الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

قراءة فى كتاب سينمائى







المخرج ياسو جيرو أوزو..

أفلامه تغوص عميقا فى سحر الغموض


لا تستحق الشخصيات السينمائية أن تكون موضوعا لكتاب من الكتب، حتى لو كانت

هذه الكتب ذاتية، يمكن أن يكتبها صاحبها ولكن يبدو أن النقد السينمائى قد

صار، وقد كان ذلك منذ عقود، أكثر سماحة فى التعامل مع الشخصيات السينمائية،

ولا سيما المؤثر منها فى تطور السينما العالمية.

إن الكتب التى تصدر حول المخرجين كثيرة، وخصوصا بعد أن صار المخرج هو نجم

السينما الثقافى وليس التجاري، وصارت كذلك الأسماء معروفة ومتداولة عالميا،

وبنظرة بسيطة سوف نجد أن معظم المخرجين المعروفين قد صدرت عنهم كتب متنوعة

ومتعددة، فالمشهد النقدى يفضل أن يتعامل مع الأسماء وليس الأفلام، ولهذا

سوف نجد أن الشخصيات السينمائية لها قابلية أن تكون موضوعا لكتاب بينما

الأفلام لا تكون كذلك إلا ضمن سياق نقدى يخضع نفسه لدراسة الاتجاهات

والموجات والتيارات المختلفة.

أحد الكتب الصادرة بالعربية، من سلسلة الفن السابع السورية، يعمل على

التعريف بمخرج من اليابان، وإذا كان الجمهور يعرف من هو المخرج اسميرا

كوروساوا أو المخرج كنجى ميزوشى فإن هذا المخرج ليس معروفا على نطاق واسع

والسبب يعود إلى موته المبكر عام 1961 وهو أمر لم يتح له أن يخرج أفلاما فى

مرحلة نهاية الستينات عندما بدت بوادر الانفتاح الثقافى على السينما

اليابانية من قبل النقاد الغربيين حيث كانت قبل ذلك محلية إلى حد كبير،

مهما كان مستوى الأفلام المنتجة، كذلك صارت الأفلام اليابانية معروفة بعد

عرضها فى معظم المهرجانات الدولية ويبدو أن كشف النقد الغربى عموما عن

الإنتاج الثقافى فى اليابان وربما فى الصين وغيرها يبقى مهما لكى تحتل

الأسماء الكبيرة مكانتها التى تستحق.

ولد المخرج اليابانى أوزو عام 1903 أثناء المرحلة الثانية من حكم

الإمبراطور ميجى ولم يتعلم السينما عن طريق الدراسة بل من باب التصوير الذى

عمل فيه مساعدا فى مكان أقرب إلى الأستوديو شوشيكو بالقرب من طوكيو، ثم

أنجز أول شريط له وكان بعنوان "سيف القرية" عام 1927 إلا أن أول شريط روائى

طويل له كان بعنوان "أيام الصبا" 1929، أما أفلامه فهى كالآتي: يسير بخطوة

خفيفة – لقد فشلت ولكن – جوقة طوكيو – صغير من طوكيو – امرأة من طوكيو –

فندق من طوكيو – المتفرد – الإخوة تودا – كان هناك أب – حكاية صاحب منزل –

امرأة فى مهب الريح – ربيع متأخر – صيف مبكر – الرحلة إلى طوكيو – ربيع

مبكر – نهاية الخريف – مذاق شراب الساكيه.

وهذا الكتاب هو عن سينما المخرج ياسو جيرو أوزو وقد كتبه كيجو يوشيدا

باليابانية ولا يوجد فى الكتاب تعريف بالمؤلف، أما الترجمة فهى عن الفرنسية

وقد قامت بها رندة الرهونجى التى ترجمت أكثر من كتاب من منشورات سلسلة الفن

السابع. ومن الواضح أن الترجمة تتميز بالوضوح بالإضافة إلى الرشاقة فى

تركيب العبارات وربما لا نستطيع أن نقارن فى هذا المقام بين الأصل الأول

والترجمة الفرنسية ثم الترجمة العربية، حيث أن بعض المعانى قد تكون ضاعت أو

فهمت بمقاصد أخرى، وبالطبع مازالت المشكلة قائمة لأن الترجمة لا تكون إلا

عبر اللغات المعروفة وهى الانجليزية والفرنسية ولا أظن أن الكتاب قد وضع

بالفرنسية مباشرة أو فى جميع الأحوال ليس هناك ما يحدد حقيقة هذه

المعلومات، وهو ما نراه سلبيا فى هذه السلسلة التى ينبغى لها تحرى الدقة فى

تقديم المعلومات حول المؤلفين والكتب ودور النشر التى يعود إليها الكتاب

المترجم.

إذن المؤلف يابانى والمخرج يابانى أيضا، وبالتالى فالكتابة من داخل التجربة

السينمائية اليابانية وليست خارجها، وهذا جانب إيجابى يمكن أن يفيد كثيرا

فى تقديم المخرج أوزو بطريقة تضع فى الاعتبار الثقافة اليابانية ويكون فهم

الأفلام داخل هذا السياق الثقافي.


جاء فى تقديم الكتاب الذى أعده الناقد السينمائى محمد الأحمدك" أما أوزو

فهو شاعر الحياة بتفصيلاتها البسيطة المملة، وبسيرها المعتاد حتى أنك

كمشاهد تتساءل فى بداية الفيلم عن معنى ما نراه، ولكنك سرعان ما تنسى

تساؤلك هذا أو تنخرط لحظة بعد أخرى ومن دون أن تعى ذلك فى هذا العالم

المدهش الذى يتكون أمامك قطرة قطرة ولقطة لقطة".

إن الكتاب أشبه بالسيرة الذاتية ومن وضع ناقد ياباني، بدأ بمفتتح عنوانه

"حادثتان من الصعب نسيانهما" ويقصد بعض التجارب التى تدل على نوعية شخصية

المخرج أوزو فالكتاب يبدأ من الخاص والذاتى ويعطيهما الأولوية ثم يدخل فى

ا

وإذا نظرنا إلى الحادثة الثانية وجدناها تدل على نوعية أخرى للمخرج فهو

يعمل فى نوع سينمائى ويميل إلى غيره.

لقد قال فى فراش الموت: "إن السينما كتابة درامية وليست سلسلة من الحوادث"،

والحقيقة أن أفلامه ليست درامية، وهى سلاسل من الحوادث.

يقول الكاتب إن التفسير لمثل هذه المقولة يندرج تحت إطار الدعاية الجديدة

التى يرد بها على الانتقادات التى وجهت إلى أفلامه من قبل النقاد واساسها

قلة عناصر الدراما فى افلامه، لكن رغم ذلك فإن المخرج أوزو يتمنى لو أنه

صنع أشرطة درامية يقبلها الجمهور مباشرة.

عمليا يبدأ الكتاب بفضل عنوانه: "نظرية الوسائد القابلة للنفخ" والعنوان

مستقطع من فيلم عنوانه "الرحلة إلى طوكيو" للمخرج وقد أنتج عام 1953، وفيه

ينتقل الكاتب إلى ما يسميه "الأوزية" وهى طريقة أوزو فى الإخراج والتعامل

مع السينما ومع شيء من المبالغة نجح الكاتب فى توضيح رؤيته، حيث الحوار

المفصول المعبر عن الشخصيات التى يتداخل الشك فيها.

إن الأشياء تشاهدنا تماما فى فيلم الرحلة إلى طوكيو إننا أمام الأشياء التى

تعترف وتعبر عن عدم الدقة، دقة النظر البشرى أو قلة الانتباه ولابد هنا من

ملاحظة أن مدينة طوكيو هى محور أكثر من فيلم للمخرج أوزو ومن ذلك: جوقة

طوكيو – امرأة من طوكيو – منزل فى طوكيو – الرحلة إلى طوكيو، غروب فى طوكيو.

لا شك فى أن هناك صعوبة فى إدراك معنى "الأوزية" وهى النظرية المنسوبة إلى

المخرج السينمائى أوزو، رغم جودة الترجمة والمراجعة ، لكن يمكن بلوغ شذرات

من المعنى العام الذى يفيد ارتباط الأوزية بالشك، بمعنى أن على السينما ألا

تظهر كل شيء وكأنه ثابت بل عليها أن تزرع بعض الشك هنا وهناك وقد يأتى ذلك

من خلال الحوار وطبيعة التصوير ونوعية الزوايا والفراغ المرتبط دائما بشخصياته.

من فصل بعنوان المشهد اللاشخصى والحيادى إلى فصل آخر بعنوان الرقصة شخصية

بل هامشية، حيث نتعرف على تفاصيل من البدايات الأولى للمخرج ونلمس أن تاريخ

أوزو الشخصى هامش فلم تسجل مسيرة حياته الشخصية أى حدث بارز، رغم مشاركته

فى الحرب داخل الصين، وكذلك تعرضه للسجن فى سنغافورة ولهذا جاءت أفلامه

هادئة تعبر عن الهامشية والصمت والحياة بشكل منفرد، ومليئة بالرموز

والاستعارات.

لقد أخرج أوزو العديد من الأشرطة الصامتة، أكثر من ثلاثين فيلما، ضاع بعضها

بسبب سوء التخزين وأهم الأفلام "أيام الصبا – 1929" ثم فيلم "ارحل بخفة –

1930" ومثل باقى الأفلام اليابانية فإن تأثير السينما الأمريكية كبير، فهى

متاحة للمشاهدة فى كل مكان.


كانت عملية نسخ الواقع وسيلة بالنسبة إلى أوزو فإذا كانت السينما ليست سوى

إعادة إنتاج الواقع فإن تقليد الأفلام الأمريكية كان أفضل طريقة للانفصال

عنها، وبالفعل حدث ذلك ولو بعد حين.

رغم كل شيء فإن خروج أوزو عن التقليد ولاسيما أفلام الكوميديا والمفارقات

الأمريكية، قد جاء بالتدريج خصوصا أن أوزو كان يابانيا، مع عدم الاندماج

الكامل فى الصياغة اليابانية للأشياء.

فى الكتاب تدرج واضح فى قراءة أفلام المخرج منذ البدايات حيث يناقش الكاتب

أفلاما مثل جوقة طوكيو – 1931 وكذلك فيلم فتاة طوكيو – 1932، وحيث أن

الكاتب من المعاصرين للمخرج، فإن القراءة تتطرق إلى ردود فعل الجمهور أثناء

العرض والأصداء التى رافقت العروض مع دمج للموضوعات السينمائية مع الرؤية

الداخلية للمخرج.

إن عدسة الكاميرا لا تحدث تغييرا فى الواقع، ومن أجل إحداث التغيير ينبغى

ربط الصور فيما بينها بطريقة مختلفة بمعنى جرح الواقع أى أن الفكرة تقوم

على مخادعة الواقع وجعل المشاهد يعتقد بشكل مصطنع بأن هناك حياة فى حين أنه

لا يوجد فيها إلا الموت بما يفى سيطرة السلوك السلبى على حضور المخرج، أى

التخلى عن الذات وكأننا أمام عالم موجود قبل الولادة ولا نستطيع العيش إلا

فى تقليده ونسخته وإعادة إنتاجه.

يتعامل الكاتب فى كتابه والذى عنوانه "أوزو والسينما المضادة" مع الأفلام،

وبالتدريج من البداية إلى النهاية وهو يحكى قصص وموضوعات الأفلام، ولكنه

يعلق عليها ويبرز أهم ما فيها، وكما حدث فى الفيلمين الصامتين "امرأة من

طوكيو وفندق فى طوكيو" فإن المدخل هو التعامل مع المونتاج الواضح فى الشريطين.

إن المونتاج وسيلة تعبير خاصة بالسينما وهو كذلك سلاح لأنه مخادع، حيث حول

التطور السينمائى الانتاجى إلى صناعة خضعت للتأثير التجارى متوخية جمهورا

متزايد العدد، فقد أنتجت تقنيات المونتاج من أجل التحكم فى توحيد المشاعر.

يركز الكاتب موضوعاته أحيانا، فهو يتعرض لأفلام محددة بالنقد والنقاش ومن

ذلك شريط "ابن وحيد – 1936"، ورغم أن الفيلم ناطق إلا أن أحداثه تدور حول

مشاهد فيلم صامت، وتبدو بوضوح حيرة المخرج فى التعامل مع التقنيات الحديثة،

فهو يحتاج إليها، لكنها لا تنسجم مع اختياراته التى تميل إلى الصمت.

من أهم أفلام المخرج "الإخوة والأخوات تودا" إنتاج 1941، وكان حلا ضروريا

لممارسة العمل، بعد رفض الرقابة لشريطه "طعم الأرز والشاى الأخضر" والفيلم

عن العلاقات اليومية لعائلة كبيرة تتفكك بعد موت الأب، إن العائلة لا تملك

الحق فى التصرف كعائلة إلا فى أوقات الاحتفالات، وينظر إلى الشريط على أنه

بداية لأسلوب جديد فى الدراما، أضيفت إليها دعابات وانتقادات نموذجية ولكى

يتوازى المشهد الأخير مع مشهد الصورة التذكارية التقليدى فى البداية، نجد

أن العائلة لا تدرك حقيقتها إلا فى المآسي، وهذا يعنى أن أفلام أوزو تحمل

فعلا مسحة من الشك لا تظهر فيها الصورة هادفة للعائلة إلا من باب الخديعة.

تأثرا بالحرب التى شارك فيها أوزو بطريقة جانبية، أخرج شريطا ثانيا وهو

"لقد كان هناك أب – 1942" وهو دراما عائلية أيضا، تعطى تصورا بأنها مذكرات

مكتوبة، تصف علاقة متفاعلة بين أب وابنه، ويظهر فى الفيلم التكرار والوصف

وتنوع وتداخل السرد، وهذا يختلف كثيرا عن الفيلم الآخر "حكاية صاحب منزل –

1947" وهو النوع الحالم الذى يتعامل مع الحرب، ولكنها تبقى مجرد خلفية

باهتة أقرب إلى الشبح الذى لا يضيف شيئا إلا المزيد من القلق.

فى فصل آخر بعنوان "قصص حزينة – سينما ولغة" يتعرض الكاتب إلى فيلم بعنوان

"امرأة فى مهب الريح" وكان فيلما استثنائيا، صور عام 1948 ويصف سلوك امرأة

تنتظر المساعدة فى إنقاذ ابنها لكن الأب غائب وعندما يعود من الحرب يجد أن

زوجته قد انحرفت بالضرورة، ولا يسامحها على ذلك إلا بالمرور بتجربة داخلية

خاصة.

إن بعض النقاد ينظرون إلى هذا الشريط على اعتبار أنه من أفضل أعمال المخرج

ولا يوازيه إلا فيلم بعنوان "ربيع متأخر" إنتاج عام 1949 وفيه تكرار

للماسأة العائلية حيث الانهيار الذى يقود إلى المزيد من التناقضات ، مع

إضافة الكثير من الدعابات تعتمد على التغريب وكأن الفيلم قد أعد لزمن السلم

بينما نجد أن متطلبات سينما الحرب وظروفها مختلفة بالنسبة إلى الجمهور.

كاتب قصص

لا يكتفى الكاتب بالتركيز على أفلام المخرج، بل يناقش بعض القصص التى كتبها

لأفلامه والتى يصر فيها على رفض الحكايات الكبيرة، بل ينصب اهتمامه على

القصص الصغيرة والأحداث اللامنطقية فى حين أن اختياره لنوعية المونتاج يزيد

من تعدد الفواصل والفجوات المبعثرة التى لا يجمعها إلا قالب هلامى غير واضح

الملامح.

تتعدد الفصول اللاحقة للكتاب، فمن فصل حول "تفكيك لعبة أداء الممثل إلى فصل

بعنوان "أزواج العبث" أو صورة المزهرية وفصل آخر بعنوان "سر الغياب"، وكل

هذه الفصول وغيرها تعبر جزئيا عن رؤية المخرج، ومن خلال تفاصيل صغيرة يرى

مؤلف الكتاب أنها مهمة للغاية وتصلح أن يقوم عليها المنحى النظرى لما يسمى

بالأوزية أو أسلوب أوزو فى التعبير السينمائي.

مرة أخرى يعود المؤلف إلى شريط "الرحلة إلى طوكيو – 1953" نظرا لأهميته فهو

يعكس فوضى الانسان من ناحية وربما أيضا الفراغ الذى يعيش فيه، وطريقة

المخرج فى تقديم الفيلم تعبر عن الاختفاء كما لو كان الغياب فى المحصلة

النهائية هو النتيجة الطبيعية للدخول فى لعبة أن يكون العالم فوضويا لكى

يتم اكتشاف نظامه.

إن التعبيرين "النظام والفوضى" نفسيهما عوضا عن أن نجدهما فى علاقة نفى

متبادل فإنهما يسمحان من خلال علاقتهما الترابطية والتكاملية بالوصول إلى

تعبير غير مؤكد ولكنه موثوق.

لابد من القول بأن الكتاب يعيد الكثير من الأفكار ومواضع كثيرة غير أن

الفصل الأخير يبدو متفردا، فقد ثارت المعالجات السينمائية للمخرج معنية

بوقائع الشيخوخة وبهذا المعنى فإن سينما أوزو ليست سوى مرآة بسيطة لا تظهر

فيها، ومع ذلك هناك إصرار واضح على وجود هذه المرآة السحرية.

لا تبدو المعانى التى يسوقها المؤلف واضحة بما فيه الكفاية فهناك أشياء لا

تصل إلى القارئ ربما بسبب الترجمة وربما بسبب غموض هذه المعانى والتعبيرات

والتى تجنح نحو القراءة التأملية الذاتية، وكأن القارئ مطالب بأن يعرف

المخرج عن قرب حتى يمكنه فهمه، إن ذلك ما يقوله الكاتب، وإن لم يصرح به بكل

وضوح.

آخر الأشرطة التى يعالجها الكتاب "مذاق شراب الساكيه" ولقد اختاره المؤلف

لأنه يعبر عن النهاية الفعلية لمخرج اختار أن يكون غامضا، مع القليل أو

الكثير من سحر الغموض.


ليست هناك تعليقات: