الاثنين، 29 سبتمبر 2008

( رابعة العدوية بين شريطين )






من الاشرطة الدينية التاريخية رابحة

في عام 1963 ف عرض شريط ( رابعة العدوية ) من إخراج نيازي مصطفى ، المخرج الذي أخرج العديد من الأشرطة البدوية وأشرطة المغامرات والمرح وغيرها من الأنواع ، لكنه لم يقترب من الشريط الديني التاريخي إلا في هذا الشريط الذي كما قلنا عنوانه (رابعة العدوية ) .

أما لماذا هو شريط ثانٍ فيرجع ذلك إلى وجود شريط أول عرض قبل هذا الشريط بأقل من سنة ، وكان يحمل اسماً مختلفاً :- " شهيدة الحب الإلهي " . غير أن ذلك مجرد عنوان ظاهري لأن القصة واحدة والشخصية واحدة والمعالجة تكاد تكون واحدة .

إذن ما السبب في إخراج شريطين لموضوع واحد ، خصوصاً وأن الموضوعات الدينية كثيرة والشخصيات الإسلامية متعددة ؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال ولكن يبدو أن شهرة رابعة العدوية قد بلغت شأوا كبيراً بإذاعة مسلسل إذاعي عنها قامت فيه الممثلة سميحة أيوب بدور رابعة وغنت فيه أم كلثوم بصوتها .

وإزاء النجاح الذي حققته أكثر الأشرطة الدينية التاريخية ، يبدو أن الفكرة قد راودت بعض المهتمين فصاغوا قصصاً حول رابعة العدوية ، بل وظهرت مجموعة من الكتب حولها، وهذا يعنى حضور هذه الشخصية في الفضاء الثقافي في مصر .

لا نريد أن ندخل في تفصيلات بداية العمل في الشريط الأول الذي أخرجه عباس كامل في تجربة غريبة عنه لأنه من المخرجين الذين اشتهروا بالأشرطة المرحة الخفيفة وحدها ، ولكن ما يهمنا هو الشريط الثاني الذي أخرجه نيازى مصطفى عن قصة للكاتبة سنية قراعة نشرتها مسلسلة في إحدى المجلات ، واختيرت القصة لتكون أساساً تستند عليه أحداث الشريط .

وتؤكد أكثر الكتابات النقدية على الشريط المهم هو الشريط الثاني " رابعة العدوية " وليس الأول " شهيدة الحب الإلهي " لعدة اعتبارات ، أهمها أن الشريط الثاني كان متقنا إلى حد ما ويعتمد على أسماء لامعة في مجال التمثيل ، كما أن حضور التصوير والملابس والديكورات من العناصر قد ساعدت على تقديم شريط مقبول من الناحية التجارية والفنية.

أيضاً كان الشريط ملوناً ، بعكس الأول ، مما أتاح إمكانات جيدة للمشاهدة . يبدأ شريط ( رابعة العدوية ) بانتقال رابعة إلى مدينة البصرة ، بحثاً عن الشهرة والمال ولكن وفي أجواء المغامرات وقطاع الطرق والتجار الباحثين عن الجواري لبيعهن لمن يدفع أموالاً أكثر ، في أجواء تلك الصراعات والتي يتقن إبرازها المخرج ( نيازى مصطفى ) يبدأ الشريط ، ولقد انتقلت رابعة من مكان إلى آخر ومن تاجر إلى تاجر ، ولكنها كانت ترى في التاجر عصام الرجل المنتظر ، غير أن أزمة مالية عارضة عصفت بتجارته فتخلى عن رابعة إلى تاجر آخر ، ووصلت رابعة إلى بيت خليل ، حيث صارت مطربة شهيرة .

الشريط يحتوى إذن على قصة عاطفية متخيلة بين عصام ورابعة . ولكنها غير مكتملة بسبب اغتيال عصام على أيدي قطاع الطرق من جماعة خليل .

ومن الواضح هنا أن نصف الشريط الأول يدور في أجواء تسمح بإبراز المطاردات وعوامل التشويق وكذلك الرقص والغناء ، وكل ذلك من أساسيات الشريط التجاري المعتاد .

وتبدأ قصة رابعة فعليا مع النصف الثاني من الشريط ، عندما تتعرف رابعة على الشيخ "سومان " فيؤثر في حياتها ويغيّر من أسلوبها في الحياة الذي يعتمد على اللهو والغناء والرقص في بيت خليل مع بقية الجواري ، فتعلن عن تخليها عن كل حياتها السابقة وتنفرد لوحدها متعبدة ما يجعلها تعاني العذاب بسبب السجن والتعذيب وما لاقته من خليل من ويلات لكي يثنيها عن عزمها ويجعلها تعود إلى حياة اللهو والرقص والغناء ، ولكن لا فائدة .

يقدم الشريط ، إشارات دالة على اختيار رابعة لطريق الزهد والتعبد فهي تلجأ إلى مكان معزول لتبتعد عن مخالطة الآخرين وتنفرد بعبادة الله .

كما أن الشريط يجعل من رابعة امرأة لها كرامات صغيرة ، مثل وجود نور حولها في السجن منبعث من قنديل لا وجود له ، كما أن اللص الذي حاول سرقة منزلها المتواضع في الصحراء يصاب بالشلل التام .

ولكن وبشكل عام فالشريط لا يبالغ كثيراً في هذا الجانب ، بل يعطي مساحة ضيقة للمرحلة الأخيرة من حياتها .

ومن جانب اعتمد الشريط على صوت أم كلثوم التي غنت نفس أغنيات المسلسل ومن أشهر الأغاني التي أعادها الشريط " حانة الأقدار وعرفت الهوى وأوقدوا الشموع " . أما أشهر المقاطع التي تكررت في الشريط فهي تقول فيها على لسان رابعة العدوية :-

عرفت الهوى مذ عرفت هواك : وأغلقت قلبي عمن عداك

وقمت أناجيك يا من ترى : خفايا القلوب ولسنا نراك

أحبك حبين .. حب الهوى : وحبا لأنك أهل لذاك

فإما الذي هو حب الهوى : فشغلي بذكرك عمن سواك

وأما الذي أنت أهل له : فكشفك بذكرك الحجب حتى أراك

فما الحمد في ذا ولا ذاك لي : ولكن لك الحمد في ذا وذاك .

أما عن تجسيد الشخصيات ، فقد تم اختيار وجه جديد في تلك الفترة وهي نبيلة عبيد لتقوم بدور رابعة في أول دور رئيسي لها ، كما شارك في التمثيل كل من فريد شوقي وعماد حمدي وحسين رياض .

ومن جانب آخر يذكر أن المخرج شادي عبد السلام قد اعد الديكورات وصمم الملابس وهذا كان له الدور المهم في تكوين أجواء مناسبة لسير الأحداث .

أما عن توزيع الشريط نفسه فقد حقق نجاحاً كبيراً ،" ليس فقط داخل مصر ولكن في أقطار عربية وإسلامية كثيرة وخصوصاً في ماليزيا واندونيسيا وتركيا ، ولازالت القنوات المرئية تعرض هذا الشريط بين الحين والآخر .

ليست هناك تعليقات: