الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

كتاب قائع وأحلام فى مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة للكاتب هاشم النحاس



قراءة فى كتاب

أفلام لا تشبه الا نفسها

هاشم النحاس مخرج وكاتب وسينمائي له اهتمام متواصل بالسينما، أصدر فى السابق عددا من الكتب، أهمها "يوميات فيلم، ونجيب محفوظ على الشاشة، والهوية القومية فى السينما العربية ومحاورات نجيب محفوظ وغير ذلك من الكتب فى مصر والعراق.

كتابة الجديد الذى صدر ضمن سلسلة آفاق السينما التى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فى مصر حمل رقم 48 فى التسلسل، وقد اختير له عنوان (وقائع وأحلام فى مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة)، وهذا يعنى أن الكتاب يتطرق الى هذه النوعية من الأفلام دون غيرها، وهى نوعية لا تجد اهتماما كبيرا فى مجال النشر، مما يزيد من قيمة هذا الكتاب وأهميته ومدى الحاجة إليه.

أما اختيار هذه الأفلام فيقترن بعرضها فى مهرجانات مختلفة، حضرها الكاتب بصفته مشاركا او متابعا، ولذلك كانت الأفلام المختارة متنوعة، تحمل عدة جنسيات وتتناول موضوعات متباينة، وهو أمر لا يمكن تحققه الا فى المهرجانات السينمائية، التى تعرض ألوانا من العروض، يتم اختيارها بعناية، حيث يحرص كل مهرجان على تقديم ما هو أفضل.

يقول المؤلف فى مقدمته: "رغم التفاوت الواضح فى حجم المقالات وطريقة تناولها، وهو ما فرضته طبيعة مكان/وزمان النشر، إلا انها كانت فى مجملها بمثابة محاولات من جانب الكاتب نفسه للفهم والتقويم والمعايشة لتلك الأحداث الفنية فى حينها، وهو ما يمكن أن يجعلها صالحة للقيام بنفس المهمة بالنسبة للقارىء أيضا، وذلك فضلا عن قيمتها التاريخية".

والواقع أن ما قدمه الكاتب هاشم النحاس للنشر ليس الا تجميعا لمقالات نشرها فى دوريات مختلفة، ذكرها فى الهامش، وهنا يمكن أن نقول بأن إطلاق صفة التجميع ليس من السلبية فى شىء، فالمنظور الايجابي لهذا التجميع واضح، من خلال انتقال الكاتب من مهرجان الى آخر ومن أعوام الى أعوام أخرى، ومن خلال تقديم رأى نقدى فى أكثر الأفلام التى تابعها، تنقسم المقالات الى نوعين: الأول يحتوى على متابعة لتلك المهرجانات المنعقدة داخل مصر، والنوع الثانى يحتوى على المقالات التى تابعت مهرجانات عالمية انتظمت خارج مصر.

وسوف نلحظ بالنسبة للنوع الأول إشارات الى أفلام قصيرة قدمها بعض المخرجين ممن حققوا نجاحات واسعة بعد ذلك، وكانت تلك الأفلام بمثابة البدايات الأولى لهم.

على سبيل المثال يشير الكاتب الى بعض الأعمال السينمائية من النوع الدرامى القصير التى أخرجها بعض المخرجين، وعرضت بالمهرجان الخامس للأفلام المصرية التسجيلية والقصيرة، وهو المهرجان الذى اندمج بعد ذلك فيما يعرف اليوم باسم المهرجان القومى للسينما المصرية.

من تلك الأفلام شريط "الصدى" لمخرجه اشرف فهمى، وشريط "مشوار" لمخرجه سمير سيف وشريط "أغنية الموت" لمخرجه سعيد مرزوق، بالإضافة الى التركيز على بعض الأسماء فى بداياتها الأولى عام 1975، ومنها السينارست روؤف توفيق والمصور عبد العزيز فهمى والممثل محمود مرسى والمونتير عادل منير والمصور سعيد شيمة وغيرهم. فضلا عن إضافة أسماء أخرى مهمة مثل محمد فاضل ومحمد حسيب وسمير عوف.

وفى حين كتابة تلك المقالات تظهر بوضوح تلك الرؤية المستقبلية للكاتب فى تأكيده على أن هذه الأسماء سوف تحقق نجاحات جيدة فى المستقبل، وهذا ما كان فعلا.

بنفس المنظور النقدى يمضى مؤلف الكتاب فى صياغة رأيه، فبعد أن يقصص قصة الفيلم فى سطور قليلة، أو يتحدث عن فكرته الرئيسية، يقدم رأيا نقديا سريعا ومختصرا، وهو رأى يغلب عليه الطابع الايجابي، لأن الأفلام التى يختارها المؤلف هى مبدئيا جيدة، وتبقى فقط عملية اكتشاف نسبة الجودة فيها أو تقدير قيمة هذه الجودة.

اما الملحوظات المطروحة حول أي فيلم من الأفلام، فهى تأتى فى شكل تساؤلات تبحث عن إجابات، وهذا الأمر يتكرر فى أغلب المتابعات السينمائية.

هناك أيضا صفحة إضافية اسماها المؤلف (أما قبل) وهى مجرد تقديم لكل موضوع من الموضوعات، توضح موقع المهرجان الزمنى من خريطة المهرجانات، وكيف بدأ وكيف تطور، وما هى التسمية التى يحملها فى زمن تأليف الكتاب، وهو زمن بعيد نسبيا، حيث يذكر على سبيل المثال بان الدورة الأخيرة للمهرجان القومى للسينما تحمل رقم "9" لسنة 2003، بينما صدر الكتاب فى عام 2006، وكان من الأفضل ان يتدخل الكاتب بالتحوير فى جميع المقدمات، كما أن متابعاته توقفت عند عام 2003 بالنسبة لبعض المهرجانات، مثل مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، وكان يمكن للإضافات المقترحة أن تعلى من شأن الكتاب، وتجعله متجددا بالتواصل مع بضع المهرجانات التى تتماشى مع فكر الكتاب العامة.

يختار الكاتب هاشم النحاس التركيز على المهرجان القومى العاشر للأفلام التسجيلية والمتحركة والذى انعقد عام 1980 ويصنف الأفلام المختارة الى عدة أنواع، منها: ـ أفلام الشخصيات، وأفلام الصور الاجتماعية، وأفلام المشاريع القومية وأفلام خاصة بمشكلة الإسكان، وأفلام المناسبات وأفلام الزراعة وأفلام الرسوم المتحركة.

ومما يلاحظ على متابعة المؤلف للأفلام الجودة فى تقديم الملخصات، وكذلك وجود رأى نقدى مصاحب، فى الغالب، له علاقة بالإيقاع أو الزمن او وجود التعليق أو التكرار.

من المهرجانات التى يتناولها المؤلف محليا مهرجان الإسكندرية السينمائى فى دورته لسنة 2003، حيث عرض المهرجان بانوراما خاصة بالسينما الفلسطينية، فيها بعض الأشرطة التسجيلية الفلسطينية، وهى شريط "فدوى" حكاية شاعرة من فلسطين لمخرجته ليانا بدر وشريط "أطفال شاتيلا" للمخرجة مى المصرى وشريط "العودة" لعمر القطان وشريط "توتر" لرشيد مشهراوى.

ومن الطبيعى ألا تجد هذه الأفلام نقدا واضحا فى شكل ملحوظات صغيرة أو كبيرة، لأن الجانب السياسي يغطى عن بعض الهفوات، ورغم الاعتراض بوجود بعض الأشرطة الجيدة مما ذكره المؤلف، إلا أن الترحيب بمجمل الأفلام حول القضية الفلسطينية يبدو واضحا فى الكتاب، وهذا ما نجده عند التعرض الى أفلام عرضت فى بعض المهرجانات مثل بعض دورات مهرجان من القاهرة للإذاعة والتلفزيون، والمهرجان الدولى لأفلام وبرامج فلسطين فى بغداد فى دورته الثانية والأخيرة عام 1978، وكذلك فى مهرجان لايبزغ الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1974 بألمانيا الشرقية آنذاك.

لابد أن نذكر هنا بأن التقييم الفني هو المعيار الذى يلازم أحكام والمقدمة التى يطلقها المؤلف بتحفظ شديد، مع توفر الخلفية السياسية والاجتماعية والتى تؤخذ بعين الاعتبار دائما.

يقول مؤلف الكتاب: "لعل القارىء قد يلمس بنفسه تجنب المقالات إطلاق الأحكام المغلفة بعيارات أدبية دون تبريرات فنية، واعتمادها أساسا على التحليل، وهو ما قد يجعلها قابلة للنقاش ويمنحها القدرة على تجاوز منا سباتها، لتصبح قابلة للقراءة فيما بعد".

وإذ نلتقط دعوى الاعتماد على التحليل النقدى، سنجد أن فى الأمر بعض المبالغة، فقد تتوفر القراءة النقدية أحيانا، لكنها بعيدة عن التحليل، وخصوصا وأن مشاهدة الأفلام فى المهرجانات السينمائية تكون فى الغالب سريعة ولمرة واحدة، وهذا لا يسمح بالتحليل، بقدر ما يسمح بالرأى السريع المبدئى، سوف نكتشف ذلك فى متابعة المهرجان الدولى للأفلام القصيرة فى كليرمون بفرنسا، وكذلك مهرجان أوبرهاوزن الدولى للأفلام القصيرة فى ألمانيا ومهرجان لايبزغ الذى سبق ذكره بالإضافة الى مهرجان الإسكندرية ومهرجان بغداد.

ان الفرصة الوحيدة التى سمحت بتقديم عرض تحليلى، تتمثل فى العروض التى قدمها نادى السينما بالقاهرة، عندما اختار الأفلام الفائزة بالجوائز الأولى فى مهرجان أوبرهاوزن وعددها عشرة أفلام، وقد سمحت ظروف العرض بإعادة مشاهدة الأفلام لأكثر من مرة، وساعد ذلك على التوسع فى النقد وتقديم القراءة المركزة القريبة من التحليل. وبالتالى فان الموضوع المسمى "فى الأفلام التسجيلية والقصيرة" عوامل الإبداع السينمائية هو أفضل عروض الكتاب النقدية، حيث نقرأ مقاربات نقدية سينمائية لمجموعة أفلام سينمائية تسجيلية مثل شريط "الـ. بي. جي" للمخرج الكوبي سانتياجو الفاريز، وشريط (جليد) من بريطانيا لمخرجه جيوفرى جونس، وشريط "حلم الخيول البرية" من فرنسا لمخرجه دينيس كواومب دي دونان، وأيضا شريط "تشريع حركة من فرنسا لمخرجه فرنسوا مورييه وشريط الرسوم المتحركة "البديل" من يوغسلافيا سابقا وكذلك شريط المعركة من بريطانيا.

يتوسع المؤلف أيضا فى دراسة الأفلام الروائية القصيرة، كما فى شريط (البدين والرفيع) من فرنسا للمخرج رومان بولانسكى وشريط (شريحة زمن) من امريكا لمخرجه جيم هنسون، وشريط الأرق من فرنسا لمخرجه بيير اينيه وشريط "الشقة" من تشيكوسلوفاكيا سابقا.

ومن خلال قراءة المقالات النقدية الموسعة التى صاغها الكاتب والتى يصل عددها الى "22" موضوعا وغطت حوالى 200 صفحة سوف نجد أنها كتبت بأسلوب سهل وواضح وقريب الى القارىء، وسوف نجد ان التحليل النقدى يسير عبر اتجاهين، الأول عبارة عن عرض لأهم أساسيات الشريط ومفاتيحه الفنية، وإبراز الجوانب التكوينية التى يحتوى عليها، وخصوصا التركيز على العلاقة بين الصوت والصورة.

الاتجاه الثانى، يشبه التحليل المشهدى للفيلم من البداية الى النهاية ومع بعض الاختصار فى طرح الموضوع والأفكار.

وفى كلتا الحالتين، فإن مؤلف الكتاب ينجح بشكل ملحوظ فى إيصال آرائه الى القارىء، لأن المعانى تبدو عنده واضحة قبل وصولها الى المتلقى.

بشكل عام، فى الكتاب الكثير من الايجابيات والتى تظهر مع تحقق الخبرة المكثفة التى تتنامى وتفرض نفسها فى التعامل مع الأفلام، بعين مفتوحة، ورحابة صدر، وبدون أفكار مسبقة.

إضافة الى ذلك، فقد أورد رئيس تحرير السلسلة الناقد أحمد الحضرى فى نهاية الكتاب كشافا لأسماء الأفلام المذكورة، وهذه مسألة تدخل ضمن اهتمامات هذا الناقد، وقد سبق أن تعامل معها فى السابق.

لقد احتوى الكشاف على أكثر من مئتي شريط، وجميعها عرضت فى مهرجانات متباعدة زمانا ومكانا، لكنها تحتوى فى جوهرها على الحيوية المتدفقة التى يكتنزها الفيلم التسجيلي والروائى القصير

ليست هناك تعليقات: