الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

أضاءة سينمائية حول فيلم أحلى الاوقات


ِِِِِِِِِِِِِِِ

عابرون على الهامش

لأمر ما بدا لي هذا الشريط أنثويا ، ليس لحد معين فقط ، واضح أو غائم ، ولكن لأبعد الحدود ، ونعتبر هذا الوصف مثيرة أساسية للشريط ، مهما اختلفا في المقاييس وتقديرها أو مصطلحات وتعرفها ، ولصرف النظر عن القراءات والاجتهادات في وضح حدود فاصلة بين ما تنتجه المرأة وما ينتجه الرجل من إبداع فني ، أو في إلغاء هذه الحدود لمصلحة القيمة الإنسانية لهذا الإنتاج .

إنه شريط ( أحلى الأوقات ) لمخرجته هالة خليل في أول تجربة روائية طويلة لها بعد عدة تجارب ناجحة في الأشرطة الدرامية القصيرة والأشرطة التسجيلية وبعد العمل في عدة أشرطة كمساعدة لأكثر من مخرج ، وهنا علينا أن تقترب من صفة الأنثوية أكثر إنتاجها متجسدة على الشاشة بطريقة اقرب إلى التسلل إلى أجزاء الشريط منذ البداية إلى النهاية .

ورغم أن صفة الأنثوية هذه يمكن أنم تطرح في أكثر من شريط يقدمه المخرج الرجل ، إلى أن هناك إحساس يسيطر على المشاهد بأن شريط ( أحلى الأوقات ) لا يمكن أن تقدمه إلا مخرجه امرأة ، بكل الامتيازات التي تشدك نحو مطلق التعبير عن المشاعر التفصيلية الدقيقة والجزئيات الصغيرة التي لا يتم التركيز عليها في العادة لمصلحة الأفكار الكبيرة أو الموضوعات الدرامية الحادة .

· نماذج بشرية :

ينتمي شريط ( أحلى الأوقات ) إلى أشرطة النماذج البشرية ، وهو أسلوب له مرجعية في الخيالة العالمية ، كما أن الخيالة العربية في مصر قد تعاملت مع النماذج والشرائح الاجتماعية بطريقة عادية ومبتكرة ولعل أشهر الأشرطة في هذا السياق ( يا دنيا يا غرامي ) لمخرجه مجدي محمد علي ، كما أن هناك أشرطة كثيرة أخرى تبتعد وتقترب من أشرطة النماذج والشرائح ذات طابع كوميدي واجتماعي ، كما في شريط ( سهر الليالي ) وغير ذلك من الأشرطة .

يزدحم الشريط بتفاصيل كثيرة ، يتوقف عندها السيناريو ، بعضها له علاقة بالملابس ونوعها وطريقة استخدامها ، أيضاً التركيز على بعض الجزئيات الصغيرة الدالة مثل الخطابات المرسلة والاحتفاظ ببعض الخطابات القديمة ، ثم التواصل بين الشخصيات بين الحضور والغياب ، مع التركيز على الجوانب العاطفية في العلاقات بين الشخصيات غير أن الأهم من الناحية المحورية ، تلك القصة الأساسية في الشريط والتي تخص سلمى من حيث علاقتها بزوج أمها وبأبيها الأصلي وكذلك ألام نجوى التي بدأ الشريط بتقديم موتها وهي تسقط من أعلى السلم في محاولة منها لالتقاط غطاء الرأس الذي أرسله الهواء إلى أعلى الشجرة المجاورة لشقتها .

المشهد الافتتاحي الدال يعبر عن الموت ببساطة ولا يتورط في إظهار معاناة المرض مثل أو التركيز على الموت المفاجئ بسبب أحد العلل المميتة .

أن الموت هنا بسيط وسهل ، يمكن التقاطه من على قارعة الطريق وهو لا يختلف عن الهواء الذي تحرك فجأة ليبحث بالشقة الصغيرة ، وهو موت تعتريه بالعادات اليومية ، مثل ممارسة الحب وقراءة الجريدة وغيرها .

· ثلاث شخصيات :

في الشريط هناك ثلاث شخصيات نسائية اساسية " سلمي ويسرية وضحى " وبصرف النظر عن أهمية كل شخصية على حدة ، إلا أن الشخصية الأهم هي سلمي ( حنان ترك ) التي تموت أمها نجوي وتبقي مع زوج أمها ربيع والذي تفصله عنها مسافات طويلة من عدم التواصل ، وليس هناك تبرير لذلك إلا شعورها بأن زوج الأم قد كان سبب في ابتعادها عن والدها الذي لا تعلم عنه شيئاً .

موت الأم كان هو المحرك للاحداث ، حيث ظهرت اخت ربيع ورغبة الفتاة سلوي في ترك البيت لتعيش في فندق لوحدها ، وقد علّق الشريط احداثه بضرورة البقاء مع زوج الأم في بيت واحد طوال مدة الأربعين وهي مجرد فسحه زمنية لاستمرارية الأحداث بالصورة التي خطط لها السيناريو بعناية .

من ضمن الجزئيات الصغيرة التي تم التلميح إليها في بداية الشريط طلب الأب ربيع من سلوي القاء نظرة على سيادته الجديدة وهو أمر لا تكثرت إليه سلوى كثيراً ، وهذه الجزئية تدع الأحداث نحو مجريات معينة يستفيدمنها الشريط في تقديم بعض التفاصيل التي تخدم الحدث الرئيسي .

الشخصية الثانية " وهي ضحى ( منه شلبي ) أما الشخصية الثالثة فهي يسرية ( هند صبري ) .

تبدأ الأحداث عملياً بوصول طرد إلى سلمي من مجهول به شريط غنائي لمطربها المفضل محمد منير وهدية أخرى والمصدر هنا لابد أن يكون مقرب لها يعرف خصوصياتها ويتعامل مع ذلك بشكل مستمر .

ومن ضمن ما وصل إليها أيضاً صورة قديمة تمثل الماضي في المدرسة الثانوية ، ولهذا تعود هي أيضاً إلى تلك الأيام بعودتها إلى المنطقة الشعبية التي ولدت بها وعاشت فيها في البدايات ، إن المكان القديم هو شبرا وهو الحي الذي تعبر بواسطة الأشرطة السينمائية عن المنطقة الشعبية الفقيرة في مقابل مناطق أخرى معاكسة هي أحياء الأغنياء والتي تمثلا في هذا الشريط ( المعادي ) .

تعود سلمي بسبب بحثها عن مرسل الهدايا الصور إلى منطقتها الأولى الذي هجرتها بعد أن تركته الأم زوجها الأول وتزوجت من رجل أعمال يدعي ربيع ، انتقل بها إلى أوضاع جديدة مغايرة .

· صور في دائرة

استفاد السيناريو من الصورة والدائرة التي حددّت أربعة وجوه داخلها ، فالعودة تمت إلى يسرية المدرسة في مدرسة بنات والحامل وربة البيت ، ثم الفتاة ضحى التي تعمل في مكتب للطباعة وتنتظر زواجاً من زميلها في المكتب ( طارق ) وكذلك الأستاذ عبد السلام المدرس الذي تم الافتراض بأنه هو من كتب وأرسل سلمي ، خصوصاً وأن له تجربة سابقة معها عندما كانت طالبة في المدرسة ومن مميزات الشريط استفادته من هذه التفاصيل الصغيرة ولا سيما رسالة الحب القديمة للمضي نحو تقديم إضاءة حول الأوقات الماضية الجميلة .

كما قلنا فإن التركيز على مفهوم الرسالة تم الفرق في المظهر بين العدسات والنظارات بالنسبة لسلمي وطريقة اختيار الملابس ، كل ذلك يزيد من تدعيم فكرة تمييز الشريط بالانثويه .

استفاد الشريط من عدم تطلع سلمي لسيادة الربيع وعدم معرفتها في رسم خط آخر وجعل نهايته ما اعتبر من سمات الحي الشعبي عندما تعرض أحد الدبلوماسيين للضرب من قبل نسوة الحي بقيادة يسرية بعد أن أوهمتهم سلمي بأنه هو ما يتبعها بسيارته السوداء اينما ذهبت .

لكل شخصية نسائية همومها ولكن الانشغال بقصة سلمي يبدو وهو الأهم .

ضحى تحلم بأن تكون ممثلة وهي تدخل في مشاحنات مع خطيبها من أجل ذلك .

يسرية ليس لها هدف محدد ولكنها تعيش حياتها اليومية الممله وتحلم بأن تستلم باقة ورد ، بكل ما في هذه الطلب من معاني داله عن فقدان الجانب العاطفي تجتمع الصديقات في الشارع والبيت والمطاعم القديمة وكان سلمي تعود إلى ماضيها الذي تركته باختيارها ، وفي هذا نزوع نحو التعلق بذكريات الطفولة .

أن شخصية الرجل هنا طرحت باكثر من صفه ، ولكن الأطار واحد ، وهذا ما نراه في إبراهيم زوج يسرية الذي يضع في اعتباره وامثال الاكل وأمه الحاضره معه وبالإضافة إلى عدم اتقانه لدور المحب العاشق والباحث عن اشياء أخرى ، ليس منها ما تحتاجه المرأة فعلياً ، فهو رجل تقليدي من الأحياء الشعبية .

أما الشاب الأخر ، طارق فهو ايضاً لا يختلف كثيراً عن إبراهيم لأنه متسرع ولا يضع في اعتباره احلام خطيبته وحتى إذا قلنا بأنه أفضل تحليل إلا أنه سيسير في نفس مسار شخصية إبراهيم وخصوصاً وقد شاهدناه يدخل في مناوشات مع ربيع ، مما كان سبباً في اندفاع ضحي العاطفي باتجاه آخر ، وكادت أن تتورط في علاقة جديدة ، كادت أن تحقق لها أحلامها والتي لم تحقق .

· شخصيات حالمة :

أن شخصية الرجل في هذا الشريط بلا احلام مستقبلية لأنها تمارس أحلامها العملية بشأن يومي ، وتغوص في ذلك ولذلك فهي تعيش على ضفة أخرى مقابلة .

لكن الأمر لا يسيرد أنما بهذا الاتجاه ، إذ أن هناك شخصية أخرى ( هشام ) من نفس المكان الذي تعيش فيه سلمي فهو جار مقابل لها ، سبق أن تعامل مع أمها وهو يتعامل معها أيضاً ، وفي رحلة البحث عمن أرسل الخطابات والهدايا ، تطرق الشك إلى هشام وخصوصاً وأنه غريب التصرفات لأنه يستعيد مواد نسائية ويعيدها .

ولاشك أن الشخصية هذه تبدو ايجابية ، وخصوصاً وأنه يعيش بمفردة ، فأسرته الفعلية هي مجموعة من العرائس التي يتعامل معها ، وبسبب عدم تعامله المباشر مع الأشخاص فإنه أقرب إلى الدمى لأنه محايد في عواطفه .

كما أن شخصية هشام تبدو أقرب إلى الانثوية بسبب اهتمامه بهذه العرائس التي يتعاطف معها بمظهر يجمع بين العاطفة والسلوك الرقيق ، والذي جاء اعتماداً على مهنة وليس سلوكه طبيعياً .

كما قلنا فإن الشريط ينجح في تقديم التفاصيل التدريجية المتطورة في بناء العلاقة بين هشام وسلمي ، ورغم أن هناك بعض الارتباك من حيث التمثيل ، حيث يفترض الشريط أن الشخصيات متسامحة فيما بينها عندما تقترب من هشام ، فقد بدت هذه الشخصية وكأنها إضافة لها الشخصيات النسائية ، بعدم الاحساس المباشر بأنها أمام شخصية رجل بعيد عنه ولهذا لم يكن هشام شخصية مثل غيرها ، فقد احتوته تفاصيل الشريط بحيث يكون أقرب إلى الشخصية النسائية ولهذا لم يكن سلبياً وحقق تواصلاً مع الشخصيات النسائية .

· زوايا أخرى :

ينتقل الشريط إلى زاوية أخرى ، اعتماد على الصور الفوتوغرافية التي ترسل وتصل إلى سلمى من مجهول الصوره الجديدة تمثل سلمي وهي صغيرة وقد طبعت بختم استوديوا التصوير ( أحلى الأوقات ) وصاحبة الأب الغائب وهذا يعنى انتقال سلمي إلى الاسكندرية حيث يعيش الأب ويعمل ومستقر مع زوجته وأطفاله .

أن الزوجة يسرية تهتم بآمر صديقه طفولتها باعتباره أن ذلك يمثل تجربة فيها بعض المغامرة تحتاج إليها ، كما إنها تحاول الاعتراض ببعض التجدي ، لكن السيناريو يجعل من يسرية مجرد ملحق في قصة سلمي ، ولهذا تندفع معها في مغامرة السفر إلى الإسكندرية برفقه ضحى التي لم تنجح في اختيار التمثيل الذي تحلم به وتتعرض لبوادر الفشل في حياتها العاطفية .

في الاسكندرية تلتقي الابنه بأبيها ، لكنه لايكاد يعرفها ، فهي مجرد رقم في عدد اولادة الكبيرة واحياناً تبدو وكانها مجرد فرد يتردد على استوديو للتصوير اسمه احلى الأوقات .

الأب هنا ( عبد العزيز ) لا يكثرت كثيراً لابنته التي يطمئن إلى حياتها وعملها ، فهو يتركها لأنه اراد لها أن تعيش حياة مستقرة مالياً وهو يتركها لأن لأنها تعمل في شركة كبيرة سياحية وتنوي الانتقال للعمل في نيويورك وهي لاتحتاج إليها بالمعنى الاقتصادي ، وبالطبع لا يستوعب الأب الحاجة العاطفية أو المعنى الوجداني وهذا ما ينطبق على معظم الشخصيات الرجالية في الشريط إن الأب يبدو مجرد شخص عابر ، يغير زوجاته ولايدرك اسماء اطفاله ، وتبقي الأم هي المعنى المستقر الثابت في الوجدان يسرع الشريط عندما يكاد يصل إلى نهايته ، وفي شيء من الكوميديا التي تغلف الشريط في أكثر من موضع ، تضع يسرية مولودها في الأسكندرية برعاية الصديقتين ، وبينما تنسحب سلمي من دائرة الأب ليصبح مجرد ذكرى ، مثلها مثل المشاهد المصورة لطفولتها والتي يعرضها الأب على إبنته في شكل ليس إلا .

الأب هنا هو شخص عابر ، لم تكن الحاجة إليه مهمة إلا بمعنى معين مرتبط بالذكريات ، إنه مجرد وظيفة يمكن أن يقوم بها شخص آخر بديل ، وهذا البديل هو قريب من سلمي وليس بعيد عنها ، إنه زوج الأم ربيع الذي يظهرن النهاية إنه هو المرسل لكل الهدايا في محاولة للقيام بدور الأب .

· غياب وحضور :

أن الأب الفعلي غائب وإنما ، مثلما غاب إبراهيم أيضاً ـ كما امراء السيناريو ـ عن زوجته لحظة الولادة ، ليصبح هو كذلك مجرد شخص عابر ، وخصوصاً وأن لحظة الافاقة قد ارتبطت في نهاية الشريط بالولادة نفسها ، عندما طلبت منه الطلاق بعد أن كان يهددها به طوال المدة السابقة بدون أن تتخذ موثق .

مثل شخصية الاستاذ عبد السلام والتي قدمت بطريقة جيدة يصبح الأب الفعلي شخص عابر بل نجد أن ربيع نفسه ، تسقط صورته النموذجية من جانب آخر لأنه مجرد شخص عابر في حياة ضحي التي حاول التودد إليها في لحظة معينه احتاجت هي إلى صورة الرجل في شكل أب أو عاشق .

هناك لحظات وتفاصيل كثيرة يصعب التعبير عنها إلا باعتماد على ثنائية تجعل من المرأة عاملاً ثابثاً والرجل عامل متحولاً ، المرآة نموذجاً اصلياً والرجل صورة متغيرة ، لاشك أن الأخراج ينجح كثيراً في التعامل مع آله التصوير وهي تتحرك بالاحداث خارج الحوار ، وكثيراً ما تكون هذه أكثر حيويه ، كما أن استغلال صوت محمد منير كان خادماً لتكوين احداث الشريط ، فهو الصوت الذي بحته سلمي وزميلاتها ولكن لم تتم المبالغة في تقديم الاغاني تباعاً وربما كان مشهد الصديقات وهو يلعبث بالكرة من أفضل المشاهد التعبيرية الداله .

لم ينجح الشريط في تقديم بعض المناطق ، من ذلك تركيزة على الشخصية الثانوية الذي يتردد على مكتب الطباعة لطباعة رسالة الماجستير ، رغم أن الهدف منه التوطئه لتقديم بعض تفاصيل العلاقة بين ضحى وطارق .

أيضاً مشهد الولادة الأخير كان بارداً ولم يخدم التصوير داخل الاستوديو فعالية الشريط وخصوصاً وأنه يحتاج إلى حيويه في نهايته كان يمكن أن يضيفها التصوير في الامكنه الفعلية كما أن هناك بعض الارتباك في النهاية ، حيث تعود سلمي من الاسكندرية لتجد ربيع في زيارة لقبد أمها ، وبالتالي تزال الغشارة التي استمرت لسنوات طويله ، تم تعود إلى الاسكندرية لجلب صديقاتها .

صحيح أن هناك نوع من المواجهة بين الصديقات الثلاث بتداخل فيها الماضي مع الحاضر ، إلا أن ذلك مجرد تفاصيل يمكن نسيانها بسهولة في إطار هذا الاختيار النسوي يسيطر بنجاح على احداث الشريط ، وهكذا بعد أن الجزئيات بما فيها العاطفية والذاتية يتم احتواءها مهما بدت كبيرة في المنظور الرجولي .

يتميز شريط ( أحلى الأوقات ) لمخرجته هاله خليل بأنه شريط هامش ، فيه الكثير من الجاذبية ، فهو يتسلل إلى الجمهور بهدؤ وبدون تكلّف أو تعالي ولقد ساعد على ذلك حسن اختيار المملثين بشكل متفاوت ، بحيث يتراكم النجاح بتسجيل النقاط المتتالية وليس بضربه واحدة قاطبة ، وهذا الأسلوب أظن أنه انثوى أيضاً .

ليست هناك تعليقات: