الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

حول فيلم اخر ملوك اسكتلاندا


بعض رجال الملك وليس كلهم

هل يمكننا أن نقرأ الافلام من خواتيمها؟ وهل يمكن للنهاية أن نلخص الفيلم وتصل به الى ذروته الفنية والموضوعية؟

نعم يمكن للنهاية أن تكون كذلك، لكن الفيلم يبقى مع ذلك مجموعة من التفاصيل والجزائيات وليس مجرد مقولة كلية أو مشهدا رئيسيا حتى لو اصطلح على تسميته بالماسترسين أو المهد الرئيسي.

ان نهاية أى فيلم هى لحظة توديعه من قبل الجمهور، وصناع الافلام يدركون ذلك جيدا، لذلك يحاولون دائما أن تكون هذه اللحظة قوية بما يكفى لكى تترسخ فى ذهن المشاهديم الذين على وشك أن يغادروا القاعة.

مشهد النهاية

هذا ما حدث ويحدث فى الكثير من الافلام، ومنها هذا الفيلم الذى عنوانه "كل رجال الملك" انتاج أواخر 2006 لمخرجه "ستيف زيلين" والذي اشتهر بأنه كاتب سيناريو بالدرجة الأولى، فهو صاحب فيلم "قائمة شيندر" وبعض الافلام الأخرى مثل "المترجمة ـ هانيبال" بوالنسبة للاخراج فقد عرف بفيلم "أعمال مدنية" وبدرجة أقل فيلم "البحث عن بوبى فيشر".

في مشهد النهاية فى فيلم "كل رجال الملك" وبعد اغتيال الشخصية الرئيسية "ويلى ستارك" يسقط القتيل على الأرض وتحديدا على شعار ولاية لويزيانا حيث تدور الأحداث وبقربه أيضا يسقط قاتله "آدم" بعد أن وجه إليه الحارس الشخصي الرصاصات القاتلة.

يتسرب دم كل من القتيلين عبر انحناءات الشعار المنقوش على الأرض الرخامية في مدخل قاعة الولاية الرئيسية ثم تختلط دماءهما ببعضها بحيث لا يتم التفريق بين القاتل والقتيل، أو كأن الأمر دلالة على ذلك، على الأقل من بعيد وليس من قريب.

والحقيقة أن تنفيذ مشهد النهاية لم يكن نموذجيا بحيث يستقر في الذاكرة، لكن الفكرة حسبما يطرحها كاتب السيناريو وهو نفسه المخرج، يمكن أن تكون معبرة عن السياق العام للفيلم.

كيف يمكن أن يجنمع كل من القتيل والقاتل في بوتقة واحدة؟

إنها لاشك فكرة متخيلة جمعتها خطوط ومسارات روائية، مبنية على أصل واقعي وقصة حقيقية، ولكنها تبقى رواية الشخصية المفتاح التي تستند إلى الخيال، رغم تسجيلها لبعض التفاصيل الحقيقية والموثقة بالتواريخ والأحداث اليومية.

إن العمل الأدبي الذي يعتمد عليه فيلم "كل رجال الملك" هو رواية بنفس الاسم لمؤلفها روبرت بن وارين فاز عنها بجائزة بوليتيزر عام 1946، وهي من أهم روايات الجنوب الأمريكي ولا تكاد تفوقها شهرة إلا رواية "الصخب والعنف" لوليم فولكنر.

فوق ذلك، وما له علامة مباشرة بالفيلم الحالي أن السينما الامريكية قد أنتجت فيلما عن نفس الرواية عام 1949، وكان من إخراج روبرت رسون وفاز بعده بجوائز أوسكار منها جائزة أفضل ممثل برودريك كروفورد وأيضا جائزة أفضل تصوير وجائزة أفضل ممثلة مساعدة.

وبالرغم من وجود بعض الآراء النقدية السلبية تجاه الفيلم الأول وهذا يبرر عدم الاحتفاء به، فهو يتوارى محتشما في ذيل قوائم أفضل الأفلام.

أسباب ومبررات

لكن السؤال الذي يمكن أن يطرح فعليا يدور حول أسباب إعادة إنتاج فيلم ناجح نسبيا، فمع وجود مبررات واضحة لإعادة فيلم مثل بوسيدون أو رجل الغصن أو النمر الوردي ، إلا أنه يعد من المجازفات أن تعاد صياغة فيلم من نوعية كل رجال الملك، بسبب طابعه السياسي ومحليته الشديدة وأطروحاته التي لا مكان لها في المرحلة الحالية، ومع انعدام الجانب التجاري فيه يزداد الأمر صعوبة وتصبح النتائج غير محسوبة بدقة واضحة، لكنها عجلة الانتاج الامريكي المتدفق التي تطال كل الأنواع وكل الموضوعات بما فيها تلك التي سبقت معالجتها.

لقد ركزت الرواية وكذلك الفيلم الأول المقتبس عنها على أن تكون الأحداث مرتبطة بشخصية ويلي ستارك الذي هو مجرد قناع لشخصية أخرى حقيقية وهي "هواي لونغ" الذي استطاع أن يصعد بطريقة مفاجئة ليصل إلى منصب حاكم ولاية لويزيانا ثم سيناتورا ، وكان له طموح كبير ليصبح رئيسا للجمهورية، حتى أصدر كتابا أسماه "أيامي في الرئاسة" يسبق فيه الحدث فعليا.

كان ذلك في مرحلة الكساد الاقتصادي الذي شهدته أمريكا عام 1930 فقد بدأ ستارك خطواته الأولى حاكما منذ عام 1928 وسط مرجعية لا تدل على رغبة في التعامل مع السياسة لكن الظروف الاقتصادية الصعبة للطبقة العاملة والأقلية السوداء ووجود شركات نفطية مسيطرة على المشروعات بالتعاون مع العائلات الغنية ورجال الأعمال الذين يتلاعبون بالثروة وبالناس، كل ذلك كان دافعا وحافزا ومجالا لحركة ستارك أو هواي لونغ.

كان ستارك مجرد أمينا للصندوق في بلدة صغيرة يراقب الرشاوي والصفقات، ويرى بنفسه انهيار مدرسة للتلاميذ بعد صفقة مريبة استفاد منها أغلب رجال الأعمال والسماسرة.

ومثلما يحدث في الروايات والافلام السياسية ، يطلب من هذه الشخصية التقليدية الفقيرة نسبيا أن تتحول إلى شخصية سياسية ، بترشيح نفسه ، بعد وفاة الحاكم السابق، ويقف وراء هذا الترشيح أصحاب المصالح لكي يضمنوا أن تسير الأمور مثل السابق ويتم التغطية على الصفقات المشبوهة التي يتم إبرامها.

بهذا المعنى يصبح ستارك هو القربان الأحمق ، لأنه صدق ذلك وهو يستعد لاستقبال الجمهور بخطاب رسمي يجمع فيه أصوات الناخبين، لكنه في الحقيقة كان مجرد لعبة لضرب أية معارضة جديدة ولضمان سكوته المرحلي، حتى لحظة النهاية التي يظهر فيها المرشح الفعلي.

كان ستارك إذن هو ذلك المغفل الذي استخدم أداة لتنفيذ أهداف أخرى وكانت ردة فعله أن استخدم كل تلك القصة لمصلحته واستطاع ببلاغته وقدراته الخطابية أن يحقق الفوز في النهاية ، وكل ذلك تم بعد أن أبلغه جاك بالحقيقة.

كان لابد للفيلم أن يستعرض الخطب وأن يقدم الجمهور المستمع كما اعتادت السينما

ليست هناك تعليقات: