الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

حول طوق الحمامة المفقود

بحثاً عن أندلس مفقود!

من الأشرطة العربية التي يتذكرها المشاهد ولا ينساها شريط (طوق الحمامة المفقود) لمخرجه التونسي ناصر الخمير، والذي سبق له أن قدم شريطاً بعنوان "الهائمون"، له نفس الإيقاع والمذاق والخصوصية.

شريط الهائمون من إنتاج عام 1991 ف تحصل على عدة جوائز عالمية وأهمها جائزة مهرجان لوكارنو بسويسرا عام 1991 ف وجائزة مهرجان الخريبكه بالمغرب عام 1992 ف.

تعود قصة الشريط إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وفي قمة الحضارة العربية بالأندلس، إذ يتعلم (حسن) كتابة اللغة العربية، ويقضي أيامه في البحث عن معنى (كلمة حب) التي يود أن يقولها لأميرة سمرقند.

يموت حاكم المدينة وتندلع الثورة في المدينة، فيصطحب العجوز حسن عزيز معه لأجل البحث عن الأميرة، حاملاً معه كتاب الحب الأعظم.

أثناء الرحلة يعثران على كتاب (طوق الحمامة المفقود) وهو الكتاب الذي كتبه ابن حزم وظن الناس أنه ضاع، ولا شك أن العثور على الكتاب هو رمز للعثور على الأميرة والوصول إلى العدالة، في جانب آخر يحاول حسن أن يبحث عن جزء من مخطوطة مفقودة كما أنه يبحث عن معاني الحب المتعددة (ستين درساً في الحب) يبقي حسن بين الحقيقة والخيال ورسم أميرته لا يفارقه أبداً ولكن التعصب والصراعات من أجل السلطة تذهب بكل أحلامه.

لا شك أن (طوق الحمامة المفقود) هو شريط فريد من نوعه كما أشار إلى ذلك بعض النقاد، وهو يتضمن العديد من المعاني وفيه شخصيات حقيقية ومتخيلة، ويطوى في أعماقه رؤية حزينة حالكة إزاء الحضارة العربية الضائعة والإنسان العربي المأزوم ونفس الرؤية تقريباً نجد لها تنويعات عند جيل من المخرجين المعاصرين في الخيالة العربية.

ولكن تبدو الرؤية عند هؤلاء المخرجين الذين يعيشون بأوروبا أو ممن تربطهم بالثقافة الأوروبية علاقة قوية، تبدو هذه الرؤية أكثر جلاء ووضوحاً، بحكم الانتماء الثقافي وبحكم التاريخ والجغرافيا والنظرة الخارجية التي يغذيها أحياناً التعاون المشترك في الإنتاج السينمائي مع أوروبا.

لقد اعتبر كتاب (طوق الحمامة المفقود) من الكتب المهمة باعتباره درساً في الحب وفي الألفة في العصر الوسيط، شرقاً وغرباً ولا شك أن الشريط يحاول أن يرقى إلى مستوى الكتاب، فهو لحن بصري وصوتي جميل، لا يقل جمالاً أو حزناً من ذلك الشجو المبهم الغامض الذي يتردد على لسان أميرة سمرقند، ومن فرط اللوعة، فقد أماتت الأصوات الحزينة أوراق الشجر وأصابها الذبول، وكانت هذه الأميرة تبحث بدورها عن عاشق يتراء لها في الخيال والمنام.

لقد ظلت الأميرة تجوب الوديان وتقطع المسافات الطويلة بحثاً عن هذا العاشق، وحينما لم تجده، ظل الغناء يتردد في الأرجاء ويعصر القلوب، وغناء الأميرة هو اللحن الذي نسمعه في نهاية الشريط، بعد أن تتلاشى الصور الوردية، وتحل النهاية المؤسفة، ويتبدل لون الرمان، ليصبح رمادياً، أقرب إلى حالة الغروب واختفاء الحلم وتلاشي النور.

إن المخرج يختار لحظة النهاية لواقع جميل، كما يقول أحد النقاد، وهذا الواقع تنهيه الصراعات بين المستضعفين والحروب التي يشنها البعض ضد الآخرين.

المخرج أيضاً يختار المكان الزمان المعلقين في الهواء، في إطار الأندلس بدون إشارة واضحة، مجرد مدينة اسمها الأندلس وقرن يدعى القرن الحادي عشر الميلادي.

الأندلس هي جوهر الحب وخلاصته وهي التعبير عن الرغبة في السلام الذي يصعب تحقيقه.

إن قصة تقوم على علاقة عاطفية بين طرفين (حسن والأميرة) لم تصمد هذه العلاقة ولم تستمر.

هناك دمار يدفع الكل أمامه، لكن الأمل بالنسبة للعاشقين متجدد مثلما يتجدد أملنا في أن نبلغ الأندلس المنشود.

لا أحد في الشريط يحقق أحلامه، لا حسن الباحث عن حقيقة الحب ولا زين رسول الحب، ولا الأميرة رمز الجمال، ولا غيرها ممن يرمز إلى القوة والشباب.

حتى الشيخ المعلم، صانع الحروف ومبدعها، لا يصل إلى هدفه وكذلك الأمر بالنسبة لصاحب خزانة الكتب القديمة، بل إن قارئ الكتب نفسه، والخائف من دعاوى السموم التي فيها، لا يطمئن لما يفعله.

من المسؤول عن كل ذلك؟

لا أحد يبدو مسؤولا، وربما الجميع!

من جانب آخر هل المدينة كانت مجرد سراب؟

لا توجد إجابة واضحة، بل هناك تضمين بلغة الشعر المكثف التي يبثها فنان يسبح عميقاً في بحور التراث والتاريخ.

إن الأندلس هنا أشبه بمنارة ترشد السفن التائهة إلى طريق السلامة ومرفأ الأمان، لكنها منارة تبتعد كلما اقتربنا منها، رغم ذلك فنحن نحاول أن نتقدم نحوها.

لقد حاولت أن أستفيد من بعض ما طرحه النقد السينمائي حول هذا الشريط، ولقد أفاض النقاد وأيضاً طويلاً في كتاباتهم حول الشريط السابق للمخرج وكان بعنوان (الهائمون- 1984) حيث تدور أحداثه حول حلم مفقود أقرب إلى أن يكون مدينة (قرطبة).. مدينة مفقودة، عالمها سحري ومتلاشية في وعي الحضارات التي ضاعت منها، نصرنا لأجل ذلك تائهون ومفقودون.



ليست هناك تعليقات: