الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

مايكل مان في مجرد فيلم من الأفلام:




الجاذبية التي يمكن مقاومتها

من الصعب القول بأن معظم تلك الأشرطة السينمائية المعتمدة على مسلسلات تلفزيونية قد أخذت طريقها نحو النجاح، فأكثر التجارب كانت سلبية، وهذا ما حدث مع الانتاج الأمريكي الذي حاول استثمار نجاح المسلسلات فاقتبس بعضها في أفلام مفردة بالاعتماد على نجوم السينما بالدرجة الأولى، وعلى طريقة انتاج مغايرة وربما معالجة تبتعد جزئيا أو كليا عن الأصل.

هذا ما حدث لشريط الهارب 1974 المعتمد على مسلسل بنفس الاسم وشريط المنتقمون 1992 وشريط الساحرة 2004 وأخيرا هذا الفيلم ميامي فايس أو جرائم ميامي حسب ترجمته العربية التجارية ، إنتاج منتصف 2006 والذي عرض في معظم الاقطار العربية. ورغم ذلك فإن النجاح التجاري ، له مواصفات لدى الجمهور يصعب التحكم فيها أو تقديرها وشريط جرائم ميامي هو نموذج دال.

لقد حقق نجاحا تجاريا جيدا بصرف النظر عن المسلسل الأصلي، لكن هناك في نفس الوقت تراجع على المستوى الفني بالنسبة لنوعية الفيلم البوليسية، والأهم من ذلك التراجع الذي أصاب المخرج المعروف مايكل مان ، فقدم فيلما لا يشكل إلا رقما جديدا مقارنة بأفلامه السابقة ومقدار الطموح المتوقع منه.

الميل إلى المغامرة

المخرج الأمريكي مايكل مان اشتهر فعليا بذلك الشريط المعروف (آخر ايام الموهيكان 1992) وإن كان قد قدم قبل ذلك بعض الأفلام مثل العود إلى القمة 1971 وشريط الرجل الصياد 1986 وشريط اللص 1981 وكانت النقلة الرئيسية بشريط حرارة 1995 ثم شريط على 2001 وشريط الرجل المطلع 1999 والشريط المهم الكفيل 2004.

نلاحظ من مجمل الأفلام المذكورة بأن المخرج يميل نحو المغامرة بشكل عام، وهو أقرب إلى تقديم أفلام الحركة والعنف ولكن بشكل ظاهري فقط لأن المحتوى يفرز مضامين فكرية لها قيمتها تستجيب لشكل الفيلم وتخرج عنه في نفس الوقت ولعل شريط الكفيل دليل واضح على ذلك.

يتفنن المخرج مايكل مان في تقديم مشاهد المطاردة والعنف واستعمال السلاح بأنواعه وإذا لم يكن ذلك متحققا فهناك مشاهد مطولة أخرى عنيفة كما في فيلم على عندما أفرد مساحة كبيرة لحلبة الملاكمة على حساب الاعتناء بشخصية محمد على كلاي نفسه.

في هذا الفيلم جرائم ميامي الكثير مما ذكرناه سابقا ويضاف أيضا افتقار الفيلم إلى الحدث الواضح الصريح وفقدان العقدة التي تبنى عليها الأحداث، مع تقديم شخصيات غير قابلة للتطور والنمو وغير ذلك من سمات العمل السينمائي الذي يقبل عليه الجمهور، وفي نفس الوقت ترفع من مستوى الشريط من ناحية فنية.

رغم ذلك فإن الخبرة والثقة بالنفس تدفع نحو المغايرة والاختلاف وتحقق بعض النجاحات ، ومن غير المخرج مايكل مان بإمكانه المجازفة والاندفاع نحو تقديم ما هو غير مألوف أو معتاد والذي يحطم كل القواعد المتفق عليها.

لا يختصر الفيلم المسلسل بل ربما اختار حلقة من حلقاته مع بعض الاضافات، ولا ننسى أن المخرج كان بنفسه منتجا مسؤولا للمسلسل حين عرضه عام 1984 وليست هذه هي المرة الأولى التي يعيد فيها انتاجا تلفزيونيا فشريط حرارة كان أيضا فيلما تلفزيونيا انتقل إلى السينما بنجاح كبير. يعتمد فيلم جرائم ميامي على شخصيات رئيسية وثانوية معينة وهو في ذلك لا يختلف عن المسلسل فمثلما عرف المشاهد بعض الأبطال الذين يتكررون لحلقات كثيرة مثل الشرطيين سوني كروكيت وريكارديو توبس قاما بدوريهما في المسلسل دون جونسون وفيليب توماس، كذلك في الفيلم على نفس الرجلين مع اختلاف الممثلين ، أما الشخصيات الأخرى فهي مختلفة تماما من حيث نوعية الاختيار في الوظائف والشكل وأساليبهم في التعامل.

ثنائي بشخصية واحدة

إن الاختلاف فرضه الزمن فمجريات أحداث الفيلم تتطلب استعمال الهواتف النقالة والطائرات العمودية الحديثة والقوارب.. يبدأ الفيلم بفشل رجال جهاز الامن في الكشف عن عالم المخدرات في المنطقة القريبة لمدينة ميامي وفي الحدود المشتركة بين عدد من الدول منها الارجنتين وكوبا والباراغواي وهاييتي أي المنطقة التي تجمع أمريكا بحرا مع عدد من دول قارة أمريكا اللاتينية وحيث يتم شحن المخدرات بحرا وجوا وبكميات كبيرة فشلت أجهزة الأمن في الكشف عنها.

من هنا تتم الاستعانة بشرطيين من منطقة أخرى وهما كروكيت وريكارديو للانتقال إلى جنوب فيلادلفيا لإيقاف عمليات التهريب والانتقام لثلاثة قتلى من الشرطة.

إن فيلم جرائم ميامي يعيد مشاهد سبق أن شاهدها الجمهور في الأفلام البوليسية كثيرا ، مثل مشاهد التكليف بالعملية والاستدعاء من إجازة أو حفل استمتاع ساهر يقطعه الشرطي لكي يباشر عمله الجديد وهي مشاهد تكررت في الأفلام البوليسية التي كانت تعرض زمن عرض المسلسل، أي في منتصف الثمانينيات ومن الطبيعي أن يكون لكل شرطي تم اختياره عشيقة خاصة، وهي بالنسبة لريكارديو إحدى أفراد الشرطة المتعاونات وهي الفتاة برودي بينما صارت مع استمرار الأحداث للشرطي كروكيت عشيقة من الجانب المقابل وهو الطرف الخصم الذي اندمج معه ودخل إلى عالمه الخفي.

لقد كان مطلوبا من الثنائي أن ينغمسا في عالم المخدرات ويعملا به بطريقة سرية حتى يكشفا كل الخفايا وفعلا يحققان ذلك جزئيا، في البداية ثم ينتهي الفيلم بالتخلص من بعض الشخصيات وكذلك الكشف عن المروجين الرئيسيين والمزودين الاقطاب من خارج أمريكا وداخلها.

كما قلنا لا توجد عقدة واضحة في الفيلم، والشخصيات لا تتطور كما لا يوجد تغيير كبير على محيطها المهني والاجتماعي والأهم أن الشخصيات ليس لديها أي بعد نفسي أو خلفية اجتماعية بل هى مجرد شخصيات مسطحة تعمل على سياق خارجي ولا يكاد الجمهور يتفاعل معها وإن كان يتابع ما تقوم به من تحركات ومغامرات في البحر والبر وفي أماكن غير مألوفة كثيرا.

قام بدور كروكيت الممثل كولين فاريل وهو الذي اشتهر بدوره في فيلم الاسكندر 2005، للمخرج أوليفر ستون بالاضافة إلى أدوار أخرى مثل المجد والعظمة 2003 والعالم الجديد 2005 ، وفي كل الأدوار التي قام بها لم تترسخ شخصيته كممثل ويبدو في هذا الفيلم جرائم ميامي غريبا عن الدور، من الملابس غير المسؤول عنها إلى طريقة التعبير المرتبكة ومن عدم الحضور الجيد إلى الجدية المبالغ فيها.

ولسنا ندري هل السبب يعود إلى المخرج أم الممثل ولكن النتيجة سلبية مع الإشارة إلى أن الفيلم البوليسي لا يحتاج إلى عناء كبير في التمثيل ولذلك اعتبر هذا الممثل مقبولا في هذا الدور.

أما جيمي فوكس، صاحب الاوسكار فوضعه أفضل لكن شخصيته جامدة لم تترك ولم تتطور أو تتغير بحسب تصور المعالجة السينمائية والحدث الوحيد الذي واجهته الشخصية هو القبض على ترودي من قبل أفراد العصابة عندما اكتشفوا سر العميلين ثم مساعدته على تحريرها.

في العادة وعندما تكون البطولة ثنائية، فإن إحدى الشخصيات تكون مختلفة عن الأخرى أو تكمل إحداهما الاخرى، كما في شريط الكفيل مثلا لنفس المخرج، ولكن في هذا الفيلم لا اختلاف بين الشخصيتين إلا أن إحداها بيضاء اللون والاخرى سوداء، وكذلك الامر بالنسبة للعشيقين في نفس الاطار تقريبا تقف الممثلة كونغ لي الصينية فقد قامت بدور إيزابيلا المشاركة في عمليات التهريب وهي العشيقة الرئيسية مبدئيا لأحد الأقطاب وهو زعيم التهريب مونتويا وقد قام بالدور الممثل لويس تومار.. ثم بعد ذلك وبطريقة سريعة جدا تصبح عشيقة الشرطي الخفي كروكيت وتعاملها جماعات التهريب على أنها من الأطراف الأخرى المضادة.

لم تكن كونغ لي في أحسن حالاتها فهي أصلا غير ملائمة بالدور بكل البرود المسيطر عليها واحتشامها الداخلي الذي لا يجعل منها سيدة أعمال في مجال تهريب المخدرات وبالتالي فهي أكثر الممثلين بعدا عن الإقناع وخصوصا وأنها مطالبة باستخدام لغة إنجليزية تجمع بين أن تكون صينية وكوبية في نفس الوقت.

لم تقدم هذه الممثلة في السابق أشرطة حركة وخصوصا إذا كانت الشخصيات المختارة ذات طبيعة خارجية مسطحة وأفلامها الصينية التي برزت فيها كانت تعتمد على الأدوار الحركية الواضحة ذات الطبيعة الدرامية كما في شريط سورجام 1989 وشريط قصة كيوجو 1993 وشريط ارفعوا المصابيح الحمر 1992 وشريط مذكرات فتاة الجيشا 2005.

من جانب آخر كانت الشخصية النسائية المقابلة لها أفضل حالا وهي ترودي وقد قامت بادور الممثلة نومي هاريس والتي عرفت من خلال عملها في شريط قراصنة بحر الكاريبي بجزئيه الأول والثاني.

تضارب هادئ وبطيء

أما ما يتجاوز الشخصيات فهو ذلك التضارب في إيقاع الفيلم وهو تضارب يلبي حاجة الجمهور أحيانا ونقصد بذلك أن الشريط له طابع المغامرة والحركة ولكن لم نجد توضيحا سريعا وكذلك لم نجد ذلك المونتاج السريع المعتمد على سرعة استخدام الكاميرا من زوايا مختلفة.

إن فيلم جرائم ميامي يبدو هادئا وبطيئا، بل يتحول إلى شريط رومانسي في منتصفه عندما يلتقي كروكيت بإيزابيلا ويتحولان سويا إلى عاشقين ينتقلان بالقارب السريع عبر المحيط ويعيشان على شواطئه حينا من الوقت، يخفي وراءه مكائد كثيرة، أهمها القبض على إيزابيلا نفسها مما يتطلب دفع فدية كبيرة لأجل إنقاذها.

بالاضافة إلى ذلك قدم الفيلم مشاهد كثيرة لا أهمية لها، تصوير العلاقات الغرامية الحميمية لبطليه، والتي لم تكن مقنعة، مثلما لم تكن مقنعة أيضا وظيفة الشرطي التي ألصقت شكليا بأبطال الشريط.

أما الكاميرا والتي بدت أقرب إلى كاميرا الديجيتال فقد سرحت طولا في مشاهد بلا حوار، بل مجرد لقطات عامة لطائرة عمودية تخترق السحب، وأحيانا لذلك الحيز المكاني الذي يشمله المحيط، أو الأماكن الخفية التي يتعامل معها رجال العصابات ، أو عرض راقصة في ناد ليلي، وهنا بدأ التصوير وكأنه تسجيلي حيث لا يترك الحدث ولا تتدخل أية شخصية وهذا أتاح للمخرج أن يقدم الكثير من المشاهد الكبيرة التي عرف بها، والتي تكررت في أفلام سابقة موازية وليست متشابهة، ومن ذلك المشهد الافتتاحي الذي تحدث فيه جريمة قتل في ناد ليلي مليء بالشخصيات والعروض والغموض والذي يجمع بين الإمتاع والاحساس بالخوف.

أيضا المشهد الأخير عندما يتم إنقاذ برودي من قبضة رجال التهريب في مقابل إطلاق شحنة المخدرات التي تعهد كل من كروكيت وريكارديو بإيصالها عن طريق البحر والجو.

إن المخرج مايكل مان لديه القدرة الفنية المهارية للسيطرة على أي فيلم يخرجه ، مهما كانت درجة اختفاء الحدث البارز ومن الطبيعي أن يأتي فيلم مقتبس من مسلسل ناجح مبشرا بحكم الالتزام بالخيوط الرئيسية للحدث، ومحاولة إيضاح خطوط كثيرة في مساحة زمنية محدودة.

مع كل ذلك فالفيلم ليس أمينا للمسلسل، رغم أن الحنين هو الذي يدفع بعض الجمهور لمتابعة الفيلم الجديد، من خلال الاسم تقريبا الذي يكفي وحده لإعادة بعض الذكريات القديمة نسبيا والتعرف على نجاحات سابقة بالنسبة لجمهور آخر.

في أحد المشاهد يقول كروكيت لإيزابيلا : "إن الاحتمال هو الجاذبية ولا يمكن مقاومة الجاذبية".. ورغم أن هذا القول لا يحتمله الشريط، وهناك صدفة واضحة في تضمينه على نجاح شرطة ميامي في الكشف عن أوكار المهربين والذين تصورهم السينما الامريكية على أنهم دائما من دول مجاورة وقياسا أيضا على نجاح الشريط أو عدم نجاحه بفعل الاحتمال وليس غيره والذي يؤدي إلى جاذبية معينة، ربما لا يستطيع جمهور كثير أن يقاومها، ولكن الجمهور الاكثر وعيا يمكنه أن يفعل ذلك، فشريط جرائم ميامي بلا جاذبية ، خاصة وإن كانت به جاذبية فيمكن مقاومتها.



ليست هناك تعليقات: