاشة كان لها مذاق حسى وجمالى مختلف عن
افلام البلاتوهات داخل الاستوديو، وأظهرت قيما جمالية اساسها الواقع كمادة
مباشرة للتصوير وليس كفكرة فى تصوير الواقع بمضمونه وليس بشكله".

* موجة مختلفة *

عندما بدت هذه الموجة من الافلام ظنها الجمهور واقعية فعلية، بل اعتبرها
بعض النقاد واقعية ايطالية، وخصوصا عندما صارت الشخصية نفسها تنطلق من مكان
مميز فاتصفت بالمحلية أولا ثم العالمية ثانيا بحكم طبيعة القضية التى تم
عرضها ولو كان منطلقها شوارع ايطاليا الداخلية.

وبسبب التصاقها بالمجتمع ودون شعارات سياسية مباشرة، أطلق النقاد على هذه
الموجة اسم "الواقعية الجديدة"، فى مرحلة معينة، ثم ما بعد الواقعية فى
مرحلة أخرى. وهذه المراحل الثلاث يجمعها شعار اساسى يقوم على أن السينما هى
فن الواقع أولا واخيرا.

بالاضافة الى الجانب الاقتصادي، هناك اعتبار آخر يقترب من مفهوم
الايديولوجيا، لأن الخروج من استديوهات مدينة السينما الايطالية كان بسبب
التوجهات اليسارية التى انجبت مجموعة من التعاونينات السينمائية والتى تخرج
منها العديد من المخرجين الجدد، بعكس المخرجين السابقين الذين خدموا
الفاشية مثل "اليساندرو بلازيتنى ـ ماريو مايتولي.." وغيرهم.

وكما جاء على لسان رائد الواقعية الايطالية "روسلليني" فإن مجرد الخروج الى
الشارع العام والتقاط ما يدور فى أى منعطف بعين فيها يقظة، يعنى اخراج فيلم
ايطالى حقيقي.

لقد اطلقت الواقعية الجديدة العنان للارتجال والحدس والبحث فى مجريات
الحياة اليومية، لتقدم جماليات ذات طبيعة جماعية مستندة فى انطلاقتها إلى
الواقع نفسه، لكى تسمح له بأن يتحدث عن نفسه فى تحرر كامل من الخيال
الكاذب، وبالاعتماد على البسطاء من الناس، مثل الفلاحين والصيادين والعمال
الذين صاروا نجوما فعليين.

يقول النقاد بأن الواقعية الايطالية قد بدأت بأشرطة مثل "روما مدينة
مفتوحة" لروبيرتو روسيللينى عام 1944 معالجا فيه قصة مدينة تحت الاحتلال
فكان الفيلم "مانفيستو" للمدرسة الواقعية الجديدة.

ثم جاءت افلام أخرى بعد ذلك ومنها "الوسواس" لفيسكونتى عام 1942 ثم جاء
فيلم "باب السماء" عام 1944 لفيتوريودى سيكا وكذلك فيلم "أربع خطوات نحو
السحاب" للمخرج الساندرو بلازيتى والأهم التكملة التى اضافها روسيللينى
بفيلمين هما "بيزا 1946 والمانيا تحت الصفر 1947" كما أن الرومانسى
"البيرتو لاتوادا" قدم فيلم "رجل العصابة عام 1946" وقدم "الدو فرجانو"
رائعته "مازالت الشمس تشرق 1946".

* شواهد سينمائية*

إن أفلام الواقعية الجديدة كثيرة، فلا يمكن للنقاد أن يغفلوا عن فيلم "سارق
الدراجة" لدى سيكا عام 1948، وكذك فيلم معجزة فى ميلانو لزفاتينى وفيلم
"الارز المر" لغسبى دى سانتيس والأرض تهتز لفيسكونتي، وفى مرحلة لاحقة بعد
ذلك ظهرت اسماء الموجة الثانية فى الواقعية الجديدة، بعدها استقر هذا
التيار المختلف عن السينما الرائجة وخصوصا الامريكية، وبدعم من مدينة
السينما الايطالية، ومن هؤلاء فيللينى وفيريرى وروزى "وبونتيكورفو"
وداميانى وسكولا وبازولينى وانطونيونى وبيرتولوتشى وغيرهم، ولكن التيار
الجديد اصطدم بالمتغيرات الجديدة التى انتعشت اقتصاديا بسبب الأسواق
التجارية ورخص العمالة، وبالتالى بدأ الجمهور يميل الى الامتاع والتسلية،
ويبحث عن سينما أخرى، ولقد استغلت هوليوود الموقف وسحبت من ايطاليا افضل ما
عندها من ممثلين وتقنيين وجعلتهم جزءا من السوق التجارى العام، فلم يعد
تنتج فى ايطاليا الا الافلام المتوسطة واحيانا الرديئة، كما سيطرت الافلام
الامريكية على الاسواق الايطالية، وتراجعت السينما الايطالية عن النجاحات
التى حققتها، وكان هذا دافعا لظهور موجة أخرى جديدة، حاولت ان تسترجع امجاد
الفيلم الايطالى بحثا عن الاعماق وراء المظاهر الخارجية التى اشتهرت بها
ايطاليا عالميا بقناع فيه الكثير من المرح والسخرية والفحولة والمعنى
الشعبى للمأكولات الايطالية، بقصد التعبير عن الافراد بحساسية خاصة وليس
مجرد شعارات عامة.

* اسماء لامعة*

من أهم مخرجات الموجة الثالثة من الواقعية الايطالية الجديدة "روبيرتا
توري" وهى من جيل التسعينات وكان فيلهما "تانو حتى الموت" من أهم الافلام
الكوميدية الساخرة عن عصابات المافيا، حيث تدور احداث الفيلم فى باليرمو،
وفيها ايضا تدور أحداث فيلمها "قصة الحى الجنوبي".

وتتوالى أسماء المخرجين من الموجة الثالثة، ونذكر منهم على الأخص باولو
فيريرى وريكى تونياتسى والمخرج لوكا بوفولي.

والمخرجة فرانشيسكا ارحبيجى والمخرج بوبى افاتى صاحب الثلاثية "صديق
الطفولة، درب الملائكة، القلب فى مكان آخر".

وما يميز تجربة السينما الشابة أنها ذات طعم ساخر ونقدى ولها توجهات
اجتماعية سياسية ونقدية واجتماعية، وتكتسب تجربة روبيرتوبينينى وضعا مختلفا
من خلال افلامه السياسية العاطفية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاخوين
"تافياني" والمخرج "جوزيبى تورناتور" صاحب "سينما الجنة" وايضا اتيورى
سكولا وماركو بيلوكيو وروبيرتوفاينسا وكابريليه سلفاتورى وغيرهم، وبالطبع
ربما يجد النقاد بعض التداخل بين الاجيال، إلا أن ما افرزته الواقعية
الجديدة من خلال جيلها الثالث يبقى هو الأوضح.

وباختصار فإن هناك عدة وجهات نظر تحاول التنظير للموجة الثالثة من الواقعية
الايطالية الجديدة، ولكن التقسيمات النقدية تعتبر أن الاتجاه السياسى هو
السائد، رغم أن هناك اتجاها آخر يختص بعصابات المافيا، ولكن تمكن مقارنته
أحيانا بالفيلم البوليسى من خلال عنصرى التشويق والاثارة. أما الفيلم
السياسى فهو وليد بعض التجارب السينمائية الاوروبية. ويعد الجيل الثانى من
الواقعية الايطالية لصيقا بهذا التيار، وخصوصا عند فرانشيسكو روزى وراميانو
داميانى واكيوباترى وبونتيكورفو، بالطبع لا يمكن أن نفصل الموجة الثالثة من
الواقعية الايطالية عن افلام عصابات المافيا، لأنها لون أساسى اسهم فى
بلورة الفيلم البوليسى مع السياسى والاجتماعى والانتقادي.

* الفيلم السياسي*

"إن الموجة الثالثة الجديدة من الافلام تتحدث عن عصابات المافيا وأغلبها لم
ينهل من الخيال أو التصورات الفنتازية، بل من واقع تعيشه مدن الجنوب
الايطالية المشبعة بالعنف والدم والفضائح والفقر والفاقة والتسويات الخفية
التى جعلت من المافيا دولة داخل دولة.

ان هذه الموجة طغت مع الافلام السياسية على صناعة السينما الايطالية، مع
جرأة فى الطرح فى فتح الملفات الساخنة، وتأكيد على ايقاظ مخيلة المشاهد
واثارة الجمهور.

رغم أن السينما العالمية والامريكية قد اقتربت من عالم المافيا، فى افلام
كثيرة، إلا أن الروح الايطالية ظلت مسيطرة على الموجة الثالثة من الافلام
الواقعية لتكون أكثر تأثيرا فى مخيلة المشاهد ولتسهم فى صنع احلامه، ولتترك
خيار التخييل، ولتكشف له الصورة الاخرى لنفسه وعالمه الذى يطمح لتحقيقه من
خلال الموضوعات والابطال الذين يعبرون عن غيابه ويحققون احلامه.

يمكننا أن نمر سريعا على شواهد من افلام الموجة الثالثة من الواقعية
الجديدة ولعل أهمها الفيلم المعروف عالميا "من الأفضل شبابا" للمخرج ماركو
توليوجوردانا وقد قسمه الى جزئين وكل جزء يدوم ثلاث ساعات، ويعتبره النقاد
مرحلة مكملة للفيلم التاريخى "1900" للمخرج بيرناردو بيرتولوتشي، فهو يصور
تاريخ بعض العائلات الايطالية من منتصف الستينات حتى اليوم الحاضر وما حدث
من تغييرات كبيرة ذات دلالة اقتصادية بسبب التحول من الزراعة الى الصناعة
بشكل متسارع وظهور ثورة الطلاب وبدايات التمرد الفردى ثم الجماعى ودخول
"الالوية الحمراء" الى ساحة المواجهة وغير ذلك من الاحداث الاجتماعية
والسياسية التى هزت ايطاليا فى تاريخها الحديث.

إن العائلة التى يركز عليها فيلم "من الافضل شبابا" تلعب دور الرابط العازل
بين افرادها والمجتمع، فهى من جهة تحقق اجتماعية افرادها من خلال انتمائهم
واندماجهم فى الوسط الاجتماعى من خلال حركة التنسيق والانفتاح والمشاركة فى
العمل الثقافى والسياسي، ومن جهة أخرى، تحقق تفرد الأبناء وتميزهم من خلال
حرص الوالدين على التقوقع والانغلاق فى وجه الصعوبات والتحولات بغرض
حمايتهم من الاقتحامات الخارجية.

* صور ونماذج*

ومن الأفلام التى يمكن ان تنسب الى هذه الموجة "الموجة الثالثة" فيلم
بعنوان "أخذ روحي" للمخرج روبرتو فاينسا، وهو يجمع بين الدراما والوثائقية
ويتعرض لحياة الكاتبة الألمانية "سابينا بيرلين" التى كانت مريضة ثم عشيقة
للعالم المعروف غوستاف يونع، والفيلم يعكس بأمانة شخصية المرأة والكاتبة
والباحثة ومدى تأثيرها على أبحاث يونع الأستاذ والعلاقة المرجعية بفرويد
أيضا، ثم اجمالى الاختيارات التربوية لسابينا بيرلين ودعواتها للخروج من
مركزية الأنا والقبول بالآخر وبالعمل المشترك من أجل الجماعة والعمل الجماعي.

بالطبع لا يمكن ان نتحدث عن الموجة الثالثة دون الحديث عن فيلم، "الحياة
جميلة لمخرجه روبيرتو بنيتي، رغم أنه مخرج يسير على نسق مختلف، لأنه يعتمد
فى أفلامه على الكوميديا والسخرية ومعالجة المواقف السياسية بطريقة غير
مألوفة، ولهذا نجح فيلمه "الحياة جميلة" ونال الجائزة الكبرى فى مهرجان
كان، بالإضافة الى 30 جائزة خارجية، محققا النجاح الجماهيرى الكبير،
والحقيقة أن النجاح قد صادف كل أعمال روبرتو بينينى بصفته ممثلا ومخرجا،
ومن ذلك الفيلم المعروف "جونى ستكينو" عام 1991 ثم فيلم "الوحش" وغير ذلك
من الأفلام ذات الطبيعة الاجتماعية والسياسية وآخرها النمر والجليد.

لا خلاف فى أن السينما الواقعية وفق معطياتها الإيطالية هى سينما السياسة
والصراعات المباشرة بين الأطراف المتناقضة داخل المجتمع الايطالين والأفلام
السياسية الإيطالية كثيرة، أهمها ما اقترن بالمخرج فرانشيسكو روزى الذى يعد
أحد أقطاب الموجة الثانية وله تأثير واضح أيضا فى مراحل لاحقة لها علاقة
بما أنتجته السينما الإيطالية فى واقعيتها من أفلام.

ويعد فيلم روزى الشهير "سلفاتورى جوليانو" 1961 من اشهر أفلام الواقعية
المقترنة بعصابات المافيا. ولقد أكمله بفيلم آخر له علاقة بالمافيا وهو
"نسيان باليرمو" عن رواية فرنسية لمؤلفها ادموند جارلس روكس".

تدور أحداث الفيلم حول مرشح لرئاسة لبلدية نيويورك يزور باليرمو ويدبر له
كمين يقتل فيه شاب من أبناء الجزيرة ويتهم فيه المرشح، وهذا يعنى ان
المافيا تجبره على الاختيار بين مساعدتها مستقبلا فى عملياتها المشبوهة أو
الدخول الى السجن والابتعاد عن الولاية، وهو يختار مساعدة المافيا، لكنه
مثل العادة يقتل وهو يحاول أن يتراجع عن الرئاسة.

تستمر الأفلام المعبرة عن الموجة الثالثة الإيطالية، وهى موجة شهدت نشاطا
بعد عام 1990 تحديدا، لكنها ظلت محلية فى أكثر الأحيان بسبب سيطرة الفيلم
الامريكى ليس خارجيا ولكن داخل دور السينما الإيطالية نفسها.

ومن الأفلام التى صادفت نجاحا كبيرا فيلم "ايلاريا البي" وهو تقريبا يسير
على غرار القضايا السياسية، مثل: "قضية ماتيه ـ الدومورو ـ فانزى ـ
سلفاتورى جوليانو ـ كالفى ـ حائط المطاط ـ المئة خطة ـ وغير ذلك من الأفلام.

ان ايلاريا صحفية عملت فى مقديشو فى الصومال عام 1994 وقد اغتيلت بطريقة
فيها الكثير من الشكوك حيث هناك أكثر من طرف له مصلحة فى اغتيالها ومن
بينها القوات الإيطالية الموجودة فى الصومال نفسها.

ان الكل يشير الى ان الصحفية "ايلاريا" ومساعدها المصور الصحفى كانا يعرفان
الكثير من المعلومات أكثر مما تتطلب مهماتهما الصحفية، والقضية الرئيسية
تتمثل فى اكتشاف ايلاريا العديد من الفضائح التى كانت تقوم بها القوات
الإيطالية فى الصومال عام 1993، بالإضافة الى ممارسة قادتها عمليات مشبوهة
تتعلق ببيع أسلحة الى أطراف متصارعة وممارسة أعمال إجرامية من قبل الجنود
وهو ما أدى الى تخصيص لجان مهمتها التحقيق فى هذه الاتهامات.

وما هو أكثر خطورة ما كشفته الصحفية عن تهريب فضلات نووية بغية ردمها فى
الصومال، ولقد اتهم بالقتل شاب صومالي، فكان كما يقول الفيلم مجرد كبش فداء
وقربانا يقدم من أجل عدم الكشف عن الحقيقة الفعلية ولغرض دفن القضية، الا
ان الكتابات الصحفية مازالت تكشف عن الجديد فى هذه القضية.

* المواجهة دائما*

وفى فيلم آخر بعنوان "مئة خطوة عن حياة واغتيال المواطن جوزيبى رازيزي"
يقدم المخرج "ماركو توليو" فيلمه السياسى عن حادثة اغتيال أيضا تنفذها
عصابات المافيا، كان أكثر صعوبة أكثر بسبب اختيار صقلية مكانا للتصوير، فهى
تعبر عن الأمكنة الشعبية التى يستقيم بها سرد الأحداث.

ولقد سبق لنفس المخرج أن قدم فيلما سابقا عن اغتيال بازولينى وهو مستمر فى
استخدام السينما باعتبارها أداة بحث واكتشاف ومواجهة مع المجتمع.

ومن الأفلام التى يعتبرها النقاد فى مستوى أفلام الواقعية الإيطالية الأولى
فيلم "بامورو" لمخرجه الممثل الايطالى "ميكيله بلاجدو" وتدور أحداثه حول
العنصرية التى تمتهن كرامة الإنسان، "إذ يقيم الفيلم محاكمة جريئة ويتخذ
موقفا فكريا واضحا ومباشرا ضد التخلف السياسى والاستخدام السيء للسلطة من
قبل العديد من مؤسساتها".

بالطبع يظل فيلم "غرفة الابن" من اشهر الأفلام الإيطالية، فهو استمرار لما
قدمه المخرج "نانى موريتي" من أفلام تحمل الكثير من التهكمية مثل "ايمبى
بومبا مذكراتى الحميمة ـ حامل الحقيبة ـ أحلام لذيذة ابريل" وغير ذلك من
الأفلام.

قال بعض النقاد حول الفيلم بانه لا جديد فيه "حتى أن البعض رشحه لأن يكون
فيلما تلفزيونيا مخصصا لنوع معين من المشاهدين، فهو يتسم بالبساطة
المتناهية، مع انه أقرب ما يكون للتركيبة السائدة فى السينما الإيطالية
المعاصرة، تركيبة القصة التقليدية المثيرة ذات البداية والذروة والنهاية،
إلا انه يحمل إبهارا من نوع مغاير، وهو إبهار الخيال الجامح النابع من
الرغبة فى التواصل مع الحياة ببنائية فنية وعميقة، ومن خلال أحداثه
وشخصياته النابضة بالحياة".

"ان فيلم "غرفة الابن" يبرهن على انه لا يزال للسينما الإيطالية سحرها
الخاص وقدرتها على تقديم الملاحم المرئية الكبيرة، باعتبارها وسيطا تعبيريا
يمتلك القدرة على نقل المشاعر والافكار الى المشاهد من خلال لغة بصرية
متواضعة وعميقة فى نفس الوقت".

* قضايا فى أفلام*

اذا كان لابد أن نذكر أهم أشرطة الموجة الثالثة، فلا يمكننا أن ننسى فيلم
"قضية كالفي" وهو عن صراع عصابات المافيا فى ايطاليا ولقد سبق للمخرج
"جوزيبه فيرارا" أن قدم افلاما من نفس النوع مثل: "الحص فى الفم ـ مئة يوم
فى باليرمو - قضية مورو ـ اغتيال جوفانى ـ وتدور الأحداث حول فضيحة رجل
المصارف الذى وجد مقتولا "كالفي" مع توجيه التهم الى أطراف أخرى ومنها
المحفل الماسونى ومصارف الفاتيكان ورجال أجهزة الاستخبارات وبعض الأساقفة
الذين يتخفون وراء حصانة دينية ودبلوماسية متميزة.

يبقى فيلم "نجار الجنوب" من الأفلام الملفتة للنظر، فهو كوميدى ساخر من
النوع الذى أجادت السينما الإيطالية تقديمه، وهو من إخراج "مارشيللو جزنيا"
وتدور قصته حول السيد "ديغو" الذى تعرض للسرقة، فجمع كل أسرته فى قبو خاص
مع بعض الأكل ليبدأ حياة جديدة مختلفة.

الفيلم كوميدى ساخر "يتعرض بشكل غير مباشر الى الآثار الناجمة عن تدويل
الرأسمال العابر الجنسيات الذى يمس مصالح كل المجتمع لأمد طويل، ثم كيف
ينمو هذا الرأسمال المندفع الذى لا تقيده حدود، وكيف تتنامى مصالح ذوى
الياقات البيضاء على حساب الطبقة العاملة".

فيلم "درويش" الايطالى محاولة صياغة مختلفة لرواية "الدرويش والموت"
لكاتبها محمود سيلموفيتش، بعد أن قدمت فى فيلم سابق من داخل يوغسلافيا
الاتحادية.

الفيلم الجديد للايطالى هو "البيرتو رونداللي" يميل الى النزعة السياسية
ولكنه يظل من الأفلام التراجيدية القوية، حيث يتحول الشيخ "أحمد نور الدين"
من العزلة وحالة التقوى والورع الى رجل عنف بعد أن رفضت السلطات الاستجابة
لصوت العقل وإعلان براءة أخيه البريء.

فى الفيلم عنف السلطات الحاكمة مع عنف الأفراد، عندما يغيب نور العقل بسبب
الوقوع فى التعصب والانغلاق فى الرؤية.

* أشهر مخرج *

لا يمكن الحديث عن موجة الواقعية الثالثة دون الحديث عن المخرج الايطالى
"جوزيبى تورناتوري" صاحب الشريط الشهير "سينما الجنة" والذى عمل مصورا
ومخرجا لعدد من الأفلام الوثائقية، وأول أفلامه الروائية كان بعنوان
"الكاموريستا" ثم فيلم "يوم الأحد تحديدا" وكذلك فيلم "كلهم بصحة جيدة"
وفيلم "الشاشة ثلاث نقاط" وفيلم "رجل النجوم" وفيلم "الاسطورة".

أما فيلم "مالينا" فهو أهم أفلامه على الإطلاق وقامت ببطولته الممثلة
"مونيكا بيلوتشي" وهو يتمحور حول امرأة صقلية تدعى مالينا وضعت داخل مجتمع
لا يرحم، ورغم ان ظاهر الفيلم مبنى على علاقة حسد وصراع نسوي، إلا أن هناك
إيحاءات غير مباشرة تمس جوهر المجتمع الصقلى من خلال رؤية غلام يافع يتابع
مالينا فى كل تحولاتها الاجتماعية والسياسية أثناء الحرب العالمية الثانية،
وبالطبع وكما يقول النقاد، فإن الفيلم يكشف عن الواقع الذى عطلت فيه
الفاشية السمات الاجتماعية والإنسانية فيه، فالفيلم يصور مناخا عاما قبل أن
يصور حادثة بعينها.

* فاعلية لا تتوقف *

وتبقى الموجة الثالثة فى يد عدد من المخرجات الإيطاليات أكثر فاعلية
وانتقادا، وهذا ما حدث لفيلم المخرجة "فرانشيسكا اركيبوجي" والمعنون باسم
"الزلزال هزنى من الداخل" وتدور أحداثه فى مقاطعة "اومبريا" التى نكبت
بزلزال عام 1997 حيث تقول المخرجة عن فيلمها انها تصرفت فى وضع الحكايات
ولم تنقل قصة واقعية، إذ صارت لكل شخصية حكايتها الخاصة بها، وعندما يكتمل
وصف كل شخصية يصبح الفيلم جاهزا بالكامل، وتبدأ عملية سرد الأحداث والوقائع
بطرح الكيفية التى تبدأ فيها حياة الناس بالتغيير، فبعد كارثة كبيرة مثل
الزلزال كل شيء يسقط وتتغير العادات والعلاقات".

ان بعض المخرجين من الجيل الثانى يتواصل العطاء السينمائى لديهم وهم
يقتربون من الجيل الجديد، وبالتالى فإن حضورهم يمتد نحو الامام، وهذا ما
حدث بالنسبة إلى المخرج "فرانكوز يغريلي" الذى قدم أكثر من خمسة عشر فيلما،
كان آخرها فيلم "كوب شاى مع موسوليني" ثم ألحقه بفيلم حول مطرية الغناء
الاوبرالى "ماريا كالاسي" والتى كانت قد ارتبطت مع المخرج بعلاقة عمل
استمرت لأكثر من ثلاثين عاما.

لقد اختار زيفيريللى ان يصور عذابات هذه المغنية وخصوصا فى مشوارها الأخير
عندما ارتبطت باليونانى اوناسيس ثم افترقا بعد ذلك، وبعد موت ابنها الرضيع،
ماتت بنوبة قلبية عام 1975.

"لقد اختار المخرج ان يسرد على جمهوره مجريات تلك الأيام الصعبة فى حياة
المغنية الشهيرة لمرور 25 عاما على وفاتها بأسلوب قصصى روائى مشحون
بالإشارات واللقاءات، مستخدما تسجيلات صوتية قديمة تعود الى أكثر من ثلاثين
عاما مضت".

من أشهر المخرجين أيضا، ممن يجمعون بين الموجتين الثانية والثالثة فى
الواقعية المخرج الايطالى "ايرمانو أولمي" والذى قدم فى السابق أحد الأفلام
الضخمة وهو "المهنة سلاح" عام 2001، وبالإضافة الى أفلامه المعروفة قدم
ايرمانو فيلما جديدا يعد من أهم أفلام الموجة الثالثة، ونقصد به فيلم "غناء
خلف الستائر الحاجبة" وهو أسطورة صينية معتمدة على قصيدة تقرأ خلف الستائر
مصورة لحكاية الأرملة الشجاعة "شينك" التى يموت زوجها مسموما فتأخذ مكانه
قائدة لإحدى البوارج الحربية ومحاربة لجيش الامبراطورية، لكنها تقبل بخيار
السلام فى النهاية.

هناك اسماء كثيرة ينبغى ذكرها مثل المخرج "باولو بينفيينوتي" صاحب فيلم
"اسرار الدولة"، والمخرج موريتسيو بونس صاحب فيلم "تلك الاضواء المنطفئة"،
وادواردو كارلوبونتى صاحب فيلم "شيء ما أشقر"، والكاتبة المخرجة "سوزانا
تامارو" بشريطها "أجنبي"، وبالطبع لابد من ذكر الاخوين تافيانى بتعدد
افلامهما ورؤيتهما الخاصة ويتجسد ذلك فى فيلم "الانبعاث" وهو فيلم مقتبتس
عن رواية "البعث" ليوتولستوي، رغم الجانب الكلاسيكى الذى يسيطر عليها.

هذه هى أهم مؤشرات سينما الموجة الثالثة فى الواقعية الجديدة الإيطالية،
والتى يرى البعض أنها موجة منفصلة لا ترتبط كثيرا بالواقعية الأولى إلا فى
حدود ضيقة، بينما يرى بعض النقاد أن من الاولى أن يتم الربط بين مراحل
الواقعية المختلفة لكى يمكن لنا ان نميز الإنتاج الايطالى بنكهة خاصة
مميزة، تجعله حاضرا دائما فى مسيرة الإنتاج السينمائى العالمي.

*العرب أنلاين في 5 يوليو 2007*































































ليست هناك تعليقات: