الأحد، 14 سبتمبر 2008

السينما والفوتوغرافيا في النظام الثقافي المعاصر


في مقاربة الصورة والبحث عن جماليات السينما


إن العلاقة بين الفوتوغرافيا والسينما تبدو وطيدة في ظاهرها إلى درجة أن بعض المنظرين الجماليين قد اعتبروا أن السينما إنما تطورت من الفوتوغرافيا فضلا عن أن التطور التقني نفسه قد أوجد هاجسا في العملية الابداعية، دعا إلى تأسيس ما يعرف باسم النظرية الجمالية الفوتوغرافية والسينمائية في بلاد اشتهرت وازدهرت فيها الفنون البصرية عامة.

وهذا الكتاب الصادر عن الثقافة والإعلام بالشارقة يحاول البحث في أهم مراحل تكون الجمالية الغربية الفوتوغرافية والسينمائية عن طريق تسليط الضوء على أهم الممثلين للتيارات الجمالية المختلفة والتي تعطي في مجموعها قدرا من المعرفة عن الطابع التكويني التاريخي لعلم جمال الفوتوغرافيا والسينما".

مراحل التطور

المرحلة الأولى تشمل تخلص السينما من باقي الفنون المجاورة لها والقريبة منها وهو ما يعرف باسم الفوتوغرافيا الترابطية، وقد عبر عن ذلك المنظر المجري بيلا بالاش.

المرحلة الثانية هي مرحلة الاستقلال عن الفوتوغرافيا، حيث مضت السينما نحو التجربة الإبداعية، ولكن مع الحفاظ على خصائص الفوتوغرافيا، وقد عبر عن ذلك عدد من المنظرين ومنهم آرنهايم وجاكبسون وبنيامبن وموكار جوفسكي وأندريه بازان وكراكاور.

المرحلة الثالثة تمثل مرحلة البحث عن ظاهر السينما باعتبارها ظاهرة ثقافية تعمقت ونشطت بسبب الدراسات النفسية والأيديولوجية والاجتماعية، وهنا جاءت العودة إلى العلاقة بين الفوتوغرافيا والسينما بسبب التركيز على طريقة الاستقبال الفني وكذلك قراءة ظاهرة الاتصال الجماهيري.

يقول مؤلف هذا الكتاب وهو الناقد الروسي قسطنطين باندوبولو بأن الهدف هو استخدام منهج جمالي خاص وبالطبع فإن الفصل بين المراحل ، وفي المعنى المحدد لهو مجرد حل إجرائي ربما عمل على تشويش عملية التطور الواقعي والتداخلات التي تقوم فيما بينها، ولكنه إجراء من الناحية المهنية، يتماثل مع ضرورات البحوث التحليلية والتطويرية للنظرية من مناهج التحليل الجمالي السينمائي والذي اعتنى بمواضيع مثل، الشكل واللغة والأيديولوجية والثقافة الجماهيرية.

صدر هذا الكتاب والذي يحمل عنوانا جانبيا هو "بحث في علم الجمالي السينمائي" ضمن سلسلة كتاب الرافد وتحت رقم "16" والرافد هي مجلة شهرية ثقافية تصدر في الشارقة، ولقد انعكس ذلك على إصداراتها من الكتب، وإن كان الجانب التقليدي هو المسيطر في مسالة الإخراج والطباعة، حيث الهدف هو إيصال المعلومة الواضحة، بصرف النظر عن الممارسة الجمالية.

المترجم عن الروسية هو الدكتور وجدي كامل صالح ، ولا يوجد تعريف بهذا المترجم إلا تقديم بعض المعلومات في المقدمة، كما أنه لا يوجد تعريف بمؤلف الكتاب رغم أهميته وأهمية إنتاجه الفكري والفلسفي.

رؤية جديدة

يتسلسل الكتاب بشكل تاريخي ففي المرحلة الأولى نجد قراءة في مرحلة العشرينيات عنوانها "من فن الفوتوغرافيا إلى فن الرؤية الجديدة" وفيها تلخيص لبعض آراء المؤرخ الفرنسي مارسيل جوليان مصورا فيها استقبال الناس لفن الفوتوغرافيا واصفا إياه بأنه يمثل الحدث السعيد، وهو أمر شاركه فيه العديد من الكتاب والشعراء.

إنها مرحلة جديدة ، أن يتم اختراع الفوتوغرافيا وسط تفاعلات وتطورات علمية كثيرة وقد تلى ذلك ظهور السينما، بحيث يكون الجذر واحد وهو التقنية الحديثة، مما يعني نشوء علاقة طبيعية بين الإنتاجين ، منح الثقافة الأوربية حافزا لكي ترفع أنفها إلى السماء وتبسط أقدامها على الأرض بشكل مريح.

وبالعودة إلى نهاية الأربعينيات، نجد أن الواقعية الكلاسيكية قد فرضت نفسها بأسماء ذاع صيتها مثل بلزاك وشندال وغيرهما ممن اتجهوا بهذه إلى الالتقاء بالفن الطبيعي التاريخي ، وبالتالي ظهور الطبيعية.

وبتقارب أشد اقترنت الواقعية بالعلم متمثلا في الفوتوغرافيا والتي عارضها أصحاب التيارات غير الواقعية، ثم حدثت اختلافات بين أصحاب التيار الواقعي وما يعرف بالفوتوغرافيا بوصفها الريشة الخاصة للطبيعة لتبدو من خلالها اللوحة الفنية للعالم أشد اتساعا من الخارطة الواقعية للحياة.

وإذا كان التباعد قد رسم حدودا بين الفوتوغرافيا والواقعية في بعض الأحيان حتى أن الكاتب الفرنسي جول باليس قد قال: "عصر التفلسف قد انتهى وجاء عصر الفوتوغرافيا.". فإن تجمع برناس في فرنسا قد رفض الفوتوغرافيا بشكل مطلق لأنها تعبر عن الفن بطريقة ميكانيكية وإن المطلوب هو العكس، أي الانتقال إلى مستوى تعبيري مطلق وغير محدود.

رغم ذلك فإن هناك من اتجه بواقعيته إلى الفوتوغرافيا كما حدث بالنسبة للروائي الفرنسي إميل زولا ولاسيما في روايته الشهيرة "روغون ماكاري" ولكن الاعتراف بهذا الفن كان أمرا صعبا، وهذا ما قاله الشاعر شارل بوولير الذي قال بأن الخدع التقنية القادرة على إنتاج الطبيعة تجعل من الفوتوغرافيا فنا ساذجا وإنها تعتبر ملاذا للفنانين غير المبدعين. أما دورها فيتمثل في كونها ألبوم ضخم ينقذنا من النسيان وهي صرعة تقنية يستحيل عليها الاقتراب من المستوى التعبيري الفني.

ويستمر التوصيف التاريخي لوضعية الفوتوغرافيا بحسب تسلسل آراء أكثر النقاد والمنظرين ففي منتصف القرن التاسع عشر تشكلت بعض التصورات النظرية للإبداع الفوتوغرافي وخصوصا فن التجسيد الخاص بالشخصيات "فن البورتريه" ووجد من يدافع عن الفوتوغرافيا ومنهم علي سبيل المثال ديلاكروا وتشيرنيفسكي.

بين النقد والتنظير

إن أهم ملمح في هذا السياق تأسست جماعة خاصة بالفوتوغرافيا في فرنسا عام 1854 تعرض رسوماتها في معارض الرسم، ثم في معارض خاصة ، مع تقدير وتميز يجعل من هذا الفن التعبيري الجديد في مرحلة وسط بين الفنون التخطيطية والرسم، وبالتالي ظهور عدد من المهتمين لتأسيس ملامح لنظرية جمالية خاصة بهذا الفن.

وفي مرحلة لاحقة يقدم الكتاب عددا من المنظرين والمصورين ولكن بدون تعريف شامل، وبدون تحديد واضح لمقدار الإضافة النظرية والعملية فهو يقول عن روبنسون بأنه مصور ومؤسس لعلم جمال الفوتوغراف ولا نعرف عنه الكثير لكونه استطاع أن يستفيد من الرسم الجديد والوظيفة الاجتماعية والثقافية له وتمكن من فهم واستيعاب الفن الفوتوغرافي الحديث في كل نواحيه ومختلف علاقاته.

ومن جانب آخر يعتبر روبنسون دافعا لمنظر آخر للقيام بدور أهم وهو ريسكين والذي نادى بديمقراطية الشعور الفني ، والتي أدت إلى الدعوة لنظرية التصوير النافذ ومؤداها اعتبار التصوير وسيلة يستطيع من خلالها الرسامون استيعاب وفهم مضمون الظواهر التشكيلية باقتراح أن أساس تلك النظرية يتضمن اتصال اللغة الفنية غير المنقطع مع رؤية الرسام.

وفيما يمكن اعتبار تيرنر ريسكين أقرب إلى الطباع الانطباعية التي تنظر إلى الفن باعتباره قصيدة فإن الدعوة قائمة لتوحيد الجمال بالحقيقة وهي عملية بحث مستمرة يتداخل فيها معنى الحقيقة ذات العلاقات والعوامل المتعددة، وكذلك الحقيقة الفنية، والمهم بالنسبة للمصور هو الإمساك بلحظة الحقيقة.

ويذكر الكاتب اسم كتابين لجونسون وهما الأثر التشكيلي في الفوتوغرافيا عام 1869 وكتاب التصوير الضوئي الفني، وفيهما آراء تختلف عن آراء ريسكين فيما يتعلق بفهم الحقيقة وتحديد معنى الأصالة والابتكار وكذلك التركيز على التنوع التشكيلي المبني على التكوين الذي يعطي اللوحة أبعادا إضافية جمالية، ومجمل هذه الأسس له علاقة مباشرة بالفن التشكيلي: إنها جزء لا يتجزأ من نظام الفنون الايضاحية مقترحا أن تقتفي الفوتوغرافيا في وظيفتها أثر الابداع التشكيلي وتأثيرات تكنولوجيا الفوتوغرافيا في مستوى خلق الصورة.

يستمر مؤلف الكتاب في استعراض آراء بعض المصورين الانجليز ومنهم أميرسون 1856 – 1936 ثم غينتون 1863 – 1908 والأخير أصدر أكثر من ثلاثين كتابا حول الفنون والفوتوغرافيا وأهم رأي لديه يعتمد على القوانين العامة للفنون المتطورة بدون تخطيط وتنظيم عبر التاريخ ، بل إن مصطلح التصوير هو الأساس الأول للفن. أما القيمة الجمالية يتم تحديدها من خلال التكوين والبناء والمنهج.

الطاقة الداخلية

ورغم الاعتماد على الطاقة الفنية الداخلية فإن المعرفة بمناهج الفن الفوتوغرافي والتعليم والممارسة من أسس التنشيط الفني وهذا يعني أن الحساسية الخاصة المحققة بالواقعية غير كافية بل إن من متطلبات التصوير الجمالي توظيف الوسائط التشكيلية ذات القدرة على تسجيل الانطباعات المتواترة من لحمة الواقع.

يتعرض الكتاب إلى بعض أفكار المنظر الفرنسي ديليوك 1890 – 1924 ولقد ركز كثيرا على الفوتوغرافيا والتقنية والكادر باعتباره عنصرا اساسيا يمكن التعامل معه بشكل مفرد، ورغم ذلك دعا إلى ما يعرف بالسينما الشعبية المعتمدة

ليست هناك تعليقات: