الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

مصطفى العقاد والبحث عن العوامل المشتركة





بين السينما العربية والسينما العالمية

مرت على مراحل إنتاج الشريط التاريخي الديني في البلاد العربية والإسلامية العديد من المشكلات والتي جعلته في النهاية إنتاجا ضعيفاً لم يصل إلى ما وصلت إليه انتاجات السينما العالمية والتي حققت منذ بداياتها الأولى تطورا كبيرا في هذه النوعية من الأشرطة ، حتى أن تاريخ الخيالة قد ارتبط في مراحل معينه بهذه الأشرطة التاريخية والدينية والأسطورية .

ومن الناحية الفعلية ، فإن الاعتماد على العهدين القديم والجديد كان الأساس الذي تعاملت معه سينما هوليوود تحديدا في إنتاجها للشريط الديني ، ولهذا جاءت أشرطة الوصايا العشر ... بدهور ... حوليات وشمشون ... الأرض المقدسة وغيرها على خلفية تاريخية وثقافيه تضع في اعتبارها أولاً كتاب التوراة وثانياً كتاب الإنجيل . وبالطبع فإن الملمح الديني لا يستطيع أن يخفي الملامح السياسية والاجتماعية والتجارية لمثل هذه الموجة من الأشرطة .

وعندما نتحدث عن المخرج الراحل مصطفى العقاد ، لابد لنا من العودة إلى تلك المرحلة التاريخية العالمية وإلى بعض مخرجيها ، فإن هذه النوعية والتي استمرت لأكثر من خمسين عاماً من حيث الإنتاج والاهتمام ، ثم تراجعت لنوعيات أخرى . لكنها ظلت دائما محور اهتمام المهتمين بالسينما .

مصطفى العقاد ، كان أحد هؤلاء الذين تأثروا بالشريط التاريخي العالمي ، وهو القادم من مدينة حلب ليدرس السينما في أمريكا وكان لابد أن ينقل موضوع الشريط الديني إلى مصادر أخرى لها علاقة بتكوينه الثقافي والتاريخي ، ومن هنا جاءت فكرة البحث عن الشريط التاريخي لديني الإسلامي .

لقد انتقل مصطفى العقاد جسداً إلى هوليوود فارتدى شكلاً جديداً وظل محافظا على جوهره ، وهذا ما جعل له ظاهرة متميزة وجديدة في أفق السينما العربية .

إذن المؤثر الثقافي الإسلامي كان حاضرا بقوة عند مصطفى العقاد ، ويمكن أن نضيف إليه المؤثر الثقافي العربي الذي يضع في الاعتبار الأوضاع العربية المعاصرة وخصوصاً فيما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية .

ولهذا السبب كان الوجه الآخر لشريط " عمر مختار " هو القضية الفلسطينية التي تعكسه القراءة الثانية للشريط ، فالنضال العربي متشابه ، بل هو واحد وإن اختلفت صوره ، فمع وجود الغزو الخارجي والاحتلال لابد من المقاومة التي تتحدى الطغيان بشكل جماعي ، رغم أن هناك اعتماداً على شخصية واحدة رئيسية وهو المناضل عمر المختار ، إلا أن اختياره كان دالاً ، بسبب ارتباطه بالنضال الشعبي واليومي ، فهو معلم قرآن وليس له علاقة بالبطولة النموذجية المتعالية .

بين التعامل مع الثقافة الإسلامية والأبعاد الوطنية العربية المرتبطة بعملية التحرر من الاستعمار وهي المرحلة التي عاشها مصطفى العقاد ، جاءت التوجهات التي اختارها وسار على منوالها في محاولة للجمع بين التطور التقني للسينما والموضوع الذي له علاقة بصميم الحياة والثقافة الأصلية .

غير أنه من المهم التأكيد على أن التاريخ هو المنطلق وهو الغاية المبدئية عند العقاد ، لأنه يبحث عن نقاط التقاء وليس مجرد مشروعات إقليمية لها علاقة بالبعد المحلي فقط ، فهو قد ملك بحكم وجوده في الخارج النظرة المحلقة الخارجية ، التي تبحث في التفاصيل اليومية ـ الشريط الاجتماعي ، ولكنها تلك النظرة التي تبحث عن العامل المشترك أولا ومن جانب على الأصل وليس الفروع إذا عدنا بالذاكرة إلى سنوات تتجاوز الثلاثين عاماً تقريباً جاءت الذكريات ملئية بالأخبار والمقابلات والحوارات الفنية المتعلقة لشريط ديني تاريخي جديد تعتزم بعض الدول العربية إنتاجه يحمل اسم (محمد رسول الله ) أولاً ثم ( رسالة الحق ) ثانياً وثالثاً " الرسالة " .

وبالطبع كان الشريط حديث الصحافة وأهل الفن ، لأنه شريط يتولى الإشراف عليه مخرج يعيش في أمريكا ، وهو فعليا غير معروف عربياً ، كما أن الإنتاج سيكون خارج الإنتاج السينمائي المصري وهو أمر لم يعتده الجمهور كثيراً .

وبالطبع أعيد الحديث حول ظهور بعض الشخصيات الدينية أو عدم ظهورها وهو أمر تكرر كثيراً في السابق ، ولكن الموافقات الرسمية وتدخل بعض الشخصيات المعروفة لكتابة سيناريو الشريط مثل توفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي أسهم في الاستعداد العملي للشريط وحسن تقبله مبدئياً .

ومع جمله الموافقات والاستعداد للإنتاج وصل الشريط إلى مرحلة التنفيذ وكل ذلك يسعى حثيثاً من شخصية سينمائية ليست معروفة كثيراً بل غير معروفة نهائياً وهو مصطفى العقاد ، ذلك الرجل القادم من أمريكا بعد دراسة أكاديمية وتجارب محدودة وطموحات واسعة وخيال واسع صنعه الإنتاج السينمائي العالمي والذي قدَّم عشرات الأشرطة التاريخية حول شخصيات كثيرة بعضها ديني وآخر تاريخي في نموذج أقرب إلى البطولة الملحمية وبالطبع لابد لنا أن نذكر تأثر مصطفى بأشرطة سيسيل دي ميل مثلاً وغيرها مما تفننت هوليوود في صنعها .. قدم العقاد إذن من قلب هوليوود باعتبارها صناعة لكن التاريخ الإسلامي كان محركاً له ودافعاً قوياً ولقد أوضح في بعض المقابلات التي أجريت معه أسباب اختياره للتاريخ الإسلامي نرد ذلك إلى أن التاريخ عامل مشترك بين كل الأقطار العربية وأنه يتجاوز المشكلات الاجتماعية الحديثة إلى آفاق تسمح بالتوزيع العالمي والذي كان الشغل الشاغل للعقاد ولذلك كانت التجربة أن يتم إنتاج نسختين أحدهما عربية والأخرى انجليزية من شريط الرسالة وذلك بقصد سهولة التوزيع .

وفعلاً تم إنتاج الشريط وشاركت في إنتاجه بعض الدول أهمها الجماهيرية بعد أن انسحبت بعض الدول الأخرى بسبب الجانب الديني الذي يضع تساؤلات أمام تجسيد بعض الشخصيات التاريخية .

لقد أنتج شريط الرسالة الذي صورت مشاهد كثيرة منه بالجماهيرية واجتمع في تلك الفترة العديد من الفنانين العرب والأجانب وكان منهم الممثل العالمي انطون كوين والممثلة ايرين باباس وجون جوليوود وكذلك الممثلة منى واصف وعبدالله غيث وحمدي غيث وسناء جميل وعبد الوارث عسر بالإضافة إلى طاقم عالمي في السيناريو والتصوير والتوليف وإدارة المعارك .

وبالطبع كان أهم ما ارتبط بالشريط وجود عدد من الممثلين العرب من المغرب ولبنان وسوريا ومصر وليبيا وكانت تلك أول خطوة من نوعها سمحت بوجود هذا العدد الضخم من الممثلين والحشود في صحراء ليبيا والمغرب .

وعن ذكرياتها بشريط الرسالة قالت الممثلة منى واصف والتي قامت بدور هند بأنها المرة الأولى في حياتها التي تلتزم فيها بأسلوب عالمي في الإنتاج محدد التواريخ بالدقة في المواعيد من حيث العمل مع كل الأطراف وأن الذي يجمع كل ذلك في فكرة المخرج مصطفي العقاد .

ولاشك أن الصحافة العربية والعالمية قد غطت ذلك الحديث الكبير أثناء التصوير وبعد الانتهاء منه ورغم أن هناك اعتراضات دينية كثيرة إلا أنها لم تكن تستند إلى أدلة واضحة لكنها مجرد مخاوف وحساسيات مبالغ فيها بين مجتهدين يعملون في أطراف متباعدة للخيالة العربية .. ومع عرض الشريط والاستجابة الكبيرة التي لقيها من الجمهور لم تصمد الاعتراضات طويلاً رغم أن بعض الدول تحفظت في توزيع الشريط ولم يعرض فعليا شريط الرسالة إلا في عدد محدود من الأقطار الإسلامية ولكن مع مرور الزمن صار شريط الرسالة هو العنوان الثابت المرافق لكل مناسبة دينية في المرئيات العربية .

لقد قدمت الخيالة العربية أشرطة تاريخية دينية كثيرة نسبياً ، كان أولها شريط (ظهور الإسلام) ثم (انتصار الإسلام) وجاءت بعد ذلك أشرطة أخرى مثل (رابعة العدوية) و(هجرة الرسول) و(فجر الإسلام) و(بلال بن رباح) و(خالد بن الوليد) وكان آخر الأشرطة شريط (الشيماء) الذي أخرجه حسام الدين مصطفى وعمل فيه العقاد مساعداً في الإخراج ولقد جاءت كل تلك وغيرها بقيمة فنية محدودة ومستوى ضعيف نسبياً وكانت أيضاً أشرطة إقليمية محدودة تلعب على المعاني الدينية ولكن دون أن ترتفع في مستواها الفني والتقني .

ولهذا السبب كان شريط الرسالة ظاهرة جديدة من جميع الجوانب وعندما نذكر الخيالة التاريخية لابد أن يكون هذا الشريط المحور الأساسي للإنتاج بسبب ما توفر للشريط من مستوى في الملابس والديكورات والتصوير والإتقان الفني الشامل ، وحتى لو قلنا بأن الإنتاج يحسب أحياناً أجنبياً بحكم جنسية شركة الإنتاج الانجليزية إلا أن الشريط يصب في قلب التاريخ الإسلامي ويقدمه بطريقة جيدة متقنة تكفل للشريط الاستمرارية بعكس الأشرطة الأخرى التي تنسى بسرعة لأنها ظرفية ومؤقتة .

سار شريط الرسالة على نفس درب الأشرطة السابقة فتعرض لمرحلة ما قبل الإسلام ثم ظهور البعثة المحمدية وأعاد مشاهد كثيرة لما يعرفه كل قارئ للتاريخ الإسلامي الدعوة السرية والهجرة إلى الحبشة ، الصراع بين المسلمين والكفار، الاضطهاد الذي لقيه بعض المسلمين ولا سيما الضعفاء منهم ، تجسيد بعض المعارك أهمها معركة بدر ، ولقد كان مستوى تنفيذ المعارك من الأساسيات التي ارتبطت في ذهن الجمهور .

لم يجد شريط الرسالة في نسخته الأجنبية التوزيع الجيد إلا في حدود ضيقة وهناك ملف مفتوح خاص بقضية توزيع الشريط بكل وسائطه المختلفة إذ أن الشركة التي أنتجت الشريط لم تزل من ناحية قانونية قائمة .

وعبر وجهات نظر كثيرة اعتبر بضعهم شريط الرسالة أقرب إلى الشريط الهوليوودي وهذه مسألة اعترف بها العقاد نفسه الذي لا يخفي تأثره بالنموذج السينمائي الأمريكي وضرورة أن يصل إلى الجمهور وأن يحقق الشريط الأرباح الكافية التي تسمح للمنتج بأن يعيد التجربة لأكثر من مرة .

أما من ناحية دينية فلم يقدم الشريط أي شخصية من التاريخ الإسلامي حولها بعض الأحكام الفقهية أو فتاوى معينة بصرف النظر عن مناقشة نوعية هذه الفتاوى ، فلم يظهر أحد من الخلفاء الراشدين فضلاً عن شخصية الرسول الكريم وهو أمر ساعد على نجاح الشريط ، أما باقي الشخصيات مثل حمزة وخالد بن الوليد وغيرهم فهي شخصيات سبق تقديمها وهي ليست شخصيات دينية بالمعنى المباشر للكلمة .

بعد هذا الشريط أعلن مصطفى العقاد في مقابلات كثيرة عن رغبته في الاستمرار بتقديم شخصيات أخرى مثل طارق بن زياد والناصر صلاح الدين بنفس الطريقة نسخة عربية وأخرى أجنبية ، بصرف النظر عن إمكانية وجود المقارنة ، وهو الأمر الذي ركز عليه أهل الصحافة وخصوصاً بين انطوني كوين ممثلاً في دور حمزة وعبد الله غيث في نفس الدور وكذلك بين ايرين باباس في دور هند ومنى واصف في نفس الدور وهو ما انطبق على الممثل الليبي علي أحمد سالم في تقديمه لشخصية بلال الحبشي ، وبصرف النظر عن المقارنة فإن المشاهد قد أتيحت له مشاهدة شريطين مختلفين تقريباً ولكن عبر موضوع واحد .

على المستوى المحلي الليبي كانت الاستفادة من الشريطين الرسالة وعمر المختار جيدة ، ربما لم تكن في صورة كبيرة لكنها كانت حسنة ، ولم يسمح واقع الخيالة بالاستفادة أكثر من ذلك .

وخلال الغياب الطويل للعقاد قدم بصفته منتجاً عدداً من الأشرطة عرفت باسم سلسلة الهولووين " عيد البرابرة " وقد وصل عددها تسعة أشرطة بعضها كان فيها منتجاً ومنتجاً منفذاً ومستخدماً للاسم فقط في أشرطة أخرى أدارها ابنه مالك العقاد.

وبالطبع كان العقاد ينظر إلى الخيالة بصفتها مجالاً للعمل وتحقيق الأرباح ولذلك كان يهتم بالجمهور كثيراً ولكن بدرجات مختلفة .

وهذه النظرة تستقيم أيضاً مع فكرته حول فن الخيالة التي يعتبرها أداة للبهجة والمتعة ووسيلة تسلية بالدرجة الأولى ، وهي ليست وسيلة للبلاغات والخطب وهذا ما تحقق في أشرطته فعلياً .

لقد توفي العقاد بطريقة مجانية وفي وقت كان يسعى فيه لإنجاز شريط صلاح الدين الأيوبي وشريط آخر داخل الجماهيرية وفي جعبته أيضاً الكثير من الأفكار والمشروعات التي يحملها معه أينما سار .

من الصعب تصور وجود من يملا الفراغ الذي تركه العقاد ، فهو الشخصية القادمة من الغرب ولكن بأفكار أصيلة وهموم عربية ، وإذا كان من ضمن أهدافه تحقيق الربح الوفير فإنه كان أيضاً يسعى لتقديم الصور الجيدة عن العرب والمسلمين .

إن المشاهد التي تضيء من خلال الأشرطة التي قدمها العقاد ستبقى دائماً في ذهن المشاهد ولذلك كان دائماً الغائب الحاضر وكان دائماً الظاهرة التي مرت من هنا .

ولد مصطفى العقاد في حلب في سوريا عام 1935 ف ولم يكن من أسرة غنية ، لكنه أراد السفر إلى أمريكا لدراسة مجال الخيالة ، ويرجع السبب في ذلك إلى أحد جيرانه الذي كان يأخذه إلى دار الخيالة باستمرار ويتعرف على هذا الفن بالتدريج .

وبالفعل سافر إلى أمريكا ودرس الإخراج في جامعة كاليفورنيا وساعدته الظروف ليعمل كي يضمن نجاحه ثم استقراره بعد ذلك متعيشاً من تفاصيل هذه المهنة السينمائية .

ولا تذكر الوقائع شيئاً عن تجاربه وأعماله والأشرطة التي تعلم فيها مساعداً ثم مخرجاً ، لكن مشروعه الحقيقي بدأ مع فكرة عمل شريط حول الإسلام وكان له ذلك في عام 1976 ف بعد هذا الشريط اتجه نحو الأعمال التجارية فجعل من شركته منطلقاً لتقديم بعض المشروعات الخفيفة إلى أن جاء شريط " أسد الصحراء ، عمر المختار " وهو الشريط الثاني من حيث الإنتاج العالمي وبالفعل أنجز الشريط عام 1981 ف وقامت الجماهيرية بتمويل الشريط كاملاً ولقد حقق هذا العمل شهرة كبيرة للعقاد لأن الموضوع أتاح له فرصة العمل الذي يسمح بالحركة بدون الرجوع إلى مسببات دينية وتأثيرات إسلامية ، رغم أن الموضوع له تقديره الخاص لدى الجمهور .

جاء شريط عمر المختار من نسخة واحدة انجليزية وقام بدور عمر المختار الممثل انطوني كوين بينما قام بدور غريساني الممثل أوليفر ريد وكانت هناك مشاركات عالمية أخرى وبعض المشاركات الليبية المحدودة .

أكثر من ناقد اعتبر هذا الشريط من النوع الكلاسيكي المليء بالحركة والإثارة ، وهذا صحيح إلى حد كبير ، ذلك أن الإتقان الفني الكبير قد ارتبط بالشريط ، وكان المشاهد لذلك يعيد مشاهدته دون أن يمل ويكتشف فيه وفي كل مرة الشيء الجديد والمثير .

إن العقاد وقد تعلم الدرس الهوليوودي الجيد من الناحية الفنية والتقنية قد أدرك القدرة على الوصول إلى الجمهور والتأثير فيه بأكثر الوسائل والوسائط وأهمها التمثيل والتصوير وحسن اختيار الملابس وأماكن التصوير واستخدام بعض الرموز البسيطة .

وفي ذلك قال العقاد أكثر من مرة بأن سر تأثير عمر المختار يقوم على أنه شيخ ومعلم للقرآن وأنه ليس مقاوماً محترفاً وعسكرياً مهنياً ، ولذلك كان مجرد فرد في المجتمع يقوم بدوره بحسب المعتقد الديني والاجتماعي والتاريخي .

إن لشريط عمر المختار مرجعية دينية واجتماعية فهو شريط يعبر عن صراع بين الحق والباطل ، بين مواطن يقود جماعته للحرب ضد مستعمر قادم من بعيد لاحتلال أرض ليست له .

هنا تتضح لنا أسلوبية العقاد في استخدامه للمنهج السينمائي الهوليوودي بإحكام ولكن في إطار مقبول ، لا يسعى للمغامرة ، والبطولة الفارغة ، حسب معظم أشرطة المغامرات الأمريكية ، إن عمر المختار بطل اجتماعي وواقعي وله قضية يعبر عنها بقناعة فكرية مختلفة عن أشرطة كثيرة أمريكية الشكل والمضمون .

أما الجانب الشكلي فيتمثل في اختيار لموضوع المواجهة والصراع ، إن الصراع بين المجموعتين إحداهما استعمارية والأخرى تدافع عن حريتها قد تم التعبير عنهما بوجود رمز فردي من الأول عمر المختار والثاني غريسياني ، وحتى إذا افترضنا أن الأمر لم يكن كذلك فعلياً ، فإن من متطلبات العمل السينمائي أن تكون المواجهة ثنائية وبين طرفين وهو ما يسمح بتطور أحداث الشريط وحسن الاستجابة لدى الجمهور .

في شريط الرسالة تحقق هذا الأمر في النصف الأول منه ، عندما ارتفع الصراع بين المسلمين وكفار قريش إلى مستوى رمزي فردي ، يمثل حمزة طرفاً ويعبر عن مجموعة ويمثل أبو جهل الطرف الآخر الذي يعبر عن مجموعة أخرى مضادة .

في نصف الشريط توفي حمزة في معركة أحد وسار الشريط بعد ذلك في استعراض بانورامى فيه بعض الملل .

في شريط عمر المختار تحقق الصراع واستمر إلى حين استشهاد عمر المختار في نهاية الشريط .

لقد قيل الكثير عن عمر المختار باعتباره من أهم الأشرطة المنجزة حول الشخصيات العربية ، ومرة أخرى يثير هذا ما له من الانبهار ويخلق توتراً في ساحة الخيالة العربية ، إذ لم تعرف الساحة الثقافية الفنية شريطاً بمثل هذا الاتقان والجودة .

لقد عاشت الخيالة العربية حيناً من الدهر وهي تلفق الأشياء من أجل تقديم بعض الشخصيات ، مثل الناصر صلاح الأيوبي وسيد درويش وشجرة الدر ولكن دون جدوى فعلية ، إلى أن جاء العقاد فأثار زوابع جديدة أثارها سابقاً في شريط الرسالة .

لقد عرض عمر المختار في بعض البلدان واعتبر الشريط المثالي بالنسبة لبعض الفضائيات وعن طريق هذا الشريط صارت للعقاد شهرة واسعة على المستوى العربي والإسلامي ، وصار ضيفاً على أكثر من مهرجان ، مثل مهرجان القاهرة السينمائي وغيره .

ومنذ شريط عمر المختار وهو يسعى لانجاز بعض الأعمال ولكن دون تكملة حتى اعتبره بعضهم شخصاً يسعى للإعلام والشهرة فقط ، ولكن فعلياً كانت الصعوبات كثيرة للدخول في تجربة إنتاجية جديدة ، من ذلك مثلاً شريط صلاح الدين الأيوبي وشريط " المطران كابوتشي " وشريط جمال عبد الناصر وغيرها من المشروعات المجهضة .



ليست هناك تعليقات: