الاثنين، 15 سبتمبر 2008

قراءة فى كتاب سينمائى






السينما بين العولمة والعالمية

سلسلة آفاق السينما بعددها هذا تكاد تطل على مشارف العدد رقم "50" وهي بذلك تحتاج إلى وقفة نقدية باحثة في إيجابيات وسلبيات هذه التجربة المختصة بالنشر السينمائي في إطار الكتاب الشهري أو الفصلي ، وفي كل الأحوال فإن التجربة مهمة لو أنها جعلت من المطبوعة السينمائية مسألة ثقافية دورية ومنتظمة وأيضا بسعر شعبي بسيط في متناول كل قارئ.

لسنا في محل التطرق إلى رصد تجرية آفاق السينما بشكل عام والتي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر ويشرف عليها كل من الناقدين أحمد الحضري ومحمد عبد الفتاح، لكننا نتحدث عن أحد آخر إصداراتها وهو كتاب السينما والعولمة للدكتور محمد فتحي والذي يحمل رقم 46، يندرج الكتاب في إطار الحديث عن العولمة وتأثيراتها على الفنون، وكذلك استجابة هذه الفنون لفكرة العولمة مع تطور التقنيات والوسائط الحديثة وانفتاح العالم على بعضه إعلاميا وثقافيا والتداخل الثقافي بين الثقافات بما يزيد من حدة التنافس وتنامي أدوات التلقي حينا والرفض والتمسك بما هو محلي في أحيان أخرى.

لقد سبق للمؤلف أن أصدر كتابا يقترب من العنوان الحالي في موضوعه وهو كتاب التلفزيون والعولمة عام 2002 كما أنه تطرق لتطور التقنيات الحديثة في مجال الوسائط المتعددة من خلال كتابه الكمبيوتر والثقافة والفنون عام 2001.

وإن كان كتابه الأهم كان بعنوان "سينما العصر والإنسان" من ضمن سلسلة كتاب الهلال عام 1991.

إن المؤلف الدكتور محمد فتحي يكاد يجمع بين المنظور العلمي التقني والرؤية السينمائية التي تنظر إلى السينما باعتبارها أداة فعالة من أدوات العصر الحديث للتعبير عن قضايا الإنسان المعاصر وكذلك التأثير في الجمهور العام وفي السياق العالمي الذي تفرضه خصوصية السينما باعتبارها أداة وتقنية في حالة تطور مستمر لا يتوقف.

يقع الكتاب في 231 صفحة من النوع المتوسط وهو نفس المقاس المعتاد لسلسلة آفاق السينما مع التغيير الواضح في أحجام الكتب بحسب الموضوع، ولا يندرج موضوع العولمة وعلاقتها بالسينما وفق أقسام تراتيبية ولكن جاءت العناوين مفتوحة ومتتالية في شكل فصول تنظر إلى السينما على أنها فن عالمي بطبيعته منذ النشأة الأولى ومدخله إلى العولمة أينما كان من بال العالمية الواسع.

وإذا بحثنا في مدخل الكتاب وجدناه ينطلق من التطورات الجارية في مجالات العرض والتوزيع فالأفلام صارت تتداول عبر الانترنت وبواسطة الموبايل الشخصي وبتسعيرة مخفضة نسبيا، مما يعني انتهاء فكرة الرقابة المحلية وأحيانا انهيار السينما الوطنية لأنها لا تستطيع أن تصمد أو تنافس بعض السينمات العالمية وبالأخص هوليود وإنتاجها الذي تثار حوله الكثير من الأسئلة.

والفصل الأول وهو يحمل نفس عنوان الكتاب السينما بين العولمة والعالمية يصوغ المؤلف نفس المعاني التي جاءت في المقدمة والتي يمكن اختصارها في قوله بأن الجهود المتشابكة قد أسهمت متكافلة على نحو عالمي "عولمي" حقا في ولادة فن السينما وتطوره وشيوعه في مختلف أنحاء كوكب الأرض.

ولكن هذا المنظور العالمي الذي قاد السينما إلى تصور جديد يقوم على فكرة العولمة قد سيطرت عليه هوليود بشكل مطلق وبتدبير سياسي مرسوم، بحيث يصل التأثير إلى سيادة مفهوم الاستهلاك والترفيه.

ورغم المحاولات الداخلية والخارجية للخروج من سيطرة الفيلم الأمريكي إلا أن الدائرة ظلت مغلقة إلى أن جاءت الثورة الرقمية والتي ربما استطاعت أن تفتح أفقا جديدا مغايرا يسمح للجميع بأن ينتج ما يخطط له ويبحث عنه ، اعتمادا على المحلية في مواجهة هيمنة الآخر.

ومؤلف الكتاب هنا يربط بشكل حاد غير مقنع بين العولمة والعالمية، كما أنه يقدم النصائح المباشرة ويجزم بالحلول ويقترب من التصورات النظرية الجاهزة.

الفصل الثاني له طابع تاريخي ، حيث يتطرق المؤلف إلى البدايات الأولى للعروض السينمائية وهي بدايات عالمية متداخلة بين أمريكا وفرنسا وألمانيا كما أن هناك بعدا عالميا لاختراع السينما من حيث نظرية استمرارية الرؤية، ومحاولات اختراع آلة التصوير وأخرى للعرض ، وغير ذلك من التطبيقات والكاتب في هذا الجانب يرى أن استقبال الجمهور لاختراع السينما كان يغلب عليه عامل الإدهاش سواء كان الأمر في أمريكا أو فرنسا أو في مصر، وهو ما تؤكده بعض الصحف التي يستعين بها الكاتب لوصف الكيفية التي تلقى بها الجمهور في مصر بعض العروض السينمائية الأولى.

الفصل الثالث يحتوي على تصورات نظرية عامة حول العولمة بمعناها الاقتصادي وقراءة أولية لبعض المظاهر الثقافية والإعلامية والاجتماعية للعولمة من خلال مفهوم المركز الغربي والأطراف الأخرى الذي تدور حوله الفصول الباقية من الكتاب هي تلخيص لنشأة وتطور السينما العالمية مثل التعريج على السينما الصامتة باعتبارها تمثل أحد مظاهر العولمة لأن الشريط يفهمه أي مشاهد في العالم بدون الحاجة إلى لغة معينة ويتحدث الكاتب أيضا عن الاقتباس في بدايات السينما الأولى وهو مظهر عالمي أيضا لأن موضوعات الأفلام تنتقل من مكان إلى آخر.

يستمر الكاتب في التطرق إلى بعض الأفكار المتناثرة والتي تنقل من مؤلفات سينمائية كثيرة لها طابع تاريخي مثل الحديث عن شارلي شابلن العالمي وتأسيس مكتبات للأفلام وإقامة بعض المهرجانات السينمائية العالمية كما يعيد صياغة بعض المعلومات حول السينما الفرنسية في بداياتها الأولى وكذلك السينما الإيطالية والألمانية والروسية.

في الفصل السادس هناك تعريج على صعود نجم هوليود بكل ما تمتاز به من أنظمة إنتاج وأسواق مفتوحة وشركات إنتاجية كبرى وهذه منظومة جعلت من هوليود حاضرة للسينما العالمة.

في الفصل السابع يدخل المؤلف بعض الاتجاهات السينمائية مثل الواقعية الايطالية الجديدة والموجة الفرنسية الجديدة في سياق محاولات التملص من هوليود كما أنه يضيف بعض الظواهر الأخرى من دول عالمية مختلفة ويجعلها في نفس الإطار الفضفاض الذي تدعمه حجة واضحة وتعبيرا عن ذلك يقول الكاتب: "ومن هنا فإن حركات السينما الكثيرة المناهضة لسينما هوليود وضمن هذه الحركات قطاع من السينما الأمريكية بالطبع وهي تحمل صفات ، الطليعية والمستقلة والحرة والشابة والبديلة والمستقبلية والابتكارية والدوجمائية وهي تحاول الاسهام في عملية ازدهار التعبير السينمائي عن واقع وأماني مختلف الشعوب في عالمنا بدلا من الانسياق وراء الأفلام الترفيهية الهابطة التي تجتاح العالم كله نقلا عن هوليود.

وبالطبع تبدو الموضوعات التي اختارها المؤلف بعيدة عن فكرة العولمة ولا تقترب منها إلا من بعيد" ولذلك جاءت الجمل في آخر كل فصل تشير إلى الارث العالمي والكونية وتطلعات الانسان الواحدة، مما يعني أن كل ما طرح يدخل في سياق العولمة حتى وإن كان الأمر لم يكن كذلك.

يسمى المؤلف الفصل الثامن باسم "الاندماج بين التلفزيون والسينما والسيطرة الامريكية الماحقة" وهو فصل مخصص لقراءة العلاقات المتشابكة بين التلفزيون والسينما والتي تسير بشكل أو بآخر نحو سيطرة التلفزيون.. أي حسب رأي الكاتب: "وهكذا فإن اعتماد الوسيطين كل منها على الآخر وأساليبها المتشابكة وقيامها على نفس الكوادر الفنية قرب الفارق بين الوسيطين بالذات بعد أن صارت الفروق تضيق بفضل التعديلات والتحسينات التي طرأت على آلة التلفزيون مما زاد من قدرة أعماله على التعبير الصادق ، وكل ذلك مما بشر بتعايش طويل الأمد، وأن زاد فيه الثقل النوعي لما هو تلفزيوني في مجالات كثيرة بما في ذلك مجالات الترفيه الجماهيرية عامة".

ومن خلال بعض العناوين الفرعية يتناول المؤلف بعض التطورات التقنية الحديثة في مجال البث المرئي والصراع بين الشركات الكبرى في عالم الانترنت أوفي هذا الفصل تحديدا يقترب الدكتور محمد فتحي من مفهوم العولمة بمعناه المعاصر من خلال ما تثبته القنوات من أفلام وبرامج وخصوصا القنوات العالمية التي تؤثر على الجمهور في بلدان العالم النامي بشكل سلبي.

في الفصل الثامن مناقشة لبعض الاطروحات النظرية الخاصة بالثقافة والهوية والخصوصية وهي مناقشة لا تخلو من دعوات ونصائح للتعامل مع العولمة من منطلق الاستفادة ، لكن يبقى التصور نظريا يقارب العولمة بمعناها الشامل ولا يركز على العلامة المباشرة بين السينما من ناحية والعولمة من ناحية أخرى، كما أن العنوان العام يبقى بعيدا عن المعالجة رغم الجهد النظري المبذول من قبل المؤلف... يتكون الفصل الثامن من شذرات ومتفرقات مثل: الصورة في ديناميتها – قشور نمط الحياة الامريكي – القنوات الموجهة – استسلام السينما – مصير الفن والثقافة في العالم المعاصر.

ورغم أن هناك بعض المعلومات الاضافية في هذا الفصل إلا أن في مجمله لا يخدم ولا يناقش اطروحة العولمة.

أما الفصل التاسع فقد احتوى على ملخصات لبعض الافلام وكأن المؤلف قد تنبه إلى أهمية التطبيقات وذكر النماذج المتعددة التي تخدم الموضوع من جانبه السينمائي ولقد جاءت الافلام المختارة، على رغم من حسن اختيارها ، مجرد أفلام مثل غيرها وليست لها خصوصية معينة ولا تعبر عن الموضوع بشكل مباشر إلا في حدود تصورنا لما يمكن أن تكون عليه القرية العالمية.

من هذه الأفلام ، طائر فوق عش المجانين – بيير وجميلة – في مسافة 40 متر مربع المانية – بين عالمين – أورجا – تحت الارض – حلاق درب الفقراء – صرخة النساء – الطهارة – عيد ميلاد فتاة – الطريق إلى قندهار – بين الحدود – الحدود.

ورغم أن هذه الافلام قد اختيرت للتعبير عن مفهوم القرية الصغيرة في عالم واسع يتواصل بين أطرافه إلا أن المؤلف يعود دائما إلى فكرته الرئيسية والتي طغت على الكتاب وتتلخص في تقديم الانتقادات إلى سينما هوليود بالمعنى السياسي والاجتماعي.

يتصف الكتاب بالبساطة في طرح الافكار رغم أن هذه الأفكار ذات طابع إعلامي مباشر كما أن الاسلوب واضح ويسير نحو الهدف بطريقة مباشرة لكن الكاتب يعيد أفكاره بين كل فصل وآخر كما أنه يختار بعض الموضوعات الجانبية ولا يعطيها حقها ففي الفصل العاشر يتحدث عن سينما البلدان النامية ومشاكلها ، فيقدم معلومات حول السينما الهندية بشكل سريع وكذلك الامر بالنسبة للسينما الصينية والسينما الإيرانية، مع كلمات بسيطة حول السينما العربية.

ومع أن ظروف كل سينما مختلفة بالنسبة للبلدان النامية ومن الصعب وضع هذه السينما في سلة واحدة لاختلافها من حيث تحقيق النجاحات والمستوى الفني والتوزيع العالمي إلا أن النقد يوجه إلى الفرضية التي تدعم مقولة السينما النامية فالفرق كبير بين السينما الهندية العالمية والسينما اليابانية التي لم يذكرها المؤلف بالإضافة إلى سينمات أخرى نشطت في السنوات الأخيرة مثل السينما المكسيكية والسينما الإفريقية وسينما كوريا الجنوبية والسينما التركية وغيرها.

في محاولة لتوضيح العلاقة بين السينما والاستخدامات الرقمية الجديدة يعمل مؤلف الكتاب على شرح الايجابيات التي جاءت بها هذه الثورة الرقمية ومرة أخرى من أجل الخروج من دائرة السينما الأمريكية بل والخروج من سيطرة شركات الإنتاج الكبرى والصغرى بحيث يمكن لأفراد أن يقدموا أعمالهم السينمائية بالاعتماد على أنفسهم وتعاونهم ومعداتهم التقنية الحديثة والتي تسمح بالعمل الفردي المحدود مع انخفاض هائل في تكاليف الإنتاج وسهولة في العرض والتواصل مع العالم.

لكن الانتقال إلى الحداثة الرقمية وكما يقول المؤلف يتطلب تغييرات كثيرة في طريقة التعامل مع السينما من حيث الإنتاج والعرض واستخدام وسائط غير معتادة تكشف جميعها عن متغيرات جوهرية في قلب العملية السينمائية ليس فقط باعتبارها أداة بل أيضا أسلوبا في التعبير.

في الفصل الحادي عشر يتطرق الكاتب إلى دور العرض وتطور مراحل الإنتاج ومشكلة القرصنة العالمية ومحاولة تدريس السينما بالمدارس مختتما الفصل بالتعرض لبعض المحاولات العربية في استخدام الوسائل الرقمية لصناعة أشرطة بميزات محدودة كما في محاولة محمد خان الذي أخرج "كليفتي" اعتمادا على كاميرا ديجيتال وكذلك الأمر بالنسبة لمحمد ملص في باب المقام وخيري بشارة في ليلة في القمر وغير هؤلاء الكثير.

على نفس النسق تقريبا يسير الفصل رقم "12" من الكتاب فهو موضوعات قصيرة جانبية تتطرق إلى الموسوعات السينمائية الحديثة على الكمبيوتر وبرامج أخرى تساعد على إنجاز الأشرطة نقلا عن طرق الكاتب إلى موضوع جانبي وهو الحديث عن شريط "صوت الموسيقى". ومثل هذه التفاصيل الجانبية لم تخدم الكتاب كثيرا بل أضعفت من قيمته والتي ارتفعت نسبيا في مستواها الثقافي عند الحديث عن بعض الجوانب المتغيرة في الثورة الرقمية.

وفي فصول باقية تناول المؤلف بعض الموضوعات التي لها علاقة غير مباشرة بالعولمة ولكن الحديث جاء مبسطا وسريعا ويتناول المظاهر العامة لما يمكن أن يفعله الكمبيوتر من حيل سينمائية وخدع بصرية واختراعات افتراضية في أشرطة ذكر المؤلف بعضها وخصوصا عندما تناول موضوع الكرتون عالم خطر في الفصل الخامس عشر .

إن كتاب السينما والعولمة إضافة جديدة للمكتبة السينمائية العربية التي تفتقر إلى مثل هذه النوعية من الكتب مهما كانت نوعية الانتقادات الموجهة إليه.. والحقيقة إن الكتاب يفتح بعض النوافذ من أجل المزيد من البحث والدراسة في هذا الموضوع وبالطبع من الصعب أن تكون الكتب المؤلفة والموضوعة هي المدخل الجيد لقراءة هذه المتغيرات اليومية في عالم السياسة والسينما والتقنية بل يمكننا القول بأن الكتب المترجمة هي الأساس والأهم وهي التي يحتاج إليها القارئ فعليا من المهم بالنسبة لسلسلة "آفاق سينمائية" أن تتعرض للعديد من الموضوعات وبأشكال مختلفة ، وهذا ما حدث في هذا الكتاب والذي يعد الأول من نوعه في المكتبة السينمائية العربية ، والذي يتطرق إلى علاقة السينما بالعولمة رغم أن الكتاب كما قلنا لم يقترب كثيرا من الأطروحة التي ادعى البحث فيها.



ليست هناك تعليقات: