الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

pحول جماليات السينما العربية




رحلة البحث عن جماليات خاصة

منذ ربع قرن وأكثر اشتعلت النقاشات الفكرية بين عدد من النقاد العرب في مجالاتهم الأدبية والفنية، بحثا عن السمات والخصائص ذات الطابع العربي والتي يمكنها أن تحدد الفروقات الواضحة والمتميزة لما يمكن تسميته بالخصوصية ذات الجمالية العربية، في كل نوع من الأنواع الفنية والأدبية.

لقد طال البحث الجمالي في مرحلة معينة أنواعاً وأشكالاً من الفنون والآداب، مثل القصة القصيرة والرواية والمسرح والفنون التشكيلية، بقصد إيجاد مرجعيات لها في التراث العربي، تحت إلحاح دعاوى ملتبسة المعاني، شملت مصطلحات مثل الهوية والخصوصية والأصالة والتأصيل وغيرها.

أفق نظري

نعترف بأن الأفق الفلسفي النظري كان الأشد وطأة وقد نال الاهتمام الأكبر، فقد ذهبت الكثير من التنظيرات بعيدا لرد الأفكار القادمة من الغرب إلى مرجعيات إسلامية وعربية، وهكذا كان للاشتراكية الغربية منبع عربي، وكذا الأمر بالنسبة للفكر اللغوي وغيرة . ثم كان اتجاه العودة بالمسرح والتشكيل إلى التراث ، وكان من ايجابيات ذلك أن وجدت تطبيقات فنية لها صفة التمايز، بصرف النظر عن الطرح الفكري. ولكن كان الاتجاه الإبداعي العام يعتبر أن تلك التجارب المستفيدة من التراث، ما هي إلا موجة من الموجات التي لن تأخذ طريقها نحو الاستمرارية، حتى لو قلنا بأن الهدف هو الخروج من الطوق الفني والفكري الغربي، في محاولة من الإبداع العربي لدعم التحرر السياسي بتحرر ثقافي شامل.

لم تنل السينما العربية حظا جيدا من ذلك التنظير’ الذي كان يسعى إلى تأصيل الأدب والفن، بدعوى البحث عن هوية متميزة، فلا توجد مرجعيات في التراث العربي تدعم هذا التوجه، بل على العكس وجدت مساعٍ لرفض الصورة ورفض الدراما، واستخدمت لذلك نصوص غير واضحة أو ملتبسة.

أما التطبيقات العملية نفسها، التي تقوم على اختيارات الأفراد، فلم تكن واضحة، ولا سيما في البدايات الأولى للسينما العربية، بسبب التركيز على فكرة الإتقان وتقليد الغرب في إنتاجاته السينمائية، وغلبة الهدف التجاري على الفني ’لأن السينما طرحت نفسها باعتبارها صناعة أولا، ثم فن في الترتيب الثاني، وكل ذلك كان من الاختيارات الطبيعية التي كانت متحققة عند الكثير من الشعوب.

لعل السبب الرئيسي في كل ما أشرنا إليه يعود إلى أن فن السينما يعد من الفنون الحديثة عالميا، فقد خلا التراث الإنساني من هذه الفنون المرئية المتحركة المرتبطة بالآلة، حيث سيطرت الكلمة في أشكالها السردية والغنائية على مسيرة الإنسان، وفي أحسن الاحوال وجدت الصورة بمعنى النحت والرسم ، فيما كان يعرف بفن التصوير ، اعتمادا على الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر.

تجارب ومراحل

لقد عرف العالم السينما عمليا في عام 1895 بعد تجارب كثيرة سابقة في التصوير الثابت، وذلك عندما عرض الأخوان لوميير عرضهما التجاري الأول بباريس ,والذي اعتبر العرض الرسمي الذي بدأت به السينما مسيرتها باعتبارها فن الصورة المتحركة، مع وجود مشروعات ناجحة أخرى في العرض نفسه وفي أوروبا وأمريكا في فترات زمنية متقاربة.

من الطبيعي أن انتقال السينما باعتبارها سابع الفنون ، بعد العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص، من البلدان الأوروبية إلى مناطق أخرى مجاورة قد جاء في اطار انتقال الكثير من الاختراعات والاكتشافات ’تحت حماية مطلقة وسيطرة غربية بدأت مع البواكير الأولى للنهضة الصناعية في أواخر القرن السابع عشر وحتى المرحلة الاستعمارية.

لقد دخلت السينما معظم البلدان غير الأوروبية بعد اختراعها مباشرة، وبأيدٍ أجنبية في البداية ، ولكن بعد عقدين من الزمن صارت هناك سينمات جديدة تحمل الطابع القومي لكل بلد، وبذلك وجدت السينما الهندية والسينما اليابانية والسينما الأرجنتينية والسينما التركية والسينما العربية، مثلما وجدت وتدعمت السينمات الأوروبية وتميزت عن بعضها.

ولاشك أن هذا المنحى القومي للسينما هو الأساس الذي اعتمد عليه تطور مفهوم الجماليات، إذ بعد جماليات الآلة نفسها بصورتها المطلقة المعتمدة على نظرية العرض واستمرار الرؤية ونظريات المونتاج والتصوير زاد الأفق الجمالي للسينما بدخول مفهوم القومية والمحلية، فتدعمت خصوصيات السينما عن الأدب والمسرح بتطبيقات جديدة لها صبغة فردية إبداعية، ولها لون جمالي يختلف باختلاف الأمكنة وبتعددها.

لكن لابد من الإشارة بأن أصول التعامل مع فن السينما وكل المهن المرتبطة به وكذلك الأشكال التعبيرية وأساليب الرد، قد ظلت كما هي حسبما عرفت عند المنظرين وشركات التصنيع ومعامل الطبع والتحميض، كما أن طرق إنتاج الأشرطة والتعامل مع الديكورات والممثلين، قد انتقلت بالمشاركة والتواصل وبالعروض السينمائية التي صارت تدور العالم.

أما مقدار الإضافة والإبداع الفعلي فيها ، فهذا ما عبرت عنة جماليات سينمائية معينة، لا تتجاوز علم جمال السينما، والذي حاول أن يتفرد ويتميز ويشكل بذاته نوعا فنيا أساسه

نظريات وتصورات غريبة قائمة إلى اليوم.

مقاربات جمالية

وهكذا فعندما نتحدث عن جماليات عربية في مجال السينما، لا يعني ذلك اقترابا من علم جمال السينما نفسها، ولكن المقصود هو التطبيقات الفنية ذات المحتوى، وهو المعنى الذي نلخصه في قولنا ما هو خارج الإطار أو الكادر، ونعني به التقنية السينمائية وجمالياتها وعلاقاتها بباقي الفنون، أما ما نقصده في قولنا داخل الإطار أو الكادر، فهو الإضافة القومية أو الفردية التي تسمح بالتجديد على مستوى الهوية .

إن هاجس الخروج من الدائرة الغربية، له أساس أيديولوجي حتى عندما يتصل الأمر بالإبداع السينمائي وجمالياته، ولكن وجهة نظر الناقد المنظر ليست معبره فعليا عن العلاقات القائمة في المجال السينمائي, والتي تخدم نفسها بالتقنية, فالمبدع هو المعبر الفعلي عن الجماليات لأنه لا يجازف بالدعاوى السياسية، بل يفهم فن السينما بمعناه النظري وجمالياته المطلقة، وإضافاته التي تخدم فن السينما وليس أي دعوى سياسية مهما كان نوعها ومهما تغلفت بالإطار القومي أو المحلي .

قبل أن نتطرق إلى بعض التصورات الجمالية الخاصة بالسينما العربية ، يهمنا أن نحدد أهم مفاصل مفهوم التعبير بمعناه الإبداعي، والذي يمثل جماع الشكل والمضمون في بنية واحدة موحده أو منفصلة.

يقودنا "التعبير" إلى مكون أساسي فيه وهو الإيقاع أو الحركة في الزمن ، بينما يأتي المكون الثاني حاسما في الفن لأنه معني بالتركيب، وهو أساس الفنون، والمقصود طبعا التركيب الكيفي أو التأليف التركيبي، وهو غير التكوين البسيط الذي هو نتاج طبيعي ولا يدخل ضمن نطاق الإبداع.

عناصر مركبة

يضم التأليف التركيبي عناصر متباينة وأحيانا متنافرة، وتقوم العملية الإبداعية بجهد كبير من أجل خلق تناسق مركب بينها، وبشكل مقصود ومدروس. إن هذا التركيب الكيفي للعناصر هو الذي نصفه بأنه جمالي، يقوم على الإبداع الفردي أولا ثم العلاقة بالمكان والبيئة ثانيا.

وعندما نتحدث عن جماليات الفنون العربية الإسلامية، فالقصد هو إبراز خصوصيات هذا الاتجاه وعناصره المتآلفة التي تتركب منها فنون معينة مثل العمارة والخط والموسيقى، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الخصوصية لها علاقة بباقي الفنون الحديثة إلا من باب التجديد والتجريب، وهو لا يؤدي إلى نتائج إيجابية بالضرورة.

لقد قيل بأن خصوصية الفنون العربية قد أفرزت جماليات تعتمد على ما يأتي:

1- كراهية الفراغ وتغطية المساحات بالزخرفة.

2- التسطيح وعدم التركيز على التجسيم.

3- البعد عن الطبيعية.

4- التكرار اللانهائي الذي يخدم أغراضاً مقدسة تقوم على فكرة التوحيد.

ربما لا تنطبق هذه الخصوصيات على العمارة المتلونة في الحضارة الإسلامية ولكن ترتبط تلك الجماليات بزمان ومكان معينين، ولا يمكن لها أن تتجدد إلا إذا عبرت عن جوهر الفرد وحياته، وهو أمر غير ممكن لأن العمارة المعاصرة وأسلوب الحياة والأدوات والوسائل المستخدمة تسير في نسق واحد مع الفنون الحديثة مثل السينما على سبيل المثال .

إذا عدنا إلى السينما العربية وواقعها بين جمالية عربية قديمة وفن معاصر تعبر عنه آلة حديثة وحياة مختلفة تماما عن النمط السابق، وجدناها قد سارت منذ بداياتها الأولى 1927 بشريط "ليلى" في مصر وفق النمط الذي يراعى متطلبات الجمهور وبالتعامل من النتاج العالمي، في محاولة لفهم أسرار هذه الصناعة والاستفادة منها. لذلك كان الشريط الأول له طابع "ميلودرامي" معتمدا على قضية الشرف والعلاقة مع الأجنبية ومتطلبات الصراع الاجتماعي .

لم تكن البدايات الأولى للسينما العربية في مصر وتونس ولبنان تنزع إلى البحث الجمالي بقدر ما كانت تستخدم عناصر السينما البسيطة لتمرير الأشرطة الكوميدية والغنائية والميلودرامية وأشرطة المغامرة، وفق مقاسات السينما العالمية، وكذلك خلق حالة استمرارية للمسرح الذي كان قائما ويسبق السينما بمراحل.

تجارب سينمائية

لاشك أن هناك تجارب سينمائية ارتبطت بالواقع وأبرزت عنصر المكان بكل مميزاته، ليس في مصر وحدها، بل في بلدان عربية أخرى مثل تونس بشريط " مجنون القيروان" إنتاج 1937 وسورية بشريط "المتهم البريء" إنتاج 1935، ولكن هذه البدايات قاربت الموضوعات العاطفية وابتعدت عن التقاط العناصر الجمالية، وهو أمر لم يحدث مثلاً بالنسبة للسينما الألمانية عندما قدمت التعبيرية الجمالية، وفرنسا عندما قدمت الواقعية الشعرية، وروسيا عندما قدمت الواقعية الروسية، بل وسينما هوليوود نفسها عندما قدمت "مدرسة الأستوديو" وكل ذلك تم في العقدين الأولين لبداية صناعة السينما.

إن السؤال مازال قائما ويطرح نفسه. هل نستطيع الحديث عن جماليات عربية يمكنها أن تتجلى في فنون مثل المسرح والتشكيل والسينما، ولا نقول البالية وفن البانتويم مثلا؟

نحن نعلم أن الأصول الفنية لكل تلك الأنواع وغيرها إنما هي غربية المنشأ والنظرية، ولكنها تقع ضمن سلسلة من النتاج الحضاري العالمي الذي أسهمت فيه كل القوميات والأجناس بشكل جماعي أو فردي، ولا نستطيع اعتبار إسهامات الحضارة العربية بعيدة عن الاختراعات المرتبطة بالصورة.

من زاوية أخرى يمكن توصيف الإضافات العربية بأنها تطبيقات تخدم ألواناً من الجماليات السينمائية، وهي رغم قلتها وضعف نتائجها عالميا، إلا أنها نظريا هي مجرد إسهامات جمالية تقع داخل تنافس حضاري يمكن أن يضيف شيئا ما إلى جماليات السينما.

إن السينما تفرض توجها نحو المنشأ ، لكن لابد من القول بأنه يمكن استخدام إطارها العلمي وقواعدها الثابتة مع تعبير متغير ومختلف بحسب نوعية الأفراد والجماعات ووفق ضرورات البيئة ومتطلبات المكان، لذلك قيل بأن للسينما الهندية خصوصيتها الجمالية، وكذلك اليابانية والبرازيلية؛ وهو أمر يعود إلى وجود أمثلة ونماذج تطبيقية تمثلت في أشرطة كثيرة مختلفة كما ونوعا، وكذلك ظهور حركة نقدية تنظيرية ملازمة لذلك, تمهد وتدرس وتبحث في هذه الجماليات، وأحيانا توجهها نحو مسارات معينة، مثلما حدث بالنسبة لمدرسة السينما الجديدة في البرازيل وسينما البنغال الهندية " بوليوود".

على مستوى جمالي دمجت الموسيقى الهندية الراقصة مع الشريط الهندي منذ البدايات الأولى مع عدم التزام بالوحدة الصارمة الدرامية، التي تقوم عليها الأشرطة الغربية، وهو ما تحقق في الشريط الأرجنتيني والتركي والبرازيلي، وكلها أشرطة خارج السياق الأوروبي والأمريكي. هذا بالإضافة إلى الشريط الكوبي والمكسيكي وكذلك الشريط الصيني في بعض مراحله .

نماذج مختارة

ولكي توضع السينما العربية في إطارها الصحيح بحثا عن جمالياتها، نحتاج إلى دراسة بعض النماذج، بصرف النظر عن النتيجة العامة التي تعتبر السينما العربية غير موفقة في مسيرتها إذ لم تفرض حضورا يميزها عن باقي أنواع السينمات في العالم.

من التجارب الجمالية السينمائية المرتبطة بالأفراد والمتصلة بالحاضر، بصرف النظر عن الافتراضات الجمالية المستنبطة من التراث العربي، نجد أمامنا إنتاجاً يعبر عن النوع السينمائي في مرحلة أولى ، وكذلك المحاولات الإنتاجية الإبداعية الفردية في مرحلة ثانية.

تتجلى أشرطة النوع في الشريط التاريخي العربي الذي يسير في اتجاهين: الأول له طبيعة دينية، والثاني يعتمد على الموضوع التاريخي المفتوح في حدود أكثر حرية من حيث التخيل وعدم دقة الوقائع.

على أنه من الصعب القول بوجود تعبيرات جمالية متميزة عبر عنها الشريط التاريخي، رغم أنه متصل جماليا بالتاريخ القديم والحديث، والسبب يرجع إلى أن الأشرطة التاريخية العربية تحمل مقولات بسيطة في غالبها، وتركز على سرد القصة بواسطة الشخصيات، مع عدم اهتمام بالمكان التاريخي، وعدم العناية بالشخصية نفسها من حيث شكلها الخارجي أو علاقاتها بباقي الشخصيات .

إذا أضفنا إلى ذلك ضعف الموسيقى التصويرية وغياب المؤثرات وعدم النجاح في الايهام بالواقع، وعدم الانتباه إلى إيقاع الشريط من خلال أسلوب التصوير وطريقة القطع وإبراز قوة الحوار، فإن كل ذلك قد اسهم في تراجع جماليات الشريط التاريخي، وأحيانا عدم وجودها أصلا. رغم أن هذا النوع يعول عليه كثيرا في تلمس أساليب سردية جديدة، واستخدام الإيقاع المناسب مع الحدث، من خلال البحث عن التكوينات الجمالية التي يفترض أن لها علاقة بالجماليات العربية المستمدة من التراث العربي بشكل عام.

ورغم أن الصحراء تعتبر المكان النموذجي للشريط التاريخي، إلا أن السينما العربية لم تستعرض جمالياتها ولم تبحثها بشكل جيد ، مع احتواء الشريط التاريخي على مبررات تسمح بهذا البحث وذلك الاهتمام باعتبارها بيئة الحدث.

أما المكان الآخر فهو بيئة مختلفة، ونقصد بذلك الأمكنة الخصبة التي دارت فيها حوادث من التاريخ العربي، في شكل مدن قديمة أو قرى، ولأن الأشرطة التاريخية التي تعاملت مع هذه النوعية من الأمكنة قليلة فالنتيجة ستكون بالضرورة أكثر ضعفاً.

ورغم أن شريط "الرسالة" إنتاج 1977 لمخرجه مصطفى العقاد يعد الشريط الأفضل، إلا أن الجانب الجمالي فيه قد تراجع على حساب أهمية الموضوع وإبراز الصراع بين الشخصيات وتقديم بانوراما متكاملة لا يكاد الشريط يتحملها. ومع الإتقان الظاهر في الشكل الخارجي إلا أن روح الشريط كانت نمطية مستمدة من السينما الهوليوودية.

نعم هناك أشرطة تاريخية عربية، ولكنها في المجمل أقل في مستوى الإتقان من شريط "الرسالة" وهي أشرطة فقيرة في تكويناتها الجمالية. إضافة إلى أن العدد المنجز من الأشرطة التاريخية قليل بسبب تكلفته الكبيرة، ولأنه أيضا يحاول الاقتراب عاطفيا من الجمهور، وهو جمهور له معرفة بالموضوع الديني والتاريخي ويتقبل الأمور على علاتها.

يمكن أن نذكر عناوين كثيرة لأشرطة تاريخية تداولها الجمهور، لكنها لم تبق في الذاكرة لضعف جمالياتها التي تظهرا في الصورة والصوت والإيقاع والمؤثرات الموسيقية. أما الشخصيات فهي حاضرة بقدر ما تسمح به القصة ومجرياتها مثلما حدث في شريط الناصر وصلاح الدين. من الأشرطة التاريخية نذكر على سبيل المثال – لاشين- سلامه – شريط دنانير – قيس وليلى – المهاجر – المصير – ألف ليلة وليلة – جحا يحكم المدينة – تنابلة السلطان – أميرة العرب -أمير الانتقام –فتح مصر –ألف ليلة وليلة- عنترة بن شداد وغير ذلك من الأشرطة.

الأشرطة التاريخية

أما الأشرطة التاريخية الدينية فهي تطرح بنفس معايير الأشرطة العادية وعلى سبيل المثال يمكن أن نذكر أشرطة مثل (انتصار الإسلام – شجرة الدر – فجر الإسلام – هجرة الرسول – بلال بن رباح – الشيماء – خالد بن الوليد – القادسية-ظهور الاسلام وغير ذلك من الأفلام .

وجميع الأشرطة المذكورة حاصرت نفسها بالموضوع الديني ومقولاته الصريحة, فقلت نسبة التخيل فيها، ولذلك كانت أشرطة فقيرة على المستوى الجمالي.

سنحاول إذن، وخارج سياق الشريط التاريخي أن نتلمس عناوين بعض الأشرطة العربية التي حاولت أن تتعامل جماليا مع الإبداع من معيار واقعي، وأن تعطي نكهة خاصة للسينما العربية، نسميها إضافة جمالية ، بعيدة عن التصنيف المدرسي المعروف. مع العلم بأن دائرة الإنتاج العربية محكومة بظروف معينة صعبة ، سببها السوق الصغيرة التي لا تسمح للشريط بالانطلاق، وبالتالي يؤثر الإنتاج الضعيف على الطبيعة الجمالية ويحد من حرية المخرج.

من هذه الأشرطة المعنية بهذه الاتجاهات شريط " المومياء" لمخرجه شادي عبد السلام، إنتاج 1969، وهو شريط فريد من نوعه من حيث تعامله مع الإيقاع المستند على القبيلة المصرية بواقعها المتخيل.

إن الإيقاع بوصفه خاصية جمالية، يقوم في هذا الشريط على حركة آلة التصوير وعلى التكوينات المرتبطة بالمكان ومحتوياته من جبل ونهر ورمال وجدران وفراغات، بالإضافة إلى الحركة بوصفها جزءاً من الإيقاع. ومن ناحية مظهرية كان للملابس الدور الرئيسي الذي عن طريقه تنقاد الشخصيات إلى النهاية، فضلا عن إيقاع اللغة الفصحى الهادى.

المهم أن الشريط قد عبر بشكل مباشر عن الحضارة الفرعونية، وهي حضارة من حضارات المنطقة العربية، وأبرز خصوصياتها ببساطة وإيحاء وتأمل وتركيب، وهي أساليب استخدمها نفس المخرج مصمما للديكورات في أشرطة ليست من إخراجه مثل شريط "وا إسلاماه" وشريط "أميرة العرب". ولاشك أن عملاً فنياً مثل المومياء يحتاج إلى روافد أخرى ، لكن تضمن وجود تيار جمالي متميز مؤثر على مستوى السينما العالمية، وهذا الأمر لم يتحقق.

أيضا يمكننا أن نتحدث في نفس السياق على شريط "الهائمون" من تونس، لمخرجه ناصر خمير إنتاج 1984، وهو أفضل الأشرطة التي تعاملت مع جماليات الصحراء، بمنظور فيه الكثير من احنين إلى الماضي، بكل التفاصيل التي امتاز بها هذا الماضي، ولقد كان جوهر التعبير بالصورة والحركة والإيقاع والموسيقى، مع اقتصاد بليغ في الكلام. ورغم أن المظهر العام قد وجدة بعضهم فلكلوريا، إلا أن الجوانب الجمالية فيه قد خضعت إلى الغموض الفني في مزج بين الخيال والحلم والواقع، وباعتماد كامل على الشخصيات في مظهرها الخارجي، وما تتصف به من وشم وملبس ومكملات .

إن الأهم في هذا الشريط هو عدم الاعتماد على مفهوم الحبكة الدرامية التقليدية في السرد، بل على القصص المتعرجة المبعثرة التي تدور من بعيد حول مصدرها، وهذا ما تكرر في شريط آخر للمخرج بعنوان " طوق الحمامة المفقود", ولكن في حدود الشريط الذي له طابع تاريخي بعكس " الهائمون" الذي حاول أن يربط الماضي بالحاضر، من خلال البحث عن الأمل الذي يتمثل في لحظة من لحظات الأمس الضائع.ثم جاء الفيلم الأخير-عزيز-2006 لينقل التجربة إلى آفاق جديدة أساسها نقل صور من التراث الشيعي إلى السينما في جمع بين الصوفي والجمالي.

أشرطة أخرى

إذا انتقلنا إلى شريط آخر من نوع مختلف ، سوف نجد أمامنا الشريط السوري "الليل" لمخرجه محمد ملص ، إنتاج 1992. وهو شريط اختلفت آراء النقاد حوله من حيث تأثره بمشاهد من أشرطة المخرج الروسي "تاركوفسكي"، ولكن يبقى كل ذلك مجرد وجهة نظر لا تحجب عنا الجمالية الخاصة التي امتاز بها ذلك الشريط ,في استمرارية أكثر إيحاءاً من تجربة المخرج الأولى "أحلام المدينة" إنتاج 1984.

"الليل" شريط تختفي فيه القصة التقليدية ، وتترك مساحات واسعة لاستخدامات آلة التصوير في اقتراب بالغ الحساسية من الأمكنة والشخصيات والتعامل مع الزمن، وحسن اختيار للمكملات المستخدمة في الشريط.

مهما قيل عن شريط "الليل" والجهد الجماعي الذي بذل فيه، فقد برزت جمالياته من الغموض الذي اكتنف تفاصيله، وسوف نلحظ أن ظاهرة الغموض يمكن اعتبارها من أسرار جماليات الأشرطة، ولكن لا يقصد بهذا الغموض الحذلقة الفنية بقدر ما نعني وضوح كل التفاصيل وعدم وضوح المعنى العام.

إن شريط "الليل" من أشرطة الذاكرة أو السيرة الذاتية، لكنه يضع أولوية خاصة لما هو جمالي من حيث التعبير والإيقاع وطريقة السرد.

وبالطبع لا يعتبر شريط الليل وحيدا في التجربة السينمائية السورية، بل هناك أكثر من شريط يتعامل مع الواقع بأسلوب جمالي، من ذلك شريط "اللجاة" لرياض شيا إنتاج 1995.

نعود إلى مصر وهي ذات إنتاج متميز على صعيد الأفراد، رغم أن الظاهر يقودنا إلى سيطرة مطلقة للنمطية التي تفرضها ضرورات الصناعة السينمائية وهي الوحيدة في البلدان العربية.

من الطبيعي أن نتحدث عن سينما المؤلف عندما نرصد بعض الظواهر الجمالية التي يتم التعبير عنها في السينما العربية، وسينما المؤلف هي التي تسمح وحدها ببعض التجاوز وكسر النمطية التقليدية.

لكن سينما المؤلف هذه تفتح الصفحات ولا تغلقها، فهي تطرح تعبيراتها المفتوحة المتجددة المتغيرة بعكس السينما التقليدية، داخل وخارج مصر، والتي رسخت جملة من الأنماط اسهم في تشكيلها عدد من المخرجين.

إشارات خاصة

ويمكننا أن نشير إلى الكثير من الأشرطة التي تستحق الدراسة، ولكننا سوف نقصر الحديث عن تجربتين فقط تتجاوزان الأطروحات الجمالية المعروفة التي قدمها يوسف شاهين في شريطيه (وداعا بونابرت واليوم السادس) وبالأخص النسخة الأولى من شريط "الناس والنيل". وكذلك ما قدمه بصفة خاصة المخرج حسن الإمام من رصد شعبي محلى يتصف بالتمايز والخصوصية.

التجربة الأولى هي بعنوان (عرق البلح) للمخرج رضوان الكاشف إنتاج 1999، وهي تجربة تتسم ببعض الغرابة والتفرد.

إن أهم ما في شريط (عرق البلح) المؤثر المكافئ الذي يحرك الشخصيات جميعا، بالإضافة إلى نوعية اختيار الديكورات والملابس، والتي تكشف عن جوهر الشخصيات. كما من المهم إدراك أهمية مفردات الصوت من حيث الحوار والموسيقى وطبيعة اللغة المنطوقة، وهو اختيار يقود الشريط إلى جمالية صوتية إضافة إلى جماليات بصرية متميزة.

إن شريط "عرق البلح" يكشف عن علاقة بين السرد الشعبي والسرد السينمائي ، مع اهتمام خاص بحركة الجسد، ويبقى الغموض الجمالي من خواص الشريط المهمة، الذي يتضح أكثر مع وجود من يقص الحدث ومن يستقبله .

ومن المظاهر المهمة التي كشف عنها الشريط إيقاع اللهجة المستخدمة والاستفادة من الأغنية الشعبية والرقص في الإيحاء بما تخشى الشخصيات أن تتفوه به.

التجربة الثانية هي شريط "القبطان" لمخرجه سيد سعيد، إنتاج 1997. وهو الشريط الأول للمخرج الذي استخدم فيه أساليب حديثة، يمكن أن تكون لها علاقة بالسرد التراثي. غير أن الأهم هو العلاقة المتداخلة بين الحقيقة والخيال. ومع أن الشريط يمكن اعتباره تاريخياً لأن أحداثه تدور بعد سنة 1948، إلا أن الوقائع يمكن أن تقع خارج الزمن المحدد، حيث المكان البحري الذي يحكم سلوك الأفراد، ويجعلهم يتصرفون حسب المؤثر الذي يعكسه البحر، من نوعية الشخصيات نفسها، إلى سلوك الأفراد الذي له طابع المغامرة، أو الصفة الغرائبية.

الشريط أيضا يمتاز بإيقاع متميز عبر لقطات طويلة وحركة كاميرا بطيئة، كما أن القصص فيه متشبعة، جانبية أحيانا تستخدم للزخرفة، وفي أحيان كثيرة تتقدم بالشريط، ولكن في شكل ساخر.

أخيرا إننا عندما نتحدث عن الجماليات، فنحن لا نقصد بها تلك المستوحاة من التراث القديم بقدر ما نعني به كل ما تقدمه سينما المؤلف من خصوصية فردية تصلح أن تشكل تيارا موحدا إذا كانت نسبة الروافد كثيرة وتخدم نفس الأغراض. غير أن الجمالية هنا ليست تياراً بقدر ما هي محاولات.

من المغرب لابد لنا من تناول تجربة شريط (الصمت) لمخرجه مؤمن السميحي إنتاج 1977، ولقد كرر المخرج التجربة بصيغة أخرى في شريط "قفطان الحب" إنتاج 1988.

تدور أحداث (الشرقي – أو الصمت العنيف) في مدينة طنجة الحديثة ، فهو إذن شريط مدينة وليس قرية أو صحراء، كما أنه يعتمد على التقاط التفاصيل ويسرد قصته بطريقة حكائية مفتوحة لها عدة خيوط متصلة ببعضها أحيانا.

يبرز الشريط وكأنه عدة لوحات مبعثرة، يمكن للمشاهد أن يلتقط منها ما يشاء ويجمعها في تكوين واحد، يضيفه إلى باقي الأنساق التي يتكون منها الشريط، مع الإشارة بأن هناك ربط بين الروائي والتسجيلي وعدم وجود تقطيع حاد في المونتاج، بحيث تبقى اللقطات طويلة إلى أقصى حد ممكن، بشكل يوحي بالرتابة والملل الذين يعبر عنهما الصمت وتشرذم المدينة، وهذا الأسلوب قد تكرر بعد ذلك في أشرطة لها مسحة جمالية واضحة، ومن ذلك شريط "علي زاوا" وشريط " كيد النساء".

والواقع أن التجربة المغربية في السينما لها أهميتها الخاصة من حيث إبراز الجماليات بسبب اهتمامها بالأمكنة والديكورات والملابس واستخدام الأزقة والحواري الطبيعية ، حتى أنه يمكننا الحديث عن جماليات الفقر بالتوازي مع جماليات المدرسة البرازيلية المعروفة.

هذه بعض الأشرطة المعبرة عن ملامح من جمالية سينمائية عربية نعتبرها مفقودة وغير متكاملة ، وهو أمر جعل السينما العربية بعيدة عن خصوصية تمييزها، تلك الخصوصية الجمالية التي تجعلنا ندرك للوهلة الأولى أن هذا الشريط عربي وليس شيئاً آخر.

ليست هناك تعليقات: