الثلاثاء، 2 سبتمبر 2008

شريط من هونج كونغ IN THE MOOD FOR LOVE

شريط من هونج كونغ

البرودة الساخنة في ( مزاجية الحب )

يختلف الإنتاج السينمائي في مدينة مثل " هونج كونغ " عن باقي الإنتاج السينمائي الصيني ، والسبب يعود إلى أن هذه المدينة قد استسلمت نهائياً إلى معطيات الحضارة الحديثة ، فهي لاتكاد تختلف كثيراً عن مدينة مثل طوكيو مثل أو نيويورك أو غيرها من المدن المزدحمة بالسكان في ظل تطور تقين كبير والزحام في عدد السكان وصغر مساحة الأرقي المخصصه للسكن .

ولا نريد أن ندخل في الإجواء السياسية المرتبطة باختلاف انتاج هونج كونغ عن باتي الإنتاج السينامئي إن من الطبيعي أن هنا الانتاج المحدود له سمات وخصائص أكثر مرونه والتصاقاً بالانتاج في أوربا وامريكا ، بل هو يفرخر بالمشكلات التي يمكننا أن نعتبرها مقترنه بسلبيات الحضارة المعاصرة في بعض مظاهرها رغم التقدم الثقن والصناعي بالمدينة ، وربما توفر مناخ من الحرية في التعبير يختلف كثيراً عن الصين الدولة الأم .

وهذا الشريط الحائز على جائزة سيزام المؤنسية السنوية لأفضل شريط لسنة 2001 في فرنسا على اعتبار أن الشريط فرنسي الانتاج أولا ثم صيني من هونج كونغ في المستوى الثاني ، ولكن يمكن اعتبار هذا الشريط ضمن خارطة الصينية الحديثة ، ولا سيما أن مخرجه هو المخرج " ونغ كار واي " والذي سبق أن قدم اشرطة مهمه مثل " نسعد سويا " وكذلك شريط " الملائكة تنحدر " .

لوهله الأولى يبدو هذا الشريط صعباً وعسير على الفهم ، فهو لا يكترث كثيراً بالنتاج السردي والامتاع الدرامي ، لأنه يدور حول نفسه من البداية إلى النهاية ، حتى أنه يديك المشاهد أحياناً فيجعله في وضعيه من حيث ادراك الغاية التي يناور الشريط من أجل ابرازها .

والأمر ربما يكون واضحاً أكثر إذا قلنا بأن هذا الشريط " في مزاج الحب " لايروي قصه ولا يقدم تفاضيل لقصة ، بل هو ينسج موضوعاً يطرحه ولا يتقدم به إلى الأمام ، لأن الهدف ليس الوصول إلى غايه محدده ، بل عرضه قضية والتعبير عن حاله معينة ، مستمدة طريقه التعبير من خصوصيات تلك الحالة نفسها .

ربما لا يعطى عنوان الشريط الايحاد المطلوب ، لكن الشريط يتماوج في طريقته التعبيرية ، فالحالة المزاجية التي يمكن أن يعبّر عنها الحب المتوقع لاتكتمل ، بسبب القلق النفس للشخصيات والظروف التي تعيشها ، تحت ثقل المدينة المحاصرة بالجدران نفسها والثياب نفسها والاشيادو المواد التي تتشابه كل يوم وتتكرر في كل لحظه في رتابه قائمة ، سببها حياة المدينة الضاجه بالسكان من الناحية ، والدافعه إلى الخوف والعزله وانكماش من ناحيه أخرى .

نحن لانستطيع أن نعتبر هذا الشريط نموذجاً بالمشكله مصاغه وفق نمطيه معينه ، وتعبر عن قاعده كليّه ، ولكنه يحتوى على وجهه نظر معينة ، يدفع بها الشريط بقصد ايصال الرأي النقدي في جوهر العلاقات بين أفراد المجتمع المعاصر ، وفي الصين تحديداً ، في مرحلة معينه ، تبدو فيها أقرب إلى معايشه نفس مشكلات الفرد في العالم الغربي .

يبدأ الشريط بوصول عائله الفتاة تسو للسكن في حي جديد ، إلى جوار تشو الساكن الجديد أيضاً ، ويظهر السكن أقرب إلى الفندق ، بحيث تتلاصق الحجرات وتتداخل الممرات الضيقة ، فلا يكاد أحد السكان يميز الحجرة الخاصة به بسبب هذا التشابة ، ومنذ البداية ، تختلط ادرات " تشو " بأدوات الفتاة تسو ، ثم تبدأ الحركة الاعتيادية ، لندرك أننا أمام عودة إلى الخلف في مشاهد تشارك فيه أسرة تسو وأسرة تشو ، ولكن المهم هو الزوجة والزوج في غياب كامل الزوج والزوجه بالتبادل لأن العلاقة تنبني على غياب وحضور ، غياب الزوجة مع زوج تسو وغياب الزوج مع زوجه تشو ، وتقدم إلينا العلاقة الظاهرة وصفاً لعلاقة أخرى غائبه .

لكن كل ذلك ليس له دلاله مباشرة ، لأن المهم هو اجواء الرتابه والتكرار التي جعلها الشريط خلفية مسيطرة ، ورغم أن الأحداث تقع في الستينات إلا أن انعكاسها الزمني يظهر في زمن لاحق ، مع تفاقم المشكلات الخاصة بالافراد بتأثير من المحيط والبيئة .

لاشيء يتجدد ، وكل شيء يتكرر ، من اللازمه الموسيقية التي تتكرر دائماً بنفس النغمه ، إلى حركة اجساد الممثلين ، في ذهابهم إلى العمل وعودتهم من نفس المدخل الضيق الذي لايسع إلا لحركة جسد واحد ، الاجسام دائماً بالطول والملابس رمادية بنفس التصميم تقريباً مع اختلاف بسيط في الألوان .

نفس العمر ونفس اللقاء ونفس الانعطاف اليومي ونفس التحية الصباحية ونفس الرد المسائي ونفس العلاقات الباهته رغم الاندماج الكلي في مكام شبه موحد .

من خلال التفاصيل والجزئيات التي تكشف عنها اللقاءات العابرة بين " تسو " وتشو " نعلم بأن زوج كل منها يكسر الرتابه بالسفر ، فهما في عمل خارجي مستمر ، ومن خلال الهدايا المتبادلة أيضاً يجد كل منهما نفسه وهو يملك نفس الهدايا ، فعندما يشترى الزوج الغائب هديه لزوجته ، يشترى نفس النوع لعشيقته وكذلك الأمر بالنسبه للزوجة الغائبة .

أما ما يراه المشاهد أمامه من أحداث ، فهي من النوع البارد الرتيب الذي يطرح انعكاساً للاحداث أخرى لانعلم عنها شيئاً .

لا أحد يتقدم من الشخصيتين ولا أحد يتأخر ، هما يسيران في خطيين متوازين لايلتقي أحدهما بالآخر ، وإذا تصادف أن جمعها بيت واحد ، فهناك خوف دائم من لحظه انكشاف ، وفي الحقيقة هناك خوف داخلي وتردد وخوف من المبادرة ، رغم أن الظروف كلها مهيأة ومناسبة . لكن قصه الحب ، والتي يمكن اعتبارها أيضاً ردة فعل ، لاتتم ، وأفضل المشاهد المعبّرة عن ذلك مشاهد المطر الذي يهطل بغزارة في الخارج ، يمكن الانتظار يستمر واللقاء يتم تحت المطر وبالقرب من مكان السكن ، ولكن المظله يستعملها شخص واحد ، والآخر بعيد عنه داخلياً وخارجياً .

إن المسافات بين الاشخاص تبدو شاسعه ، ولكن اجواء الشريط ضيفة ، إذ لا تبارح آله التصوير مكانه المألوف ، الغرف الصغيرة الخائفة والزفاق الضيف الذي إلى محل لبيع ( المكرونة ) المعجنة وبكيفة واحدة لاتبدل ، وإذا حدث وانتلقت آله التصوير إلى مكان عمل " تشو " مؤسسه صحيفة ، فبلا هدف محدد إلا لتصوير الرتابه في العمل ، وهي نفس الرتابه تقريباً التي تجدها الفتاة تسو في مكتبها وفي حديثها مع مديرها في العمل .

يحاول الصحفي تشو أن يكسر الصمت والتكرام بتأليف رواية جديدة ، لكنه يدور حول عمله وسكنه وعلاقاته الرتيبه بدون أن يشرع في التنفيذ .

والعجز البادى هنا لا نستطيع أن نجدله تبريراً ظاهرياً ، لكنه عجز مكبوت وداخلي وينعكس على السلوك فقط ، بينما تبدو الوجوه والاجساد عفيّة ونشطه ومتحركة نحو لا غاية ، إلا التردد والانكماش .

ويمكن للمشاهد أن يتصور ما يحث في الجانب الآخر عند الطرفين الغائبين فهما أفضل حالاً لكن الشريط يحاول أن يقرّب للمشاهدين الصورة التي انعكست عليها الأفعال ، باعتبارهما شريحة تكون تفاصيل اليوم بدون جدوى أو ممارسه فعل حقيقي .

يمكننا أن نعتبر ذلك قصه حب ، لكنه حب دفع كل من الطرفين إليه ، ومع وقف التنفيذ والإجراء ، يبدو الحب وكأنه حاله من حالات الانكسار ، رغم أنه أقرب إلى أن يكون عامل جذب على الصعيد المعنوى والحسي ، ومع توفر عامل طارىء ، وهو افتراض وجود رده فعل على الخيانه ، إلا أن الأمور تسير نحو طريق مسدود .

في الشريط مشاهد متميزة ، صاحبتها معزوفة ثابته ، ومن ذلك مثل المشاهد البطيئه التي تظهر حركة الاجسام في استدارات روتينيه ، وكذلك المساحات الصغيرة التي تترك فيها الشخصيات ، وردود الأفعال الباردة في اللقاءات الثنائية الكثيرة .

إن شريط " مزاجية الحب " هو من الأشرطة التي تقول اشياء كثيرة وراء الحدث ، لأنها لا تفسر ولا تشرح ولكنها تصور فقط حالات على السطح ، وعلى المشاهدين أن يقدموا التفسيرات والقراءات الداله على تتابع المشاهد وسلوك الشخوص في هذه الصور الرمادية الباهته .

إن " مزاجيه " الحب من الأشرطة التي لاتنسي ، لأنه يتعامل مع فن الصورة ، وبايحاء واختصار وكلام قليل ، يصل إلى الجمهور ، ولكن أي جمهور ، إنهما كان الأمر ، يظل جمهور هذا الشريط محدودا وفي نطاق ضيق .



ليست هناك تعليقات: