الأحد، 28 سبتمبر 2008

السينما الافريقية والبحث عن هوية----------الجزءا لأول




السينما الافريقية والبحث عن هوية

الجزء الأول

(1)

كثيراً ما ينظر إلى الشريط الأفريقي عالميا على أنه مجرد طبق متنوع وغريب ويدخل ضمن نطاق المعرفة بالفروع الجانبية وليس المسار المركزي للثقافة .

هذا الرأي الذي فيه قليل من الصحة ، تأكد وانتشر في مراحل معينة دون غيرها ولا سيما في التسعينيات في أمريكا وأوروبا ، واستمر مع توق الجمهور إلى التعرف على السينما الأفريقية بشكل أوسع مع تجديد الإنتاج السينمائي الأفريقي الذي ساعد على استشراء هذه النظرة الغرائيبية من قبل الجمهور الغربي عموماً ، وهكذا ظل الشريط الأفريقي مجرد طراز جانبي فرعي على هامش السينما العالمية تتوفر فيه خصوصيات النزعة الفلكلورية بحسب قراءة النقاد والجمهور في إطار مركزية السينما العالمية .

وبرغم المخاطر التي قد تنجم عن أن الإنتاج السينمائي الأفريقي قد كان معبراً فعليا عن هذا الاتجاه ، إلا أن السينما الأفريقية قد استفادت كثيراً من بقائها في موقع متصدر يجلب الأضواء إليه ، فكانت بالتالي مصدرا للعديد من الدراسات النقدية للطلبة والباحثين الذين ينشرون أعمالهم بين الحين والآخر .

2

هذا المدخل هو مقدمة لتناول بعض الكتابات التي تهتم بالسينما الأفريقية ، وهي كثيرة في السنوات الأخيرة ، ولا سيما في أمريكا وفرنسا وبريطانيا ، وقد جاء عنوان الكتاب الأول باسم "تساؤلات أمام السينما الأفريقية "من إصدارات 2002 للمحرر فرانك يوكادايك، أما الكتاب الثاني فهو بعنوان : "السرد والرمز في السينما الأفريقية " من منشورات سنة 2000 لمؤلفه جون جيفاني ، ولا شك أن الكتابين قد اعتمدا على الانتعاشة السينمائية الأفريقية التي برزت في منتصف الثمانينيات واستمرت إلى الآن .

يضم الكتاب الأول أعمال ندوة لندن السينمائية حول نفس الموضوع 1995 التي نظمها معهد السينما البريطاني ، مع إضافة بعض الحوارات الصحفية مع مخرجين من أفريقيا ، باعتبار أن هذه اللقاءات هي تكملة للبحث الدراسي المنشور سنة 1994 وكان بعنوان : " سينما أفريقيا السوداء" .

إن الكتابين يعدان إضافة جيدة إلى ما سبق أن نشر من كتب في نفس المجال مثل : " السينما الأفريقية .. السياسة والثقافة " لمؤلفه "مانيتا ديايورز " و كتاب " التجارب السينمائية الأفريقية للكاتبين " أمبرو باكاريز" و"أمبالي تشامز " بالإضافة إلى الكتاب المهم الذي ألفه المخرج "غاستون كابوري" والذي كان عنوانه " مائة عام من السينما " لاشك أن هذه الكتابات قد أسست في تراكم المواد الدراسية النقدية لتأسيس مداخل حيوية للسينما الأفريقية وخصوصاً إذا أضفنا إلى كل ذلك ما هو متاح باللغة الفرنسية بواسطة العديد من النقاد ومنهم بولين سمانو فييرا وفريد بوغدير ، وبيير هافنر وأندريه كاردنر وأوليفر باريت وغيرهم .

(3)

لقد لـمّح بعض النقاد بان الشريط الأفريقي قد وجد نفسه عمليا في حالة من الجمود ، ولكن وبحسب بعض الآراء أيضاً ، فإن ذلك يرجع إلى مشكلات الإنتاج والتوزيع ، وهو أمر ليس له صلة بالقضايا التي تطرحها السينما نفسها من داخلها .

من جانب آخر يمكننا القول بأن مواجهة العقبات لا تعني أن هناك عوارض تدل على ضعف السينما الأفريقية ، بل إن تجدد المشكلات دلالة على نضج هذه السينما وانتقالها من مرحلة إلى أخرى وهذا يعني أن هناك حاجة ماسة إلى التغيير في العمل الإنتاجي من حيث الممارسة والتطبيق والمعالجة النقدية .

إن الكتابين : " تساؤلات أمام السينما الأفريقية" و" السرد والرمز في السينما الأفريقية " يناقشان طرائف النقد المعاصرة في تعاملها السلبي مع السينما الأفريقية وتشير محتويات الكتابين إلى أهمية التأسيس لنقد فعال ومستقل ، يجري حرا وغير مقيد بارتباطات سياسية ومذهبية ، وهذا ما سيجعله أقرب إلى الصدق .

بناء على ذلك ، فإن الأسئلة هي المحور الرئيسي في الكتابين ، وهذا ما ينطبق على مناقشات مؤتمر لندن السينمائي وكذلك الأطروحات المتعلقة بالسينما الأفريقية والأسئلة الموجهة إلى المخرجين وصناع الأشرطة في أفريقيا وكل ذلك جوهر المحتوى .

بالنسبة لكتاب " جون جيفاني" يبدو أقرب إلى المتسلسلة من الفن المتصف بالعمق والرصانة المضافة إلى خصائص السينما الأفريقية العالمية .

يعمل الكتاب لأجل الحفاظ على نشر فعاليات مؤتمر لندن السينمائي وبشكل مكثف يستعرض أهم الأقسام وهي : التعريف بالسينما الأفريقية وتحديد مدى تطورها – المنظور الفطري والجمهور – التقنية وما بعد الحداثة – دور مسألة التحرر في تطور الشريط الأفريقي .

ويحتوي كل قسم على عدد من الإسهامات النقدية مع تقديم عام للجميع . أما الورقة النقدية الرئيسية وبعض المناقشات لها فقد أعدت بشكل نموذجي من قبل عدد من المخرجين .

4

بذلك احتوى الكتاب على إسهامات من (32) مدينة أفريقية ومخرج ، ولكن هذه الكثرة في التنوع أدت إلى شيء من الضعف والقوة في نفس الوقت ، إن الحجم أضاف خلفية غنية ثقافيا ، بسبب التعاون الجماعي وتبادل الحوارات ، لكنه حجب الاتجاه العام لنوعية الكتاب كليا ، بحيث ظهر الكتاب جامعا وشاملا لا أكثر ، مع أن القارئ يمكنه أن يقفز بين الموضوعات واختيار الحلول العملية والمجادلات المتعددة حول بعض القضايا ، وذلك حسب الأهمية ووفق نوعية الاهتمام ، ورغم أن مقدمة الكتاب قد قامت بمهمة حميدة لتوضيح القضايا الضرورية ، فإن القارئ غير المعتاد على المقدمات النظرية المطولة ، سوف يهملها للالتحاق بباقي أقسام الكتاب وهي الأهم .

إن هدف الكتاب فيه الكثير من التشويش على المحتوى الحقيقي للمناقشات لكن القسم النقدي يجعل الصورة أكثر جاذبية بالتركيز على الموضوعات من الداخل وقراءة المحتوى بشيء من التحليل ، ولا شك أن ذلك لا يخلو من طموح من قبل المبدعين والنقاد في حسن تعاملهم مع المداخل النقدية الجيدة والمغرية بإثارة المشكلات ، وهذا يعني أن المعالجات النقدية تتصادم بشكل مستمر بطريقة شبه تدميرية .

إننا نلحظ ذلك بشكل ملحوظ عندما ينتقد المخرج إدريس أودراغو النقاد في محاولاتهم السلبية لتصنيف الأشرطة الأفريقية وفق منظور ثابت اعتادوا عليه هذا التوتر يوضح إلى حد ما الخطورة التي يظهر عليها المشهد السينمائي الأفريقي من ضعف يتسلل إليه كثير من الأحيان ، تشمل محتويات الكتاب " تساؤلات أمام السينما الأفريقية " على أكثر من مناقشة أكاديمية من النوع النظري والعملي ، فيها الكثير من الاندفاع لتنتهي بالتأكيد على ضرورة مناقشة مسألة الجمهور في السينما الأفريقية ، وعلى الرغم من أن مناقشا واحدا وهو " جون بادن هورست " قد ناقش هذا الموضوع في مقالة خصبة المعاني ومكتوبة بشكل جيد ، حول التوزيع والتقنية ، أي أنها لم تنل الاهتمام الملحوظ إن ميزة الكتاب تتمثل في اقترابه من صناع الأشرطة باعتبارهم مخرجين ، بحيث تترك الإجابات عند المناقشة عمليا وعند التنظير .

5

على سبيل المثال نجد الموقف إثارة عند محاورة مخرج مثل إدريس أودر اغو ، الذي أكد بشكل توفيقي على أهمية النقد وخلق الطموح الكفيل بالبحث عن تطور الشريط الأفريقي ، مع الإشارة إلى الغموض المرتبط بمفهوم السينما التنوغرافية والاعتبارات المتعلقة بالسينما الأفريقية كافة ، سياسيا وثقافيا مثل قضية الهوية وغيرها .

لقد احتوى الكتاب على (20) مقابلة ،قسمت إلى ثلاثة أقسام ، مع وضع ذلك بطريقة تصنيفية تضع في اعتبارها تاريخ إنتاج الأشرطة والتسلسل التاريخي للمخرجين .

يضم القسم الأول حوارات مع من يشار إليهم على أنهم من التقليديين أو الرواد وهم أولئك الذين بدأوا باستخدام وسائط السينما وحددوا المفاهيم الأولى لهذا النوع ، وفي الحقيقة هو أقرب إلى السياق الفكري الأيديولوجي المرتبط بتحرير أفريقيا من الاستعمار الغربي ، ومن هؤلاء نجد سليمان سيسي وميد هوندو وصافي فايبي وايدى وقبسا وغيرهم،

ويلاحظ على هذا القسم إغفاله لاسم مهم وهو " عصمان سمبين " الذي لم يشر إليه محرر الكتاب يوكادايك ولم يجر معه حوارا ،رغم أنه الرائد الأول بامتياز .

ولكن من جانب آخر يمكن اعتبار هذا الإغفال من مزايا الكتاب لأن لهذا المخرج العديد من المقابلات والحوارات المعروفة ،ولذا يعد غياب سمبين شكليا فقط ، لأن ظلاله ملقاة على الجميع بمن فيهم المحاور ومعد المقابلات نفسه .

القسم الثاني من الكتاب يشمل حوارات مع الجيل الثاني من المخرجين الأفارقة ، ويقوم مركز نشاطهم على مفاهيم أقل ارتباطا بالايدولوجيا ، أو بتعبير آخر تبدو الايدولوجيا عندهم أكثر اتساعا وشمولا .

ليست هناك تعليقات: