الاثنين، 1 سبتمبر 2008

حول كتاب الطفل فى السينما لمحمود قاسم



الطفل فى السينما بين الحضور والغياب

لعلي لا أضيف جديدا إذا قلت بأن هذا الكتاب هو الأول من نوعه فيما يختص بالكتب المعنية بالسينما العربية والسينما في مصر خاصة، إنه كتاب حول الطفل في السينما، حضوره السينمائي وتجربته وتنوع الأسماء والموضوعات التي كانت لها علاقة بتواجد هذا الطفل على الشاشة

كاتب وكتاب

الكتاب جاء بعنوان "الأطفال في السينما" وقد صدر ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة لسينما الأطفال، الدورة السابعة عشرة 2007 وقام بتأليفه الناقد محمود قاسم والذي سبق أن أصدر كتابا عن دار الهلال موضوعه مستمد من شخصيات الأطفال في السينما المصرية.

أضف إلى ذلك اهتمام الكاتب بالسينما المصرية بصفة خاصة وموضوعاتها وأرشيفها وملصقاتها الإشهارية مما يؤهله لإصدار مثل هذا الكتاب، أسوة بباقي الكتب الحب في السينما المصرية، الأم في السينما المصرية، الأديان في السينما المصرية، وغير ذلك من الكتابات.

يتكون الكتاب من عدة فصول من بينها فصل واحد خاص بالطفل في السينما العالمية، ربما أن الموضوع أوسع من أن يتم استعراضه، أيضا تتعدد السينما العالمية إلى سينمات مختلفة لها تاريخ طويل وتجارب كثيرة والذي ظهر في حلة أنيقة من حيث اختيار الغلاف وتصميمه فضلا عن الحجم غير الاعتيادي والخاص بمطبوعات السينما بشكل عام والتي تصدر عن بعض المهرجانات في مصر.

الفصل الأول جاء بعنوان "الطفل.. حضور سينمائي" حيث يطرح المؤلف سؤالا من البداية، لماذا هذه الجاذبية الشديدة للأطفال في السينما؟! والإجابة تقول بأن داخل كل شخص طفل صغير يحن إليه فيعود إلى ماضيه بحثا عنه.

يتتبع المؤلف حضور الطفل في السينما المصرية، حيث لم تنتج هذه السينما أفلاما خاصة بالطفل ، بل هذه أفلام للكبار ولكنها أعجبت الصغار أيضا وما أقل هذه الأفلام!

من خلال الأطفال النجوم يقسم الكاتب كتابه، حيث نجد نوعية معينة من الأطفال يغلب عليهم طابع البراءة كما في فيلم "حياة أو موت" قامت ببطولته طفلة هي ضحى أمير، أما فيروز في فيلم مثل "ذهب" أو ياسمين فهي مختلفة تماما لأنها داعية بكل ما تقوم به من أفعال تشبه إلى حد كبير الكبار.

براءة وجاذبية

يحدد الكاتب العمر الزمني للطفل بأنه الشخص الذي لم يصل سن البلوغ ويضرب المؤلف أمثلة على حضور مثل هذا الطفل ولمعانه أحيانا أو اختفائه السريع فيذكر الطفل أحمد فرحات الذي عمل مع إسماعيل ياسين في عدة أفلام ومنها "إسماعيل ياسين في السجن" للمخرج حسن الصيفي عام 1960 ثم فقد لمعانه بعد ذلك.

هناك ممثل آخر مهم وهو سليمان الجندي اشترك في أفلام كثيرة وخصوصا مع فريد شوقي، لكنه وكما يقول المؤلف قد فقد بريقه في أفلام أخرى تالية مثل أم العروسة 1963 والنصف الآخر 1967.

وليست قلة التجربة أو البراءة وحدها التي تشد الجمهور إلى الطفل، بل ضعفه أيضا مما يعني الدفع به إلى أعمال لا تتناسب مع صغر سنه مثل السرقة والنشل والأعمال الشاقة.

وينقسم الأطفال النجوم إلى عدة أنواع وهي: أطفال عملوا في فيلم واحد أو أكثر ثم اختفوا تماما بعد ذلك، ومن ذلك "سهير فخري" التي اشتركت في عدة أفلام ومنها "حكم القوي، أنا بنت مين، نافذة على الجنة، إجازة صيف" ثم لم تظهر بعد ذلك في أية أفلام أخرى تتناسب مع نضجها وتقدم عمرها.

من الأطفال الذين توقفوا أيضا "هديل" التي شاركت في فيلم "العفاريت" 1990 لمخرجه حسام الدين مصطفى، وكذلك الطفلة ليزا التي اشتركت في فيلم "كراكون في الشارع" لمخرجه أحمد يحيى.

النوع الثاني كما يقول المؤلف ، كانت مواهبهم بارزة جدا في البداية عندما كانوا صغارا واستمروا بعد ذلك في مرحلة النضج الفني والعمري ومنهم الطفلة فيروز والتي عملت وهي كبيرة في عدة أدوار مثل "أيامي السعيدة" لأحد ضياء الدين 1958 و"بفكر في ناسيني" لحسام الدين مصطفى، وإسماعيل ياسين "طرازن" لنيازي مصطفى، وكانت ناجحة تقريبا إلا أنها توقفت واستمرت أختها نيللي في العمل عوضا عنها.

أطفال مواهب

من الأسماء التي ينبغي ذكرها "وجدي العربي" الذي برز طفلا في نهر الحب لعز الدين ذو الفقار وصبيا في بين القصرين لمحسن الإمام، لكنه كان ممثلا باهتا بعد ذلك كما في "سلة المراهقين" لأحمد فؤاد، هناك ايضا الطفل سليمان الجندي الذي عمل في أفلام مثل "ريا وسكينة - الوحش - الأسطى حسن - حميدو - فتوات الحسينية - رصيف نمرة خمسة - جعلوني مجرما - شباب امرأة" ولكنه كان ممثلا شابا غير مكتمل المواهب في فيلم "أم العروسة" لعاطف سالم 1963.. أيضا يمكن ذكر نادية ذو الفقار التي اشتركت في أكثر من فيلم، وهي طفلة وكذلك وهي كبيرة ناجحة كما في موعد مع السعادة وكذلك "أنا لا عاقلة ولا مجنونة" لكنها لم تنجح ، رغم أن البوادر الأولى لها كانت في حجم الدعاية المكفولة لها باعتبارها ابنة المخرج عز الدين ذو الفقار والفنانة فاتن حمامة، وتكرر الأمر مع إيمان ذو الفقار.

النوع الثالث يشمل الأطفال والذين نجحوا صغارا وكبارا، فقد ولدوا نجوما واستمروا كذلك، ومنهم فاتن حمامة ولبلبة ونيللي وبوسي ونورا وشريهان وصابرين ومحسن علم الدين وخالد أبو النجا وهاني شاكر وزيزي البدراوي وميمي جمال وعلا رامي وغيرهم.

ومن جانب آخر فإن عمل الأطفال كثيرا ما يكون له علاقة بالآباء وربما كان التمثيل بالوراثة أحيانا، وخصوصا عندما يستعين الممثل أو المخرج بأولاده للعمل معه، مثلما استعان أحمد مظهر بابنته في الفيلم الوحيد الذي أخرجه وأنتجه "نفوس حايرة" وكذلك إشراك إسماعيل ياسين لابنه في فيلم "إسماعيل ياسين بوليس حربي" غير أن الابن صار مخرجا بعد ذلك.

يشير المؤلف في استعراضه لعمل الأطفال في السينما إلى ظاهرة أخرى وهي الاتجاه إلى نوعية مختلفة من العمل السينمائي، فقد بدأ بعض الأطفال في التمثيل ثم اتجهوا إلى الإخراج ، ومن ذلك أحمد يحيى الذي اشترك في أكثر من فيلم مثل "حكاية حب - البنات والصيف" ليصبح بعد سنوات مخرجا متميزا، أيضا الممثل محسن علم الدين الذي اختار الإخراج.

إن نجاح الممثل يتوقف على حماس المخرج وعلى موهبة الطفل نفسه، وكما تحمس المخرج محمد كرم للطفلة فاتن حمامة أولا ثم أعاد التجربة معها في فيلم "رصاصة في القلب"، تحمس أيضا المخرج أنور وجدي لفيروز وراهن عليها واكتشف أيضا لبلبة كما قدم صلاح أبو سيف سليمان الجندي في أدوار عديدة.

البدايات

من الناحية التاريخية اشترك في فيلم "ليلى" 1927 طفلان هما سعد وبثينة والطفلة الثانية اشتركت مع عزيزة أمير في فيلمها بنت النيل 1929.

ومن أشهر الأطفال محروس البدوي الذي اشترك في فيلم "الكوكايين" لتوجو مزراحي ثم توالت الأعمال المليئة بالأطفال إلى أن جاء فيلم بعنوان "الساحر الصغير" لمخرجه محمود خليل رشاد وكان أول فيلم يحمل اسم طفل وهو مصطفى ، كما أن الفيلم نفسه يعد أول فيلم للأطفال، خاصة وأنه يعتمد على الخدع البصرية ويقوم ببطولته طفل.

ومن أشهر الأفلام المكرسة للطفل "الخطيب رقم 13" لمخرجه محمد بيومي 1933 حيث اشخصيات فيه كلها من الأطفال.

يسرد الكاتب سلسلة من الأفلام التي تعاملت مع الأطفال، من فيلم "معروف البدوي" لإبراهيم لاما عام 1935 إلى فيلم أحمد بدرخان "نشيد الأمل" وفيلم "عز الطلب" عام 1937 وفيلم "ابن الذوات" وفيلم "رباب".. إلا أن هناك سنوات مرت ولا يكاد يظهر الأطفال في الأفلام، عدا بروز فاتن حمامة في فيلم "يوم سعيد" كما أن المخرج الممثل حسين صدقي قد اعتمد على الأطفال في فيلم "الأبرياء".

أما النقلة الفعلية فقد جاءت مع فيلم "أولاد الشوارع" إخراج يوسف وهبي عام 1951، حيث قدم عددا كبيرا من الأطفال في الفيلم تمثيلا وغناء.. وتستمر الأفلام ليتم التركيز على الأطفال وخصوصا في الأفلام الاجتماعية والميلودرامية مثل "ضحايا المدينة - غرام البدوية - غدر وعذاب" أما أشهر الأطفال بعد ذلك بسنوات فقد كانت نجاة الصغيرة التي اشتركت بالتمثيل والغناء في فيلم "الكل يغني" لمخرجه عز الدين ذو الفقار 1947، ومن الأفلام المهمة نجد فيلم "خلود" لعز الدين ذو الفقار وكذلك فيلم "المتشردة" لمحمد عبد الجواد وفيلم "الواجب" لبركات وفيلم "ذو الوجهين" لعز الدين سامح.

العصر الذهبي

في المرحلة التي يعتبرها الكاتب العصر الذهبي وهي الخمسينيات ظهر العديد من الأطفال، وبحكم معرفة المؤلف بالأفلام فقد عددها متناولا ما يخص الطفل فيها وخصوصا بالنسبة لبعض الأطفال الموهوبين مثل فيروز ولبلبة وسليمان الجندي وغيرهم.

من أهم الأفلام التي يمكن ذكرها سنجد "أفراح - معلش يا زهر - بابا أمين حبيبي سوسو - ابن النيل - فيروز هانم - سيدة القطار - مصطفى كامل - عفريت عم عبده - ريا وسكينة - قلبي على ولدي - اشهدوا يا ناس - غرام بثينة - بائعة الخبز - حب في الظلام - اللقاء الأخير.

ومما يذكره المؤلف إنتاج أول فيلم مصري عبر شركة خاصة للطفلة فيروز وباسمها وهو فيلم "الحرمان" لعاطف سالم.

ومن الممثلات المعروفات اللاتي بدأن أطفالا الممثلة ميمي جمال في فيلم "المستهترة" والممثلة المتوفية نادية الشناوي في فيلم الملاك الظالم وايضا بوسي ونيللي.

يحافظ الكتاب على نفس الوتيرة تقريبا فيذكر أسماء ومشاركات الأطفال فيها، وتبدو المعلومات المطروحة متتالية، يقل فيها الرأي والتحليل ويبدو العرض وكأنه مسح لأفلام ظهر فيها الطفل على مر السنين منذ بداية السينما في مصر وحتى السنوات الأخيرة.

وفي الفصول اللاحقة يظهر تكرار المعلومات أحيانا وخصوصا وأن الطريقة المتبعة في استعراضها تبدو معروفة ، فالكتاب مملوء بالمعلومات من خلال موضوعات وقصص الأفلام وهو سرد كان من الأفضل أن يختصر فيصبح موسوعة أو معجما يشمل كل الأفلام التي ظهر فيها الأطفال في السينما المصرية والعربية والغربية.

ايضا في الفصل اللاحق هناك إعادة للكثير من المعلومات وذلك عند التعرض لبعض الأطفال ومنهم علا رامي وهشام سليم وفاتن حمامة وصافيناز وزيزي البدراوي وإيناس عبد الله ودينا عبد الله وشريهان.

سينما عربية

الفصل السابع يبدو مختلفا، حيث يتطرق الكاتب فيه إلى الأطفال في السينما العربية وبنفس الأسلوب والمنهج يعدد هذه الأفلام فيذكر أفلاما من الجزائر مثل أطفال الريح لإبراهيم شاكي وفيلم أطفال النيون لنفس المخرج وهو يعتمد على ثلاث قصص منفصلة كل منها بطلها طفل، ومن الأفلام الشهيرة "الجحيم في سن العاشرة" لخمسة مخرجين من الجزائر.

أيضا هناك فيلم الصورة الأخيرة لمحمد الأخضر حامينا وفيلم "يا ولد" لرشيد بن علان.

أما التجربة المغربية فهي أكثر اتساعا والأفلام التي تدور موضوعاتها حول الأطفال كثيرة، نذكر منها فيلم "الدار البيضاء ليلا" وفيلم "الدار البيضاء نهارا" للمخرج مصطفى الدرقاوي.

هناك أيضا فيلم شهير بعنوان "شاطئ الأطفال الضائعين" لمخرجه الجيلاني فرحاتي وهناك فيلم أهم وأكثر شهرة وهو "علي زاوا"، لمخرجه نبيل عيوشي، والحقيقة أن هذا الفيلم يستحق وقفة خاصة لأنه متميز ويعد من أفضل الفلام العربية المعبرة عن قضية الطفل بمعناها الاجتماعي والاقتصادي والانساني وهو أمر لم يفعله المؤلف.

من تونس يذكر الكاتب الفيلم الشهير عصفور السطح لمخرجه توفيق بوغديرا وكذلك فيلم تحت مطر الخريف لأحمد الخشين وفيلم السيدة لمحمد الزون، ومن الأفلام السورية المعروفة "الأبطال يولدون مرتين" لصلاح ذهني، وفيلم أحلام المدينة لمحسن ملص واشهر الأفلام هي لدريد لحام الذي قدم فيلم كفرون وكذلك الآباء الصغار.

ومن الأفلام المعروفة أيضا قمران وزيتونة لعبد اللطيف عبد الحميد وفيلم رحلة عذاب لرضا ميسر، أما لبنان فقدمت الكثير من الأفلام التي تركز على الطفل ومن ذلك فيلم "إلى أين" إنتاج عام 1957 وفيلم زوزو إخراج جوزيف فارس.

والطبع لا يذكر الكاتب كل الأفلام العربية حيث تغيب عن القائمة الكثير من الأفلام ولاسيما الأفلام المنتجة في لبنان وفلسطين والعراق واشهر الأفلام التي ينبغي أن تنال الاهتمام فيلم حكاية الجواهر الثلاثة لميشيل خليفي من فلسطين وفيلم الزازوات لمحسن العقبي من تونس وفيلم عذاب الأمهات من لبنان، والكاتب غير مطالب يذكر كل الأفلام، فهذا أمر بعيد التوقع، لكنه مطالب بتحليل أهم الأفلام وهذا لم يتحقق بالنسبة للسينما في مصر والسينما العربية عموما.

الفصل الأخير

في الفصل ما قبل الأخير، يتعرض الكاتب إلى الأطفال في السينما العالمية، والمقصود طبعا السينما الأمريكية، وذلك بداية من جاكي كوبر المتشرد المعروف في أفلام تشارلي شابلن إلى ماكوس كانكين في فيلم "وحدي في المنزل".

ومن الصعوبة بمكان أن يتم التعرض للأطفال في السينما الأمريكية لغزارة إنتاجها، وكذلك بحكم اختلاف الأساليب في التعامل مع الأطفال، ويبدو هذا الفصل غير شامل وغير مكتمل ، ولكن ما يقدمه المؤلف مجرد إشارات مبدئية اعتمادا على بعض المعلومات الأولية المتوفرة.

في الفصل الأخير يستعرض المؤلف أفلام المخرج ستيفن سبيلبرغ وهو الذي يقدم في أفلامه أطفالا يعتبرهم أقرب إلى الأبطال، ومن الأفلام المقصودة "القرش - لقاءات من النوع الثالث - أي تي- انديانا جونز والمعبد المفقود في أجزائه الثلاثة - امبراطورية الشمس - بيتر بان".

في آخر الكتاب هناك فهرس لأسماء الأطفال الذين عملوا في السينما في مصر، وحصر للأفلام التي شاركوا فيها، ولعل الفهرس هو أفضل ما في هذا الكتاب المتميز.

إن قضية الأطفال في السينما العربية وحضورهم وكيفية التعامل معهم وكيفية معالجة مشاكلهم، كل ذلك من المسائل التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل وهذا الكتاب خطوة إيجابية أولى يمكن أن تتجدد بشكل أوسع وأكثر عمقا في إصدارات أخرى حول سينما الأطفال نفسها وحضور الطفل في السينما بشكل عام.

ليست هناك تعليقات: